آراء

كريم المظفر: هل موسكو وكييف على موعد تحقيق سلام قريب؟

تابعنا و بأهتمام كبير ما تناولته نشرات الاخبار العالمية والعربية، خلال الأيام القليلة الماضية وحتى كتابة هذه السطور، وتصدر نشراتها الإخبارية وطروحات للمحللين السياسيين، من أنباء عن تحرير القوات الأوكرانية هذه القصبات او تلك القرى او المدن في ضواحي العاصمة الروسية، ومعظم هذه التعليقات كانت تنتقص او تقلل من قدرات القوات الروسية في تلك المنطقة، ومحاولة رسم صورة بطولية للجيش الأوكراني وتصديه " الشجاع " للقوات التي يصفونها " بالغازية "، على الرغم من أن الاستخبارات الامريكية (المرجع الأساسي لهم) لم تؤكد وجود أي من هذا القبيل، ولم ينتبه أي من هذه الوسائل او الخبراء والمحللين، بأن هناك مفاوضات بين الوفدين الروسي والأوكراني عبر الفيديو (غير معلنة)، وان هذه الخطوة التي أقدمت عليها القوات الروسية، وأخذها مواقع دفاعية في ضواحي العاصمة هي نتيجة اتفاق بهذا الشأن بين أطراف النزاع .

 وتصريحات نائب وزير الدفاع الروسي وعضو الوفد الروسي المفاوض - ألكسندر فومين، بأن وزارة الدفاع الروسية قررت خفض عملياتها القتالية على محوري كييف و تشيرنيغوف بشمال أوكرانيا، وذلك لتهيئة ظروف مواتية لمواصلة المفاوضات السلمية، تدخل في هذا السياق، وقال انه نظرا إلى أن المفاوضات حول إعداد اتفاق بشأن الوضع الحيادي وغير النووي لأوكرانيا، وكذلك بشأن توفير ضمانات أمنية لأوكرانيا، تنتقل إلى المجال العملي، وأخذا في الاعتبار المبادئ التي نوقشت، قررت روسيا تقليص بشكل جذري أي تخفيف، العمليات العسكرية على محوري" كييف و تشيرنيغوف"، وهذا ليس "تقهقرا "

ولا نتيجة الضربات الأوكرانية وشجاعة الجيش الاوكراني "المزعومة"، ووفقا لبيان الجانب الروسي بشأن تقليص النشاط العسكري في اتجاهي كييف وتشيرنيهيف، فإن ذلك لا يعني وقف إطلاق النار، وهذه رغبة روسية في الوصول إلى تهدئة للصراع على الأقل في هذه المناطق، و" نحن نتفهم أن هناك أشخاصًا في كييف يحتاجون إلى اتخاذ قرارات، لذلك لا نريد تعريض هذه المدينة لمخاطر إضافية "، وكما قال ميدينسكي إن المقترحات الأوكرانية تشمل رفض إنتاج ونشر جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل على أراضي أوكرانيا، و"نحن [ردًا] نتخذ خطوتين لتهدئة الصراع، وإن تقليص النشاط العسكري في منطقة تشرنيغوف وكييف هو أحدها.

 بيان الكريملين حول المكالمة الهاتفية التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء، جاء هو الاخر مؤكدا على انفتاح روسيا الكامل نحو تحقيق السلام الضامن لحقوق جميع الأطراف، ومباركتها كل الجهود التي تحقق سلام دائم وشامل مع الجارة أوكرانيا، وقد ناقش الرئيسان أخر مستجدات الأزمة الأوكرانية على خلفية جولة المفاوضات بين الطرفين في إسطنبول، وانه تم التأكيد على أنه لتسوية الوضع الإنساني الصعب في هذه المدينة (ماريوبول)، يجب على المتطرفين الأوكرانيين التوقف عن المقاومة وإلقاء أسلحتهم".

 وختام الجولة الجديدة من المفاوضات (وجه لوجه) والتي افتتحها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الثلاثاء في إسطنبول، نجحت في انجاز خطوتين مهمتين باتجاه التقارب مع أوكرانيا، وهذا ما كشف عنه فلاديمير ميدينسكي كبير المفاوضين الروس في المفاوضات مع أوكرانيا، والاشارة إلى أنهما تخصان الشقين السياسي، وفيما يتعلق بالشق السياسي، فقد أكد كبير المفاوضين الروس إمكانية عقد لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، " ليس بعد التوصل إلى اتفاق بين البلدين بكل تفاصيله، لكن بالتزامن مع توقيع وزيري خارجية البلدين عليه بالأحرف الأول"، أما في الشق العسكري فتحدث عنه العضو الآخر في الوفد الروسي، ألكسندر فومين نائب وزير الدفاع الروسي، الذي أعلن عن قرار وزارته خفض النشاط العسكري "بشكل جذري" على محوري كييف وتشيرنيغوف (شمال أوكرانيا) بهدف تعزيز الثقة المتبادلة وتهيئة الظروف المناسبة لمواصلة التفاوض والتوصل إلى الاتفاق المنشود.

 كما كشفت المفاوضات في إسطنبول عن تقديم الوفد الأوكراني مقترحات تؤكد سعي بلاده لأن تكون دولة محايدة وخالية من الأسلحة النووية، وكما يلي:

 1. إعلان أوكرانيا دولة حيادية وغير نووية وقائمة خارج أي تحالفات على أساس دائم بموجب الضمانات القانونية الدولية، وسيتم تقديم قائمة بالدول الضامنة

2. لا تنطبق الضمانات الأمنية على أراضي شبه جزيرة القرم ودونباس، أي أن أوكرانيا تتخلى عن محاولة استعادتها بالوسائل العسكرية.

وهنا أشار ميدينسكي إلى أن هذا الطرح يعكس موقف كييف ولا يتوافق مع موقف موسكو، التي لا تعتبر القرم و دونباس جزءا من الأراضي الأوكرانية أصلا.

3. أوكرانيا ترفض الانضمام إلى التحالفات العسكرية، ونشر قواعد ووحدات عسكرية أجنبية واستضافة تدريبات عسكرية دون موافقة الدول الضامنة، بما في ذلك روسيا.

4. روسيا لا تعارض انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.

5. أوكرانيا تطلب صياغة القرار نهائيا في اجتماع بين رئيسي البلدين.

 كما أكد ميدينسكي، بأن كييف وعدت باتخاذ أشد الإجراءات ضد المجرمين الذين قاموا بتعذيب الأسرى الروس وقال "آمل أن نتمكن من تقديم بعض النتائج في غضون ساعات قليلة .. وحتى الآن، يمكنني القول إننا سلمنا احتجاجا للجانب الأوكراني بشأن معاملة الأسرى الروس، وتم قبول الاحتجاج، وتم سماعنا، ووعدونا باتخاذ إجراءات إذا تمكنوا من القبض على الجناة أولا".

 وستأخذ الخطوات المقترحة واللاحقة للمفاوضات وكما اوضحها كبير المفاوضين الروس الشكل الاتي: - أولا، تتم صياغة اتفاقية ثم الموافقة عليها من قبل المفاوضين، ثم يصادق عليها وزيرا الخارجية في الاجتماع، وبعد ذلك تتم مناقشة إمكانية اجتماع رئيسي البلدين للتوقيع على هذه الاتفاقية، وبالطبع هذه ليست مسألة سهلة خاصة وأن الاجتماع قد يكون متعدد الأطراف بمشاركة الدول الضامنة للسلام والأمن في أوكرانيا .

 أما تركيا التي تشعر " بأرتياح كبير " لما تحقق حتى الآن، فقد أعتبر وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو ختام اليوم الأول من الجولة الجديدة من المحادثات بين الوفدين الروسي والأوكراني في اسطنبول، بأنها أسفرت عن تسجيل التقدم الأكبر أهمية منذ بدء المباحثات بين الطرفين، وأشار تشاووش، إلى أن المفاوضات بدأت تثمر تقاربا في وجهات النظر، معربا عن امتنان تركيا للطرفين لذلك، موضحا أنهما اتفقا على بعض المسائل، وتوقع تشاووش أوغلو أن يحدد وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأوكراني دميتري كوليبا مسار المسائل الأكثر صعوبة خلال اللقاءات القادمة .

 وقد يتفق معنا الكثيرون، بأن المفاوضات لا تجري بين روسيا وأوكرانيا، بل هي بين روسيا وامريكا وبريطانيا، ولكن بشخوص أوكرانية، وهذا ما أكدته وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، بأن بلادها تقدم النصح لممثلي أوكرانيا في عملية التفاوض مع روسيا وقالت في مقابلة نشرتها صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية: " نريد أن تلعب المملكة المتحدة دورا رئيسيا في إبرام اتفاق ناجح، وان لندن شكلت فريق تفاوض لمساعدة أوكرانيا "، واشترطت وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا، شرطان أساسيان لرفع العقوبات المفروضة على موسكو، وهذا يعني ان المفاوضين مجرد دمى تحركهم الايادي الخفية الموجودة في الغرف المجاورة، ومثل هذه الشروط بالطبع لن تقبلها موسكو، فإنها تشدد على انه لا وقف لإطلاق النار مالم يتم الاستجابة على كل مطالبها .

 أما " الحمل الأمريكي الودي " أنتوني بلينكن، فقد عبر وبلغة خبيثة يشوبها الشك الكبير في النوايا الامريكية تجاه أي اتفاق بين موسكو وكييف لوقف اطلاق النار وتسوية المسائل العالقة بينهما، وأكد الوزير الأمريكي أن بلاده ستكون مستعدة لدعم الاتفاقات المحتملة بين موسكو وكييف (الى هنا والكلام جميل)، وفي ما يتعلق بضمان أمن أوكرانيا، قال بلينكن في مؤتمره الصحفي بالعاصمة المغربية الرباط، ان الولايات المتحدة ستترك لأوكرانيا الحكم على ما إذا كان هناك تقدم حقيقي في المفاوضات مع روسيا، "وما إذا كانت موسكو تتصرف بحسن نية"، لكنه عاد واستدرك الأمر، ليلحقه بكلام " غبيث " يناقض ما قاله قبيل لحظات، وقال " انه لم يرى أي شيء من شأنه أن يشير إلى أن هذه المفاوضات تتحرك بطريقة فعالة، على الأقل لم نشهد دلائل على الجدية الحقيقية من جانب روسيا " .

 كما وتأتي تصريحات وزراء خارجية بريطاني وامريكا متزامنة مع تصنيف مشروع الميزانية الأمريكية للسنة المالية 2023 التي تبدأ في أكتوبر المقبل، روسيا والصين على أنهما مصدر "للتهديد الدائم" على الولايات المتحدة، وجاء في مشروع الميزانية ضمن فصل "التصدي للمخاطر الدائمة" أنه "مع التركيز على دعم الدفاع من الصين وروسيا، ستسمح الميزانية لوزارة الدفاع بمواجهة التهديدات الدائمة الأخرى، بما فيها من كوريا الشمالية وإيران وحركات متطرفة"، واعتبرت الوثيقة الصين بمثابة "التحدي الأولي" بالنسبة للولايات المتحدة، وشددت على ضرورة "تعزيز قوات الردع" في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفي ما يتعلق بتمويل البنتاغون، يفترض مشروع الميزانية تخصيص 773 مليار دولار لتغطية احتياجاته.

 ومن بين أولويات المجال الدفاعي الأمريكي يحدد مشروع الميزانية تحديث "الثلاثي النووي" الأمريكي وتطوير قدرات الحماية في المجال السيبراني، وتحديث القوات الجوية وتطوير صناعة السفن الحربية، بما في ذلك تحديث الغواصات النووية، ومن المخطط أيضا للاستثمار في تطوير الدرونات الهجومية البعيدة المدى، بما في ذلك أسلحة فرط الصوتية، وتعزيز حماية الأنظمة الأمريكية في الفضاء وتحديث هيكل القوات المسلحة وتكثيف الدراسات الدفاعية، وتعزيز آلية التموين وتطوير القاعدة الصناعية للقوات المسلحة الأمريكية.

 وفي إطار تمويل الخارجية الأمريكية، من المقرر رصد 682 مليون دولار لمساعدة أوكرانيا في "مواصلة التصدي للأنشطة العدائية الروسية" وتلبية الاحتياجات الأمنية للبلاد، وهذا أكثر مما كان في العام الماضي بمقدار 219 مليونا، ويتضمن المشروع رصد 1.8 مليار دولار لضمان الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ و400 مليون دولار للتصدي "للأنشطة الخبيثة" من قبل الصين، وجاء الرد الصيني مباشرا على لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية، بدعوة واشنطن إعادة النظر في التزاماتها تجاه الأزمة في أوكرانيا، والتوقف عن "خلق أعداء وهميين"، والتوقف عن تجاهل المخاوف الأمنية للدول الأخرى، وان التقرير الذي قدمه البنتاغون إلى الكونغرس الأمريكي، يعج بأفكار حقبة الحرب الباردة وعقيدة الكتل، والصين وروسيا دولتان كبيرتان، ولن "تنجح خطط الولايات المتحدة ومحاولاتها لممارسة الضغط عليهما".

 الدبلوماسية الروسية، تحاول وبشتى الطرق بالتأكيد على أن استراتيجية الأمن والدفاع الأوروبية وقعت ضحية لكراهية روسيا، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، لقد وقعت هذه الاستراتيجية ضحية النزعة الشاذة المعادية لروسيا المخيّمة على فضاء الاتحاد الأوروبي، وكانت النتيجة وثيقة انتهازية ودعاية إلى حد كبير.. " وقد سقطت إبرة هذه البوصلة بشكل ميؤوس منه"، بعد ان أكدت استراتيجية الأمن والدفاع المشتركة التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي تؤكد الاتجاه نحو دمج الاتحاد مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لذلك دعت زاخاروفا " بروكسل إلى التخلي عن نهج المواجهة".

وعد الوفد الأوكراني بالامتناع عن الانضمام إلى التحالفات العسكرية، وعن إنتاج أسلحة دمار شامل - نووية وبيولوجية، وعن نشر قواعد ووحدات عسكرية أجنبية وإجراء تدريبات على أراضي أوكرانيا دون موافقة الدول الضامنة، بما في ذلك روسيا، يضع النوايا الغربية على المحك، والأمريكية والبريطانية على وجه الخصوص، والخطوتان التي اتخذتها روسيا " الكبيرتان " نحو السلام، تنتظر من خلالها أن تتحرك أوكرانيا في الاتجاه المعاكس والنظر في مقترحاتهم المكتوبة كخطوة تجاه روسيا - وهذه بالتأكيد حقيقة إيجابية - والآن فالجميع بحاجة إلى تحريك هذا ديناميكية إلى الأمام. (...) والعقد هو عندما يتم التوصل إلى اتفاق "، لذا فإن مهمة البلدين هي التوصل إلى اتفاق "، فهل يوافق رعاة " الارهاب والدمار " في واشنطن ولندن على ذلك ؟، وجميعنا في انتظار ما " تخبئ " لنا به الأيام القادمة .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر 

في المثقف اليوم