آراء

شر البلية ما يضحك مع الغرب

كريم المظفرونحن نتابع الموجز الأسبوعي الذي تقدمته المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، وعند تقديمها المعلومات عن احد المواضيع التي تهم البشرية جمعاء والتي سنأتي على شرحها لاحقا، خطر الى ذهني قصة حقيقية وقعت في احدى الدول الاسكندنافية (السويد)، قصة عائلة يأتيها ولدها كل يوم من مدرسته باكيا من تعنيف وتنمر احدى معلماته عليه، بعبارات عنصرية وكلمات نابية تنتقص من هذا الطالب العربي، وهو لازال في مراحل تعليمه الأولى، فارتأت والدة الطالب الصغير أن تقوم بزيارة للمدرسة، ولقاء معلمته للوقوف عن سبب قيامها بهذا الأسلوب مع ابنها، والذي بات يؤثر بشكل كبير على التزامه بالدوام، ومستواه الدراسي، بالإضافة الى تهربه  من الذهاب الى المدرسة .

وفي نفسها، قررت والدة الطالب، تسجيل كل شيء خلال لقاءها (صورة وصوت) بمساعدة ابنتها الأخرى، لتقديمها كحجة اثبات على هذا التصرف "المشين " الذي تقوم به هذه المعلمة تجاه ولدها، عند تقديمها شكوى للإدارة التربوية في المنطقة، وكي لا تنكر المعلمة أو إدارتها هذه " الاتهامات "، وبالفعل تحقق لها ما ارادت، وذهبت الى سلطات المدينة وقدمت ما لديها ما يثبت تعرض ولدها للتنمر والتهميش والتعنيف الغير مبرر لا لسبب سوى لكونه اجنبي و (عربي) على وجه الخصوص، وبالفعل قدمتها الى السلطات التي أخذت هذه الأدلة ووعدتها بالرد عليها خلال أيام قليلة .

وبالفعل وبعد عدة أيام جاء الرد، ولكن ليس من السلطات وانما من المحكمة المحلية، تطالبها للمثول امامها، بتهمة خرق القواعد والقوانين في البلاد، والاعتداء على الحقوق المدنية والشخصية للمعلمة، ومثل هذه التهم، تعرضها الى عقوبة السجن والغرامة، وقد تصل أحيانا الى الابعاد عن عائلتها وابنائها الى خارج السويد (وحسب قناعة القاضي) عن جسامة الجرم الذي ارتكبته هذه السيدة التي كانت تحاول الدفاع ابنها، وتثبيت ذلك الدفاع بأدلة ملموسة، وبالتالي أصبحت المعلمة " المسكينة " التي اخترقت حقوقها، من قبل هذه السيدة العربية .

وهنا والحالة هذه وامام تصريح المتحدثة باسم الخارجية الروسية من إن واشنطن قادت حملة دعائية زعمت فيها أن روسيا استخدمت أسلحة كيميائية في أوكرانيا، بدلا من تفسير حقيقة وجود مختبراتها البيولوجية هناك، وكشف الجانب الروسي ونشر الحقائق التي ظهرت حتى الآن (عن المختبرات البيولوجية الأمريكية في أوكرانيا) في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، ودعوته السلطات الأمريكية إلى تقديم تفسيرات، لكن واشنطن، كما هو متوقع تماما، لا تظهر استعدادها في مشاركة أي معلومات جوهرية حول برنامجها البيولوجي العسكري في أوكرانيا، تذكرت المثل الشعبي العربي " شر البلية ما يضحك " مع الغرب عموما والامريكان وبريطانيا خصوصا .

وعلاوة على ذلك، فإن البيت الأبيض، اعتمد الهجوم كأفضل دفاع على ما يبدو، إذ أطلق حملة دعائية أخرى، تدعي أن جهود روسيا لجذب انتباه المجتمع الدولي لأنشطة علماء الأحياء العسكريين الأمريكيين في الأراضي الأوكرانية، ليست أكثر من "شاشة دخان" إعلامية، كما يقولون، تحاول موسكو التستر من خلالها على الاستخدام المحتمل للأسلحة البيولوجية والكيميائية من قبل القوات المسلحة الروسية، ولفتت المتحدثة الروسية الانتباه إلى أن هذه المحاولة الفظة من قبل السلطات الأمريكية لصرف انتباه الرأي العام عن الموضوع المتفجر للمختبرات البيولوجية الخاضعة لسيطرتها في أوكرانيا، كانت للوهلة الأولى بشكل غير متوقع مدعومة بنشاط من قبل القيادة السياسية لألمانيا.

ويستنسخ السرد الذي طرحه الأمريكيون، قام بها عدد من السياسيين الألمان البارزين وكبار المسؤولين، بما في ذلك المستشار الألماني، أولاف شولتس، وتصريحات برلين الرسمية، على الرغم من أنها لا تحيد عن الخط الاستراتيجي الذي اتبعته لفترة طويلة في سياق الأزمة الأوكرانية، تبرز (حاليا) خاصة من التدفق العام للخطاب المعادي لروسيا، وهو أمر غير مسبوق من حيث درجة العدوانية من قبل ألمانيا في الأسابيع الأخيرة".

ومع استمرار العمليات العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، تتكشف يوميا الحقائق تلو الأخرى حول فضائح الغرب وتورطه في عمل المختبرات البيولوجية المنتشرة في أوكرانيا، وكشفت أيضا معلومات جديدة حول النشاط العسكري البيولوجي الذي كانت تجريه القوات المسلحة الألمانية في أراضي أوكرانيا، وفي حديثها لقناة "RT" "، أوضحت زاخاروفا، انه ومنذ عام 2013 تقوم الحكومة الألمانية تحت رعاية وزارة خارجيتها بتنفيذ البرنامج الوطني للأمن البيولوجي (German BiosecurityProgramme / GBP)، والذي يتم في إطاره تنفيذ مشاريع الشراكة مع الإدارات الحكومية والمنظمات البحثية في البلدان التي يتم التركيز عليها، وفي عام 2014 شملت أوكرانيا، ويجري تنفيذ النشاط العملي في الجانب الألماني وفقا لقول الدبلوماسية الروسية من قبل الخبراء من معهد علم الأحياء الدقيقة التابع للقوات المسلحة الألمانية (بميونيخ) وكذلك الخبراء في مجال دراسة العوامل البيولوجية القاتلة بمعهد لوفلير (جزيرة ريمس) ومعهد نوش لطب المناطق الحارة (هامبورغ) ومعهد كوخ (برلين)".

ووفقا للخارجية الألمانية يجري في 2020-2022 بالفعل تنفيذ "المرحلة الثالثة" من برنامج "GBP"، وتشمل المهام الفنية المعلنة جمع "المعلومات الوبائية الحساسة" في بلدان ثالثة... وتطوير البنية التحتية للدول الشريكة للعمل مع العوامل البيولوجية الخطرة، ومنذ عام 2016، أصبح معهد الطب البيطري التجريبي والسريري في مدينة خاركوف (بجنوب شرق أوكرانيا) نظيرا أوكرانيا رئيسيا لمعهد الأحياء الدقيقة للقوات المسلحة الألمانية... ويجري التفاعل معه في إطار مشروع "المبادرة الأوكرانية الألمانية بشأن السلامة البيولوجية والحماية البيولوجية في مجال إدارة مخاطر الأمراض الحيوانية المنشأ على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي".

ووفقا لهذه المعلومات التي حصلت عليها روسيا، فان موسكو تتساءل، نظرا لأن هدفها الرسمي هو "تحسين الوضع في مجال الأمن البيولوجي والأمن" في أوكرانيا، خاصة في شرق البلاد، يطرح سؤال بلاغي حول الحدود التي يعتبرها علماء الأحياء العسكريون الألمان خارج منطقة اهتماماتهم المهنية، هل هي الحدود الروسية الأوكرانية؟.. ويوضح معهد علم الأحياء الدقيقة التابع للقوات المسلحة الألمانية أهمية تنفيذ المشروع بـ "التهديد المحتمل للإرهاب البيولوجي" في أوكرانيا على خلفية الاشتباكات المسلحة المستمرة في شرق البلاد !، ومن الواضح أنه بهذه الطريقة يتم بشكل تدريجي تنفيذ فكرة "المشاركة" المحتملة لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في خطط استخدام الأسلحة البيولوجية المحظورة دوليا، وهكذا أرهب العسكريون الألمان عمدا ولفترة طويلة نظراءهم الأوكرانيين ووضعوهم نفسيا في مواجهة جمهوريتي دونباس".

ومن الواضح للجميع أنه من أجل بناء دفاع ضد هجوم بيولوجي محتمل، من الضروري أولا دراسة العوامل المحتملة للأسلحة البيولوجية التي يمكن تنفيذها بها، أي إجراء بحوث في مجال الأسلحة البيولوجية أو الكيميائية، وحقيقة أن القوات المسلحة الألمانية لديها المعرفة والمهارات العملية الكافية في هذا المجال، وهي معروفة أيضا من خلال الحادث الفاضح مع "التسمم" الغامض للمعارض الروسي أليكسي نافالني، فقد زعم الخبراء من معهد علم الأدوية والسموم التابع للقوات المسلحة الألمانية أنهم عثروا في جسد هذا المواطن الروسي في أقصر وقت ممكن على آثار سم عسكري معين ينتمي وفقا لمصطلحات الناتو إلى عائلة ما يسمى بـ "نوفيتشوك"، وبمثل هذا المستوى العالي من الخبرة، إذا كان، بالطبع، كل ما تم ذكره صحيحا، يدل على قدرة القوات المسلحة الألمانية على تصنيع المواد السامة بشكل مستقل، بما في ذلك "نوفيتشوك" سيئ السمعة، وعلاماته".

وتشير زاخاروفا بهذا الصدد الى أن معهد" لوفلير".. يتعاون بشكل بنشاط مع معهد أبحاث الدولة الأوكرانية للتشخيص المخبري والخبرة البيطرية والصحية (بكييف)... ومع المعهد العلمي والتحكم للتكنولوجيا الحيوية وسلالات الكائنات الحية الدقيقة (بكييف)، وكذلك مع معهد الطب البيطري التجريبي والسريري (بخاركوف)... كما ويركز معهد " لوفلير " الألماني على دراسة حمى القرم والكونغو النزفية، التي اكتشفها العلماء السوفييت لأول مرة في شبه جزيرة القرم الروسية في عام 1944... وتتركز أنشطة معهد "نوخ" لطب المناطق الحارة في أوكرانيا على دراسة عدوى خطيرة بشكل خاص مثل حمى الضنك والشيكونغونيا وغرب النيل وأوزوتو وغيرها".

والواضح أن هذه المعلومات حول الأنشطة العسكرية البيولوجية الألمانية في أوكرانيا ليست شاملة على الإطلاق، ولا يستبعد الروس العثور على معلومات جديدة بهذا الخصوص مع تقدم العملية العسكرية الروسية الخاصة، ويشددون على إن "الجانب الألماني كان ينسق عن كثب عمله في مجال الأمن البيولوجي مع الحلفاء الأمريكيين، الذين أنشأوا شبكة من 30 مختبرا بيولوجيا على الأقل في أوكرانيا".

وتأتي هذه المعلومات التي قدمتها السلطات الروسية مع أخرى متزامنة مع عثور المخابرات الروسية في منطقة خيرسون بأوكرانيا ثلاث طائرات بدون طيار مصممة لرش تركيبات بيولوجية، وتم تجهيزها وفقا لرئيس قوات الحماية الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية التابعة للقوات المسلحة الروسية إيغور كيريلوف، بخزانات سعة 30 لترًا ومعدات رش، والاشارة الى أنه في يناير من هذا العام، اشترت كييف بالتنسيق مع منظمات وسيطة، أكثر من 50 من هذه الأجهزة التي يمكن استخدامها "لتطبيق تركيبات بيولوجية وكيماويات سامة"، ومن المفترض أنه تم التخطيط لاستخدام العبوات في رش مواد سامة من أجل إلحاق الضرر بكل من القوات المسلحة الروسية والسكان المدنيين والأراضي الزراعية".

ويمكن استخدام هذه الطائرات بدون طيار وفقًا للخبراء العسكريين، لإيصال سوائل مختلفة - من المواد السامة إلى الأسلحة البيولوجية، وحتى الطاعون، والحقيقة هي أنه تم تدمير أسلحة كيميائية خطيرة في أوكرانيا، وبالنظر إلى البيانات التي حصل عليها الجيش الروسي حول المختبرات البيولوجية الأمريكية، على الأرجح، تم إعداد الابتكارات التقنية خصيصًا للأسلحة البيولوجية.

وفي الآونة الأخيرة، وبحسب المصادر العسكرية الروسية فإن النظام في كييف يطور وسائل تقنية لإيصال واستخدام الأسلحة البيولوجية، وقدم طلبًا من شركة موتور سيش الأوكرانية إلى شركة تصنيع الطائرات بدون طيار التركية Bayraktar، طلب بموبجه الجانب الأوكراني توضيح ما إذا كان من الممكن تزويد الطائرات بدون طيار بأنظمة وآليات رش الهباء الجوي بسعة تزيد عن 20 لترًا، ويؤكد الخبراء أنه مع مدى طيران يصل إلى 300 كيلومتر من هذه الطائرات بدون طيار ومعدات حاويات بتركيبات بيولوجية، فإن التهديد باستخدام أسلحة بيولوجية على أراضي روسيا " أمر حقيقي تمامًا".

وأمام هذه المعطيات، فان لروسيا الحق في دعوة ليس فقط المسؤولين الألمان، بل الغربيين على وجه العموم وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، والكف فورا عن نشر الافتراءات الكاذبة حول نية روسيا المزعومة لاستخدام أسلحة يحظرها القانون الدولي ..  وقالت المتحدثة باسم الخارجية "نعتقد أن مثل هذه التصريحات الكاذبة لا يمكن إلا أن تدفع كتائب النازيين الجدد الأوكرانيين إلى ارتكاب استفزازات مروعة، وستقع المسؤولية الأخلاقية عن عواقبها المأساوية على عاتق برلين ".

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم