نصوص أدبية

عبد المجيد المحمود: نداء لا يُقاوَم

قطعْت حبلَ الخوفِ في روحي

و لم يعد موتي الزؤامُ أمرًا مرعبَا

فالموتُ عند أقدامِ القهرِ حقيقةً

خيرٌ من الموتِ عندها كَذِبَا

اعتصمْتُ كهفَ الصمتِ حين وجدْتُني

بين الورى

شِبهَ ظلٍّ

يردِّدُ الخُطَبَا

يدايَ منَ التصفيقِ الصفيقِ قد غدَتْ ريشةً

ترسمُ الظلمَ مجدًا

و لسانيَ الأعوجُ

قد غدا حَطَبَا

فلأيِّ عطرٍ ينتمي نَفَسي

للزُّورِ للبهتانِ

لرئةِ السجّانِ

للحبرِ يقتلُ الكُتُبَا؟

ولأيّ رمزٍ من رموزِ السماءِ أعودُ

لِملاكِها الحرِّ

أم لشيطانها

حين يحسنُ الطّربَا؟

أنا لم أعدْ مثلَ الينابيعِ نقيًّا

و لم أحفظْ وصيةَ أمي

و لم أُدركْ معنى الطهارةِ

حين ترتدي الجَربَا

هكذا شوَّهوني

هكذا موَّهوني

هكذا جعلوني كالحرباء

تارةً عشبًا وتارةً خشبَا

هكذا استلُّوا من نياطِ القلبِ حلمـا بريئًا

و استعذبُوا حرقَ البنفسجِ

في شرفاتِ روحي

فهَوَى العبيرُ سجينًا ثمّ مُغتصبَا

هكذا أرادوني

مجرد دميةٍ

تبكي وتضحكُ

تلعبُ الدّور الذي رسموا

و تزيِّنُ الفُجْرَ الذي كُتِبَا

هكذا علموني أن أكونَ بلا معنىً

أن أعرفَ الخوفَ

مع الخبزِ..مع النومِ..مع الأحلامِ...

أن أدفنَ الغضبَا

أن أكونَ فردَ قطيعٍ

إذا غضبوا جلدوهُ

و إن جاعوا أكلوهُ

و إن تعبوا ركبوهُ

و إذا اشتهوا وطؤوهُ

تعدَّدتْ أربابُه حتى عدَّد الربَّا

جعلوني كافرًا

ثم ألقَوا عليَّ بردَ الإرهابِ والرَّهَبَا

لكنّني الآنَ نَفَذَتْ نسائمُ الكبرياءِ إلى رئتي

و استوطَنَتْ خيوطُ النور ِ

القلبَ والهُدُبَا

عرفْتُ لونَ طريقي

كيف يكون زفيري

كيف يكون شهيقي

عرفت جمالَ السماءِ حينَ غدوتُ طيرًا

أدركْتُ صوتَ الحياةِ المبهرَ العَذِبَا

فهرعْتُ أسكنُ في مخاطرِها

كالطّفلِ يفرحُ إذْ يمارسُ الَّلعِبَا

خُذني إلى دربِ الضياءِ ولا تخفْ

فالرُّوحُ يعجبُها أن تسكنَ السُّحُبَا

و الرُّوحُ تَثْملُ من دنانِ كرامةٍ

و الرُّوحُ يُسعِدُها أن تفديَ الأَرَبَا

***

د. عبد المجيد أحمد المحمود – سورية

في نصوص اليوم