نصوص أدبية

ذكرى لعيبي: وعود

الفصل السابع من رواية: غابات الإسمنت

ثمّ حلّت ليلة أخرى رافقتني فيها السيدة النقيب إلى شقتها، كنت أشغل بالي بأسئلة كثيرة:

أين أهلها؟ وكيف تقضي بقية لياليها؟ هل تقضي كلّ ليلة مع واحدة أخرى حتى إذا انقضى الليل صرَفتها؟

ليس بالضرورة أن يكن سجينات، هي صاحبة سلطة، وتؤدي دورًا مهمّا في الحياة، ولها نفوذ، فكيف تقضي لياليها؟

ليست الغيرة كما أظن، صحيح أنني قرفت تلك الليلة، لكنّ شعوري بالنفور خفّ مع العملية الثانية، كانت لطيفة معي، شفافةً تهيم في رومانسية مفرطة، ليست جميلة، غير أنها ليست قبيحة، فيها بعض الخشونة، ومع ذلك حين تتجرد من ملابسها تبدو برشاقة أنثى، سأعوّد خيالي على أن أراها رجلا، حتى يصبح الخيال حقيقة.

أمامي ثلاث سنوات أروّض نفسي خلالها على الحياة الجديدة، لقد خانني رجل... فهل تخونني امرأة؟

..............*

لم أعد أتقزز.. بدا لي الأمر أقل من طبيعي، وعندما بردت، مررت يدها..، ثم راحت تلعق أصابع رجلي، وما بين الأصابع، فاشعر بنشوة وخدر غريبين.

لا أظن أنها تمثل معي دور الرجل فقط، فقد تطلب منّي أن....... وأقبلها بعنف، أجدها تلعب دور الاثنين وفق تتابع زمني: الرجل أو المرأة، فأصبح أنا رجلا أو امرأة وفق هواها، ذلك يوفر لي الأمان، ففي الليلة الأولى عندما استفقنا على صوت المنبه قبل الفجر وجدت رأسي فوق ذراعها اليمين وراحة يدها اليسرى على صدري، نمت بعمق كما لو أنني لم أنم ليلة في عمري كهذه، تركتْ قدمي وسألتني:

ـ ها حبيبتي بماذا تفكرين؟

ـ خطر على بالي سؤال، هل ستنزعجين إذا سألت؟

ـ أبدًا، أنت تأمرين، ما دمت أحببتك لا تترددي!

ـ هل بيت أهلكِ هنا؟

ـ كلا، في مدينة أخرى تبعد عن هنا 400 كيلو مترا.

وتطلعتُ بعينيها فقلت بابتسامة:

ـ تقضين الليل وحدك؟

فمطت شفتيها وقرصت خدي:

ـ بدأنا نغار؟ اسمعي...

ـ لا تغضبي أرجوك.

قلت ذلك وأنا أظن أني عثرت على جنّة أَنستني بحيرة الدم، فأخشى أن أفقدها بسبب الفضول الذي يدفعني.

ـ لن أغضب... اسمعي جيدا، أنا أحببتك وأريد أن أساعدك، وها أنا أقول أحبك بجنون ولن اختار عليك أخرى، تستطيعين أن تحبيني وتكتفي بي، الرجال مجرمون والدليل وجودكن بالسجن، أو على المشانق، نحن نقدر أن نكون رجالا ونساء في الوقت نفسه، كل واحدة هي رجل وأنثى فما حاجتنا لهم؟

بقيتُ صامتة... فأخذتْ يدي وطبعت عليها قبلة:

ـ أووه صغيرتي الجميلة، أنتِ أجمل مني، لذلك إذا خنتني مع واحدة سأقتلك.

ـ محال.

ـ تقسمين؟

ـ أقسم.

ـ إذن دعيني أخطط مستقبلك، سأريه صورتك... ستكونين محظيته... طبعا ذلك مقابل شيء، لن تمنحيه نفسك مجانا، بالمقابل سأتحدث مع سيادة الوزير، لتدخلي دورة أمنية في الأيام القادمة، حتى إذا خرجتِ فتحتِ صالون حلاقة، فتأتي إليك النساء، يجب أن نعرف كل شيء، زوجات موظفين كبار... مديرين عامين... مسؤولين... ستكونين أكبر من مخبرة... سيدة أمن، وستملكين صالونا وتبقى علاقتي بك، لا يهمني مع من تكونين من الرجال، أريدك أن تستغليهم أو تستغلي المسؤول الذي ستصبحين محظيته بشطارتك؛ لكنك ستكونين لي وحدي.

الحرية... المال... الغنى... أملك نفسي، وبيدي كلّ ما أرغب من جاه ونفوذ؛ الناس لا يعرفون من أنا... هناك سند قوي... جدار يحمي ظهري... النقيب تكره الرجال... لعلها لا تملك سببا وجيها لكرهها إيّاهم ، أما أنا فهناك ألف سبب وسبب، بل بُحيرة دم بيني وبين عالم الرجال الذين طعنني أحدهم وهو أقرب الناس إليّ - زوجي- طعنة غادرة في ظهري تعادل آلاف الطعنات، فكيف لا أقبل بعشيقة تترك نجماتها وتركع تحت قدمي تلعق أصابع رجلي، تحبّني وتقسم أنّها لن تخونني؟

كدتُ أحب زوجي حبًا لا يختلف عن الجنون، أظن النقيب صادقة، تريدني لها وحدها، تحاول أن تدفعني لأبني مستقبلي من جديد... لو خرجت من السجن فماذا عليّ أن افعل؟ أهلي تبرؤوا مني... سأعيش منبوذة، ولو رحلت إلى مدينة أخرى ماذا أفعل وقتها؟ من يساعدني؟ هل أتاجر بجسدي؟ المجتمع نسيني... الماضي يطاردني... كيف أعيش؟

وصوتها الدافئ ينتشلني من سرحاني:

ـ هل أنتِ معي؟

ـ نعم... اختاري لي أنت، شرط ألا تتركيني.

ـ (يا ستي) غدًا عندما تتعرفين على السادة الكبار لعلك تضجرين مني.

وعن لا وعي هتفت:

ـ حبيبتي.

واحتضنتْ كل منّا الأخرى بين ذراعيها، ورحنا نغيب ثانية بلهاث محموم ثم نغفو متلاصقتين ولم يوقظنا إلا منبّه الساعة قبل الفجر.

فجأة شعرتُ أن بداخلي إنعامًا أخرى؛ امرأة لا يعرفها سوى الجمر الذي اكتوت به، والخيانة التي أوصلتها إلى القتل والسجن، امرأة استيقظت حين خذلها الجميع، إنعاما جديدة أقوى من قضبان السجن ومن كفّة ميزان غير منصفة.

واكتشفت أني أحبّ؛ لكن بطريقة أخرى، وإن جاء هذا الحبّ معاقاً؛ لكنه بلا شكّ سيهديني إلى حياة أخرى.

***

ذكرى لعيبي

................

* حذفتُ الجُمل لجرأتها، لكنها مطبوعة في النسخة الورقية.

 

 

في نصوص اليوم