نصوص أدبية

لمى ابو النجا: الطريق الى الموبقات

الجزء الرابع من: مناوشات عاطفية

أخذتني صديقتي للتعرف على أعضاء الشلّة الإثني عشر كخطوة أولى في مرحلة التحوّل والتي صارت توّحش فيما بعد كانت تترأس زعامتهن حينئذٍ جميعهنّ يكبرنني بسنوات فقد كنت في سنتي التحضرية وهن في سنوات الإختصاص والكثيرات منهن رسبن في عدة مواد في ترم التخرج وإضطررن لإعادات لانهائية لتلك المواد، صعدنا إلى الطابق الثاني وقدّمتني لمجموعة من البنات يجلسن على سجادة "فرشة" على الأرض ما أن رأيتهن حتى شعرت بإنقباض غريب في قلبي وتوجست شرّاً محتملاً شعرت بالألم لأني إعتدت خلال مسيرتي التعليمية أن الزعامة لي ولم أكن في يوم من الأيام تابعة لكنّ فكرة أن يكون لدي شلّة ومكان أخيراً ألجأ إليه دفعتني لتجرّع السم وإبتلاع العلقم، كان كرهاً متبادلاً لم يرحبن بي ولا بإنضمامي إليهن ولم تعيرني أياً منهن إنتباه سوى إثنتين فقط إحداهن ملتزمة "مطوّعة" تمسك مسبحة ١٠٠ حبة بيدها تشارك بعبارة أو أكثر بين كل تمتمة وتسبيح والأخرى إستقبلتني بحفاوة وأقبلت تمسك شعري وتعصر ذراعي بقوة ثم تبين لاحقاً أن لا إهتمام لديها بالجنس الخشن أما البقية لم يتكلفن عناء النظر إلي كانت إحداهن تأكل وإثنتين يذاكرن مادة وأربع متزوجات يتحدثن بمواضيع غريبة ومن تدير الحوار على مايبدو تزوجت حديثاً من شاب كانت تعرفه بعد علاقة حب طويلة متفاخرة بالإيقاع به وحثه على الزواج حيث أن تصرّف كهذا يعد صفة متنحية في الجينات المندرجة تحت مجموعة "ما أتزوج بنت تعرفت عليها " كانت تتكلم بتفاصيل شديدة الدقة عن زوجها وحفل زفافها وفستانها تصف التاج المرصع بالألماس المشابهه لتاج الأميرة ديانا وتعدهن بإثبات ذلك بالصور فور إنتهاء تحميضها من عند المصورة النصابة والتي على مايبدو أنها إحترقت ولم تستلمها حتى تخرجنا جميعاً الغريب أن لا أحد يصدقها ولا أحد يوقفها كذلك خاصة وأن مظهرها لم يكن يوحي بأي بروتوكولات ملكيّة لإقامة حفل زفاف أسطوري ينافس زفاف الأميرة ديانا ،و تلك التي كانت تتقمص شخصية "سعاد حسني" تتجوّل بشكل دائري تتحدث بالجوّال مع عموري "النحنوح الصغير ذو الستة عشر ربيعاً" هرّب جواله للمدرسة ليكلمها فترة الفسحة تخطط معه لهدم مستقبله

في الركن بجانب النافذة فتاة سمراء البشرة ضخمة الجثة تربط شعرها برباط مطّاطي دون أن تكلف على نفسها تمشيط مقدمته كانت تجلس متربعة منحنية الظهر تذاكر من كتاب على الأرض نظرت إلي من فوق النظارات الطبية نظرة حادّة مريبة ثمّ نطقت وليتها لم تنطق قالت موجهه الكلام لصديقتي: "البنت بريئة وغشيمة وتعرفي إننا لا نرّحب بهذا النوع"! ثمّ وجهّت نظرها إلي وقالت :" لكنك حلوة..ويجي منك" وانكفت من جديد بقراءة الكتاب لم أفهم مرادها ولا ماذا قصدت بكلامها أو بالأحرى أني فهمت لكن وددت أن أكون مخطئة، على كل حال تلك الإنسانة لم تكن بحاجة لنسبة ذكاء عاليه ولا لمهارات تحليلية فذّة لمعرفة وظيفتها وهدفها بالحياة..

في إحدى الأيام قابلتني بصدفة مفتعلة سألتني عن وجهتي أخبرتها أن محاضرة كيمياء ١٠١ على وشك البدء قالت: "أنا جايه معاك المحاضرة عندي موضوع ضروري أكلمك فيه بعد إنتهاءها" إستغربت! ما هو الموضوع الضروري الذي من الممكن أن يجمعنا ! فأنا بالكاد قابلتها مرة واحدة ودعوت مراراً أن لا أراها مرة أخرى..لم أركز في المحاضرة جيداً من التفكير شعرت بتوتر فظيع أينما أشحت بنظري أرى عجاجاً إن نظرت أمامي رأيت أستاذة متجهمة لاتعرف الإبتسامة لوجهها طريق تحدّق بي وإن إلتفت على يميني أراها تلوك علكة متظاهرة بالتركيز تشير لي بإصبعها أن أنتبه للشرح..

إنتهت المحاضرة أخيراً وخرجنا من القاعة سحبتني من يدي على الكافتيريا سألتني: تحبي أشتري لك فطور؟ قلت: لا شكراً قالت: "إذا آيسكريم من باسكن روبنز ..

وقبل أن أجيب بنعم أو لا قالت: "بلاش منه خلّي جسمك حلو التخن غير مطلوب"..

أخذت لي كوب نسكافيه دون حتى أن تسألني إن كنت أرغب بشربه أو لا عموماً كانت فتاة مريبة ولسبب غامض لم أكن أريد أن أتجادل معها او حتى أغضبها ..أن أتجنب شرّها وكفى..

سألتها ماهو الموضوع الضروري ؟ قالت اصبري نجلس بمكان هاديء، جلسنا بركن قريب من مدخل الكلية ثم بدأت تتكلم

قالت: "إسمعي..فيه دكتور فيزياء في قسم الشباب هو بروفيسور عجوز صحيح لكنه "يكح"فلوس "يط**" فلوس غني جداً طلب مني أشوف له بنت بمواصفاتك ..لاتخافي غير مطلوب منك الكثير هو صحيح بروفيسور لكن واضح إنه غشيم ويغرق بسرعه هي خرجتين وقضي الباقي تلفون ناخذ منه اللي نبغاه وبعدين غيري رقمك، أنا عندي شريحة وجوال إضافيين أهديك إياهم وخليهم في اللوكر "locker” تبعك كلميه بين المحاضرات..

كلامها كان عبارة عن طلاسم ، كنت ممسكة بكوب النسكافيه الساخن حتى أحرق يدي من الصدمة والذهول تسارعت نبضات قلبي وجفت شفتي ، قلت لها :" مافهمت..هذا البروفيسور إيش يريد مني؟ يعني كيف خرجتين وتلفون!! قصدك أخرج معاه؟! مصيبة!! مستحيل ! نهضتمسرعة كم صعقت بسلك كهربائي مكشوف

رفعت عينيها ونظرت للسقف ثم تنهدت وهي تمتم مع نفسها :" آه اففف هبله ..هبله غبية كنت متوقعه هذا"

نظرت لي بحدّة قالت "بنت..لاترفضي بغباء!! فكّري ورديلي معاك أسبوع"

يتبع

***

لمى ابو النجا

في نصوص اليوم