نصوص أدبية

مُحَمَّد جَواد سُنْبَه: أَنَا وحِمَارِي ورُسُوْمُ الضَّريّْبَةْ (1)

عِنّْدَمَا كانَتْ لِسُلّْطَةِ الظُلّْمِ سَطّْوَةٌ عَظيْمَة.

كانَتْ تُراقِبُني مُراقَبَةً شَدِيْدَةً لَئيْمَة.

لأَنَّي لَمْ أَنسَجِمْ مَعَ أَفْكَارِ النِّظَامِ السَّقيْمَة.

فقَررتُ أَنْ أَهرُبَ مِنْ مَديْنَتي الجَميْلَة.

حَتَّى أَتَّقيَ شَرَّ رِجَالِ الأَمّْنِ مِنْ كُلِّ تُهْمَةٍ عَليْلَة.

فَهَرَبْتُ مِنْها بلَيّْلَةٍ مُظّْلِمَةٍ كَئيْبَةٍ هَضِيْمَة.

مُتَسَلِّلاً تَحْتَ جُنْحِ الظَّلامِ، وكأَنَّني مُجّْتَرحٌ لجَريْمَة.

وَ مَرَّتْ سِنيْنُ العُمّْرِ؛ تَطّْوي جِراحَاتِ الحُزّْنِ الأَليْمَة.

وَ بَعّْدَمَا انْقَشَعَ الظَّلامُ؛ وانهَزَمَ نِظَامُ الجَوّْرِ شَرَّ هَزيْمَة.

قَرَّرتُ أَنْ أَبيْعَ دَاري، وأَشْتَري دَاراً في مَديْنَتي القَديْمَة.

وَ لمَّا بِعّْتُ دَاري؛ أَرسَلوْني إِلى دَائِرَةِ الضَّريْبَة.

لأُحْضِرَ لَهُمّْ بَراءَةً لِذِمَّتي؛ مِنْ كُلِّ دَيّْنٍ لدَوّْلَتِنَا المَجيْدَة.

قُلّْتُ لحِمَاري:

يَا أَبا (الحَيْرانِ)؛ هَيءْ نَفّْسَكَ غداً سَنُراجِعُ دَائِرَةَ الضَّريْبَة.

قَالَ لي حِماَري (أَبو الحَيْرانِ):

يا ابنَ سُنْبَه؛ أَبْشِرْ... سَتَكونُ سَفرَتُنَا بَعَوّْنِ اللهِ سَعيْدَة.

قُلْتُ يَا (أَبا الحَيْرانِ)؛ مَنْ يَصحَبُكَ؛ فَالخَيْرُ رَبيْبَه.

وَصَلّْنَا إِلى دَائِرَةِ الضَّريْبَةِ، بَعدَ سَفّْرَةٍ عَصِيْبَة.

دَخَلّْتُ عَلى مُوَظَفِ الضَّريْبَةِ؛ وقَدَّمْتُ لَهُ أَوّْراقَ مُعَامَلَتي الحَبيْبَة.

قَلَّبَ الأَوّْراقَ، ضَرَبَ على مَفاتِيْحِ الحَاسُوبِ ضَرَباتٍ عَجيْبَة .

نَظَرَ مُحَدِّقاً بشَاشَةِ الحَاسُوبِ وقَالّْ:

مَعلومَاتٍ عَنّْكَ كَثيرَةٍ غَزيْرَة!.

قُلّْتُ يَاسَيّدي؛ أَنا مُتَقَاعِدٌ بَعدَ خِدّْمَةٍ جَليْلَة.

وَ لا مُلْكَ لي؛ إِلاّ تِلّْكَ الدَّارِ الوَحيْدَة.

قَالَ مُؤَنِّباً بِنَبْرَةٍ قَويَّةٍ شَديْدَة!.

وَ تِجَارَتُكّْ... تَظُنُها بَعيْدَةٌ عَنّْ عيُونِنَا الرَّقِيّْبَة؟.

استَوّْرَدْتَ أَنواعَ السَّياراتِ؛ وقَائِمَةً مِنْ البَضَائِعِ النَّفيْسَة؟.

اذّْهَبّْ.... واحْضِرْ لَنا بَراءَةَ ذِمَّتِكَ السَّليْمَة.

مِنْ وزارَةِ الصِناعَةِ والزِراعَةِ ودائِرَةِ  الخَزيْنَة.

قَالَ ليْ حِمَارِي (أَبو الحَيْرانِ) بِهَمّْسٍ وخِيْفَة:

دُسَّ لَهُ بَيّْنَ أَوراقِ المُعامَلَةِ؛ وَرَقَةَ دُوْلارٍ ذَاتِ المِئَةِ؛ إِنَّها مَحْبُوبَةٌ حَبيْبَة.

قُلتُ:

أَخْشَى أَنْ يَقُولَ لي هَذهِ رَشّْوةً مُريْبَة؟.

قَالَ لي حِمَارِي (أَبو الحَيْرانِ):

كَلّا... إِنَّهُ سَيَفْرَحُ وتَغْمُرُهُ نَشْوَةٌ طَريْفَة!.

وَضَعّْتُ المَقّْسُوْمَ بَيْنَ الأَوْراقِ السَّقِيْمَة.

وَ قَدَّمْتُها بَيْنَ أَيَادِي الموظَّفِ اللطيْفَة.

وَ لَمَّا رَأْى المُوَظَفُ مَا في دَاخِلِ المُعَامَلَةَ الرتيْبَة.

زَمّْجَرَ بوَجّْهي وقَالَ لي بِلَهْجَةٍ مُرْعِبَةٍ مُخيْفَة:

إِمّْسِكّْ أَوراقَكَ بالخَمّْسَةِ؛ ولتَكُنْ أَفكارُكَ حَصيْفَة.

وَ على الفَوّْرِ بادَرَني حِمَاري (أَبو الحَيْرانِ) قَائِلاً:

إِنَّهُ يُريْدُ مِنّْكَ خَمّْسَةَ أَوْراقٍ مِنَ الدُّولاراتِ الرَّهيْبَة.

قُلْتُ:

للهِ دَرُّكَ يَا (أَبَا الحَيْرانِ)؛ لِفِطْنَتِكَ الشَّديْدَة.

و لمّا اكمَلّْنَا تِلْكَ المُهِمَّةَ العَصيْبَة.

ابتَسَمَ الموَظَفُ؛ ونَظَرَ إِليَّ نَظّْرَةً خَفيْفَة.

وَ خَتَمَ الأَوْراقَ بِلَطافَةٍ وأَناقَةٍ رَشيْقَةٍ رَفيْفَة.

وَ قالَ باحْترامٍ وبِلهْجَةٍ مُتَمَلِقَةٍ ظَريْفَة.

إِذْهَبّْ أَيُّها الحَاجُّ رَاشِداً؛ إِلى مُوظَفَةِ التَدّْقِيقِ القَريْبَة.

ذَهَبّْتُ إِليّْها باسْتِحْيَاءٍ تَمّْلَؤهُ رِيْبَةً لَهيْبَة ؛

كانَتْ امْرأَةً شَمّْطاءَ سَميْنَةً؛ ذَاتِ سِحنَةٍ لَئيْمَةٍ خَبيْثَة.

قَدَّمْتُ إِليّها بِخَوّْفٍ؛ أَوْرَاقَ مُعَامَلَتي التَّعيْسَة.

قَلَّبَتْ الأَوْراقَ وكأَنَّها إِنْسَانَةٌ كَفيْفَة.

مُبْدِيَةً عَدَمِ اهتِمَامِها بمُعَامَلَتي الفَقيْرَة الذَّلِيْلَة.

و ضَرَبَتْ على مَفَاتيْحِ الحَاسُوبٍ العَتيْقَةِ اللعيْنَة.

شَزَرَتْني بنَظّْرَةٍ؛ أَشْعَرَتْنِي بِخَوّْفٍ وجَعَلَتْني بِحَيْرَة.

ثُمَّ قَالَتْ:

سِنِيْنٌ طَويْلَةٌ وأَنْتَ تَعْمَلُ خَارِجَ ضَوابِطِ الضَّريْبَة.

قُلّْتُ:

يَا سَيّدَتِي... أَنَا مُوَظَّفٌ وإِلى التَقَاعُدِ أَحَالَتْني الحُكُومَةُ الحَكيْمَة!.

قَالَتْ:

إِنَّكَ مُسْتَثّْمِرٌ؛ تَكَرَرَ اسْمُكَ في الحَاسُوبِ مَرَّاتٍ عَديْدَة.

وَ مُعَامَلَتُكَ لا تُروَّجُ إِلاّ بقوَّةِ أَصْحَابِ الكَهْفِ العَتيْدَة.

إِلتَفَتُ إِلى حِمَارِي وأَنَا حَيْرانُ؛ وقُلْتُ لَهُ وكأَنَني في نَائِبَةٍ كَئيْدَة:

يَا (أَبَا الحَيْرانِ)؛ وَضِحّْ لي مَعَانِيَ القَصِيْدَة.

قَالَ لي حِمَارِي مُبْتَسِمَاً:

إِنَّها تُريدُ مِنْكَ سَبْعَةَ أَوْراقٍ مِن الدُّوْلاراتِ المُفيْدَةْ.

و أَردَفَ حِمَارِي قَائِلاً:

إِدْفَعّْ تَربَحْ... إِنَّهُ شِعَارُ المَرحَلَةِ الجَديْدَة.

إِدّْفَعّْ... تَربَحّْ... سَتَنَالُ مَا تُريْدَه!.

حَوّْلَقّْتُ بِقَوّْلي، ثُمَّ وَضَعّْتُ بَيْنَ الأَوْراقِ سَبْعَةً خُضّْرٍ كَريْمَة.

قُلّْتُ لَها: تَفَضَّلي يَا سَيّدَتِي؛ إِليّكِ مُعَامَلَتي العَقيْمَة.

قَلَّبَتّْ الأَوْرَاقَ عَلى عَجَلٍ؛ فَرَأَتْ المَقْسُوْمَ بِنَظّْرَةٍ حَديْدَة.

قَالَتّْ مُبْتَسِمَةً بابتِسَامَةٍ مُفْرِحَةٍ بَهيْجَة:

لا تَثّْريْبَ عَليّْكَ؛

لقَدّْ تَشابَهَتْ الأَسْمَاءُ عَلى الحَاسُوبِ؛ فَذَاكِرَتُهُ عَتيْقَةً بَلِيْدَة.

خَتَمَتّْ على الأَوراقِ، ثُمَّ خَتَمَتْ خَتّْمَةً أَخِيْرَة.

وَ قَالَتْ:

إِذْهَبّْ راضِيَاً مَرضِيّْاً؛ لِدائِرَةِ العِقَارِ فَهيَ لَنا رَبيّْبَةً مُجيْبَة.

قُلْتُ:

سَلَّمَ اللهُ الضَّريْبَةَ؛ مِن كُلِّ سُوءٍ ونَائِبَةٍ سَلِيّْبَة.

خَرَجّْتُ مِنْ دَائِرَةِ الضَّريبَةِ، وحِمَاري يَهْتِفُ بِنَبْرَةٍ وَئيْدَةٍ بَريْئَة:

إِدفَعّْ... تَربَحّْ ؛ عَاشَتْ دَوّْلَتُنَا العَجِيّْبَةُ النَّجِيْبَة.

إِدفَعّْ... تَربَحّْ ؛ عَاشَتْ دَوّْلَتُنَا العَجِيّْبَةُ النَّجِيْبَة.

***

مُحَمَّد جَواد سُنْبَه

في نصوص اليوم