آراء

كاظم الموسوي: في بلد عنوانه النفط والرافدان

كاظم الموسويبلد النفط والرافدين يشكو الفقر والجوع والفقدان والحرمان والفساد وما شاء الله من هذه المصطلحات والمفاهيم التي يمكن إضافتها، عناوين المشهد السياسي الراهن، الذي يخجل حتى وصفه. وهذه العناوين بالتأكيد لها دلالتها وتثير الأسئلة التي قد يستغرب المتابع لها وعن اجوبتها الرسمية. والارقام والإحصاءات التي تصدرها الجهات الرسمية الحكومية تلفت الإنتباه إليها اولا وتدين السلطات التي تتحكم بالبلاد والعباد في بلد كالعراق، ثانيا، لا سيما تتنافس عليه دول الاستعمار الإمبريالية في احتلاله والهيمنة على ثرواته وخيراته وترسم له سيناريوات حاضره ومستقبله، وتهدد في أغلبها حياته وتاريخه وشعبه وموقعه في المنطقة والوطن العربي الذي يشكل جناحا رئيسيا له. وبالتالي فإن ما اعلن شكل إدانة لكل من له علاقة بهذه الشؤون، حكما ونفوذا وصمتا مريبا، يؤشر عن مديات تحمل المسؤولية والروح الوطنية والدور السياسي والاشتباك الوظيفي بين التبعية والتخادم أو الاستقلال والسيادة الوطنية.

اذ تنقل وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المباشر في برامج الواقع والحوارات الساخنة صورا كارثية وفواجع مأساوية عن وقائع الحياة اليومية للأغلبية  من الشعب.  وهي صورة لا يمكن أن تبرر ولا يمكن الصمت عليها ايضا. وليس آخرها ما صرحت به وزارة التخطيط (19 نيسان/ ابريل 2021) بأن مؤشرات الفقر وفق ارتفاع الأسعار الحالية وصلت إلى ما بين 26 الى 27 بالمئة، مشيرة الى أنها أنهت إعداد خطة الاصلاح والتعافي التي سيكون عمرها سنتين وتعمل على 3 مسارات. (مَن سبّب إرتفاع الاسعار؟، ولماذا؟، حتى في هذه النسب!).

وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، في حديث لجريدة ”الصباح” العراقية شبه الرسمية: إنه “بعد رفع سعر صرف الدولار فإن مؤشر التضخم ارتفع بنسبة 4.9 الى 5 بالمئة، بينما ارتفعت مؤشرات الفقر الأولية بنسبة 26 الى 27 بالمئة”، مبيناً أنه “في حال ورود مستجدات ومؤشرات جديدة فستعلنها الوزارة في ما بعد”.  وهو هنا يقدم أرقاما متغايرة عما سبقها للعام الماضي مثلا، مع استمرار الأزمات واستفحالها.

واضح ان السياسات المتبعة فاقمت معدلات الأوضاع الاقتصادية المتردية والصحية الخطيرة، والتي تدهورت نحو الأسوأ. وحتى الزعم بوضع خطط اصلاح للتعافي فإنها في الواقع لن تتحقق ولم تعالج أية مشكلة توجهت لها، بل العكس منها هو الذي يحصل في البلاد، وباعتراف المسؤولين أو اللجان البرلمانية أو المستشارين الذين يعملون عليها. والإقرار بأن الأزمات التي عصفت بالبلاد وما نجم عنها من رفع نسبة الفقر والتضخم والانكماش الاقتصادي والتوسع في التفاوت الطبقي والاجتماعي ، فضلا عن التدهور العام في أغلب الأزمات المتنوعة من قبيل الفساد المتفشي، والنزوح والمخيمات والسجون والاعتقالات وغيرها من الأمور التي ظهرت الى السطح  تأزم المشهد السياسي وتصبغ صورته بخلاف الادعات والمزاعم اللفظية.

حول خطة وضعتها وزارة التخطيط، "سيكون عمرها سنتين من 2021 الى عام 2023، وتعمل على 3 مسارات، الأول المسار الاقتصادي الذي يتضمن تحسين مستوى الاقتصاد ودعم القطاع الخاص، والثاني المسار الاجتماعي الذي يتضمن دعم مستوى الخدمات في مجال الصحة والتعليم وعودة النازحين وتمكين المرأة، أما المسار الثالث فهو المحور المكاني الذي يتضمن معالجة الفجوات التنموية الموجودة في المحافظات”. وكانت وزارة التخطيط، قد أعلنت في الـ 16 من آذار/ مارس الماضي، انخفاض نسبة الفقر في البلاد إلى 25 بالمئة من مجموع السكان، بعد أن كانت 31.7 بالمئة عام 2020. وهذا اقرار من الوزارة  بالفشل في مواجهة التحديات  والمتفاقمة في الاوضاع عموما.

ومع كل ذلك فهذا كلام مكرر، كل مرة ينشر أو يعلق عليه، تصريحا أو نشرا مباشرا، منذ عام 2003  وهي كما تبدو من متابعة للأوضاع اليومية للمواطنين تكشف تناقضا صارخا، بين ما أعلنته الجهات الرسمية ووقائع الأحوال، حتى من جهات رسمية اخرى، كوزارة المالية وما تقوم به من إجراءات انفتاح اقتصادي وقرارات ليبرالية متوحشة فاضحة لدور سياسي تدميري يغلب على الواقع والارقام والإحصاءات ويتسم بالوعود والخطب الهزلية!.

فلم تعد ميزانيات العراق الفلكية الأرقام كافية لتوفير لقمة خبز كريمة للمواطنين عموما، وأصبح التفاوت الاجتماعي الطبقي واضحا جدا، وباتت الفئات الفقيرة غير قادرة على العيش الكريم في بلد كالعراق، المبتلي بثرواته وطاقاته ورافديه.. وانتقلت فئات واسعة من طبقته المتوسطة الى حدود أدنى إجتماعيا واقتصاديا، وأصبحت الارقام تتسابق مع بعضها عن حجم وعدد الفئات التي توصف بأنها تعيش تحت خط الفقر، بمقياسه العالمي، وتلك وقائع مخجلة لبلد اسمه العراق. وبارقام رسمية دون حلول واقعية أو خطط عملية، فيذكر مثلا عن لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب، كشفها عن أن مليون مواطن فقط هم الذين يتسلمون مفردات البطاقة التموينية ويعتمدون عليها، من الاربعين مليونا، حسب آخر رقم لعدد السكان، في الوقت الذي كما قال عضو اللجنة نهرو محمد لجريدة ”الصباح”: إن “اللجنة أجرت الكثير من البحوث واستضافت مختصين للحديث عن البطاقة التموينية ووضع الآليات والحلول لإشكالية البطاقة التموينية المستمرة منذ أكثر من 15 عاما” وأضاف أن “وزارة التجارة لديها بيانات 39 مليون مواطن مشمول بنظام البطاقة التموينية، والعقود التي تبرم لتجهيز المواد الرئيسة في هذا النظام تحسب على هذا العدد، في حين أن الواقع يؤكد أن هناك مليون مواطن فقط يتسلمون تلك المفردات بحسب ما موجود من دراسات وبحوث سواء في بغداد أو المحافظات وحتى الإقليم” (؟!)..

ورغم هذا التدهور الواسع في شتى المجالات، وقائع القاعدة الاجتماعية تقول بأن اكثر من 68% من سكان العراق هم دون سن الثلاثين، فيما وصلت نسبة السكان من الاطفال دون سن الخامسة عشر الى حوالي 40%، وبلغت نسبة السكان في سن العمل (15- 64 سنة) اكثر من 57%، وانخفضت نسبة كبار السن (65 سنة فما فوق) إلى 3%، وأن "ارتفاع معدلات الاعمار لدى السكان، اذ وصل متوسط اعمار النساء الى 76 سنة وعند الرجال 72 سنة"،  وهذه ارقام مهمة لنهضة الشعب وبناء اقتصاده وعمرانه وتقدمه على مختلف الصعد، اذا ما توفرت النوايا الصادقة والإدارة الوطنية الحريصة فعلا على الاستقلال والسيادة الوطنية وبناء دولة جديدة.

عن ذلك صرح وزير التخطيط (2021/06/14)، أن "المؤشرات الديموغرافية في العراق اظهرت تسارعا كبيرا للنمو السكاني نتيجة استمرار ارتفاع معدلات الخصوبة والذي ينعكس على نسبة السكان الشباب وعلى تسارع نمو القوى العاملة مما يولد عجزا عن تلبية احتياجات السكان وتحديدا الشباب من حيث فرص العمل وتحسين جودة نوعية الحياة واستداماتها لتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة الشاملة".  

الحراك الشعبي الذي غطى المحافظات الوسطى والجنوبية والعاصمة بغداد مؤخرا والشعارات التي رفعها تطلب تغييرا في المنهج والسياسات والقرارات وما سبقت الإشارة إليه من وقائع وارقام تكشف تباطؤا مقصودا وتدخلات واضحة في التدمير الاقتصادي والاجتماعي وتعكس غربة وطنية في إدارة الدولة ومستقبل العراق،  بلد النفط والرافدين . وهو الأمر الذي يرفع السبابة إحتجاجا، ويؤشر لما بعد..

 

كاظم الموسوي

 

 

في المثقف اليوم