آراء

تكريم الامم المتحدة للإمام علي بن أبي طالب وصمة عار بجبين التيار السياسي الإسلامي في العراق

قاسم خضير عباستكريماً لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أصدرت الأمم المتحدة، في العام 2002، تقريراً باللغة الإنكليزية بمائة وستين صفحة، أعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص بحقوق الإنسان وتحسين البيئة والمعيشة والتعليم، حيث تم فيه اتخاذ الإمام عليّ من قِبَل المجتمع الدولي شخصيةً متميزة، ومثلاً أعلى في إشاعة العدالة، والرأي الآخر، واحترام حقوق الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين، وتطوير المعرفة والعلوم، وتأسيس الدولة على أسس التسامح والخير والتعددية، وعدم خنق الحريات العامة.

وقد تضمن التقرير مقتطفات من وصايا أمير المؤمنين عليه السلام الموجودة في نهج البلاغة، التي يوصي بها عماله وقادة جنده، حيث يذكر التقرير أنَّ هذه الوصايا الرائعة تعد مفخرة لنشر العدالة، وتطوير المعرفة، واحترام حقوق الإنسان.

وشدد التقرير الدولي على أن تأخذ الدول العربية والإسلامية بهذه الوصايا في برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، لأنها (لا تزال بعيدة عن عالم الديمقراطية، ومنع تمثيل السكان، وعدم مشاركة المرأة في شؤون الحياة، وبعيدة عن التطور وأساليب المعرفة). 

والملاحظ أنَّ التقرير المذكور قد وزع على جميع دول الأمم المتحدة، حيث اشتمل على منهجية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في السياسة والحكم، وسيادة القانون وإدارة البلاد، والمشورة بين الحاكم والمحكوم، ومحاربة الفساد الإداري والمالي، وتحقيق مصالح الناس، وعدم الاعتداء على حقوقهم المشروعة.

وتضمن التقرير الدولي أيضاً شروط الإمام عليّ (ع) للحاكم الصالح، التي وردت في نهج البلاغة، وفيها يقول (ع): (إنَّ من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، فمعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس).

واقتبس التقرير الدولي مقاطع من وصايا أمير المؤمنين عليه السلام لعامله على مصر مالك الأشتر، التي يؤكد فيها على استصلاح الأراضي والتنمية ويقول: (وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأنَّ ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً).

وورد في التقرير الدولي أيضاً أساليب الإمام عليّ عليه السلام في محاربة الجهل والأمية، وتطوير المعرفة، ومجالسة العلماء، حيث يقول لأحد عماله: (وأكثر من مدارسة العلماء، ومنافسة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك).

ومن شروط الحاكم العادل أخذ التقرير الدولي قول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام الذي قال فيه: (ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه ؛ وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم في الحجج، وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم ؛ ممن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراء، وأولئك قليلون، ثم أكثر تعاهد قضائه، وافسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظراً بليغاً).

إنَّ هذا التقرير يبين أنَّ علياً بن أبي طالب (ع) يعد مفخرة يحار الإنسان إلى أي جانب منها يشير. وكيف لا؟ وهو قد تربى على صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان مما أنعم الله عز وجل به على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أنه كان في حجر رسول الله (ص)، وكان أول ذكر من الناس آمن برسول الله، وصلى معه وصدق بما جاءه من الله تعالى.

وهنا نقف لنتساءل: هل اعتبر الإمام علي بن ابي طالب قدوة عند الإسلاميين العراقيين الذين يشاركون الآن في العملية السياسية في العراق؟! وهل طبقوا مضامين سياسته الربانية بالاهتمام بالناس وتلبية مطالبهم وتقديم الخدمات لهم؟! وهل كانوا بمستوى ما كان يدعو إليه سلام الله عليه؟! وهل كانوا بمستوى قيم الإسلام التي تدعو للصدق وحل مشاكل المجتمع؟!

للأسف الشديد أكثرهم امتلأت بطونهم من المال الحرام بفسادهم الإداري والمالي، وتشريعهم للقوانين التي تحفظ حقوقهم على حساب حقوق الشعب العراقي، وحمايتهم وتقريبهم للفاسدين والمرتشين وأصحاب السوابق القضائية وتنصيبهم في المناصب العليا، والتحالف مع المجرمين الذين كانوا بالأمس من الدواعش لكي يكونوا لهم سنداً في تثبيت كراسيهم ومصالحهم الضيقة غير المشروعة.

***

د. قاسم خضير عباس

كاتب سياسي وخبير القانون  الجنائي الدولي والوطني

 

في المثقف اليوم