آراء

كريم المظفر: روسيا وأوكرانيا وين.. وبايدن وين!!

كريم المظفرما سمعناه خلال هذه الايام من تصريحات أوربية بالدرجة الأساس، يعطينا انطباعا، بأن هناك في الأفق تحول جديد في الخطاب السياسي الأوربي، ليس فقط في إتجاه روسيا، فحسب، وانما في الأحداث الجارية في العالم اليوم، والتي تؤكد بأن العالم قبل بداية العمليات العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، سيكون مختلفا بعد توقف هذه الحرب، وقد تكون هذه بداية الصحوة الأوربية، وإن كانت متأخرة بعض الشيء، (ان تأتي متأخرة خير من ان لا تأتي ابدا) وعلى ما يبدو فإن صوت روسيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد وصل للأوربيين بشكل كامل وغير منقوص، بشأن الاخذ في الاعتبار التغيرات التي شهدها ويشهدها العالم أجمع، والتي تستوجب من الغرب الاخذ بنظر الاعتبار هذه التغييرات في التعامل مع الدول الأخرى من موقع المساواة في الحقوق والمصالح المشتركة، والابتعاد عن لغة " التهديد "، و"التهميش " ومحاربة الرأي الآخر، واشهار سيف العقوبات والتدمير بوجه تلك الدول التي تنشد استقلالية القرار والسعي الىى مواكبة التطور والتقدم.

ولعل خطاب الرئيس الفرنسي مؤخرا في قمة الإتحاد الأوربي والذي نشر مقاطع منه على مواقع التواصل الاجتماعي، قد أشر ذلك بوضوح، حيث بشر مانويل ماكرون العالم الغربي، بنهاية هيمنة الغرب على العالم، والتي تَعَودَ برأيه على نظام عالمي امتد منذ القرن الثامن عشر، قائم على الهيمنة الغربية، بعد أن تسيدت فرنسا هذا العالم في مطلع القرن الثامن عشر مع تطلعات ما أسماه بعصر الانوار، وكان القرن التاسع عشر لبريطانيا بفضل الثورة الصناعية، في حين هيمنت أمريكيا بقوتها الاقتصادية والسياسية على العالم في القرن العشرين، لكن الأمور اليوم بحسب ماكرون تتغير، بسبب تعمق الأمور كثيرا وتراكم أخطاء الغرب في بعض الازمات.

كما انه وبسبب الاختبارات الامريكية لعدة سنوات، والتي لم تبدأ مع الادارة الحالية، أدت الى إعادة بعض الصراعات في الشرق الأدنى والاوسط وأماكن أخرى، وإعادة التفكير في استراتيجية دبلوماسية وعسكرية عميقة، واحيانا بعض عناصر التضامن التي يعتبرها الغرب "مقدسة"، والتي كما قال ماكرون " حتى لو كنا قد شكلناها معا في لحظات جيوسياسية"، فإنها اليوم قد تغيرت، بظهور قوى جديدة،، والتي دون شك، قلل الغرب من شأنها لفترة طويلة.

ظهور القوى الجديدة وفي المقدمة منها تقف الصين، والاستراتيجية الروسية، والحق يقال، بحسب تعبير ماكرون، انها ومنذ بضع سنوات تقود الى المزيد من التطور، والهند أيضا، والتي لم تعد قوة اقتصادية، ولكن سياسية أيضا، والتي تعتبر نفسها وكما كتب البعض ، دولة حضارة حقيقية، والتي تأتي ليس فقط لتغيير المشهد الدولي والتأثير في النظام الاقتصادي، بل أيضا تأتي لإعادة التفكير في النظام السياسي والمخيلة السياسية، مع الكثير من القوة والكثير من الالهام معا، وخطاب الاوربيين، والنظر الى الهند وروسيا والصين، فان لديهم اليوم الالهام السياسي، اقوى بكثير من الاوربيين، وينظرون للعالم بمنطق حقيقية وفلسفة حقيقية، الذي ربما فقدته اوربا، وهكذا، فقد تغير كل هذا بعمق شديد، وخلط "اوراقنا"، هذا دون الحديث عن الصعود الافريقي كل يوم .

كما ان الأوربيين وبحسب تأكيد مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بدأوا يعترفون، بأن الغرب ارتكب عددا من الأخطاء في العلاقات مع روسيا، بما في ذلك تعهده لأوكرانيا بالانضمام إلى حلف الناتو، وقال بوريل في مقابلة مع قناة TF1 الفرنسية، "أنا على استعداد للاعتراف بأننا ارتكبنا عددا من الأخطاء وأننا حرمنا روسيا الفرصة للتقرب من الغرب.. هناك لحظات يمكن أن يكون فيها أداؤنا أفضل وهناك أشياء اقترحناها ومن ثم لم نتمكن من تنفيذها، مثل الوعد بأن تصبح أوكرانيا وجورجيا جزءا من الناتو"، مضيفا: "أعتقد أنه من الخطأ تقديم وعود لا يمكنك الوفاء بها"، والإشارة إلى أن العلاقات مع روسيا ستكون مختلفة جذريا، بعد العملية العسكرية في أوكرانيا.

وفي أمريكا فقد بدأت مرحلة التنمر على الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي تارة، ووصفه بصفات لم تذكر من قبل تارة أخرى، فقد وصف النائب الجمهوري عن ولاية كارولينا الشمالية ماديسون كاوثورن في تعليق يتعارض مع أغلبية الجمهوريين وفي فيديو نشره موقع "WRAL" الأمريكي، الرئيس الأوكراني " بالسفاح "، مخاطبا زيلينسكي، "تذكر أن زيلينسكي سفاح.. تذكر أن الحكومة الأوكرانية فاسدة بشكل لا يصدق وهي شريرة بشكل لا يصدق وكانت تدفع بالإيديولوجيات المستيقظة"، في حين تحدث عضو الكونغرس الأمريكي داريل عيسى باستخفاف عن الرئيس الأوكراني على قناة "فوكس بيزنس"، وقال إنه "في الوضع الحالي، فإن سلطات كييف ستنهار بسرعة، ولحسن الحظ، الرئيس زيلينسكي غير حاضر في إحاطتنا الإعلامية السرية، حيث قيل مرارا وتكرارا أنه ليس لديه فرصة"، واعترف عضو الكونغرس أيضا بأن مساعدة السلطات الأمريكية الآن في الواقع لا تجلب أي فائدة حقيقية لأوكرانيا، مضيفا  ان "العقوبات الأمريكية الحالية ضد روسيا غير معقولة".

أما في ألمانيا، فإن برلين تشدد على انه لا ينبغي قطع خيط التفاوض مع روسيا، وأكد المستشار الألماني أولاف شولتس عقب قمة الاتحاد الأوروبي، "لا يمكننا قطع خيط التفاوض، وان أهم شيء هو إسكات صوت السلاح"، وانه من الجيد وجود مفاوضات، لكنها لا يجب ألا تطول بينما تدمر الأسلحة كل يوم حياة الناس ومبانيهم وبنيتهم التحتية وأحلامهم،والتشديد على ان لا يجوز اتخاذ قرارات بالنيابة عن الأوكرانيين، الذين عليهم أن يعرفوا بأنفسهم من وجهة نظرهم ما هو الشيء الصائب من أجل بلادهم في ظل هذا الوضع الخطير، في حين حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي الناتو ينس ستولتنبرغ، من أن العقوبات ضد روسيا ستكون لها عواقب على العالم أجمع، وان لم يرغب أحد في فرضها .. وأنها ستكلف العالم كله ثمنا باهظا بما في ذلك الدول التي فرضتها، داعي في الوقت نفسه الى فعل كل ما يمكن بغية وضع حد لهذه الحرب، والتي يجب ألا تخرج هذه الحرب عن حدود أوكرانيا.

وأمام هذا الطرح الأيديولوجي الفرنسي، وتفهمه لصورة العالم المقبل الذي يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار الطروحات والأفكار الروسية والصينية والهندية وتطورات الفكر في أفريقيا، والاعتراف الأوربي بخطأه تجاه روسيا، والدعوة الى عدم قطع خيوط الحوار مع روسيا، وقف الرئيس الأمريكي جو بايدن " المهووس بالعقوبات ضد روسيا " أمام شاشات العالم ليعلن هذه المرة عن عقوبات جديدة، شد العالم اليها بخطورتها، وهي الإعلان عن حظر استيراد " الفودكا " و "مزتها " من المنتجات البحرية الروسية، لأنها على ما يبدو من وجهة نظره تعيق الاوكرانيين من الدفاع عن الديمقراطية في بلادهم، وتفقدهم الوعي وهم يتصدون لروسيا، ولأنه على دراية تامة بأن لطالما ما أغوت " الفودكا ومزتها " ليس الرجال والنساء الشرقيين والاوكرانيين، فحسب، بل وحتى الامريكان، تجعلنا نقف أمام استخفاف الأمريكي واضح بمقدرات الشعوب، واستهتارهم بأرواح الناس، وعدم تفكيرهم بإجراءات، تمكن إيقاف هذا الجرح العميق الذي أصاب الشعبين الروسي والأوكراني بسببهم، ووقف دعم النازيين الجدد بالأسلحة والمعدات، والاهتمام على مستوى الإدارة الامريكية بكاملها " بالفودكا ومزتها " وخطورتها على الامن القومي الأمريكي، واسمحوا لنا ان نعود والحالة هذه الى المثل العربي المشهور " روسيا وأوكرانيا وين، وبايدن وين " !! .

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم