آراء

بكر السباتين: الجزائر وحرب وشيكة مع المغرب بتحريض إسرائيلي!

بكر السباتينالحديث عن الجزائر هو حديث عن أهم قلاع الصمود في وجه التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والأكثر حصانة في زمن تشرذمت فيه الأمة العربية وتعددت ولاءاتها حتى في الساحة الفلسطينية؛ لذلك وضع خصوم الملف الفلسطيني هذا البلد الأمين على محك الأزمات لعصف ثوابته حتى تهتز أركانه فتسهل السيطرة عليه وحرفه عن مساره التاريخي نحو الاتفاقية الإبراهيمية أسوة بجارته العربية، وخصمه اللدود في ملف الصحراء الغربية، المملكة المغربية التي خالفت سياستُها التطبيعيةِ إرادةَ شعبِها الأبيِّ المغبون.

وهو أيضاً حديث عن ملتقى الصراع الدولي بين روسيا والصين من جهة وأمريكا وحلفائها من جهة أخرى، بسبب الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به الجزائر، كونه قريباً من مضيق جبل طارق الذي يعتبر المعبر الوحيد للسفن الروسية القادمة من البحر الأسود عبر البحر المتوسط وصولاً إلى المحيط الأطلسي، لذلك تعد الجزائرُ ثالث مستورد للسلاح الروسي في العالم، إذ تقتني أكثر من 60 % من أسلحتها من موسكو، وتمتلك 6 غواصات روسية الصنع، بالإضافة إلى اقتنائها نظام الدفاع الجوي الصاروخي "س 400".

وكذلك دبابات وطائرات ومروحيات هجومية وأنظمة رادارات روسية تشكل ركيزة القوات المسلحة الجزائرية.

وترتبط الجزائر وروسيا منذ 2001 بـ"اتفاق شراكة استراتيجية"، يتعلق بالشراكة والتعاون في عدة مجالات أبرزها الاقتصادي والتجاري والعسكري والعلمي والتقني.

أما بالنسبة للصين فالشراكة الصينية الجزائرية الاستراتيجية وصلت إلى أوجها في كافة القطاعات وبخاصة القطاع التجاري والتقني والعسكري حيث تُدْرَجُ الجزائرُ ضمن مشروع طريق الحرير عبر الشمال الأفريقي، ناهيك عن حاجة الصين لإقامة قواعد عسكرية قريبة من الأطلسي قبالة السواحل الأمريكية، للرد على التواجد الأمريكي الكثيف في بحر الصين، والجزائر لديها القابلية لإقامة قواعد عسكرية صينية من أجل تحصين البلاد في وجه تهديد التحالف المغربي الأمريكي الإسرائيلي المتمركز في المغرب وفق الاتهامات الجزائرية.

لذلك استغلت ما تسمى ب "إسرائيل" الأزمة لتقف إلى جانب المغرب حتى تصفي حساباتها مع الجزائر التي تدعم محور المقاومة الفلسطيني، وهي على علاقة طيبة مع السلطة الوطنية الفلسطينية أيضاً حيث رتب الرئيس الجزائري مؤخراً حفل استقبال للرئيس محمود عباس بحضور السفراء المعتمدين لدى الجزائر رداَ على تطور العلاقات الإسرائيلية المغربية. كما وتحاصر الجزائر تل أبيب في منظمة الأمم الأفريقية حيث قطعت عليها الطريق نحو العضوية الكاملة في المنظمة بدل صفة مراقب.. وتقف الجزائر حجر عثرة أمام تمدد الاتفاقية الإبراهيمية في الشمال الأفريقي.

من هنا جاء تبرير الجزائر سعيها للحصول على دعم عسكري صيني روسي بتفاقم الأزمة الجزائرية المغربية على خلفية الصراع على الصحراء الغربية، متهمة المغرب بممارسة سياسات عدائية تجاه الجزائر؛ لذلك أعلنت الجزائر نهاية شهر أغسطس الماضي عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب.

إن تنامي العلاقات الاستراتيجية بين المغرب ودولة الاحتلال الإسرائيلي برعاية أمريكية وصلت إلى حد غير مسبوق، والتي توجت بزيارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس نهاية نوفمبر الماضي إلى المغرب بهدف تقوية التعاون الأمني بين البلدين بعد عام على تطبيع علاقاتهما، في زيارة هي الأولى من نوعها تزامنت مع توتر العلاقات بين الرباط والجزائر حول نزاع الصحراء الغربية.

ورغم نفي المغرب للاتهامات الجزائرية في هذا الشأن إلا أن ذلك يحيلنا إلى حقائق تاريخية على نحو استقبال المغرب مستشارين للأمن الإسرائيلي ووزير خارجية الدولة العبرية منذ استئناف العلاقات بين البلدين العام الماضي، وكان البلدان قد أقاما علاقات دبلوماسية إثر توقيع اتفاقات أوسلو بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية العام 1993، قبل أن تقطعها الرباط بسبب الانتفاضة الفلسطينية الثانية العام 2000؛ ما يؤكد الموقف الجزائري الذي تجلى في رد رئيس مجلس الأمة الجزائري، صلاح قوجيل عقب زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، للمغرب، حيث وقّع المغرب ودولة الاحتلال إسرائيلي اتفاقاً للتعاون الأمني من شأنه تسهيل حصول الرباط على التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية.

وقال قوجيل حينها في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الجزائرية، إن "الأعداء يتجندون أكثر فأكثر لعرقلة مسار الجزائر"، مشدداً على أن بلاده "هي المستهدفة" بالزيارة التي أجراها غانتس.

التداعيات في الأزمة الجزائرية المغربية اتخذت طابعين استراتيجيين:

الأول اقتصادي تمثل بإيقاف تشغيل الخط الذي ينقل الغاز الطبيعي من الجزائر إلى أوروبا عبر الأراضي المغربية، الأمر الذي سيؤثر سلباً على إسبانيا التي تستفيد من هذا الخط، ولأن الجزائر تمتلك خطاً آخر (ميد غاز) لنقل الغاز مباشرة عبر البحر المتوسط إلى أوروبا فإن الضغوطات الاقتصادية ستكون أقل تأثيراً على الموقف الجزائري التصعيدي.

والثاني سياسي إذ يتجلى بقطع الجزائر العلاقة مع المغرب، ويأتي هذا القرار الصعب بمثابة تهيئة لإعلان حرب بين طرفي الأزمة التي شهدت تدخلاً مريباً للطرف الإسرائيلي في تفاصيلها كطرف محرض على التأزيم باتجاه الحرب المحتملة. . حيث اعتبرت الجزائر هذا التدخل المريب تصعيداً خطيراً، في ظل غياب عربي عن المشهد وبخاصة دول الشمال الأفريقي.

وشكل اتفاق التطبيع الثلاثي مع أمريكا و"إسرائيل" في الأول من ديسمبر 2020 بوابة الدخول الإسرائيلي في الأزمة المغربية.. وفي إطار ذلك الاتفاق أعلن ترامب أيضا اعترافه بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية الذي يشهد نزاعاً إقليمياً منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، وهي حركة انفصالية تسعى لإقامة دولة مستقلة في الإقليم.

ومن شواهد التحريض الإسرائيلي على الجزائر سعي وزير الخارجية الإسرائيلي يئير لبيد وبشكل علني إلى تأجيج الخلاف وصبّ الزيت على نار الأزمة عبر انتقاد الجزائر والتحريض عليها أثناء زيارته للمغرب، وفي مؤتمر صحفي عقد بالرباط، في أغسطس الماضي.

ومن مؤشرات التصعيد على هامش الأزمة ما قيل بأنه اختراق المغرب عبر برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" هواتفَ مسؤولين ونواب ونشطاء وصحفيين بارزين في الجزائر ما يوحي بأن التصعيد مستمر ولا يحتاج إلا لمن يشعل النار في الهشيم.. ويبدو أن تل أبيب ستبادر إلى ذلك من خلال تزويد المغرب بخبرات أمنية وعسكرية إسرائيلية قد تدفع الرباط نحو مواقف أكثر تصلباً وتشدداً تجاه الجار الشقيق، الجزائر. ويتحقق بذلك الهدف الإسرائيلي نحو إضعاف البلدين وإرضاخهما أمام الحاجة إلى خبرات "إسرائيل" في ضمان الأمن المغربي ودعم التنمية الاقتصادية وخاصة في مجال التكنلوجيا من خلال إرغام الجزائر للقبول بشروط الاتفاقية الإبراهيمية التي يتشدد الجزائريون ضدها.

ويتحدث معارضو ومناهضو التطبيع في الجزائر وحتى في المغرب نفسه عن خطط إسرائيلية لتأجيج الخلافات بين البلدين لإضعافهما وحتى تقسيمهما على المدى البعيد وفق السياسة الإسرائيلية التقليدية التي تعتبر الدول العربية خطراً بالمعنى الاستراتيجي عليها.. مع أن موقف الشعبين رافض للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

والغريب أن الموقف العربي مغيب تماماً عن هذه الأزمة المتفاقمة، باستثناء بيان إنشائي تقليدي معتاد من الجامعة العربية ومواقف خجولة ومتناثرة هنا وهناك.. ويعزى السبب إلى ارتباط بعض الدول العربية وخاصة الإمارات (دون الشارقة) بمعاهدات سلام مع تل أبيب، وهذا يخالف التوجه الجزائري.

فيما كانت الوساطة الأوروبية حاضرة عبر إسبانيا التي تسعى في الحد الأدنى إلى التقليل من حدة الأزمة وتخفيف تداعياتها دون تأثير يذكر .. ودافعها إلى تبني دورٍ إيجابيٍّ في الأزمة هو الدفاع عن مصالحها وضمان عدم انفجار الأزمة بما يرتد سلباً عليها في كافة الأصعدة، وخصوصاً حاجتها إلى الغاز الجزائري، ناهيك عن أزمة لاجئين مغربية محتملة فيما لو اشتعلت أوارُ حربٍ بين البلدين الشقيقين لا تبقي ولا تذر.

وفي المحصلة، فإن الحرب لا تظل في الإطار النظري ما دام التصعيد لا يهدأ، بوجود من ينفخ على الجمر دون وجود وسطاء يتعاملون بحنكة وموضوعية مع أسباب الأزمة، وخاصة أن الدول القادرة على ذلك مثل روسيا والصين وأمريكا باتوا طرفاً في الأزمة المغربية، ويبقى الرهان فقط على القيادتين الجزائرية والمغربية لتتفقا على حل ينزع فتيل الأزمة، ويبعد تل أبيب عن تفاصيلها.. التي نتمنى لها نهاية آمنة على خير وسلام.

 

بقلم بكر السباتين

20 سبتمبر 2021

 

 

في المثقف اليوم