آراء

استراليا: ميزانية 2022 اولويات انتخابية

لا شك ان هم السياسيين الحفاظ على مناصبهم حتى قبل او على حساب المصلحة الوطنية العامة، رئيس الوزراء سكوت كوريسن قد يكون من أكثر السياسيين الذين ينطبق عليهم هذا الوصف والميزانية التي قدمها وزرير جزينته جوش فرايدنبرغ 29/3/2022 قد تكون أكبر وثيقة سياسية انتخابية تقدمها حكومة استرالية، حيث بلغت نسبة التقديمات الحكومية 8،6 مليار دولار سواء من خلال تخفيض الضريبة على ليتر النزين من 44 سنتاً الى 22 سنتاً لمدة 6 أشهراو تقديم مبلغ 420 دولار تخفيضات ضريبية لذوي الدخل المحدود والمتوسط ولمرة واحدة (10 مليون مواطن) ومبلغ 250 دولارللمتقاعدين ومتلقي اعانة البطالة والباحثين عن عمل وكذلك لمرة واحدة (6 مليون مواطن).

حجة الحكومة مساعدة المواطنين للتخفيف من اعباء غلاء المعيشة، التي عزتها الحكومة الى الكوارث الطبيعية( حرائق، جفاف، فياضانات) والكورونا وارتفاع اسعار المحروقات والازمة الاوكرانية مع ان اسعار المحروقات كانت قد قاربت عتبة الدولارين قبل الازمة الاوكرانية.

طبعاً لا يمكن لحكومة ان تقدم اوراق اعتمادها الانتخابية للمواطنين وتعلن على الاقل انها تتحمل جزءاً  من المسؤولية عن سوء إدارة الاقتصاد حيث تركز في حملتها الانتخابية على إدائها الاقتصادي وتحسن الوضع المالي بما يقارب 140 مليار دولار نتيجة ارتفاع اسعار المواد الاولية(فحم، حديد، غاز) او من خلال زيادة الدخل الحكومي من ضريبة الدخل الشخصي وتراجع دفعات الضمان الاجتماعي بسبب تدني نسبة العاطلين من العمل التي وصلت الى 4% فقط.

ان نسبة التضخم في أستراليا حالياً 3.5 % وهذا وحده يعتبر كافياً  لبنك الاحتياط ليتحرك ويرفع سعر الفائدة (0.1% حالياً) علماً ان كل التوقعات تشير الى ان نسبة التضخم سوف تصل الى 4.25 % السنة المالية الحالية خصوصاً مع الكرم الانتخابي الحكومي الذي سيؤدي الى ارتفاع الاسعار، وهذا ما يخشاه بعض الاقتصاديين مما يؤدي الى رفع الفائدة والتي قد تصل الى 3% آب العام  2023 وكانت الفائدة سجلت آخر ارتفاع في تشرين ثان 2010.

المعاشات وحسب الميزانية الحكومية من المتوقع ان ترتفع بنسبة 2.75% اي أقل من نسبة التضخم.

اما الدين العام فمن المتوقع ان  يصل الى 1.2 ترليون دولار عام 2026 ويستمر بالارتفاع بعد ذلك، رغم ذلك تحاول الحكومة الترويج للميزانية على انها ميزانية مسؤولة مالياً  وان الحكومة قد حلت مشكلة غلاء المعيشة لتأكد انها أي الحكومة الاقدر على ادارة الاقتصاد علماً ان كل الدلائل تشير الى العكس.

 نشير هنا الى ان الدين العام كان 13% من الدخل القومي عام 2013 عندما تسلم الاحرار - الوطني الحكم ليبلغ 31% من الدخل القومي اليوم، وهذا ما يشكل عبء ديون كبير لما يكلف من فوائد عالية لخدمة هذا الدين.

نشير الى ان العجز بالميزانية لهذا العام سيكون 78 مليار دولار.

 

مارسيل ثيليانت ، كبير الاقتصاديين الأستراليين في كابيتال إيكونوميكس ، قال: "إن الدليل على أن الاقتصاد يتعافى بالفعل واسرع مما كان متوقع ، مجادلاً بأن إجراءات الميزانية لن تؤدي إلا إلى زيادة مخاطر التضخم" وبالمحصلة ارتفاع الفائدة.

زعيم المعارضة الفيدرالية انثوني البانيزي، والذي تبنى كل التخفيضات الضريبية والتقديمات الحكومية، ولأسباب سياسية وانتخابية الا انه ميز موقف المعارضة في مشروع ميزانيتها، حيث وعد بتقديم مبلغ 2.5 مليار دولار لمعالجة مشكلة قطاع رعاية المسنين وزيادة اجور العاملين في القطاع وانصافهم وقال انه يؤمن بأجور أعلى.

كما تعهد البانيزي بتخفيض كلفة رعاية الاطفال للعائلات التي لديها أكثر من طفل دون سن السادسة وقال ان 96% من العائلات ستكون في وضع أفضل في ظل التغييرات التي يقترحها في حال فاز العمال في الانتخابات.

ومن اجل تعزيز الصناعة المحلية والميزانية الدفاعية تعهد البانيزي بزيادة الانفاق حتى تقف أستراليا على قدمها، خصوصاً  بعد حالة عدم الاستقرار التي نتجت عن الغزو الروسي لاوكرانيا كما قال. واضاف هذه الاجندة ليست متطرفة وقال "أنا وفريقي نعد بالتجديد وليس الثورة" ونريد ان نستغل التضحيات التي قدمتموها جميعًا خلال هذه الأوقات الصعبة من أجل تحقيق مستقبل أفضل.

والتزم البانيزي وحزب العمال بتبني بيان أولورو من القلب والسعي لإجراء استفتاء لإدراج صوت السكان الأصليين في البرلمان في الدستور وكان البيان صدر في 26 مايو/أيار 2017 من قبل المندوبين إلى المؤتمر الدستوري الوطني للسكان الأصليين، الذي عقد على مدى أربعة أيام.

وختم البانيزي كلمته متوجهاً  للأستراليين بأنكم تستحقون حكومة تدافع عنكم، وزعيماً يحمل خرطوم ماء غامزاً من قناة رئيس الوزراء الذي كان قد قال أثناء ازمة حرائق الغابات عام2019  انه لا يحمل خرطوم ماء لأطفاء الحرائق وتحدى رئيس الوزراء بأن يحدد موعد الانتخابات في أسرع وقت.

 وطبعاً، هذا ما لم يحصل لان حزب الاحرار ما زال يخوض صراع داخلي وفي المحاكم حول تسمية مرشحيه للأنتخابات بعد اتهام رئيس الوزراء وفريقه من قبل بعض الحزبيين في نيو سوث ويلز باحتكار التسميات وترشيح الموالين لموريسن.

ومن الناحية المالية الافضل لرئيس الوزراء تأجيل موعد الانتخابات قدر الامكان لان تكلفة الحملة الترويجية للميزانية تتحملها الخزينة وعند تحديد موعد الانتخابات يتحمل الحزب التكلفة.

بالعودة الى الميزانية والتي تضمنت بعض الايجابيات مثل زيادة الانفاق لتدريب الشباب وتحسين المهارات ومساعدة مشتري البيت الأول، الا انها ما زالت تعتبر ميزانية أنتخابية ولم تقدم حلول جذرية لمشاكل مزمنة  كتعديل النظام الضريبي مثلاً.

 وهذا ما أشار اليه محرر الشؤون السياسية في الهيرالد بيتر هارتشر في مقالته السبت 2/3/2022 وعن التقديمات المالية التي قدمتها الحكومة  التي  اعتبرها  رشوة سياسية صارخة لدرجة أنها تمثل إهانة لذكاء الناخب الأسترالي قال:  نحن نسخر من الانتخابات في القرى الإندونيسية حيث يضع النشطاء بعض الأوراق النقدية في أيدي الناس لشراء أصواتهم وهم يقتربون من صندوق الاقتراع. كيف يختلف أي رئيس وزراء أسترالي عن سداد دفعة نقدية لمرة واحدة في الحسابات المصرفية للأفراد في اقترابه من محاولة إعادة انتخابه؟

إذن، الحكومة تريد الأحتفاظ بالسلطة وبأي ثمن ولم تقدم الحلول للمشاكل المزمنة، وحزب العمال يريد الفوز بالانتخابات وبأي ثمن ويجاري الحكومة في تقديماتها ورشوتها لاسباب سياسية وانتخابية حتى لا تتكرر نتيجة انتخابات عام 2019، وهذا ما يجعل الوضع أكثر ضبابية قبل الانتخابات، وعندما تنجلي غبار المعركة الانتخابية وأياً  كان الفائز سنكون امام حقائق مرة لعدم وجود حلول للمشاكل التي ستنفجر بوجه الحكومة والمواطنين.    

أخيراً، ميزانية حكومة موريسن حلول مؤقته لمشاكل مزمنة، ميزاينة انتخابية بكل المقاييس (8.6 مليار دولار) اعتقد ان الناخبين قد يرحبون بالدفعات ولكنهم اكثر وعياً من يخدعهم اسلوب الحكومة

والتاريخ غير البعيد يشهد على ذلك خسارة جان هاورد حتى لمقعده عام 2007 رغم انه قدم اكبر رشوة انتخابية في تاريخ استراليا ولا بد من ان نشيرالى ان حكومة موريسن وضعت جانباً مبلغ يقارب 13 مليار دولار أضافية لاستعمالها في الحملة الانتخابية.

هذا أضافة الى ما يعانيه موريسن على المستوى الشخصي بعد هجوم السينورة كونشيتا فيرافينتي والس (أحرار ) العنيف على رئيس الوزراء الفيدرالي سكوت موريسن (احرار) مفجرة قنابل سياسية على ابواب الانتخابات واطلاق الميزانية التي كان موريسن يعول عليها لاستعادة ثقة الناخبين.

وصفت فيرافينتي والس موريسن بأنه بدون بوصلة أخلاقية، متعجرف، متنمر،عنصري ومتسلط وله تاريخ طويل بالطعن بالظهر ويدعي الايمان ويستغل ذلك لميزات تسويقية ولا ينبغي أن يكون رئيسًا للوزراء..

وأيدت زعيمة "أمة واحدة" بولين هانسون السينتورة فيرافينتي وتحدثت عن تجربة مرة مع موريسن وكذلك قالت السينتورة المستقلة جاكي لامبي.

 وكانت كلاديس بيرجكليان رئيسة ولاية نيو سوث ويلز السابقة  وبارنبي جويس نائب موريسن وزعيم الحزب الوطني كانا قد قالا في وقت سابق كلام مشابه عن موريسن.

لكن موريسن رفض ذلك وقال ان ذلك هراء وليس صحيحاً.

***

عباس علي مراد

سدني

في المثقف اليوم