نصوص أدبية

محمد الدرقاوي: ذريعة

كان مسؤول الامضاءات يوقع بعض عقود الازدياد حين طرقت عليه الباب طالبة تميل الى النحافة لكن بأنوثة لا تخفى، يلف وجهها شحوب تَحدَّته ملاحة وجه واتساع عينين ناعستين..

نصف بسمة باهتة تسبق طلبها:

ـ من خمسة أيام، طلبت عقود ازدياد، مرتان وأحد الكتاب يردني، مرة ادعى أن الآلة الالكترونية عاطلة، ومرة إنك لم تكن موجودا لتوقيعها، هل استطيع تسلمها الآن؟

فتح المسؤول ملفا أمامه بعد أن طلب اسمها، تصفح أوراقه ثم قطب وجهه وحرك حاجبيه دليل الا وثيقة باسم الطالبة في الملف ..

القلق البادي على محياها جعل المسؤول يدعوها للجلوس ثم يبادر بالخروج الى المكتب رقم 3 الذي يتسلم طلبات العقود ..

عاد المسؤول وهو يتحسر على أنه لم يجد ما طلبت ملتمسا منها رقم وتاريخ الحالة المدنية ليجدد لها الطلب بنفسه ..

تهدل وجهها بحمرة مشوبة بشحوب طفيف فوقفت وغصة حنق تضرب صدرها:

ـ كنت أعرف أنه لن ينجزها لاني شتمته حين حاول أن يحدثني في غير ما جئت من أجله، ورغم اعتذاره وادعائه أني فهمته خطأ فقد كانت عيونه تتوسل شيئا آخر ..أنا متيقنة أنه تعمد إهمال طلبي لسبب هو وحده من يعرفه ..

تبسم المسؤول في وجهها وقال بهدوء لايخلو من حزم :

ـ أظنك واهمة آنسة كوثر !! ..مع احترامي وتقديري لك فسعيد رجل مثقف واع، بشواهد عليا، خلوق، وهو معنا هنا في فترة تدريبية ..

اتسعت ضحكته ثم تابع وكانه يريد أن يكسر غضبها ..

ـ نحن نلقب سعيد بعين القط لان كل من يحدق فيه يتوهم غير ما يقصده .. قالها بلباقة وبسمتة تمتد فتملأ وجهه محاولا تخفيف أثر الغضب عليها..

أخرج سعيد سجل العقود الرئيسي، أنجزنسختين وأتى بهما للرئيس لتوقيعهما دون أن ينسى تحية كوثر بتقدير وبسمة مهذبة تعبرعن احترامه لها.. قدم الرئيس النسختين لصاحبتهما مجددا اعتذاره عما بدر من سعيد مؤكدا أنه لم يقصد التماطل في طلبها ..

وهي تنزل من سلم الإدارة داهمها تفكير أشبه بتأنيب غير مزاجها:

ـ الكاتب سعيد لم يكن عنيفا معها، ولا عاملها بقلة احترام سوى أنه قال لها:

"يبدوأني أعرفك، ألست ابنة السيد عبد الصبورالتاجرالمشهور؟

ثم صار يطري جمالها وعيناه تفترسان قدها بإعجاب ..

تجاهلت كلامه كما هي عادتها في تجاهل أي حديث زائد مع أي رجل، فما يتحرك في دواخلها من نفور من طفولتها نحو الرجل مذ ضبطت زوج خالتها يحاول ممارسة شذوذه الجنسي عليها اثناء نومها لم يهدا له في صدرها إعصار من خوف واحتراس، فصارت نظراتها الى الرجال نظرات ازدراء ونفور، ما انفك يتلون في دواخلها متحولا مع بلوغها الى وسواس احتياجي هي نفسها تجهل له تعليلا، ومذ ماتت أمها قمطها ميل طاغ الى احتياج الحنان والاحتواء الذي فقدته ورغبة في رقة تطويها لفيفا بلاحد ولانهاية من أنثى مثلها، وكلام الكاتب سعيد شكلت مع عيونه اليها ما توهمته تحرشا وعنفا كأنه سهام تدميها، قد تتقبله من أنثى مثلها لكن من رجل فهو اتجاه ممنوع..

بعد يومين وجدت كوثرأن سعيدا يقتفي أثرها، لم تعره اهتماما مادام لم يكلمها أو يضايقها بقلة احترام .. أسبوع وهو يلازمها باقتفاء اثر من باب بيتها الى باب الثانوية ..

"هل يدرس خطواتي أم يريد أن يتجسس على كل من يصاحبني؟ .."

" مغرور إن هو توهمني طيعة كأي فتاة تخضع لقوة رجل وسطوته؟"

عمق سعيد معرفته بفتاته، فالى جانب كونها من أسرة ميسورة وتتابع دراستها في السنة الثالثة ثانوي، فقد فقدت أمها من ثلاث سنوات ثم تزوج أبوها براضية، أنثى مطلقة لم يدم زواجها بطليقها أكثر من ستة اشهر، ويحكي بعض المبلغين أن راضية زوجة الأب ما طلبت الطلاق الا لأنها كانت مجبرة على الزواج بغير رضاها كصفقة عقدها أبوها مع رجل من السلطة فاق الخمسين من عمره، لكنها اكتشفت في الزوج سلوكات لا ترضى عنها كمسلمة ملتزمة، في حين قال آخرون غيرهذا ..وما أكثر ما يحكي الناس إن صدقا وإن كذبا !! ..

حاول سعيد أن ينبش على مزيد من أخبار راضية فلم يفلح.. أهل الحي لا يعرفون عنها أكثر من أنها امرأة قلما تخرج من بيتها واذا خرجت فهي مكفنة في خرق حجابها الأسود وتضع نظارات سوداء تخفي بها حركة عينيها..

كان سعيد لا يرتاح لهذا النوع من النساء ويحذره، فكثيرا ما وقف بحكم فترة التدريب التي قضاها في الدائرة وفي مراكز أخرى أن مظهرهن لا يدل على حقيقتهن، وأن الواحدة منهن قد تخلع سواد اللباس المظهري كلما ظهرت لها مصلحة فتضيع منها سيادتها على نفسها وعلى جسدها، وما وضع النظارات السوداء الا إخفاء لمشاعرقد تفضحها العيون قبل العقول ..

طيلة سنة ونصف وسعيد لم يتوقف عن متابعة كوثر، تخف أحيانا، وتتزايد أخرى، فقد كان يمر شهر بعد آخر ولايظهر له أثر، وما أن تتيقن أنها ارتاحت من متابعته حتى ينبعث خلفها كأنه خرج من قمقم أو كطائرالفينيق الذي ينبعث من رماده دون كلمة منه أو سلوك قد يحركها بردة فعل ..

حين نجحت في البكالوريا وصلتها هدية عن طريق البريد عبارة عن خميسة في كفها قلب ذهبي في سلسلة موقعة باسم سعيد .. أدركت أنه هو من أرسلها فلم تعره انتباها ..

اقبل أبو كوثرذات مساء وهو يحمل لبنته بشرى أن أحد أصدقائه كلمه عنها كزوجة لابنه المحامي .. اندهشت كوثر ومن عيون زوجة أبيها اطلت نظرات غضب صامتة كأنها صفعات استغرقتها بضحكة صفراء:

ـ ومن هذا العاشق المتيم الذي لازال يخطب بنتا عن طريق أبيه دون أن تعطيه البنت الضوء الأخضر؟

هرقت عيونها في عيون كوثر وقالت بغير قليل من سخرية حارقة:

هل تعرفينه كوثر؟ لماذا أخفيته عنا؟

أحست كوثر كأنها في ورطة نزلت عليها كالقدر وكأنها أتت منكرا جعل زوجة أبيها تسيء الظن بها، فما يربطهما من علاقة متينة أكبر من أن تخفي كوثر حدثا كهذا عنها ..

ـ لا اعرفه والله، بل لا أعرف أي شاب آخر فانا أركز على دراستي .. أبدا لن أوافق على أي زواج قبل أن أنال شهادتي العليا ..

ذريعة تسترت بها كوثر تخفي خوفها وحقيقة ما يعتمل في أعماقها من ذهانية وهي تواجه رغبة أبيها، ثم غضب زوجته وغيرتها الطاغية والتي تبدت من منخرين وقد نبضا ككير الحداد وصفرة غطت وجهها كأن ملك الموت على وشك أن يقبض روحها ..

لم تكن ردة الأب غير الصمت المطبق فهو أمام قرار زوجته وبنته لا يملك غير الاستسلام وهو طبعه حتى في علاقته الحميمية مع زوجته التي صارت تضايقه بسلوكات لا تناسب سنه ووقاره الى درجة الملل من خيالاتها وأحلامها الجنسية والتي لن يستطيع تلبيتها لبلوغه عمرا تجاوز قدراته وهو ما فتح الطريق مشرعة أمام زوجته، تهجر سريره، وترتاح الى غرفة ابنته، فتنام معها على سرير واحد ؛ وأمام هذا التفاهم مع ابنته، تقاربهما وتواددهما، اصطبرالأب مركزا على تجارته واعماله خصوصا بعد أن داهمه مرض السكري وعملية جراحية أجراها على البروستات..

حين دخلت راضية زوجة الاب الى البيت كانت كوثر في السنة الأولى ثانوي، فتاة متوسطة الطول، خجولة بابتسامة مثيرة تحرك لسان زوجة أبيها برغبة تحسسها جفافا ولهفة لالتهام شفاه كوثرالندية كما كانت عيناها تلمع بإعجاب وإثارة لم تغب عن انتباه كوثر، اعجاب برشاقتها وسمنتها المعتدلة قبل أن تهزل قليلا والتي اصبغت عليها اثارة من بهاء..

استطاعت زوجة الأب بخبرة وقوة شخصية أن تتغلغل في حياة كوثر فتعوضها إحساسها باليتم، كثلمة اتسعت بتحرش زوج خالتها، وتئد من أعماقها كل نظرة مسبقة وسلبية قد تكون حملتها عنها كزوجة أب وأن تجعلها في عيون أبيها أميرة يلزم ترضيتها بما تريد ..

ـ هي بنتك الوحيدة، ليس مهما أن تتقرب منها فهذه مهمتي كعوض عن أمها، أحبها وأتمنى أن أحقق سعادة وجودها لكن عليك حمايتها بما تريد من لباس يحسسها بحضورك كأب في حياتها كما لوكانت أمها على قيد الحياة وبسخاء مادي يرفع رأسها بعز ويبعدها عن التطلع لأي رجل غيرك قبل أن تنهي دراستها ..

كلام راضية كان حقا تسعى من ورائه الى باطل وحدها تعرف سره: عشقها لكوثر والظهور أمامها بمظهر الأم المدافعة عن بنتها دون أن تنسى نفسها من نصيب مادي غادق من قبل الأب وثقة عمياء من قبل البنت ..

وجدت راضية متعتها ولذتها وهي تتعمد الفرار من الزوج، مفضلة أحضان بنته، وقد أدركت بخبرتها حالة من الدونية تجتاح كوثر، وحاجتها الى شخص آخر من نفس جنسها أقوى وأقدر على حمياتها وهو الفراغ الذي خلفه موت أمها في نفسها التي كانت تعتمد عليها في كل شيء، ولم تستطع خالتها تعويضه بعد حادثة زوجها كما انتبهت راضية الى رغبات كوثر الجنسية والتي تخفيها ولا تظهر الا من خلال ما تمارسه على وسادتها كلما وجدت نفسها وحيدة..

صارت راضية تغرق كوثر بالقبل واللمسات مستغلة طفرة الشبق لديها، وفي نفس الوقت وحتى تنمي ميولاتها المثلية فيها تذم الرجال وتعاليهم بفطرتهم الإلهية كما يدعون، يستغلون جسد الأنثى بفوقية تسلطية وجشع وتحقير..

"إن قوة المرأة لم تعد في رجل يحميها وانما في سعادة تحققها لنفسها برغبتها واختيارها وميولها وبالطريقة التي تصير فيها هي المتحكمة في من يطفئ عطشها ويلبي رغباتها .."

صارت كوثر تثق بزوجة أبيها ثقة عمياء ترتاح للمساتها وتتناغم باحتضانها واليها تحن باهتياج ولقبلاتها برغبة واشتياق وإن لم تتوضح لكوثر من حركات راضية خلفيات أخرى كانت هذه تبنيها بمهارة وإتقان يتجلى اثرها في عيون كوثر الناعستين وفي عناقات ضاغطة الى أن أحست كوثر مرة بهزة انتبهت لها راضية فقالت:

"هل أعجبك؟ لك المتعة "..

ثم صارا يتبدلان القبل بنهم..

حركت كوثر رأسها بخجل، استغلت راضية التخدير الذي أصاب كوثر فصارت تهمس لها بكلمات العشق تارة وتارة تلعق وجهها بلسانها وبه تثيرمناطق حساسة من جسمها ..

ذابت مع الأيام شخصية كوثر في زوجة أبيها وصارت تطيعها لا تطيق عنها بعدا، حتى وهي في معهدها كانت تشرد فتطبق عليها التخيلات لاترتاح الا حين تعود الى البيت فتعانق راضية وتتوسد صدرها وقد تماس جسداهما باحتكاك ..

حاول سعيد أن يعرف السبب الذي جعل كوثر ترفضه فهو شاب أنيق، صادق، يقدر المسؤولية وينتظره مستقبل في مهنته كمحامي، كم من فتاة تمنت أن يكون من نصيبها، لكنه تعلق بكوثر مذ كان متمرنا في الدائرة وقد تعمد أن يماطلها في تسليم عقد الازدياد كمقدمة لمحاولة ربط علاقة شريفة كاي رجل وامرأة يحاولان بداية حياتهما بتعارف شكلي .. وهو ما أدركه رئيس مكتب الدائرة وشجعه عليه حين رأى كوثر..

خرجت كوثر ذات مساء من المعهد فوجدت سعيدا في الانتظار، لم يكتف باقتفاء أثرها كعادته بل تقدم منها بكل أدب وثقة، ملتمسا منها لحظة من وقتها للحديث معها .. اهتزت كوثر من سلوك سعيد الراقي منتشية بعطره الرجولي وقد حسسها بخدر غيب عنها فعلة زوج خالتها عن بالها وماخلفته من أثر في نفسها فوافقت بعد تردد هو خوفها من زوجة أبيها، غيرة راضية الحارقة والتي تجاوز هيامها بكوثر كل حدود العقل والعلاقات الإنسانية السليمة ..

لم يقل لها سعيد لماذا رفضتني كزوج؟ لكنه بادرها بما يزيل كل شك في نفسها نحوه:

ـ أولا أعتذر عن زلتي، اول يوم رأيتك فيه شدني كشاب من أصول عريقة أصلك ونسبك، ثم قدك وجمالك وسحر تبدى لي من عينيك الناعستين، ثانيا أنا لست قلقا أو متسرعا في أمر قيل فيه " زواج ليلة تدبيره عام" لهذا لن افرض عليك التوقف عن الدراسة، فثقافتي وثقتي بنفسي يوثقان رغبتي في أن تكون شريكة عمري ذات مكانة علمية لانها فخر لي، فالثقافة خبرة حياة تضيف لجو الأسرة تفاهما وتعايشا ويسرا، والمرأة المثقفة قوة على تشكيل نفسية أبنائها بما يؤهلهم لطلب العلم والمعرفة ..

الحق ما صرح به سعيد وقد أولت كوثر أقواله كموازنة صادقة بين حياتهما لو ارتبطا، لكن هناك الخندق الفاصل بينهما: ميولاتها، رغباتها الخاصة التي ولدتها زوجة أبيها في نفسها، او هي الحقيقة التي فجرتها راضية بكشف، فكوثر أبدا لم تحس منذ مراهقتها برغبة الى زميل أو أي رجل قد يحتويها يإثارة وانتباه كما كانت تحتوي صديقاتها اللواتي كن يتهافتن على وسامة الطلاب في الثانوية وقد أطلقوا عليها "كوثركاوبوي"

هي لا تستطيع أن تسعد سعيد أو تهبه ما تهبه أنثى لرجل وهي تحمل في عقلها تجربة زوجة أبيها وما عانته مع الزوج الأول بعد أن عرف بميولاتها فعنفها وضربها ولم يطلقها الا بعد قدر من مال تسلمه من أبيها كرشوة بوعد حتى لا يشهر بها فيجني على سمعته ومستقبل ابنته، ثم اليوم مع أبيها اذ لولاها وما يراه الأب من تعلق بينها وبين زوجته لكان أبوها قد تحرر من راضية بطلاق خصوصا وقد اكتشف ان حجابها ما هو الا مظهر كاذب تريد أن تموه به على غيرها ممن لا يعايشها ويعرف حقيقتها كامرأة مهملة له ولعبادتها اهمالها لبيتها وما تعوده مع المرحومة أم كوثر ..ولو عرف ما بينهما لقتلهما معا متوهما تخلفه تمسكا بقيم أصيلة ..

فكرت مليا وسعيد يترقب منها ردا ..

ـ "يلزم أن أكون صريحة معه، فقد يجد ذريعة تدفعه لتقدير ميولاتي فيمتلك حسا لتحقيق رغبتنا معا فأقدر انسانيته وثقافته أو يكون كأي رجل آخر يلعن ويكره ثم يشهر فينشر رغبتي على حبال المكفرين الناقمين على رغبات الناس.كيفما كان الامر فلن أخشى اية ردة فعل، هي حياتي وأنا صاحبتها..

استجمعت كوثر كل شجاعتها وماداخلها من قوة شحذ من زوجة أبيها ثم قالت:

ـأكذب لوقلت أنك لم تحرك في نفسي بأناقتك، بأدبك وأخلاقك وبمستقبلك مشاعر قد تروق لأية فتاة غيري، لكن وحتى لا أكتمك حقيقة، وربما أظلمك فلست ـ ربما ـ من تصلح لك، فتوجهاتي هي غير ما تطمح اليه أنت كرجل يعشق أنثى، فلا تحاول أن تبني أملا قد ينكسر وقد تئده ميولاتي التي قد لا أجدها فيك كرجل ..

أرجوك إياك أن تركب موجة كراهيتي أو تتوهمني مريضة نفسيا، فأنا لا اختلف عن أي أنثى سوية الا فيما أريد ولا أريد، وأنا سعيدة بما أنا فيه حتى لا تفسر أموري بما لا يرضيني كإنسانة ..

فلقت رمانتها، وبشجاعة أسقطت حباتها الحمراء بلا رهبة أو احتراس، تفرست فيه قليلا تترقب ردا منه، ثم قامت ..

مدت يدها للسلام عليه فأمسك يده .. تبسمت، حدقت فيه طويلا ثم استدارت وكلها لهفة الى أن تعود الى البيت لتعانق من عشقتها وفيها تموت .. راضية زوجة أبيها !!..

" رجل يمسك يده خوفا من السلام علي كانني مجذومة، كيف أثق به لو قبلت به زوجا وفرضت تحكما لا كما يريده هو وانما كما أصل به الى ذروة رغبتي..؟..

وأنثى تنتظرني لهفى، أنا في عيونها وصدرها حياتها

وسعادة كينونتها..

هي ذي هيمنة الذكورة، لن تزول الا اذا غير الرجل مفهوم المرأة لديه كما تعوده وتربى عليه، وكما يسعى بكل الحيل والافتراءات أن يمتد في أزمنته القادمة ..هيهات !! .. "..

ظل سعيد في مكانه واجما يستحوذ عليه تفكير عميق ..ما أشد كثافة العلاقات الجنسية بعمقها، بتشعبها وعدم القدرة على اختصارها في وجهة نظر فريدة ..

فكر سعيد في جلسة مع أبيها يبلغه خطر ما وصلت اليه كوثر لكنه تراجع، فكل حل لن يكون الا مزيدا من حطب ونار قد تأتي على كل شيء.. أليس ما استغرب له في كوثر وما بلغته وصرحت به جهرا وبتلقائية هو رغبتها وتمردها على نواميس الطبيعة، وهو التحرر الذي بدأت تتسع له المنابر الإعلامية بنقاش؟ لم يعد جديدا فقد لعلع في حاضرنا بعد أن اكتسبت المرأة فسحة من حرية وجرأة على التعبيرعن ذاتها بلا خوف من متابعة أوعقاب.. وخلفها أكثر من صوت مؤيد فتح السبيل لمتعتها والتنفيس عن عاطفتها والحفاظ على ما يحرص عليه الرجل بزهو وهو يفتق بكارة عفتها اذا ما فكرت في ربط مصيرها بمصيره ..

أبدا لن يسعى في تسليط عقاب عليها ككائن إنساني تريد برغبتها إرضاء جسدها واشباع ميولاتها بما تراه يحرك وجدانها وأحاسيسها بلا ريب من أسرة أو خوف من شك في عفتها !!..

نهض وفي مسامعه تطن عبارة كوثر:

ـ لا تتوهمني مريضة نفسيا فأنا لا اختلف عن أي أنثى سوية الا فيما أريد ولا أريد ..

لكن ما شغل سعيد بتفكير: مع من تمارس كوثر رغبتها؟

***

محمد الدرقاوي ـ المغر ب

في نصوص اليوم