آراء

تسعة عشر عاما بعد تدمير العراق واحتلاله ومعاناة شعبه مستمرة

إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون

أيخون أنسان بلاده

إن خان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون

بدر شاكر السياب

***

بعد الغزو الصهيو أمريكي للعراق عام 2003 تم تدمير كيان الدولة العراقية التي تشكلت في عام 1921، بكل مقوماتها، انتهت وتم حل الجيش العراقي والقوى الأمنية الداخلية ونهبت ثروات العراق المالية والتراثية، وشكل المحتل مجلس حكم من شخصيات من ما يسمى بالمعارضة العراقية جاءوا من خارج العراق، وبعد ذلك تم تشكيل أدارة الدولة من قبل المحتل، للبدء في صياغة الدستور الذي اعد سلفا من قبل المحتل وجرى تعريبه وشكلت لجنة صورية من عراقيين ليس لديهم تخصص في مجال كتابة دستور من أحزاب دينية وهكذا جاء دستور المحاصة الطائفية والقومية، دون اي ذكر للمواطنة، وتعاقبت الحكومات على حكم العراق من حكومة إبراهيم الجعفري إلى أياد علاوي الى نوري المالكي لدورتين، ومن ثم حيدر العبادي، وبعدها الى عادل عبد المهدي، والذي حدثت في أيامه انتفاضة تشرين البطولية، تحت شعار (أريد وطن) وذهب شهداء وجرحى نتيجة القمع واستخدام القوة المفرطة من قبل القوى الأمنية والمليشيات التابعة للأحزاب، ما يقرب من 850 شهيدا وآلف من الجرحى، كان النصر الاولي للانتفاضة هو أن عادل عبد المهدي قدم استقالته والمجيئ بمصطفى الكاظمي لرئاسة الوزراء، على ان تكون هناك انتخابات مبكرة، وجرت الانتخابات وفاز عدد من المستقلين علما بان المشاركة كانت لا تتعدى 20 بالمئة من نسبة الذين يحق لهم التصويت، وبعد ستة شهور من الانتخابات، ولم تشكل حكومة . ولو فككنا المشهد السياسي اليوم نجد الصراعات قائمة بين التيار الصدري الفائز بأكثرية المقاعد 75 مقعدا وهزيمة لحقت بما يسمى قوى التنسيق الشيعية، وبإلقاء نظرة على المشهد العراقي خلال 19 سنة مضت سنجده كتالي:

في مجال التربية والتعليم : كان العراق قبل الاحتلال قد قضى على الأمية حسب تقارير اليونسكو وفق برنامج مكافحة الامية، واهتمت الحكومة العراقية ببناء المدارس ورياض الأطفال والجامعات والمعاهد المتوسطة، علما بأن هناك وزارة التخطيط تعد لتوظيف الخريجين في الدولة كل حسب التخصص ومجال عمله، وبعد الاحتلال تم تهديم المدارس القديمة في المدن والارياف، ولم يتم بناء مدارس جديدة، وانما تم السيطرة عليها من قبل الأحزاب المهيمنة وجرى بناء المولات وكذللك توسيع البيوت السكنية لهم على حساب مدارس الدولة، وانتشرت الامية بين صفوف التلاميذ ولم تشيد المدارس الجديدة، بل شيدت مدارس على شكل كروانات، والتلاميذ يجلسون على الأرض، دون رحل وكراسي، بعد معاناتهم الوصول الى المدرسة حيث صعوبة الوصول وخاصة في الامطار والأوحال، وعدم الاهتمام ب المناهج التربوية والدراسية، وسرعة تغير المناهج من أجل الحصول على عقود للطبع من قبل الوزارات المتعاقبة والمهيمن عليها من قبل الأحزاب والمليشيات، والتغير في هذه المناهج جاء على أساس طائفي . وغير تربوي وفق روح الوطنية والمواطنة .

الصحة المجتمعية : كانت هناك قبل الاحتلال مستشفيات ومستوصفات في كل المحافظات والاقضية والنواحي، و برامج معدة للتثقيف الصحي في مجالات متعدد منها للمرأة وكذلك التوعية من خطورة الامراض السارية والمعدية وطرق الوقاية منها، وكان لدى وزارة الصحة مخطط لمستشفيات ومستوصفات في مدن وارياف وقصبات العراق، وبعد الاحتلال اهملت المستشفيات من حيث البنايات والكوادر الطبية والتجهيزات كما في المستشفيات بما ينسجم مع تطور العلوم الطبية والتكنولوجيا وأعداد الكوادر الطبية في كل المجالات التخصصية، وبعد الاحتلال تم تصفية عدد غير قليل من الكوادر الطبية والطبية المساعدة وهجر العراق الكثير من الكوادر خوفا من التصفية الجسدية وابتزاز العوال بخطف أولادهم، وأصبحت المستشفيات لا يمكن ان تعد مثل باقي المستشفيات في دول الجوار، مما قل الاعتماد على المستشفيات الحكومية، أدى ذلك إلى التوجه نحو بلدان أخرى مثل أيران والأردن وتركيا والهند، ولهذا انتشرت الامراض المتوطنة والسارية أضافة الى امراض جاءت مع المحتل ومنها السرطانات التي انتشرت في العراق وظهرت حتى في الأجنة والمواليد ما بعد 2003 بسب من استخدام الأسلحة المحرمة دوليا ومنها اليورانيوم المنضب والذي يؤثر على التربة والمياه، ولابد من الإشارة الى استيراد الادوية الغير خاضعة للرقابة من قبل مختبرات تعطي شهادة ب المنتوج المستورد من حيث صلاحيته للاستخدام، و غزت العراق حبوب المخدرات بكل أنواعها من أيران واصبح العراق بلد المرور والاستهلاك المحلي، واصبح تدمير مبرمج للشباب العراقي وتأثير هذه المخدرات على العائلة والمجتمع وأنتشر الجريمة بين الشباب، وهذا الذي جرى ويجري هو ضمن المخطط الامبريالي الصهيوني وبمشاركة الجارة أيران، وهناك تقارير تشير إلى انتشار المخدرات وتدمير مجتمع كان يتخذ قرارات صارمة بحق تجار المخدرات والمتعاطين بها بأقسى العقوبات بما فيها العقوبة الأشد وهي الإعدام .

الزراعة ومشكلة المياه : كان العراق قبل الاحتلال مهتم في الأمور الزراعية وتشجيع الفلاحين في شراء المكائن والالات الزراعية من خلال معمل الإسكندرية للجرارات الزراعية، وتسليف الفلاحين ومدهم بالأسمدة الكمياوية الضرورية للتربة، وكذلك المواد الكمياوية لمكافحة الحشرات التي تسبب الأضرار للزرع، والاهتمام بزراعة النخيل ويعدد من ثروات العراق وذللك لتعدد الأنواع من التمور، وبناء مكابس لها من أجل الخزن والتصدير لخارج القطر، وجرى تشجيع الفلاحين على زراعة أشجار الزيتون للاستفادة منها في الطعام ومن زيتها، وفي مناطق متعدد من العراق كانت هناك بساتين تزرع فيها أشجار الفاكهة مثل الرمان والليمون والبرتقال والنارنج والاعناب بكل انوعها وغيرها أضافة الى الخضروات ك الفجل والبصل بكل انواعه وكذلك الكرفس والكراث والبقدونس والاشبلت والخس وغيرها، وبعد 2003 أصبح العراق يستورد المواد الغذائية والخضروات والفواكه عن طريق المنافذ الحدودية ولم يكن هناك اهتمام بالمنج المحلي وهذا جرى ضمن سياسة مبرمجة واضحة المعالم لتزويد أيران بالعملة الصعبة من خلال شراء الخضار والفواكه وكذلك الدجاج والبيض واللحوم، وكل المواد المستوردة لم تضاهي المنتج العراقي من حيث الجودة، مما حدى بالفلاح العراقي الى ترك الزراعة والتوجه الى المدينة للكدح والحصول على فرصة عمل لسد رمقه وعائلته، ومن هنا نجد ان التخريب المبرمج والمتفق عليه لتدمير الزراعة، أضف الى ذلك شحة المياه في النهرين دجلة والفرات، للأسباب التالية قامت أيران بتحويل مجرى المياه التي كانت تصب في الأراضي العراقية في نهر دجلة الى الداخل الإيراني، مما حرمت الفلاح العراقي من المياه التي كانت تستخدم للزرع ومياه للشرب بعد اجراء التنقية عليها، اما تركيا فقد اقامت سدود على النهرين دجلة والفرات من اجل توليد الطاقة الكهرومائية، داخل اراضها، وايران وتركيا لم تلتزمان بالقوانين الدولية المشرعة لتقاسم المياه والاخذ بنظر الاعتبار دولة المصب، واليوم يعاني العراق من قلة المياه الصالحة للزراعة والشرب، وزيادة ملوحة التربة والتصحر مما سبب في موجات ترابية عاصفة وذلك لعدم وجود حزام أخضر خارج المدن، وهناك مناطق في العراق تحولت من واحة خضراء، الى صحراء قاحلة، كل هذا يجري في ظل حكومات لا يهمها العراق وشعبه .

الصناعة العراقية : في ظل الأنظمة السابقة للاحتلال كانت الحكومات تخطط في رسم سياسة صناعية تنسجم مع التطور الصناعي العالمي، أضافة الى التقدم التكنلوجي، ولذلك نجد منذ مجلس الاعمار العراقي أيام الحكم الملكي وما بعده وزارات الصناعة المتعاقبة، كانت ترسم الخطط في مجال تطور هذه الصناعة، وعلى سبيل المثال صناعة الادوية في سامراء وذلك بتغطية جزء كبير من الادوية من حيث الكمية والعالية الجودة، ومعمل الأسكندرية لتصنيع الماكنات الزراعية والجررات، ووضعت الخطط الخمسية ضمن بند تطوير الصناعة على أساس المدن والمحافظات حسب موقعها وكذلك توفر المادة الأولية لهذا المنتج او ذاك كمعمل كربلاء لنتاج وتعليب الدبس من التمور المتواجدة في منطقة الفرات الأوسط، ومعامل في سدة الهندية لإنتاج الاسمنت، كان عدد المصانع والمعامل قبل الاحتلال يصل 178 الف مصنع ومعمل، وكانت هذه المصانع تستوعب اعداد كبيرة من العمال والخريجين في مختلف التخصصات المهنية وتسد الحاجة المحلية مع تصدير الى الخارج كمورد في العملة الصعبة، اما اليوم فأصبح البلد يعتمد على استيراد الكثير من هذه المواد الضرورية للمجتمع من بلدان الجوار، وذلك لعدم وجود أدمغة علمية متخصصة في هذه الوزارات تعمل من اجل اصلاح الوضع الصناعي وتأهيله . وهذا ناتج عن هيمنة الأحزاب ومليشياتها على السلطة لغرض كسب المال والتمتع في حياة افضل لهم ولعوائلهم دون التفكير بالمواطن العراقي . نا هيك لو توفرت هذه الإمكانيات الوطنية والإخلاص لجرى بناء المساكن للمواطنين وتوزيعها عليهم من مردود الثروة النفطية والغازية المتواجدة في باطن التربة العراقية وهو حقهم المشروع، و خلال هذا السرد المختصر لي واقع الحال خلال 19 عاما أجد ان المطاليب العادلة التي قدمها ثوار تشرين، تستحق متابعتها بعودة تشرين جديد ومتجدد يأطر عمله بتنظيم و يضع برنامج عمل، برنامج من أولوياته هو كتابة دستور جديد يتضمن العمل به على أساس المواطنة وليس المكونات الطائفية والقومية، وأجراء انتخابات لمجلس نواب الشعب على ان يجري تغير قانون الانتخابات المعمول به حاليا، أضافة لتشكيل مفوضية انتخابات على أسس يدخل فيها قضاة مستقلون ونزيهين يتمتعون بثقة الشعب، وبعيدين عن التحزب او الخضوع لهذا الحزب او ذاك، وبهذا يكون العراق مؤهلا لقيام دولة مدنية ديمقراطية، يعم فيها الامن والاستقرار وأعادة بناء ما خربته الحروب في الانسان والبناء .

***

محمد جواد فارس

طبيب وكاتب

في المثقف اليوم