آراء

الحرب في أوكرانيا.. الانسحاب الأمريكي من المنطقة؟ (1)

أو المقاومة؟ أم التطبيع مع الأسرلة

"إن العرب ليس لديهم أي مشروع لمنطقتهم: "لاكبير "ولا"خصيب". إنهم يقتتلون على التصريح والتصريح المضاد. وكنا (نحن البريطانيون) ننتظر في وضع تجريبي ليس أكثر !. وكانت سياستنا تقوم على مبدإ "إنتظر ثم أنظر !wait and seeing".. فإذا ما أتيح لك أن تتعرف على الشرق الأوسط، فأنك لن تندهش لشئ.. !. وأما إذا أتيحت لك فرصة للإنقضاض، فلا تنتظر.. !!"من مذكرات"السير بيتر مايكل كيرك Peter Kirk" (1928- 1977): كاتب بريطاني وسياسي محافظ وعضو في البرلمان الأوروبي.

الكثير من الخبراء الغربيين الجادين، المتخصصون في قضايا المنطقة-على أقليتهم-، يميلون إلى ترجيح كفة إحتمال الإنسحاب الأمريكي التدريجي من الشرق الأوسط، كما خطط له أوباما في عام 2014 من أجل التركيز على"الأورو-آسيا". والحرب في أوكرانيا عززت هذا الإحتمال .

ولكن، لابد من ذكربعض الحيثيات لفهم ما يجري حاليا في الشرق الأوسط على ضوء"الحرب في أوكرانيا، و"قمة النقب"، والتطورالمفاجئ للمقاومة الفلسطينية:

 بداية، ليس من السهل دائمًا الحديث عن الشرق الأوسط (جيو-سياسيا) من المنظورالعربي-لأن ساسة المنطقة لا توجد لديهم مدرسة جيوسياسية واضحة المعالم-منذ مرحلة ما بعد الإستعمار. !

ومن جهة ثانية، فإن خصوصية (الجيو-سياسة) العربية الحالية في الشرق الأوسط، تبدومن خلالها المنطقة-كما كانت بالأمس: معقدة ومشتتة وملغومة في أزمنة الإحتلال (البريطاني- الفرنسي): حكام خونة، وأراضي محتلة ومنهوبة، وشعوب مضطهدة. واليوم لم يتغيرسوى الديكورالخلفي (الرومانسي-الإستشراقي): للخيام المنصوبة والنياق المطهمة، والخيول العربية الأصيلة، والسيوف المصقولة، ليحل محلها فوهات آبار النفط، والسيارت الفخمة، وتطاول الأعرب في البنيان على الرمال، وعنجهية الإسرائيلي، وتحجر الأعرابي، وقواعد الإحتلال الأمريكي، لتصبح الجغرافية العربية اليوم أرض المطامع الغربية اللامحدودة، المليئة بالخيالات السياسية المحفوفة بالرموزوالفانتازمات الجيوسياسية الغربية، وترتيلات سجع التخيلات السياسية المرضية لحكامها. الشيء الذي يجعل الشرق الأوسط الأرض الأكثرغرابة وتناقضا وشذوذا في التاريخ الإنساني على الكرة الأرضية. والأكثرإثارة للصوص والنصابين والمحتالين الغربيين منذ القرن التاسع عشرعبرالإمبرياليات الثلاثة: العسكروالشركات وأبناك روتشيلد الخزرية. (وهذا جانب تفصيلي يحتاج إلى مجلد بكامله) .

 

ومن هذا المنطلق نقول: توقعًا لفك الارتباط العسكري الأمريكي الواضح اليوم في كل مكان، وظهورأعراض تقلص قوته الضاربة على المستوى العالمي منذ الإنسحاب العسكري المذل في أفغانستان، وتفادي حدوث قلاقل أهلية دموية أمريكية محتملة إستمرارا لما حدث في"الكابيتول"في آخرعهدة ترامب، وتزايد " الترامبيين"منذ ولاية"جوبايدن". فقد بدأ الأمريكيون يهيؤون المنطقة لما بعد الحرب في أوكرانيا، للحفاظ عليها كدجاجة تفرخ لهم دوما بيضا من ذهب، منذ نهاية الحرب الكبرى، لكي لا تقع المنطقة بين إيدي المحور: "روسيا-الصين–إيران-سوريا– المقاومات الفلسطينية - الجزائر"، حيث إنقسم حكام المنطقة إلى فسطاطين متعارضين في شأن مناصرة بوتين .

 ومن هذا المنظار، فمن الطبيعي أن يقوم الأمريكيون بتجميع بعض الفاعلين الإقليميين في المنطقة من أجل المحافظة على المكاسب (الإسرائيلو-أمريكية) – التاريخية- منذ عام 48- الأكثروثوقية وضمانة للبيت الأبيض التي حققها دونالد ترامب في عام 2019.

ولذا، فقد أدرك الأمريكيون، أن أفضل طريقة لكي يضلوا آمنين، هي ضمان أرضية آمنة للمدللة إسرائيل: -"القلعة المتقدمة" للإمبراطية في المنطقة، -بإحاطتها ب"دول صديقة"تملك الأموال القارونية، وهول الطاقة، والعمق الجغرافي الممتد من الأراضي المحتلة إلى وادي النيل وصولا إلى المغرب العربي. وذلك بسبب إحتمال استمرارالحرب في أوكرانيا ربما لأمد بعيد، والذي قد يكون له عواقب وخيمة على أمن إسرائيل، ويمكنه أن يؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي في الشرق الأوسط لغير صالح واشنطن وتل أبيب وأصدقائهما على المددين المنظور والمتوسط الأجل.

ومنه أيضا: فباعتبارروسيا وأوكرانيا هما أهم موردي القمح الرئيسيين لبعض دول المنطقة وخاصة في مصر-المندرجة في مشروع "إتفاقية إبراهام الترامبية" -، فقد تزعج قلة القمح سياسة مصرالحليفة الأهم لتل أبيب وواشنطن-، وقد يتسبب نقصان الحبوب صدمة شعبية في القاهرة وعواصم إقليمية عربية أخرى. إضافة إلى أن أسعار النفط المتزايدة قد تفجر الأوضاع في مصرأيضا. وفي بلدان أخرى في المنطقة.

 أما السعودية والإمارات فهما لايستسلمان إلى حد الساعة-مؤقتا- للضغط الأمريكي الذي يطالبهما بزيادة إنتاجهما لخفض الأسعار، ليس بسبب مبدئي (إيديولوجي-جيو-سياسي) بعيد المدى، بل فقط إنتظار لتعليمات جديدة من ترامب، عبر صهره كوشنير الساعي إلى إعادة ناتانياهو إلى الحكم، وفي نفس الوقت كوسيط بين ترامب و"أصدقائه المخلصين"في المنطقة، لإستخدامهم للإطاحة ب"جو" لقطع الطريق على فريق: (أوباما-كلينتون-بيلوسي) -الذين يحركون " جو" من بعيد).. !!بمعنى آخر، أنه إذا بدأت شعوب دول الشرق الأوسط في التململ بسبب أزمتى الغذاء والنفط المحتملة القادمة، فإن الأمريكيين سيكون لديهم مصلحة في فك الارتباط في مناطق ساخنة مثل العراق وسوريا والأردن ولبنان وتونس، إذا كانوا لا يريدون أن يتم استهدافهم من طرف الإنتفاضات الشعبية المحتملة. ناهيك عن أن بعض "الثورات الملونة السوروسية" يمكن أن تحدث فجأة، إستغلالا للأزمات الحالية من أجل قلب أنظمة لا تروق للأمريكي والإسرائيلي، ولكن هذه المرة لن يتم تنظيمها بنفس"الطريقة الربيعية" .

حتى الاتفاق النووي الإيراني الذي طال انتظاره (JCPOA)، والذي يبدو أنه في مراحله النهائية، يمكن تأجيله، أو حتى إجهاضه، بسبب مطالب جديدة من روسيا من شأنها دعم إيران لإرهاق كاهل الغرب. ولأن الإنتصار الروسي في أوكرانيا يعني في المحصلة العملاتية، المقتل الأخير لمخططات البيت الأبيض في المنطقة، والضربة القاضية لإسرائيل. مما جعل واشنطن وتل أبيب- يعجلان -بهلع- بلم "كومبارسات"بعض رموزالدول العربية الدائرة في الفلك "العبري-الأمريكي"من أجل أن يتنافسوا-مثل تلامذة سنة أولى إبتدائي -في من سيكون التلميذ الأكثرنجابة و"فهلوة"في إرضاء معلمة القسم"إسرائيل"، عبر قردانيات التغني بالود والعشق للعبري، والتشبيب بالتلاقح والتقابس والتماثل (التاريخي والثقافي- والحضاري) ما بين التعربُبِ والأسرلة والصهينة، من أجل الإمتثال في النهاية إلى الكيان العبري، سيد المنطقة المطلق. حيث يفسر-هؤلاء التلاميذ الأغبياء – التاريخ -وكما أقول دائما-بعقلية الجهل والغفلة والتغافل والإستهبال. -وللحكام العرب فيما يعشقون مذاهب!!!!

***

د. الطيب بيتي 

في المثقف اليوم