آراء

الطيب بيتي: الناتو والحسم الغربي في الأزمة الأكرانية

السيناريو الليبي؟ أم التدمير الكوني؟

كتب الفيلسوف الأمريكي: الفيلولوجي والمحلل السياسي، نعوم تشومسكي: "أنه ستكون هناك أسباب جدية لتوجيه الاتهام إلى كل رئيس للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.لقد كانواجميعًا إما مجرمي حرب حقيقيين، أومتورطين في جرائم حرب خطيرة.فما السرفي عدم محاكمة مجرمي الحرب المذنبين، في حين يتم دائما معاقبة الأبرياء الشرعيين.؟"...وأضاف دانيال جانسر، صاحب أهم كتاب حول حروب الأطلسي اللاشرعية ": صدرفي العشر السنوات الأخيرة"، حين قال: "وعلينا ألا ننسي أيضا محاكمة أوباما الأمريكي، وساركوزي وهولاند الفرنسيين، والفيلسوف المزيف بيرنارهنري ليفي، وبلير وكاميرون البريطانيين."

بعض الحيثيات قبل التفصيل في الموضوع:

لقد تحقق أن هذا "الغرب الغروبي"-كما سماه باسكال- هو أكثرتعقيدا مما يعتقد عشاقه من عندنا والمهوسون به من أقوامنا !

-فإذا كان هناك فعل واحد، في مجال العلاقات الدولية، يعكس وحده كل هسترة العقل الغربي-باسم العقلانية- فهوالحماقة و"اللاعقل" !

-وإذا كان هناك تفسير عقلاني لازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، والإستدارة على المفاهيم الإنسانية والأخلاقية بالمنطق الأرسطي الصارم، فهو الذي يتمثل" عقلانية" الاستخدام الغربي للهمجية والعنف الممنهج باسم الإنسانية والعقل.

-وإذا كان بالإمكان قبول السلوك المتطرف بالتعريف الإصطلاحي، وإستساغة الفظاعات، فهوالتسويغ " العقلاني" للرد الغربي على السيء بالأسوإ على المستوى العالمي الإنساني - عبرالإبادات الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية – !

وإذا كان القبول بشن الحروب القذرة باسم القيم الإنسانية العليا، والمبادئ الأخلاقية السامية، ونشر الديموقراطيات والحريات بالتدخل المسلح، ثم يتم التعبيرعنه بالغموض الأخلاقي واللاعقل والغلاظة من خلال هذه الصيغة السمجة الجوفاء: قتل المدنيين المساكين لإنقاذ المدنيين المضطهدين، وتدميرالحضارات المستعصية على الإختراق أو الإحتواء الغربي بإحلالها ب" الأحسن" الغربي The best ؟فإلى أين يقود الغرب هذا العالم ؟

و المطلع على الكثير من المقالات الأمريكية والأوروبيىة التي قرأتها: يقولون صراحة إن العالم بأسره قد فتح للتو سوقًا يضم 25 مليون عاهرة أوكرانية شقراء حرة جديدة. ! تجارالقوادة في عواصم أوروبا وإسرائيل لا يخفون ذلك. حتى أن بعض المحللين يقولون إنه في الأيام الأولى للهجوم الروسي، كان هناك قوادون وأصحاب بيوت دعارة كبيرة معروفون في تل أبيب جاءوا أولاً إلى الحدود لاكتشاف أجمل النساء والقبض عليهن ليأخذوهن أولاً للتجارة في إسرائيل.ولا أحد يدري اليوم ما الذي "تطور" بالضبط من أسواق العبيد في العصور القديمة؟ والخزري دائمًا وراء كل " الصفقات الجيدة: قيادة البيزنيس.!

وللتركيز علي موضوع ورقتنا البحثية هذه، نذكرأنه في واقع الأمر، فإن الأسلحة المسلمة إلى الأوكرانيين هي أسلحة الناتو. والإمداد اللوجيستي، والقيادة العسكرية والإستطباب، وتوجيه الجيش الأكراني كلها أمريكية…والمقاومة الداخلية (خزرية- نازية) ولا علاقة لها بالشعب الأوكراني!. لذا فإن الناتو في حالة حرب بالفعل مع روسيا منذ البداية.وما يقوله "جو" الأمريكي لا قيمة له إنسانيا وأخلاقيا، لأنه هو نفسه كان من مناصري الحملة الأمريكية على العراق ثم ليبيا فسوريا وداعما للدواعش، غير أنه مثل طفل نشأ بشكل سيئ ويرفض الاعتراف بأنه يهلوس، لا يعرف ما يقدم وما يؤخر في اللعبة.

وأن الخروج عن إحترام أعراف اللغة الديبلوماسية من طرف قادة الغرب بخصوص بوتين، لا يدل على الرغبة الحققيقة في الحوا في حل الأزمة، بل الإستفزازوالتحرش بروسيا لإرتكاب هفوة المبادرة بإستخدام النووي الروسي وذاك هو السر الحقيقي وراء زيارة" جو" الأمريكي إلى أوروبا.

كما يجب أن ندرك شيئًا واحدًا قبل أن تندلع غدا حربا شمولية مفاجئة(بإنطلاقة رصاصة طائشة أو مقصودة)، فإن تكرار الأباطيل والحيل والإستفزازات والنعوت القبيحة، التي من كثرة تردادها في كل حروب الناتولسبعين سنة حفظناهاعن ظهرقلب، وشبعنا منها حتى التخمة . إلا أنه يجب القول بأن بايدن وشعثه ومحبوه ينبحون، ولكن القافلة(الروسية والصينية ومن يساندها من "طريق الحرير" تسير، وستتبعها يقينا قوافل المستضعفين في الأرض...!إن هي إلا رياح جديدة تهب على الكوكب... ! وهذه الرياح تحملها روسيا والصين وآمال الغالبية العظمى من شعوب الأرض!

بوتين خطط لذلك، ! وبايدن يعلم ذلك !، وبينيت يعقل ذلك ! والمجموعة الأوروبية تفهم ذلك !

أما أحوال الحرب كما تبدو ميدانيا اليوم: فإن الغرب كله- من الخزيرات إلى سيدني، -مستنفرعن بكرة أبيه عبرمهيجات الأبواق الإعلامية الغربية، بالنفخ كما جرت العادة-في مزامير"الرد العسكري الإنساني" للإسراع في سحق الأشرارالروس، وتتصايح الشعوب الغربية"المتنورة حتى النخاع" !ونخبها الفكرية والسياسية المستنيرة حثى الثمالة، !بالمبادرة إلى قذف الكرملين بالصواريخ المدمرة، وقتل أوإغتيال أوإعدام بوتين !.

في حين أن بايدن وشركاؤه من جوقة أعضاء الحلف الأطلسي، فهم مصابون بحمى نوستالجيا تكرارنفس الصيحة الهستيرية -في الأزمة الليبية الربيعية-"لملكة الفوضى العالمية": هيلاري كلينتون، عندما إنتفضت وإنتشت نشوة الزار، وشطحت بجذبة الدراويش عند السماع والأذكار.فحل فيها-حلولا شيطانيا- شخص يوليوس قيصر الروم، في صيحته الشهيرة، لدى رؤيتها مقتل القذافي بإبشع الصوربأمر من بيرناد هنري ليفي و رئيسه ساركوزي: " فصاحت مثل الحلاج وإبن سبعين والسهروردي، من فرط اللذة وطفرة الخمرة": لقد جئنا ورأينا، لقد مات" We Came, We Saw, He Died” (Video)

ومنه، ففي هذه الأزمة الأوكرانية، فإن الناتو-عاجلا أم آجلا، -ملزم بالقيام بالعمل الذي أُنشأ من أجله، باعتباره الحزام الواقي للولايات المتحدة وآلته المدرة الفتاكة . والسبب ليس الدفاع عن أوكرانيا وشعبها، التي لم يكن بايدن وحلفاؤه يهتمون بأي منهما على الإطلاق..بل الاهتمام الغربي بأكرانيا منذ أواخر التسعينات كان لمجرد استفزاز الدب الروسي وإضعافه وتدميره. .وأما الآن فبسبب قرارروسيا بيع مواردها الطبيعية بالروبل بدل الدولار.,ورغبة بوتين بتغيير المعادلات الدولية، التي أقام الغرب أعمدتها منذ القرن التاسع عشر.فكان قراربوتين بكسرالمعادلات القديمة خطا أحمرا، تجاوزه" القيصر"، وتحديا سافرا للإمبراطورية.

و الشيء بالشئ يذكر، ففي الأمس القريب، تم تدمير عراق صدام وإعدامه، ثم دُكًت ليبيا وسُحل القدافي، ليس بسبب ديكتاتريتهما، لكن فقط بسبب عزمهما على التخلص من" الدولار"-ذلك العجل السامري- In God we trust -.

-صدام حسين خطط لقيام ما يسمى ب"حوار جنوب/ جنوب"، بغية التخلص من الإحتكارالغربي.وعقد الصلح مع الإيرانيين، والقذافي بدوره أراد أن يخلق بنكا إفريقيا وعملة إفريقية للتعامل المصرفي بدل الدولار.ونعرف كيف تمت الخطة المدروسة للإطاحة بهما ودك بلديهما:

فبعد أن تم اختبارعود الزعيمين لسنوات، وطبق الإعلام الغربي نفس خططه التي لا يغيرها-ولن يغيرها أبدا- (لأننا لا نغيرالخطط الناجحة -كما يقال في لغة كرة القدم): ألا وهي ممارسة الشيطنة والتدليس والفبركة كحرب نفسية لدفع الخصم للإنهيار، ثم الإنتقال إلى مرحلة الإطاحة.فتم سجن صدام وبهذلته أمام كاميرات العالم عبرمحاكمته من طرف معارضيه، وتم أعدامه بطريقة مذلة هوليودية.

أما القذافي، فتمت تصفيته على يد الغوغاء أمام العالم، بتلك الطريقة البشعة بأمرمن ساركوزي، وبإيعازمن بيرنارهنري ليفي .

والعراق اليوم يعاني ما يعاني-بسبب "التدخل العسكري الغربي الإنساني ".والبلد ما يزال يتخبط في مطاوح تناقضات الإختيارات، من أجل الخروج من ورطاته !وذلك لا يهم الغرب سوى المزيد من التخبط للعراق وبهذلة الساسة العراقيين أمام العالم.

-النفط الليبي اليوم يُدفع ثمنه بالدولاركما كان من قبل. وليبيا التي أصبح ينعق في جنباتها البوم والغربان بعد" التدخل العسكري الغربي الإنساني"، وشعبها الذي يعيش في فوضى عارمة، فتلك أمورليست مهمة بالنسبة للغرب .حتى أن بيرنارهنري ليفي–عراب الثورات العربية-فعندما سألته صحفية على قناة فرنسية رسمية معروفة: "ماذا تقول في ليبيا اليوم التي كنتَ السبب الرئيسس في تخريبها؟"، فأجاب بنبرته الخزرية المستفزة الممقوتة باستخفاف: "...ولكن كان ذلك مفيدا لصالح إسرائيل !!!"...بينما المهم في الأمرأن يظل الدولارهوالعملة المرجعية في التجارة العالمية.وأن تتحكم المصاريف الخزرية: (الأنغلو-ساكسونية) في مقاديرالشعوب المفقرة وتستعبدها بالقروض الربوية فإن لم يكن فبتمويل حروب الناتو لاي بلد ليس فيه بنك خزري!

ومن هذه الحيثيات: أعتقد أن الأزمة الأوكرانية قد كشفت عن الكثير من المغالطات الفكرانية والسياسيوية -غربا وشرقا-، وأسفرت عن زيف الشعارات المدعية " اليساروية"و"المعلمنة" و"المتأسلمة"، وحتى الإلتزام المبدئي بإديولوجية "مناهضة الإمبريالية الغربية".حيث تحولاليوم بوتين إلى النازي الأكبر، والإمبريالي الأوحد في تاريخ هذا القرن .

كما أنه آن الأوان للدول الصغيرة برمتها-الغنية منها والفقيرة-مراجعة حساباتها(الجيو-سياسية ) واستراتيجيات تحالفاتها الفورية في هذه الأزمة الآن وليس غدا، وطرح جدواها على المدى البعيد قبل فوات الأوان ! لأن الإختفاء وراء الحياد في هذه الأزمة لن يجدي نفعا على المدى البعيد .

من هنا فلا بد من أعادة النظرفي أكبر تحالف عسكري في العالم وفي تاريخ البشرية: منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).الذي ستنقل لنا صولاته وجولاته القنوات المعروفة -كما عشنا ذلك في حروب الناتو السابقة.

و سأفصل في موضوع الناتو لاحقا بإلإعتماد على مصادربحثية غربية موثوق بنزاهتها وموضوعيتها، و سأقوم بتقييم موضوعي للناتو بالإعتماد على أهم بحث علمي أكاديمي كتب في الآونة الأخيرة كتبه "دانييل غانسر تحت عنوان" "حروب الناتوغيرالشرعية: قصة تاريخية من كوبا إلى سوريا"، الذي صدرفي عام 2016. فإلى المقال المقبل بإذن الله.

***

د. الطيب بيتي 

في المثقف اليوم