آراء

بوتين لم يتركوا لنا خيارا

كريم المظفرخلافا للتوقعات عن لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو، والتي أُعلنت بعد المحادثة مع عمال الفضاء بمناسبة يوم رواد الفضاء، حيث توقع الكثيرون ان تكون هذه المباحثات شكلية، وقالوا ما الذي يمكن ان يقولاه لبعضهم البعض بعد؟ لكن المفاوضات استغرقت هذه المرة قرابة ثلاث ساعات، ووفقا لما تسرب من معلومات، فان ألكسندر لوكاشينكو وفلاديمير بوتين ناقشا مشكلة العقوبات طوال هذا الوقت تقريبًا، وفي الواقع، هناك الكثير منهم فقط لإدراجهم في القائمة، لن يستغرق الأمر فقط الغداء الذي كان من المفترض أن يتناولونه، ولكن أيضًا وجبتي عشاء .

المؤتمر الصحفي الذي أقيم في مدينة الفضاء "فيستوشني"، والحروف Z و V الضخمة الموضوعة على الأرض ليست بعيدة عن المدرج قيد الإنشاء في قاعدة الفضاء، أريد منها أن تكون منطقة رمزية تؤكد ان روسيا لازالت في مقدمة البلدان الأخرى في التعامل مع الفضاء، وللتأكيد أيضا، فإن روسيا وكما اعلن الرئيس بوتين خلال المؤتمر لن تتخلى عن البرنامج القمري (وسيكون من المثير للاهتمام النظر إلى هذا من الأرض، وأكثر من ذلك من الخنادق)، وتأكيد أيضا أن روسيا ستحقق جميع أهدافها في العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، والتي شدد الرئيس بوتين على ان، الغرض من هذه العملية الخاصة لمساعدة سكان دونباس.

ومن الأسباب الأخرى التي دفعت موسكو للبدء بعملياتها العسكرية، هو رفض سلطات كييف الانصياع لاتفاقيات مينسك الهادفة إلى حل سلمي للمشاكل!، وقال بوتين، أن رئيس أوكرانيا لم تعجبه أي فقرة في هذه الاتفاقية، ورفضوا ذلك علنًا ... وبدأوا في انماء هناك في أوكرانيا، - A.K.) براعم القومية والنازية الجديدة)، وكان هناك صدام مع هذه القوات، والسؤال الوحيد كان الوقت، وإلى جانب ذلك، كان من الضروري ضمان أمن روسيا نفسها، وقال ان الأشخاص الذين يقفون (في أوكرانيا) بالزي العسكري مع بقع SS" Galicia "، هؤلاء برأيه " مجرد حثالة "، لكن هناك من يتعاطف معهم، ولا يعتبرون أنفسهم نازيين، بل يعتبرون أنفسهم قوميين، لكن يجب عليهم أيضًا أن يفهموا أن الهدف الرئيسي ليس المساعدة الغربية لأوكرانيا، بل إن أوكرانيا وسيلة لتحقيق أهداف لا علاقة لها بمصالح الشعب الأوكراني.

وهذا يدل حسب قول الرئيس بوتين على أن روسيا فعلت الشيء الصحيح وفي الوقت المناسب عندما بدأت هذه العملية، وخلاف ذلك، سيكون هناك المزيد منهم، و الصدام مع القوى التي رعاها الغرب في أوكرانيا ونماها، والصراع مع القوميين المتطرفين والنازيين الجدد في أوكرانيا أمر لا مفر منه، وإنها مسألة وقت فقط، مضيفا " فهم يستعدون وينتظرون، ونحن، كما قلت، لن نسمح لهم بفعل ذلك هذا، هذا هو منطق أفعالنا"، مؤكدا أنه يشاطر الرأي القائل بأن الولايات المتحدة مستعدة لمواجهة روسيا "حتى آخر أوكراني"، وقال بوتين: "هناك الكثير من الحديث عن أن الولايات المتحدة مستعدة للقتال مع روسيا "حتى آخر أوكراني"- يقال هكذا عنهم وعندنا - والأمر حقا كذلك" ووصف الرئيس الروسي ما يحدث في أوكرانيا وفق تعبيره، يعد " مأساة بلا أدنى شك، لكن روسيا لم يترك لها خيارًا"، موضحا موقفه الآن أن نظام العالم أحادي القطب، الذي تطور بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، يتم هدمه.

كما وأكد بوتين استعداد روسيا للتعاون مع جميع الشركاء الذين يرغبون في ذلك أيضا، وأنها لا تسعى للانغلاق، وقال "لن نعزل أنفسنا "، ومن المستحيل عموما فرض عزلة محكمة على أي طرف في العالم الحديث، أما عزل بلد ضخم بحجم روسيا فهو مستحيل بالتأكيد، لذلك، "سنعمل مع أولئك من شركائنا الذين يريدون التعاون".

وخلص الرئيس الروسي إلى أن العملية العسكرية ستستمر إلى أن يتم استكمالها بالكامل وحسم المهام التي تم الإعلان عنها في بداية هذه العملية، وقال "يجب أن نغطي هذا العمل القتالي بموضوعية"، وكثيرا ما يطرح السؤال: هل من الممكن أن تكون أسرع؟ والجواب ان ذلك يعتمد ذلك على شدة الأعمال العدائية، وترتبط شدة الأعمال العدائية إلى حد ما بالخسائر، لذلك " مهمتنا هي تحقيق جميع الأهداف المحددة وتقليل هذه الخسائر، وسنتصرف بإيقاع وهدوء حسب الخطة التي اقترحتها في الأصل هيئة الأركان"، وفي رأيه، الغرب الآن لا يسعى بصدق لمساعدة أوكرانيا، بل يريد استخدام هذا البلد لأغراضه الخاصة، وحث رئيس الاتحاد الروسي الأوكرانيين على الانتباه إلى ذلك.

أما الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو بدوره، كشف عن أن روسيا لو كانت قد تأخرت في إطلاق عمليتها العسكرية في أوكرانيا، لكانت أراضيها قد تعرضت لضربة "قاضية"، كما يراها أولئك الذين كانوا يعدون لتوجيهها لروسيا ولمناطق مجاورة، واتهم لوكاشينكو لندن بالوقوف وراء الاستفزاز في بوتشا الأوكرانية، معتبرا أنها "عملية خاصة بريطانية"، وأعرب عن استعداد مينسك لتقديم مواد للتحقيق في إعداد العملية في بوتشا، وقال اذا "كانوا يبحثون عن مبرر لفرض حزمة عقوبات جديدة، نحن نعلم هذا " وانه ناقش بالتفصيل عمليتهم الخاصة هذه مع نظيره الروسي، وشدد على ان هذه العملية النفسية نفذها البريطانيون، وخاطب بوتين إذا كنتم بحاجة إلى عناوين وكلمات مرور وشهادات وأرقام وماركات السيارات التي استقلوها إلى بوتشا، وكيف فعلوا ذلك، فيمكن ـ لجهاز الامن الفيدرالي الروسي أن يوفر هذه المعلومات، وإذا لم يفعل، "فيمكننا المساعدة في هذا الصدد"، بدوره اكد الرئيس الروسيان هذه العملية كانت لإجبار الأوكرانيين على التخلي عن الاتفاقات التي تم التوصل إليها في محادثات اسطنبول، عندما وافقت كييف على ان يكون موضوع شبه جزيرة القرم ودونباس خارج نطاق الضمانات الأمنية، وبالنتيجة " فقد عدنا مرة أخرى إلى طريق مسدود لأنفسنا وللجميع".

ووصف لوكاشينكا وظيفة الجيش البيلاروسي في العملية الخاصة الروسية بأوكرانيا بقوله "لن نسمح لأحد بإطلاق النار على الجندي الروسي في ظهره، وهذا هو جوهر مشاركتنا في هذه العملية"، ونصح لوكاشينكو السلطات الأمريكية بأن تعود إلى الماضي القريب وتتذكر القائد الذي حاول تغيير العالم.. وإقامة نظام جديد خاص به في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، و"كيف انتهى به الأمر"، في إشارة إلى الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر، مؤكدا "أننا سننتصر كما انتصر أجدادنا وآباؤنا".

وللجانب الاقتصادي كان هناك حيزا كبيرا في المباحثات بين الرئيسين بوتين و لوكاشينكو، وأشار الرئيس الروسي إلى أنه على موسكو ومينسك تعزيز اندماجهما في الوقت الذي أطلق فيه الغرب العنان لحرب عقوبات شاملة، وقال إن روسيا وبيلاروس قد نفذتا بالفعل أكثر من ثلث خطط التكامل المخطط تنفيذها بحلول نهاية العام 2023، والى ان روسيا تقدم على الدوام أسعار مواتية للنفط والغاز المورد إلى بيلاروس للاستهلاك المحلي، ويتم سداد مدفوعات (موارد الطاقة) بالروبل الروسي، وهذا يسمح بتقليل الأثر السلبي للوضع الخارجي (العقوبات) على وضع المواطنين والشركات الصناعية في بيلاروس، وشدد في الوقت نفسه على أنه ستتم مواصلة مكافحة أي محاولات لإبطاء تنمية روسيا وبيلاروس أو عزلهما بشكل مصطنع عن الاقتصاد العالمي، وقال "من غير المجدي على الإطلاق (عزل روسيا وبيلاروس)، البلدان مرتبطان اقتصاديا بشكل وثيق من خلال العديد من الروابط والخيوط، بما في ذلك في إطار التعاون الصناعي".

كما وأشار الرئيس بوتين إلى أنه ستتاح للشركات البيلاروسية المشاركة في مشاريع مثل قاعدة "فوستوشني" الفضائية، كذلك إلى أنه بالتعاون مع بيلاروس تم إطلاق مشروع كبير جديد لإنتاج وإطلاق مركبة فضائية لاستشعار الأرض عن بعد، وإن أحد المجالات المهمة والمميزة للتعاون بين موسكو ومينسك سيكون التشكيل المشترك لبنية تحتية تضمن لدولة الاتحاد بين روسيا وبيلاروس وصولا مستقلا إلى الفضاء وبدوره أشاد الرئيس البيلاروسي بالعلاقات التجارية والاقتصادية مع روسيا، وأعرب عن رضى بلاده في اعتماد الروبل الروسي في التجارة بين البلدين، وقال: "أخيرا بدأنا التجارة بالروبل الروسي في مجال شراء الغاز والنفط وما إلى ذلك. وهذا يناسبنا".

إن عقوبات "الحرب الخاطفة"، التي يعتمد عليها "المنتقدون" في روسيا، "لم تتم"، من وجهة نظر الرئيس بوتين، واتضح أن الاقتصاد الروسي والنظام المالي يقفان بقوة على أقدامهما، واعرب عن اعتقاده أن هذا الاتجاه نحو الحفاظ على مؤشرات الاقتصاد الكلي مع عمل هادئ ومتسق ومهني للكتلة الاقتصادية سيظهر نفسه قريبًا في المستقبل القريب وأقر الرئيس الروسي بأن "الأمر لن يكون سهلاً في بعض الصناعات". لكن، كما وعد، "سنتغلب على هذه الصعوبات".

***

بقلم الدكتور كريم المظفر 

في المثقف اليوم