آراء

النفط والغاز بالروبل والبقية تأتي لاحقا

أوفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعهده، وأعلن الخميس خلال اجتماع حكومي عقد حول مشاكل صناعة الطيران، بأنه مرسوما حول آلية سداد ثمن الغاز الطبيعي المورد للدول غير الصديقة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، بالعملة المحلية الروسية (الروبل)، وبناء على المرسوم يتوجب على العملاء في الدول " غير الصديقة "، بما في ذلك في الاتحاد الأوروبي، فتح حسابين في مصرف "غازبروم بنك" الأول بالروبل الروسي، والثاني بعملات أجنبية وذلك لسداد مدفوعات الغاز الطبيعي المورد، ويدخل المرسوم حيز التنفيذ اعتبارا من 1 أبريل 2022

 وستعتبر روسيا أن مشتري الغاز الطبيعي في الدول غير الصديقة قد خرقوا العقود المبرمة إذا رفضوا شراء الغاز الروسي بالروبل، وفي هذه الحالة سيتم إيقاف العقود الحالية، وبناء على المرسوم الذي نشر على الموقع الرسمي للكرملين، يعتبر "غازبروم بنك" مصرفا مرخصا لتنفيذ التعاملات المالية المرتبطة ببيع الغاز الطبيعي للدول غير الصديقة، وشدد الرئيس الروسي على أن روسيا لن تقوم بأعمال خيرية فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعي، وقال: "لا أحد يبيع لنا أي شيء مجانا، ولن نقوم بأعمال خيرية أيضا. أي سيتم إيقاف العقود الحالية (في حالة عدم دفع ثمن الغاز بالروبل)".

 وسيتم " قريبا جدا " كما قال الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف إنه تم تقديم صورة مفصلة حول آليات دفع ثمن الغاز الروسي بالروبل وعرضها على الرئيس فلاديمير بوتين، وسيتم الإعلان عنها قريبا، وإن إجراءات دفع ثمن الغاز الروسي بالروبل قيد الإعداد الآن، منوها بأن"روسيا بالتأكيد لن تقدم الغاز مجانا".

 وقدمت شركة "غازبروم" والحكومة الروسية، بما في ذلك المركزي الروسي، تقريرها إلى الرئيس الروسي عن آلية سداد ثمن الغاز الطبيعي المورد إلى أوروبا بالروبل الروسي بدلا من اليورو، وأفاد بيسكوف، بأن الآليات الجديدة لدفع ثمن الغاز الروسي بالروبل لن تبدأ في التطبيق اعتبارا من 31 مارس الجاري، إذ أن هذه العملية تستغرق وقتا طويلا لتطبيقها، وأوضح بيسكوف، ليس الأمر أن الغاز الذي سيتم توريده في 31 مارس يجب دفع ثمنه بحلول مساء اليوم المذكور، لأن عملية (اعتماد الروبل في الدفع) تستغرق وقتا أطول من الناحية التقنية .

 ويرى الرئيس الروسي، إن الولايات المتحدة ستحاول الاستفادة من عدم الاستقرار العالمي كما فعلت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وستحاول حل مشاكلها على حساب الآخرين من خلال خلق موجات جديدة من العجز العالمي، مضيفا أن "الدول الغربية تحاول إلقاء اللوم على روسيا في أخطائها"، مشددا في الوقت نفسه إلى أن العقوبات المفروضة على روسيا هي ثمن "لحق روسيا في الحرية والاسقلال والحفاظ على مصالحا وقيمها".

 وسخر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف من العقوبات الأوروبية على موسكو ورفض دفع ثمن الغاز الروسي بالروبل، مشيرا إلى أن ذلك سيؤدي لحرمان أوروبا من الغاز، وقال في منشوره عبر "تلغرام"، ان أفضل طريقة لترك أوروبا بدون غاز هي تجميد مشروع "السيل الشمالي 2"، وتجميد أصول البنك المركزي الروسي، والإعلان عن رفض الغاز الروسي في العامين المقبلين، ورفض شراء الروبل لدفع ثمن هذه المادة، وأشار إلى أن تفتيش مكاتب شركة "غازبروم" في ألمانيا، وقال: "أحسنتم! قرارات حكيمة من السياسيين الأوروبيين!"

 وخطوة الرئيس الروسي شجعت البرلمان (الدوما) الى المطالبة بتوسيع قائمة البضائع الروسية المشمولة بالبيع بالروبل، واعتبر رئيس مجلس الدوما (النواب) الروسي فياتشيسلاف فولودين، أنه من الصواب توسيع قائمة السلع المصدرة مقابل الروبل، لتشمل الحبوب والزيت والأخشاب وغيرها، مشيرا الى ان الدول الأوروبية لديها كل الإمكانيات التجارية للدفع بالروبل. لا توجد أي مشكلة في ذلك، وان الوضع يكون أسوأ بكثير عندما يتوفر مال دون أن تكون هناك سلع. وخاطب الاوربيون بالقول " إذا كنتم تريدون الحصول على الغاز، فابحثوا عن الروبل" .

 أما الحكومة الروسية فقد سمحت بالاستيراد الموازي لمجموعة معينة من المنتجات والسلع، والحديث يجري عن السماح باستيراد منتجات عبر دول ثالثة، دون موافقة مالك العلامة التجارية أو الشركة المصنعة، وأشار رئيس الحكومة الروسية ميخائيل ميشوستين، إلى أن الهدف من الآلية الجديدة هو تلبية الطلب على سلع لديها حماية الملكية الفكرية، لافتا إلى أنه في السابق لم يكن يسمح ببيع منتجات في روسيا دون إذن صاحب حقوق الملكية الفكرية، أن وزارة التجارة والصناعة الروسية ستقوم بنشر قائمة بالمنتجات التي يشملها القرار الجديد.

 وفي إجراءات تحد من المستغلين الذين يحاولون ربط الأسعار بعملة الدولار، فقد قامت دائرة مكافحة الاحتكار الروسية بإعداد مشروع قانون يحظر تحديد أسعار العقود المحلية استنادا إلى عملات أجنبية ومؤشرات السلع العالمية، جاء ذلك في مذكرة توضيحية لمشروع القانون، وأوصى مسؤولو مكافحة الاحتكار بأن تستخدم شركات البتروكيمياويات الروسية المؤشرات الروسية بدلا من المؤشرات الأجنبية عند تسعير منتجاتها، ما سيمنع الزيادات غير المعقولة في الأسعار، وينص مشروع القانون أيضا على معالجة جميع العقود المبرمة بالفعل، في غضون 30 يوما من تاريخ النشر الرسمي للقانون.

 وعلى خلفية التصعيد الحاد من حدة الخلافات بين روسيا والغرب، وأعلان الاتحاد الأوروبي عن نيته تقليص اعتماده على صادرات الطاقة الروسية، بعد إطلاق موسكو عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وقرار روسيا بيع الغاز للدول ( الغير صديقة ) بالروبل، وبلغة تصعيدية نفذت فرق تفتيش الاتحاد الأوربي عمليات تفتيش غير معلنة مسبقا في مقار عدة شركات متخصصة بإمدادات ونقل وتخزين الغاز الطبيعي في ألمانيا، و أن المفتشين زاروا مكاتب عدة شركات منها "غازبروم ألمانيا" وWingas GmbH (التابعة للعملاق الروسي أيضا) اللتان تصدران نحو 20 بالمائة من إجمالي إمدادات الغاز في السوق الألمانية، غير أن وكالة "فرانس برس" نقلت عن مصدرين مطلعين على الموضوع قولهما إن الهدف الرئيسي للعملية كان شركة "غازبروم" الروسية العملاقة، مؤكدين أنها متهمة بالتسبب بأزمة طاقة في أوروبا والعمل على رفع الأسعار في أوروبا بشكل غير قانوني.

 وبالطبع، أعلنت عدد من الدول أوروبية رفضها طلب موسكو الانتقال إلى المدفوعات بالروبل لسداد قيمة واردات الغاز الروسي إليها، فقد أعلنت واشنطن والاتحاد الأوروبي، أن دبلوماسي الطرفين عقدوا الأربعاء أول اجتماع رفيع حول روسيا، بحثوا فيه خطوات إضافية لـ"تشديد عزلة" الاقتصاد الروسي، ووفقا لوزارة الخارجية الأمريكية التي رحبت في بيانها بالتنسيق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تنفيذ إجراءات الرقابة على الصادرات ردا على العدوان الروسي، فقد بحث الطرفان مواصلة العمل عن كثب بالتنسيق مع مجموعة السبع لضمان التطبيق الصارم لهذه الإجراءات .

 الدول الغربية واولهما فرنسا وألمانيا، سارعت بعد الإعلان عن آلية دفع الغاز الروسي، على التشديد على أنهما لا يمكنهما قبول مطالب روسيا بدفع ثمن إمدادات الغاز الطبيعي بالروبل الروسي، وقال وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير في مؤتمره الصحفي في برلين مع وزير الاقتصاد وحماية المناخ روبرت هابك، "لن نوافق على سداد ثمن الغاز بعملة أخرى إضافة إلى ما هو محدد في العقود المبرمة، وان العقود مبرمة باليورو لذلك يجب السداد باليورو"، في حين لفت نظيره الألماني إلى أن بلاده مستعدة بشكل جيد لقرارات روسيا بشأن إمدادات الغاز ولن تسمح "بالابتزاز".

 وأيطاليا التي استبعد رئيس وزراءها ماريو دراغي أن يتم وقف إمدادات الغاز الطبيعي من روسيا إلى الدول الأوروبية، وانهم "بعيدون عن الخطر"، لكن في الوقت نفسه حذر مدير شركة " Eni " الإيطالية للطاقة، كلاوديو ديسكالتسي، من عواقب العقوبات المحتملة على روسيا في مجال الطاقة، بالنسبة لأوروبا، مؤكدا أنها لن تتمكن من تعويض إمدادات الغاز الروسي، وانه " إذا تم فرض العقوبات على الغاز و توقفت الإمدادات من روسيا بالكامل (التي تتراوح ما بين 140 و150 مليار متر مكعب سنويا) فلن تكون لدى أوروبا إمكانية لتعويضها، وستكون هناك عواقب جدية، بما في ذلك ما يخص الأسعار"، وكذلك أعلان المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للصحفيين إن وزير الأعمال والطاقة والصناعة كواسي كوارتنج بالتعاون مع زملائه "أوضح أنهم لن يدفعوا بالروبل"، ومن جانبها، صرحت المتحدثة باسم حكومة بلغاريا لينا بوريسلافوفا بأن بلادها ترفض الطلب الروسي أيضا، وان موقف بلادها والاتحاد الأوربي يقضي بضرورة عدم السماح بانتهاك العقود المبرمة التي تنص على أن المدفوعات تأتي إما باليورو أو بالدولار، ولا يختلف الحال بالنسبة لفيينا، التي أكدت وزيرة الدفاع النمساوية كلوديا تانر، أن فيينا لن تدفع أيضا بالروبل مقابل الغاز الروسي، مشيرة إلى أن لدى بلده موقفا مشتركا مع الدول الأوروبية الأخرى بهذا الخصوص.

 ومقابل هذه الخلافات بين روسيا والعالم الغربي، تزايدت رغبة عدد من الدول بالتعامل بالعملة المحلية المقابلة، أي عملة (الروبل) مقابل العملة المحلية لهذه الدول، وقد أفادت الخارجية الصينية بأن بلادها لا تستبعد إمكانية التحول إلى عملة "الروبل" أو "اليوان" في سياق تجارة الطاقة مع روسيا، منوهة بأن الشركات الصينية تعتزم استخدام عملاتها بنشاط أكبر في التجارة مع روسيا "على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة، مع مراعاة التغيرات في وضع السوق"، وكذلك عند إجراء تسويات متبادلة ثنائية، يمكن لكيانات السوق اختيار عملة وفقا لاحتياجاتها الخاصة.. فيمكن أن يساعد استخدام العملة الوطنية في عملية التجارة المنتظمة والتفاعل الاقتصادي في تجنب مخاطر العملة وتقليل التكاليف المرتبطة بصرف العملات.

 ونقلا عن مصادر ذكرت صحيفة "إيكونوميك تايمز"، أن روسيا والهند أكملتا العمل على منصة للرسائل بين البنوك تكون بديلة لنظام "سويفت"، أي تم الابتعاد عن الدولار في التجارة بين البلدين، وانه من المحتمل أن يكون بنك التنمية الروسي والبنك الاحتياطي الهندي قد أكملا العمل على منصة معاملات بديلة لتسهيل التجارة الثنائية بعد أن منعت العقوبات الغربية وصول موسكو إلى منصة (سويفت)، وسيكون قادرا على ضمان "النقل السلس لمستندات الاستيراد أو التصدير للمعاملات بالروبية والروبل".

سفير نيجيريا لدى موسكو: مستعدون للنظر في إمكانية التجارة مع روسيا بالعملات الوطنية

 ونيجيريا وحوثيو اليمن هي الأخرى دخلت على هذا الخط، ووفقا لما صرح به السفير النيجيري في موسكو، عبد الله شيخو، فإن بلاده مستعدة لبحث امكانية التجارة مع روسيا بالعملات الوطنية، وقال وقال السفير: "إذا قدمت روسيا مثل هذا البديل لنيجيريا، فسننظر في هذا الاحتمال (للتجارة بالعملات الوطنية).. ربما تفتح آفاق التجارة مع روسيا بدون الدولار واليورو فرصا لروسيا لتعزيز عملتها، وسيصبح الروبل عملة قابلة للتحويل بحرية. سننتظر ونرى".

 وفي اليمن أعربت جماعة "أنصار الله" الحوثية عن استعدادها لشراء القمح والمشتقات النفطية من روسيا بالروبل، لافتة إلى أن روسيا عرضت مساعدات من القمح لليمن، وقال محمد علي الحوثي رئيس اللجنة الثورية العليا للجماعة في تغريدة عبر حسابه بموقع "تويتر" ان "روسيا عرضت مساعدات من القمح لليمن قبل فترة لذلك نقول للإخوة في الخارجية التواصل لشراء القمح والمشتقات من روسيا شيء جيد وبالروبل بعيد عن العملات الأخرى".

 تصريحات السياسيين الاوربيين، بأن بلدانهم لن ترضخ لشروط روسيا بالتعامل مع عملتها المحلية كأساس في عملية بيعها للغاز، لا تعد عن كونها مرحلة أولى من المماطلة الغربية، التي ستأتي بعدها محاولة التفاوض فالاكتئاب ثم القبول في نهاية المطاف، لأنها أصلا لا تملك خيارا آخر، خصوصا اذا ما علمنا بأن جميع محولات الرئيس الأمريكي ووعوده بتوفير الغاز البديل، جميعها باءت بالفشل، ومعظم البلدان المصدرة للغاز والنفط، رفضت ذلك، لأن أي إخلال بعقودها مع عملائها الدائمين سيهز بصورتهم التسويقية المستقبلية معهم، بالإضافة الى انهم أكدوا، ان أحجام التصدير الروسية الكبيرة من النفط والغاز، لا يمكن تعويضها في يوم وضحاها.

 وأمام هذه المعضلة لن يتبقى أمام الأوربيين من خيار سوى الموافقة، خصوصا ان عملية تعويض المنتجات النفطية والغازية الروسية تحتاج الى وقت طويل قد تستمر لعدة سنوات، وحتى ذلك الوقت سيكون عليها كي تفعل ذلك أن تكرس نصف اقتصادها له، بعد ذلك سينهار النصف الآخر، وبالتالي فإن هناك الآن لاعب واحد فقط في روسيا، وفقا للمحل السياسي ألكسندر نازاروف، يمكن للغرب، بطريقة أو بأخرى، أن يحصل منه على تلك المبالغ الضخمة اللازمة بالروبل، ألا وهو البنك المركزي الروسي، الخاضع للعقوبات الغربية، أي أنه لن يبق لأوروبا سوى الاقتراض من البنك المركزي الروسي، سواء بقرض مباشر أو من خلال البنوك المرخصة، والتي قد تكون هي الأخرى من بين البنوك التي فرض الغرب عقوبات عليها.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر 

في المثقف اليوم