آراء

صنيعة الإرهاب

ashraf alkwraybiتكرار المشهد اليومي لحالات القتل والإرهاب، وما نراه في المشهد الإعلامي، من مشاهد شبه يومية، وما لا نعرفه أيضا من مواجهات تتم بمعرفة الجيش والشرطة،  فهو وبما لا يدع مجالا للشك، واقع مؤلم، وأن اليد التي تقوم بتنفيذ هذه العمليات هي تنظيم داعش الإرهابي، باعتبارها آلية للتنفيذ، وهي تنظيم دولي مُحترف ومدرب، تقف ورائه وتنظمه وتمول احتياجاته من السلاح والرجال والعتاد حكومات وأجهزة مخابرات، بل ودول، كيانات سياسية واقتصادية عديدة، وقد يجد دعم ومساندة من حكومات ومُنظمات علي خلاف سياسي مع مصر، وله عدد من الانتقامات والأهداف الكبرى والصغرى بعضها واضح وجلي، مثل زعزعة الاستقرار والأمن داخل الدولة وتحطيم إرادة الشعب لتنصاع له الحكومة قيادة وشعبًا، وبعضها خفي، مُرتبط بالأحداث السياسية والاقتصادية الدولية والعالمية والعربية، ولابد من فهم حادث مسجد الروضة بالعريش وما قبله من حوادث، والمواجهات الدامية للقوات المسلحة المصرية، في هذا الإطار الكلي لصورة شاملة لتحليل الأسباب، وصولا إلي الكيفية التي يجب أن نواجه بها هذه الحرب، لقد أحدث هذا التنظيم ثغرات كبيرة داخل الوطن العربي، كما حدث بالعراق الشقيق وما يحدث في سوريا وليبيا وغيرها من الدول التي كانت ولم تزل مطمع لهذا العدوان الغاشم، فيبدو أن دول الشرق الأوسط تتعرض لمخططات متتالية تتلون بحسب طبيعية المرحلة سواء السياسية أو حتي الاقتصادية لكي تنفذ من أضعف المناطق، وتصبح متحكمة كلية سواء بالضغط علي الحكومات وصولا لأهداف قريبة بالنيل من استقرار وإرادة شعبها، تلك التنظيمات الإرهابية بما لها من خلفية دولية ومرجعيات فكرية دينية، بمساندات خارجية وداخلية أيضا فهذا غير خاف علي أحد، وبلا أي اعتبار أو قيمة لشيء سواء أكان سياسيا, دينيا، اجتماعيا، أو إنسانيا، فهو معرض للقتل 

فالطريقة التي يعمل بها هذا التنظيم، ليس لديها خلاف فقط مع السلطة السياسية أو القيادة أو الحكومة، إن خلافها مع الشعوب، بكل كياناتها، بكل طوائفها ومعطياتها وعقائدها، بلا هوادة أو رحمة ويعتبر الخلاف خصومة، جزائها القتل والتدمير والانتحار من جانبها، فليس لديها أدني فكرة سوي أنها آلة تنفذ القتل فقط (مات من مات وقتل من قتل)، ولابد أن هناك غير تلك المرجعية الفكرية التي نعول عليها كثيرا، مرجعيات أخري ومنابع أساسية تتكأ عليها تلك الجماعات،غير الخلاف السياسي وشهوة الحكم أو تنفيذ أفكارهم الغريبة والشاذة، فهو يشتري الموت بالدولار، ويذهب للقتل والتدمير بلا بصر أو بصيرة، مًحدقا في فراغ وخيبة ودمار، لكن هذه الصورة مع ذلك غير مكتملة، فهناك كثير من الأسرار التي تعلمها القيادة السياسية عن حقيقية هذه التنظيمات وخلفيتها، وأهدافها، السلطة التي بيدها القرار بالطبع، لكن الأمر يتجاور كل هذه الحدود في التفكير، أو بحث الأسباب، لأن الحرب ضد الإرهاب لابد أن تكون علي شاكلة واضحة المعالم، من فهم صورة الأخر (المعتدي) بشكل حقيقي ونهائي لكي نستطيع المواجهة بآليات واضحة ودقيقة أيضا، فقد تنجح خطوة لهذه التنظيمات لم تكن في الحسبان تؤدي لصورة قاتمة رغم المواجهة الحقيقية أو تفشل أخري كانت طموحًا لدي هذه التنظيمات، ولا تعني نجاح هذه المواجهة بشكل كامل.

منذ سنوات طويلة مضت، ظلت دول كثيرة تحارب الإرهاب بأشكال مختلفة، سواء دبلوماسيا أو اقتصاديا وسياسيا أو حتى بالمفاوضة المباشرة، ومنها المواجهات الأمنية علي استحياء في كثير من الأحيان، في محاولة لتجنيب شعوبها هذه المواجهات العسيرة، وهي مواجهة حقيقية تالية ولا شك في ذلك

بينما لم تنجح كل هذه الفرضيات لأسباب عديدة، أن الأزمة الحقيقية لم تحل، لقد وجدت هذه التنظيمات بعد فشلها الذريع في أمريكا وأوربا، في محاولة التغلغل في هذا النسيج، وجدت رفضا قاطعا في المواجهة، وكانت الأرض العربية مكانا خصبًا لنماء أفكارها المتطرفة سياسيا واجتماعيا منذ ما حدث بالعراق وإتاحة الفرصة بالحرب الأمريكية هناك، وما تلي ذلك،  فالحالة التي تعيشها الأمة العربية خاصة بعد الهزات التي أحدثتها الثورات المتتالية في العديد من أقطار العالم العربي، بل والحالة التي يعيشها ويدفع ثمنها الإنسان العربي حتي الآن وصولا إلي حياة كريمة تضمن له العيش في آمان واستقرار ورخاء اقتصادي ولو كان نسبيا هو أمل بعيد المنال تزيده هذه الجماعات بُعدا، ويحتاج لجهد كبير فهو أقرب لحالة من اليأس والقنوط وكانت هذه فرصة لكسر إرادة الشعب بل وتحطيم قدراته المعنوية، وفقد الثقة في قيادته، إن هذا المفهوم واضح الدلالة ويتمثل بقوة في دولة واحدة هي مصر نظرا لأنها الأب الروحي لكافة الأقطار العربية، علي الأقل داخل هذه المثلثات التي تشمل مصر وسوريا وليبيا من جانب والسعودية واليمن والعراق من جانب أخري، تبقي مصر قيادة وشعبا هي الدولة الوحيدة الباقية داخل هذه المثلثات الصامدة في المواجهة الدامية، وهي مواجهة حقيقية سوف تحدث سواء شئنا أو أبينا لأن الهروب منها يعني استمرار هذا المسلسل الفاحش، وعمليات القتل التي لن تتوقف، لأنه لا حدود لأطماع الأخر الغاشم ولا قناعة معه ولا نقاش يفلح ولا حوار يؤدي إلي ثمة نتيجة، المسألة هي مخططات سابقة التجهيز وأهداف راسخة معلنة وغير معلنة وتضليلات سياسية معقدة، تتعدي بكثير الطموح السياسي أو حتي فكرة تغير الحكام وتبديلهم والسيطرة علي الشرق الأوسط، هي فكرة قديمة لها بذورها التاريخية مدعمة من أكثر من جهة خارجية وداخلية، ونحن نسير علي صفيح ساخن، في مواجهة هذه القوي التي تنتظم بانتظار السقوط المدوي للدول لتنهش في أرواحها، بسقوط حكوماتها وقيادتها لتستعبد شعوبها، سواء أكان بكسر الإرادة  والتحدي والصمود في الحكومات وإجبارها علي تغير طريقة المواجهة دخولا إلي المهادنة أو التفاوض أو بث الذعر والرعب في نفوس الشعوب وخلخلة الأمن وزعزعة الاستقرار وكلهما يؤدي إلي النتيجة نفسها وصولا إلي أهدافها،

فتبقي المواجهة هي الخيار الوحيد سواء اتفقنا أو اختلفنا علي طرق المواجهة وسواء أكان بإعطاء حرية أكبر ومساحات متعددة لحرية الرأي والتعبير والمضي قدما في الإصلاحات وإضافة تنويعات إضافية لمواجهة هذه الموجات المتتالية من الإرهاب،ومن خلال المواجهة الأمنية التي لابد منها بلا تراجع بل بتكثيف جهودها واستراتيجيات أدائها وفاعليتها بشكل جديد واستغلال ما لديها من معلومات بشكل أسرع وعدم تأجيل الخطوات التي يجب اتخاذها كضربات استباقية للمواجهة، ولإحداث إرباك حقيقي لمن هم بالداخل وزعزعة القيادات والتمويلات الخارجية وتجفيف منابعها في خطوات سريعة سواء أكانت سياسية دبلوماسية أو أمنية، إن خطوات المواجهة تتطلب تحرك سريع ومنظم ومتتالي بلا تراجع

هناك طرق كثيرة للمواجهة الجادة التي تستدعي شحذ الهمم والأفكار التي تساند مواجهة ذاك الإرهاب الخسيس، وبتر يده الممثلة في تنظيم داعش الإرهابي التي لم تكن غير آلة لتنفيذ القتل، بخطوات منظمة ومُمنهجة تستهدف دول بعينها وأنظمة بعينها، تلك الدول التي لم تسقط بعد في براثن الخيبة وهي علي وشك الانهيار كما تدعي تلك الجماعات فهي بالطبع لا تعرف مدي صلابة وقوة شعبها، ولكنها تطمح مع توالي توجيه ضرباتها إلي سقوط ممكن أو محتمل، بينما تكشف عن وجهها القبيح والغاشم، وتتكشف أقنعتها الزائفة وأفكارها الضحلة،  كي تتوالي وتتناوب عليها وجوه متعددة الأشكال بهدف واحد هو السعي للسقوط وتتنوع المعطيات والأشكال، وتبقي فكرة المواجهة في عدم عزل الرأي العام عن حقيقية وطبيعة هذه التنظيمات بشكل واضح بل وتقديم وكشف وجهها الأسود وأسرار تلك الدول الداعمة بتصريحات واضحة من القيادة السياسية، ليست المسألة أن نستعدي علينا الدول بل هي في فضح أمر أجهزتها التي تعمل في الخفاء وتعريتها أمام المجتمع الدولي، وأمام شعوبها  فلم يكن خافيا تورط دول مثل إسرائيل أو قطر أو تركيا أو أمريكا، أو إيران، لكي نفهم ونعي حكومة وشعبا ولتلتحم هذه القوة في المواجهة بصدق وجدية، بالطبع لا تصفق يد واحدة بينما تواجه أيادي كثيرة متشابكة دولية وحكومية ومخابراتية في التعاون مع الإرهاب ومد العون له بلا رادع، تتخفي بين أشلاء الجثث، وربما تقدم لنا التعازي الحارة  في ضحايانا وشهدائنا الأبرار، هذه الأيادي التي تمتد لنا بالموت في مواجهة شعب يرغب في الأمان والاستقرار وحكومة تطمع في النهوض بواقعها ومقدرات شعبها، أننا نواجه قوة غاشمة مترصدة كفحيح الثعابين، تخرج من أنياب الصحراء لتقتل الآمنين والعزل، لتنقل لنا موتها الأسود الغادر المشئوم، ما يهم أننا نواجه بيد واحدة ولابد من التحام حقيقي وفاعل بين إرادة الشعب والدولة، لم يكن خير السادات بحرب أكتوبر إلا تعبيرا عن غضب شعبي حقيقي، وحقق به كثير من المكاسب السياسية التالية، أن يكون هناك فعل داخلي وأخر خارجي للمواجهة هذا الإرهاب الأسود الغاشم، فليست أشباحا تلك السيارات رباعية الدفع إنها وسيلة النقل من أماكن مهجورة في قلب الصحراء إلي أخري مأهولة بالسكان، لا تقل أنه ليست هناك أساطير ودبابات ومدافع ورشاشات وغيرها من عتاد عسكري للحرب ومرتزقة يعيشون ويأكلون وينفذون في بجاحة متناهية وآخرون يخططون لهم في هدوء،  بل وأكثر من ذلك هناك إمكانيات ضخمة ومساندات دولية واضحة وإمكانيات كبيرة وتمويل اكبر من ميزانية دول، لابد من التفكير الواضح نحو الكيفية، ستتغير الأهداف التالية للإرهاب وبدلا من المسجد والكنسية ودور العبادة، سيتم استهداف المنازل والأسواق والمحلات العامة، ليس هناك توقف ممكن أو محتمل، ولست من أنصار فكرة أن الإرهاب يلفظ أنفاسه الأخيرة، إلا بالقضاء علي كافة البؤر الإجرامية وشخوصها هذا أمر بديهي، لابد من إحالة كافة جرائم الإرهاب لمحكمات عاجلة وفورية دون أبطأ، فالمنوط بالمواطن والحاكم حماية أمنه وأرضه وليس الانتظار بالصمت الفاجع لموتنا وقتلانا، فكما إن هناك أيدي تبني لابد من أيدي تدافع عنا، تلك الكوارث الإنسانية فموت أكثر من ثلاثمائة شخص أثناء الصلاة هي فاجعة إنسانية بكل المقاييس سبقها فواجع أخري معلومة وغير معلومة   

لابد من التعاون بصدق بين الشعب والحكومة الذي هو الحل الأمثل بوضوح الرؤى وصدق الأحداث، هذه المواجهات التي تحتاج تضافر الجهود واصطفاف كافة الخطوط وطرح كل ما هو مغيب ومخفي ومستتر بشكل واضح، لن يتوقف الإرهاب ربما يتواري قليلا لكنه لن يستسلم أنه يعمل بفكرة الإزاحة...  أما أنا وأما أنت، لن يقف عند دور العبادة من جامع وكنيسة،  مدني أو حربي

المسألة لا تقدم فرقا جوهريا عنده ولا تمثل أية قيمة نوعية، وتحتاج منا لتفكير واعي وتحرك سريع وليس تصريحات وتحليلات سياسية معقدة ومتشابكة تبحث عن أسباب وأهداف ونتائج، هي حرب شاملة علي كل المقدسات الإنسانية، وعلي الإنسان نفسه، تغتصب أرضه وفكره ومقدساته.

 

أشرف الخريبي

 

 

في المثقف اليوم