آراء

الجميع يرتب أولوياته فيما بعد حرب روسيا على أوكرانيا إلا العرب

قاسم خضير عباسبعد ممارسة سياسة (النقد والمصارحة بصوت عال)، والتهيؤ من أجل إعادة البناء في الاتحاد السوفيتي السابق؛ انهار المعسكر الاشتراكي. وبانهياره انتهت مرحلة (الحرب الباردة)، وتبخرت معادلة التوازنات الدولية. وظهرت معالم (وفاق دولي) جديدة؛ أو عصر التهدئة كما يقولون.

ولم نر في هذه المرحلة للأسف الشديد أي تخطيط استراتيجي للعرب من أجل التهيؤ لتحصيل حقوقهم، وترتيب مصالحهم الدولية. خصوصاً وأنها مرحلة لا يمكن اعتبارها بداية لسعادة الإنسان وتحرره من أطماع ومصالح خارجية، لأنَّ قوى النظام القديم هي نفسها المتحكمة بالظروف الدولية.

وهذا ما أشار إليه الدكتور (كونترنك) الرئيس السابق لاتحاد الكتاب والصحفيين النمساويين، في الندوة الفكرية التي دعت لها المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع النمسا. وقد شارك في هذه الندوة أكثر من ثلاثين باحثاً ومفكراً، ناقشوا موضوع حقوق الإنسان، في ظل النظام الدولي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

الغريب أنَّ العرب شاهدوا بدقة وتمعن أنَّ هذه القوى الدولية رتبت مواقعها في النظام الدولي الجديد، وعملت جاهدة على حماية مصالحها على حساب أطراف دولية أخرى في الشرق الأوسط. ومع ذلك ظلت الدول العربية ذليلة تابعة لغيرها، في ظل ظروف دولية ليست في صالحها، بعد بروز واشنطن كقوة أحادية وقائدة للمعسكر الغربي والعالم.

بمعنى أكثر دقة كان النظام الدولي الجديد (أحادي المرتكز) بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، مع ظهور محاور أخرى ثانوية لكنها مؤثرة في القرار الدولي، كمحور أوروبا الموحدة، ومحور ألمانيا واليابان اللتان ظهرتا كقوة اقتصادية عظيمة. إضافة إلى دور روسيا التي كان لها دوراً ومصالح رتبته مع أمريكا، وقد لعبت موسكو في أوقات ضعفها بأوراق سياسية اختارتها بدقة للضغط على واشنطن.

في ظل ذلك لم يكن للعرب أي دور أو تخطيط استراتيجي للخروج من أزماتهم المستمرة، ولم يكن لدول العالم الثالث أي دور أيضاً في النظام الدولي الجديد. فهذه الدول جميعاً لم تتعلم الدرس جيداً، ولم تفهم قوانين التاريخ ومعطياته للخروج من أزماتها الحادة، والانعتاق من الهيمنة والتبعية الغربية المذلة.

فبعد التحولات الجديدة وهبوب رياح التغيير وسقوط المعسكر الاشتراكي وظهور معالم نظام دولي آخر، لم نلاحظ أنَّ دول العالم الثالث وبضمنها الدول العربية أدركت خطورة الموقف وتصرفت بشيء من الحكمة؛ رغم معرفتها بأنها: هي الضحية في النظام الدولي الجديد. لم تتحرك وترتب أوضاعها وتثبت مواقعها، مثلما فعل الكثيرون لإثبات وجودهم ووزنهم الدولي، وتأثيرهم في العلاقات الدولية، ودورهم في تغيير قواعد القانون الدولي العام بما يتناسب مع مصالحهم ومصالح شعوبهم.

والموقف الذليل ذاته نجده اليوم يتكرر، فالعرب مازالوا لم يفهموا الدرس جيداً وظلوا مشتتين ذليلين للغرب، وقد تنازلوا عن الكثير من مصالحهم القومية والاستراتيجية لغيرهم من الدول الكبرى؛ مع أنهم يعرفون أنَّ الأوضاع الدولية ستتغير بعد هجوم روسيا على أوكرانيا.

لقد نشر موقع (ذنيشن) الأمريكي الشهير القريب من وكالة المخابرات المركزية الامريكية، مجموعة من الدراسات والابحاث السياسية والعسكرية والاستراتيجية الدولية المهمة بعد حرب أوكرانيا، وجميعها تُأكد قرب تفكك وانهيار أميركا، ومن ثم تفكك وانهيار عدة دول كبرى أخرى في أوربا واسيا.

وقد استند المعهد المذكور إلى جملة من المعطيات والأرقام والاحصاءات الدقيقة المهمة في هذا السياق، التي ترتكز إلى أربع دراسات حديثة لكبار المفكرين والباحثين الغربيين، أمثال صموئيل هنتاغتون، وبريجنسكي، وتريتا بارسي، وجون كولي، وفرانسوا فوكوياما وغيرهم.

كما اعتمد المعهد على المذكرات الخاصة والشخصية لوزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلاري كلنتون، ورئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير، ومذكرات وزير الدفاع الامريكي الاسبق دونالد رامسفيلد. وقد أشار المعهد الاميركي إلى الاحتلال الروسي الحالي لأوكرانيا كبادرة وعلامة ودليل على ظهور نظام دولي يختلف عما موجود حالياً، في ظل تعسر وصعوبة المفاوضات النووية بين إيران والغرب.

وتوقع المعهد الأميركي أحداثاً قريبة جداً ستضرب معظم دول العالم المختلفة، ومن ضمنها منطقة الشرق الأوسط والدول العربية، إضافة إلى اجتياح روسيا لليتوانيا ومولدافيا وبولندا وهنغاريا وفنلندا ولاتيفيا واستونيا ودول أخرى خلال العامين المقبلين، مع اجتياح الصين لتايوان وبورما وسريلانكا والفلبين ودول أخرى، واجتياح كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية وتوحيدهما بقيادة شيوعية واحدة موالية لروسيا.

وذكر المعهد الأميركي أيضاً باندلاع حرب نووية بين الهند وباكستان، وحصول كلاً من إيران وتركيا على السلاح النووي؛ إيران ستحصل عليه من روسيا وتركيا ستحصل عليه من بريطانيا وباكستان. وستخسر (إسرائيل) لأية حرب مقبلة مع إيران أو تركيا، سواء كانت بالأسلحة التقليدية أو النووية. مع تقسيم ست دول عربية إلى عدة دول، وهي مصر وليبيا واليمن والسعودية والعراق وسوريا. كما أنَّ المنطقة العربية وشمال أفريقيا ستكون تحت الوصاية الدولية الجديدة، فيما سيكون هناك اتحاداً بين ست دول ناطقة بالتركية، وهي أذربيجان وتركيا وكازاخستان وأوزباكستان وقيرغيزستان وتركمانستان.

وقد أشار المعهد الأميركي على أنَّ العالم الجديد ستتحكم به عدة قوى كبرى جديدة ليس من بينها أمريكا، بل ستكون الزعامة الجديدة للعالم تتكون من روسيا والصين والكوريتين والهند واتحاد الدول التركية. ونتساءل من جديد ... لماذا لم تتحرك الدول العربية في ظل كل ذلك؟ وهي دول كثيرة عددها إثنان وعشرون دولة، أكثر بكثير من الدول الناطقة بالتركية. ولماذا ظلت دولاً ذليلة للغرب الذي يحاول أن يستنزفها ثرواتها ومواردها وخيراتها؟ لست أدري؟!!

***

الدكتور قاسم خضير عباس

كاتب سياسي ومتخصص بالقانون الجنائي والعلاقات الدولية

في المثقف اليوم