آراء

أستراليا.. حملات التخويف الانتخابية

عباس علي مرادتساءلت صحيفة ذي سدني مورننغ هيرلد في أفتتاحيتها(17/4/2022) عن مصير الديمقراطية في أستراليا. لم يأتي طرح الصحيفة للموضوع من فراغ مع ان الصحيفة ركزت على موضوع التبرعات الانتخابية حيث من المتوقع ان يصل الانفاق على الحملة الأنتخابية الحالية الى 500 مليون دولار.

الذي تقدم يجعلنا نتساءل عن هذه التبرعات الانتخابية وما الهدف منها

اولا، من أين وكيف تأتي الاحزاب الاسترالية بهذه المبالغ؟

ثانياً، هل القانون الحالي للتبرعات السياسية فيه كفاية من الشفافية، وهل يشكل ذلك اسلوب لشراء الاصوات بطريقة مواربة؟

ثالثاً، هل يتبرع المتبرع حسنة لوجه الله وما هي الخدمات التي سيتلقاها مقابل تلك التبرعات؟

الى جانب هذا الموضوع المهم والحساس، هناك قضايا لا تقل أهمية من حيث تأثيرها على المسار الديمقراطي في البلاد والاحزاب خصوصاً الحزبين الكبيرين الاحرار والعمال يتحملون المسؤولية عما وصلت اليه الأمور، حيث يتدخل الحزب حتى بتسمية المرشحين وانزال مرشحين مقربين من القيادة الحزبية على حساب الاختيار عبر الانتخابات  الحزبية وتهميش اعضاء الحزب.

على سبيل المثال العمال انزلوا بالمظلة كريستينا كينلي كمرشحة في مقعد فولرفي غرب سدني، وحزب الأحرار انزل كاثرين ديفيز مرشحة عن مقعد وارنغا في شمال سدني، وقد أثارت هذه التعيينات مشاكل وصلت الى المحكمة العليا في ما عرف بالحرب الأهلية داخل حزب الأحرار في ولاية نيو سوث ويلز.

مع بداية الأسبوع الثالث من الحملة الأنتخابية، نرى ان هذه الحملة ما زالت تسيطر عليها حملات التفاخر والتباهي والزلات والتخويف، وان لم تخلو كلياً من بعض المشاريع التي تعرضها الاحزاب والتي لم تستطع أقناع 25% من الناخبين المتأرجحين باتخاذ قرار حاسم لمن سيقترعون أذا ما أخذنا نتائج المناظرة الاولى التي جرت الأسبوع الماضي بين رئيس حكومة تصريف الأعمال سكوت موريسن وزعيم المعارضة انثوني البانيزي كدليل ( 40% لصالح البانيزي 35 % لموريسن و25% متأرجحين).

الموضوع الآخر، والذي لا يقل اهمية من حيث الدلالة على فقدان الثقة بالسياسين هو المطالبة بتشكيل هيئة او مفوضية فيدرالية لمكافحة الفساد، والتي كانت وعداً انتخابياً قدمه موريسن عام2019  ولم يرى النور، بسبب تهرب موريسن من تشكيل مفوضية بصلاحيات جدية والتي وصفها موريسن (كمحكمة الكنغارو) رغم ان اعضاء من حزب الاحرار يؤيدون تشكيل هكذا هيئة بصلاحيات جدية، بالأضافة الى تأييد النوب المستقلين لتشكل هذه المفوضية الى جانب حزبي الخضر والعمال، وهذا ما يقودنا الى التساؤل فعلاً لماذا نريد هكذا مفوضية إذا كان ممثلو الشعب يلتزمون بالقوانين؟!

وهناك مشكلة أخرى تواجه الديمقراطية، فرغم ان الانتخاب أجباري  في أستراليا (او على الاقل شطب الاسم) لكن هناك ظاهرة برزت مؤخراً ان نسبة 55% من الذين بلغوا سن الانتخاب لم يسجلوا انفسهم للمشاركة والتصويت في في انتخابات 21/5/2022 وقد عزى سكوت موريسن الامر خلال المناظرة الى وسائل التواصل الاجتماعي عندما سئل عن الموضوع!

وقد عبر عن هذا الاستياء روب بيليو نجل تيد بيليو رئيس ولاية فكتوريا السابق (احرار)، في اعنف هجوم على حزب الأحرار وقال:كان والدي رئيس الوزراء الليبرالي، لكن لا يمكنني دعم حزبه ويضيف بيليو قائلاً: لا فرق بين المحافظين والمعتدلين داخل الحزب كلهم انانيون، و يستخدمون الجمعيات الخيرية والمؤسسات العامة لتعزيز قضاياهم السياسية.

وتحدث عن ارث حكومة موريسن فرايدنبرغ قائلاً:

إرث سكوت موريسون وفريدنبرغ هو توقع تريليون دولار من الديون، وركود قطاع الطاقة، وتراجع أستراليا في مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، وتعزيز ما أعتقد أنه أسوأ ثقافة سياسية عرفناها على الإطلاق. هذه ليست إنجازات الأشخاص المحترمين

مهما يكن من امر، فقد حان وقت العمل الجدي والهادف، من اجل النهوض من جديد وحماية النمو المستديم والمكتسبات الديمقراطية لاستمرار ازدهار البلاد، وهذا ما يتطلب ذهنية مختلفة وبمقاربة مختلفة، ذهنية وطنية ليست ذهنية سلطوية هدفها الوصول الى السلطة بأي ثمن، لقد حان الوقت للتركيز على النتائج وليس على المكاسب السياسية الرخيصة قصيرة المدى، لان الأمور ليست كما يصورها السياسيون وهذا ما حذر منه صندوق النقد الدولي الذي وصف الميزانية الاسترالية بانها تنزف حبرا احمر، الميزانية الاسترالية تعاني اكبر انهيار او تراجع في العالم المتقدم حسب صندوق النقد الدولي (س م ه 20/4/2022).

وهذا ما تؤكده الارقام، حيث ان الدين العام الأسترالي وصل الى أعلى نسبة منذ خمسينيات القرن الماضي، في نفس الوقت الذي يروج  رئيس الوزراء سكوت موريسن لنفسه انه الاقدر على إدارة الإقتصاد الأسترالي، علماً ان حزبه الذي تولى السلطة عام 2013 ورث نسبة من الدين 20% وصلت اليوم الى 42.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ويتوقع ان يرتفع الى 44.9 بعد عامين.

طبعاً هناك فوائد تدفع لخدمة هذا الدين (18 مليار حالياً)، وسيرتفع هذا المبلغ في حال ارتفعت أسعار الفائدة والتي أصبحت مؤكدة (وحسب توقعات الميزانية سيصل المبلغ الى 26 مليار خلال 4 سنوات) وقد يلجأ البنك المركزي الى رفع سعر الفائدة في اوئل أيار القادم وقبل الانتخابات الفيدرالية للجم الارتفاع الحاد بسنبة التضخم.

ومن مظاهر الفشل السياسي لحكومة موريسن، توقيع الصين اتفاقية امنية مع جزر سليمان، التي تعتبرها أستراليا جزءاً من امنها القومي لانها تعتبر شريان بحري حيوي لحركة التجارة في الوقت الذي يتلهى موريسن باتهام  حزب العمال بـ "الانحياز إلى جانب الصين" هذا الاتهام الذي وصفه زعيم المعارضة أنتوني ألبانيز "بالافتراء الشائن".

وقد وصف بيتر هارتشرمحرر الشؤون السياسية في الهيرالد موريسون بأنه فشل فشلاً ذريعاً في الوظيفتين الفيدراليتين الأساسيتين التي يدعي انه يحسن ويبرع في إدارتهم  الاقتصاد والامن القومي (23/4/2022).

على الضفة السياسية الأخرى، فإن حزب العمال والذي دخل زعيمه في حجر منزلي بسبب إصابته بالكورنا، والذي كان له زلة كبيرة في الاسبوع الاول حيث فشل بمعرفة ارقام البطالة وسعرالفائدة، ما زال الحزب يقارب الامور بحذر شديد خشية تكرار سناريو انتخابات عام 2019، رغم انه وعد بأجراء إستفتاء للاعتراف بالسكان الاصليين بالدستور، وتحسين الوضع في قطاع رعاية المسنين، ورعاية الأطفال، وزيادة المساعدات لجزر الباسفيك وقد وجد الحزب فرصته في فشل موريسن بمنع جزر سليمان توقيع الاتفاقية الأمنية مع الصين وحمل مورسن وحكومته المسؤولية عن هذا الفشل.

وقد وعد العمال بفرض صرائب على الشركات المتعددة الجنسيات ولكن الحزب لم يعد في حال وصوله الى السلطة بالحد من الانفاق مما بعني زيادة الدين.

 إن استراليا تعاني من مشكلة بنيوية سياسية واقتصادية سيتبين عمقها بعد ان تنجلي غبار الحملة الانتخابية، حيث سنكون امام حقائق لا تبشر بالخير، مالية (زيادة الدين وتضخم) وسياسية (برلمان معلق)، ولذلك نرى ضرورة مصارحة الناخبين ووقف التلهي بحملات التخويف والتشهير والافتخار بانجازات ماضية والتركيز على الزلات، لاننا نريد ان نعرف ما هي مشاريعكم وخططكم المستقبلية.

وبهذا الخصوص، يرى الكاتب في الهيرلد جيمس ماسولا، ان موريسن والبانيزي يحاولان تأطير الانتخابات القادمة (21/5/2022)  على أنها استفتاء على السنوات الثلاث الماضية، وقد وصل ماسولا الى هذا الاستنتاج بعدما عرض لمقالين نشرتهما الهيرالد  لكل من موريسن والبانيزي في 24/4/ 2022عرضا وحهتي نظرهما لمستقبل البلد.

***

عباس علي مراد - سدني

في المثقف اليوم