آراء

الدّال القاتلة

كثيرون يعرفون، الكاتب الروسي الشهير مكسيم غوركي ( 1868 - 1936) الذي اشتهر بصداقته للقائد الثوري الروسي لينين، منظر وقائد ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917، وأيضا تعقيدات علاقة غوركي مع ستالين، الذي أُتهم بكونه ربما يكون سببا في وفاة غوركي، لمعارضته الستالينية وتضيقها على حريات المثقفين، ولكن ربما البعض لا يعرفون بأن مكسيم غوركي صاحب الرواية الشهيرة (الأم)، التي تتلمذ على سطورها كثير من الثوريين والمثقفين اليساريين في العراق، لم يكمل في المدرسة الصف الثاني الابتدائي، بل قامت أمه بتعليمه في البيت، ثم ألحقه جده لأمه، بدروس محو الامية في الكنيسة، وحتى هذه الدروس توقف عنها غوركي وتركها بعد أصابته بالجدري. عند مراجعة سيرة غوركي الأدبية، سنجد أنه اعطى واحد من أشهر مؤلفاته، الذي كتبه عام 1923، عنوان (جامعاتي)، ويصف النقاد هذه الكتاب بكونه قطعة أدبية استثنائية من أعماله، ففيه يتحدث عن ذكرياته كطالب للعلم، وكيف تعلم الكتابة، وكيف تتلمذ من قراءة أشهر مؤلفات مختلف الكتاب بالإضافة الى تجارب الحياة، فهو من خلال هذا العنوان يريد القول بأن الحياة هي أهم جامعة في حياة الانسان، تقدم له التجربة وثم الحكمة، وبالتالي تخلق منه أنسانا ذو مكانة ما.

ولا نختلف، بأن من حق الانسان، أي انسان، ان يفتخر بأي إنجاز يحققه في حياته الشخصية، لهذا تم ابتكار ما سمي (السيرة الشخصية) أو ما يعرف بالـ CV، فعند تقديم طلب للحصول على وظيفة ومكان عمل في مكان ما، يفترض من صاحب الطلب أن يقدم كشفا بما حققه من إنجازات عمل، وأيضا يسجل الشهادات التي حازها والجامعات التي درس فيها ... الخ، فهي تعتبر دليلا على اجتهاده ونشاطه وسعيه لامتلاك ناصية العلم.

يثير انتباهي دائما أولئك الذين يصرون على استخدام القابهم الأكاديمية بمناسبة وبدون مناسبة، وكأن هذا اللقب هو من يصنع شخصيته ويعبر عن مواقفه ووجهات نظره، وأتذكر في أيام النظام الديكتاتوري الصدامي أن البعض من أصحاب لقب (الدكتوراه)، الذين كتبوا بأسماء مستعارة، في دوريات ونشرات المعارضة العراقية ــ وما أكثرها! ـ وللغرابة لم ينسوا استخدام لقب (الدكتور) مع أسمهم المستعار! وكأن القارئ بدون هذه (الدال) سوف لن يستوعب ما يحويه النص من وجهات نظر!!

قبل أيام، طالعني في أحدى الصفحات الثقافية، في أحدى الدوريات العراقية، الصادرة في بغداد، نص قصصي، وللأمانة أعرضت فورا عن قراءته حالما وجدت ان الكاتب لم ينس ان يضع (الدال) القاتلة امام أسمه. ربما في مقال صحفي، بحث أكاديمي وعمود صحفي، تكون هذه (الدال) موجبة وربما لازمة، فهي تعطي القارئ فهما ما عن طبيعة الكاتب ومرجعيته التعليمية والأكاديمية، لكن مع نص قصصي أو قصيدة، أجد شخصيا ان هذه (الدال) القاتلة ليست أكثر من حاجز بين القارئ والنص، تبعده عن رسم صورة مقبولة للكاتب، تساعد في تقبل رسالته الإنسانية. ورحم الله مكسيم غوركي، الذي أطلق مثقفون معاصرون له على شقته اسم (أكاديمية غوركي)، إذ غالبا ما يجتمع 30-40 شخصية ثقافية في غرفة الضيوف يتداولون في مختلف الشؤون ويتعلمون من بعضهم البعض. كان غوركي طول حياته ومنذ شبابه يكرر وباستمرار قوله بانه لم يكن (يكتب)، بل (يتعلم الكتابة) فقط.! وسنلتقي 

***

يوسف أبو الفوز

 

في المثقف اليوم