آراء

هوية العراق في دستور بريمر مقارنة بدساتير عشر دول عربية

علاء اللاميفلنقارن هوية الدول العربية كما وردت في دساتير مصر، الجزائر، الأردن، سوريا، اليمن، تونس، لبنان، ليبيا، الكويت والبحرين، بالدستور العراقي الذي كتب في عهد الاحتلال الأميركي: لنبدأ بقراءة هذه الفقرات المقتبسة حرفيا عن دساتير الدول العربية؛ وأسجل مقدما أنني في استعراضي لها، لا أهدف الى اعتبار هذه النصوص أو أحدها مثالاً يحتذى، لأنها مختلفة عن بعضها في التفاصيل أصلا رغم أنها تجمع على الهوية العربية أو العربية الإسلامية لهذه الدول، بل هدفي هو المقارنة والتحليل للوصول إلى الاستنتاجات الملائمة، ولتطوير وتقديم صيغة تناسب حالة العراق: لنبدأ بالدستور المصري فهو يؤكد أن "مصر جزء من الأمة العربية، ويعمل على تحقيق تكاملها ووحدتها". ومن الواضح ان هذه الصيغة وليدة فترة الصعود القومي العربي في العهد الناصري ولكنها بقيت كما هي في العهود اللاحقة وما حدث فيها مكن تراجع وارتداد في عهد السادات ومن تلاه، ورغم اعتزاز المصريين بالمكونين الرئيسيين المندمجين لشعبهم العربي والقبطي ورغم أن مصر بلد أفريقي وليس آسيويا فالعرب آسيويون أصلا ومنطلقا. تقول الفقرة "المادة الأولى من دستور مصر المعدل سنة 2019: جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون. الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمي إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية".

* أما دستور الجزائر لسنة 1996، ورغم تأكيده على الحضور الأمازيغي في التركيبة السكانية والثقافية وإقراره في المادة الرابعة بأن "تمازغيت هي أيضا لغة وطنية تعمل الدولة على ترقيتها وتطويرها"، ولكنه يسجل في ديباجة الدستور "إن الجزائر، أرض الإسلام، وجزء لا يتجزّأ من المغرب العربي الكبير، وأرض عربيّة، وبلاد متوسطيّة وإفريقيّة تعتزّ بإشعاع ثورتها". وحين عُدلت هذه الصيغة في دستور سنة 2016 فلم يشطب على الهوية العربية بل تم تطويرها وأضيف لها البعدين الإسلامي والأمازيغي" فأصبحت الصيغة كالآتي "والمكوّنات الأساسيّة لهوّية الجزائر، هي الإسلام والعروبة والأمازيغيّة، وتعمل الدولة دوما لترقية وتطوير كل واحدة منها، وتمتدّ جذور نضالها اليوم في شتّى الميادين في ماضي أمّتها  المجيد/ الديباجة المعدلة".

* في الدستور الأردني المعدل سنة 2011/ المادة الأولى يأتي التعريف بهوية الدولة واضحا وصريحا فيقول "المملكة الاردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه، والشعب الاردني جزء من الامة العربية ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي.

* أما في دستور سوريا 2012، فنقرأ الآتي في ديباجته: "تعتز الجمهورية العربية السورية بانتمائها العربي، وبكون شعبها جزءاً لا يتجزأ من الأمة العربية، مجسدة هذا الانتماء في مشروعها الوطني والقومي، وفي العمل على دعم التعاون العربي بهدف تعزيز التكامل وتحقيق وحدة الأمة العربية".

* في دستور اليمن المعدل سنة 2015، يرد تعريف هوية الدولة اليمنية في المادة الأولى كالآتي: "الجمهورية اليمنية دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ منها، والشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلاميــة".

* في الدستور التونسي المعدل سنة 2011، أي بعد انتفاضة سنة 2010 التي أسقطت نظام بن علي نقرأ تعريف الهوية التالي: "وتوثيقا لانتمائنا الثقافي والحضاري للأمّة العربية والإسلامية، وانطلاقا من الوحدة الوطنية القائمة على المواطنة والأخوّة والتكافل والعدالة الاجتماعية، ودعما للوحدة المغاربية باعتبارها خطوةً نحو تحقيق الوحدة العربية".

* وفي دستور لبنان لسنة 1990 والمعدلة سنة 2004، نقرأ في الفقرة ب من الديباجة التعريف الآتي لهويته: "لبنان عربي الهوية والانتماء، وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء".

* أما الدستور الليبي المعدل سنة 2016 فيعرف هوية الدولة الليبية في مادته الثانية على الشكل الآتي: "الجمهورية الليبية جزء من الوطن العربي والعالم الإسلامي وقسم من أفريقيا ومنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط".

* وقد سار دستور المملكة المغربية المعدل سنة 2011 على نهج الدستور الجزائري في تأكيده على الأبعاد الثلاثة للهوية بل وسعها أكثر جاعلا حتى العبرية من روافدها مع ان الأقلية اليهودية المغربية هاجرت في معظمها إلى الكيان الصهيوني ولم يبق منها إلا جزء محدود وقد ورد في "تصدير الدستور": "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية".

* ونقرأ في دستور دولة الكويت لسنة 1962: الكويت دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة ولا يجوز النزول عن سيادتها أو التخلي عن أي جزء من أراضيها وشعب الكويت جزء من الأمة العربية.

* وفي دستور البحرين لسنة 2002، ورغم أن هناك أقلية ذات جذور غير عربية "إيرانية" مهمة في البحرين، قد تفوق من حيث نسبتها نسبة الأقليات غير العربية ومنها الكرد في العراق والتي هي بحدود 15 بالمائة تقريبا، ومع ذلك فقد أكد دستور البحرين هوية الدولة العربية، ونحن هنا لا نضرب بهذا الدستور المثال الحسن بل نستعرضه من باب المقارنات الدستورية المعبرة، فلن يضير هوية البحرين العربية الأكيدة أن تعترف بوجود أقلية قومية غير عربية فيه. تقول المادة الأولى "أ": "مملكـة البحـرين عربيـة إسـلامية مستـقــلة ذات سـيادة تامـة، شـعبها جـزء مـن الأمـة العربيــة، وإقـــليمها جــزء مــن الــوطن العربــي الكبيــر، ولا يجــوز التنــازل عــن ســيادتها أو التخلي عن شيء من إقليمها".

* نصل الآن إلى دستور العراق الذي كتب وسُنَّ ونوقش وتم الاستفتاء عليه في فترة قصيرة جدا وتحت حماية قوات الاحتلال الأميركي، وبمشاركة عدد من الخبراء الأجانب المشبوهين وأشهرهم بيير غالبريث ونوح فيلدمان، فيما تم اغتيال عدد من أعضاء لجنة كتابة الدستور الذين رفضوا الموافقة على عدد مواد في مسودة الدستور ومنها المادة التي تشطب على هوية العراق العربية ومن هؤلاء المغدورين السادة مجبل الشيخ عيسى، وضامن حسين عليوي، وعزيز إبراهيم ودهمان حسين الجبوري، سنة 2005. ففي مادة 3 تم الشطب تماما على انتماء العراق للجغرافيا والتاريخ والهوية الحضارية العربية، وتم الاكتفاء بتسجيل أنه بلد "إسلامي ومتعدد القوميات والأديان". يحاجج البعض من مناهضي عروبة العراق بأن "تأكيد هوية العراق العربية يتناقض مع القول بتعدديته وتنوعه القومي"! وهذه حجة متهافتة استنادا إلى دستور بريمر نفسه، ففيه أكدوا "هوية العراق الإسلامية وفي الوقت نفسه أكدوا تنوعه وتعدديته الدينية والطائفية"! ثم إن التعددية ووجود أقليات لا يلغي هوية أي بلد من البلدان في العالم، فالهوية ثمرة سيرورة حضارية طويلة استمرت آلاف السنين وليست حاصل مجموع إحصائيات فقط، رغم أن هذه الإحصائيات نفسها تؤكد أن عرب العراق يشكلون نسبة مهمة لا تقل عن 85 بالمائة تقريبا. وتقول المادة المذكورة: "العراق بلدٌ متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو عضوٌ مؤسسٌ وفعال في جامعة الدول العربية وملتزمٌ بميثاقها، وجزءٌ من العالم الإسلامي".

إذن، هذا ما تقوله المادة الثالثة من دستور فترة الاحتلال، في حين أن الواقع التاريخي والجغرافي والثقافي يقول - وهذه الصيغة تصلح لأن تكون بديلة للمادة البرايمرية المذكورة - إن "العراق بلد عربي الهوية الحضارية والانتماء، وهذه الهوية الموروثة لم تعنِ يوما ولن تعني مستقبلا إنكار وجود أقليات قومية واحترام حقوقها المشروعة وخصوصياتها الثقافية، وهي تصل بمجموعها الى 15 بالمائة تقريبا من السكان. فالعراق ومنذ آلاف السنوات هو موطن الشعوب والأمم الجزيرية "السامية" منذ الأكديين فالأموريين والآراميين فالآشوريين فالكلدانيين وأخيرا العرب الذين بلغوا ذروة ازدهارهم الحضاري في العصر العباسي، وهم يشكلون اليوم أكثر من 85 بالمائة تقريبا من السكان".

أليست جريمة أن يشطب على الهوية الحضارية العربية للعراق وهو موطن الشعوب الجزيرية السامية وآخرها العرب، إرضاء لنزعات بعض الساسة الكرد القوميين المتطرفين الكارهين للعرب؟ أليس الأسوأ من هؤلاء هو من ينفذ مطالبهم ويخضع لشروطهم لأغراض سياسية وطائفية ومصالح حزبية أنانية ضيقة؟ لقد خان الساسة الطائفيون العراق وشعبه مرتين: مرة حين تحالفوا مع الاحتلال الأميركي ولم يشاركوا في مقاومته كما قاومه الصدريون وغيرهم في السنوات الأولى، والثانية يوم عقدوا صفقة معيبة مع الساسة الكرد -ومن ورائهم المحتلون الأميركيين – ووافقوا بموجبها على إلغاء هوية العراق العربية مقابل الاعتراف لهم بتمثيل الطائفة الشيعية، وكأنهم بذلك يتنازلون عن عروبتهم وكرامتهم هم مقابل السلطة وغنائمها!

دعونا نأمل بصدق أن لا يكرر الصدريون هذه الخطأ الكارثي ويوافقوا على شطب الهوية الحضارية العربية للعراق تحت إغراءات الحكم والشعارات الحزبية السياسوية في مشروع قانون حظر التطبيع والاعتراف بالكيان الصهــيــوني!.

***

علاء اللامي

 

في المثقف اليوم