آراء

شورى الأسلام والديمقراطية

اياد الزهيريالشورى مفهوم سياسي أسلامي كَثُر عليه اللغط والجدل، وهل هو متطابق تماماً مع المفهوم للديمقراطية؟ أو أن له مفهومه الخاص؟، أو أنه يشترك مع الديمقرطية بمشتركات معينة ؟. الشورى والديمقراطية بالحقيقة هما مفهومان يعبران عن آلية لأدارة الحكم، ويمكن أن نصفهما بأنهما يمثلان آليتين فنيتين لأدارة فن التعايش بين المجاميع المختلفة سواء كانت قوميةً أو دينية أو حزبيةً، ولكن آلية الديمقراطية أرتبطت بالفكر الليبرالي حتى أصبح الفكر الليبرالي يمثل الوجه الآخر للديمقراطية، أي أن الليبرالية تمثل المبدأ الأيديولوجي للفكر الغربي والديمقراطية تمثل الآلية لتطبيق هذا الفكر، في حين أن الاسلام يمثل الفكر أو الأيديولوجية للأسلام وان الشورى هي الآلية التي يجري بها تطبيق الجانب السياسي وأدارة الحكم الذي هو جزء من الأسلام . أذن فهذين المصطلحين هما آليتان فنيتان تطبيقيتان لفكران أحدهما ليبرالي والآخر أسلامي. كما من المهم الأشارة الى أن مبدأ الشورى من الناحية اللغوية يعني التحاور والتداول وتبادل الرأي،والغاية منه هو الوصول للرأي الصائب قبل أتخاذ القرار النهائي، وقد قال القرآن الكريم (وأمرهم شورى بينهم) فالأمر هو مفهوم عام وأطلاقي يشمل كل الأمور التي تهم الأنسان والمجتمع ككل، ولكن من الجميل أن الأسلام وضح معنى هذا المفهوم والقصدية منه ولكن لم يحدده بآلية معينة،وأنما ترك ذلك للتطور التاريخي الفكري للأنسان بأعتبار ذلك أنه أمر فني، فمرةً يأخذ صيغة أهل الحل والعقد،ومرةً يأخذ مفهوم مجموعة المستشاريين،ومرةً يأخذ شكل البرلمان وهكذا، أي أنه شأن تقني،وهنا يمكن أن تلتقي الشعوب المختلفة في آلية فنية واحدة وأن تجد لها مشتركات فلا ضير في ذلك، أما المباديء النظرية والعقدية فهي تختلف في جانب وقد تلتقي في جوانب أخرى، فالديمقراطية هي ليست بوحش يُخاف منه، وأنما الخطورة تكمن في بعض الجوانب في الفكر الليبرالي الذي يحمل بعض الأفكار وخاصه في جانبه الأخلاقي والأجتماعي بما يتنافى مع عقيدتنا الأسلامية، وهنا ينبغي علينا تفكيك هذه المفاهيم الواردة ألينا من الغرب وأن ندرسها بعلمية وحيادية من دون أن نعاديها ونصطدم بها من غير تمحيص، لأننا كمسلمين ملزمين أن نأخذ الحكمة وكل ما هو مفيد من أي جهة كانت وبغض النظر عن عنوانها لأن الحديث النبوي الشريف يقول (الحكمة ضالة المؤمن فأنى يجدها فهو أحق بها)،. بهذة الطريقة يمكن أن نحل الكثير من الأشكاليات واللغط الذي يعتري حياتنا السياسية والفكرية ونزيح الكثير من الغموض الذي عكر صفو حياتنا العامة والخاصة، فهناك الكثير من المشتركات يمكن أن يجدها الأنسان مع الآخر المختلف، والتي يمكن أن نمد من خلالها جسور التعايش مع الآخرين سواء كانوا هؤلاء موجودين داخل الوطن الواحد أم خارجه. ففلسفة الديمقراطية في جوهرها هي حرية أختيار ممثل الشعب الذي يعبر عن آمانيهم ورغباتهم بالحياة، وقد عبر عنها السيد الخميني في توصيفه عن حقيقتها بأن قال عنها (أن الدولة الأسلامية هي دولة ديمقراطية بالمعنى الواقعي للكلمة…)، ومن المهم أن أشير الى أن السيد الخميني لا يقصد النموذج الغربي للديمقراطية بكل تفاصيله،فللديمقراطية مذاهب شتى ولكن لها فلسفة واحدة اتفقت عليها كل مذاهبها، الا وهي القبول بحرية أنتخاب الحاكم، والسماح بالتعددية الحزبية، والأيمان بحق حكم الأغلبية مع حفظ مصالح الأقلية وحقها بالمشاركة والمعارضة للحكم، ولكن لا يمكننا أن نقول بأن الألية التي تُطبق فيها اليوم هي تمثل الحالة المثلى، فهناك أشتراطات فيها لا تعبر في نظري عن حالة ناضجة،ولا يترشح منها مخرجات أيجابية للصالح الأجتماعي العام، فعلى سبيل المثال،أنا شخصياً أسجل تحفظي على سن الناخب الذي حُدد بسن ال١٨ عام كسن قانوني يحق لمن بلغه أن يشترك بحق الأقتراع،في حين أن هذا السن غير مؤهل،ولم يكتسب المعارف الكافية ولا الخبرة التي تجعل منه يُجيد أختيار المتصدي للأمر العام،لأنه أنسان في بداية الرشد وليس راشد، وهنا أثبت ما قاله الزعيم البريطاني السير ونستون تشرشل، والذي وصف الديمقراطية بأنها (النموذج الأسوء للحكومة التي ابتكرها الإنسان، بعيداً عن النماذج الأخرى التي هي أسوأ من ذلك النموذج أيضاً). أذن فالديمقراطية كفلسفة فكرة راقية، لكن آليتها هي من تتطور مع تطور فكر الأنسان وزيادة خبرته في إدارة الحكم، لذلك لا يمكن أن تتجمد فكرة الديمقراطية على آلية محددة بذاتها، والدليل لو نظرنا الى تاريخ فكرة الديمقراطية لرأيناها أنها فكرة مرت بمراحل متعددة من التطور،كما أن الأسلام لا يمكن أن نوصفه بالنظام الديمقراطي بالرغم من وجود بعض التماثل في الفكر الليبرالي والآلية الديمقراطية،لأن للأسلام خصوصيته الفكرية التي تتمثل بخصوصية مصادر تشريعه التي تعتمد على المصدر الألهي ومصدر العقل، وأن هناك منطقة فراغ أتاحت للأنسان حرية التشريع فيها، وبما يحقق مصالحه، ولكن ضمن أطار المباديء العليا للشريعة ، كما ينبغي التنوية الى ملاحظة مهمة تدل على رسوخ فكرة الآلية الديمقراطية كما يُسمى بالأصطلاح الغربي والتي هي الشورى بالمعنى الأسلامي مع مراعاة الخصوصية في المبدأ،حيث ترى المفكرين المسلمين سباقين في الدعوة الى أشراك الأمة في الحكم، وهذا السيد جمال الدين الأفغاني وقد قدم النصيحة لحاكم مصر حينها (محمد توفيق باشا) قائلاً له ( ان قبلتم نصح المخلص، وأسرعتم في أشراك الأمة في حكم البلاد عن طريق الشورى، فتأمرون بإجراء انتخاب نواب الأمة، تسن القوانين وتنفذ بأسمكم وبإرادتهم، يكون ذلك أثبت بعرسكم وأدوم لسلطانهم)، وقد قالها لغيره من الحكام. ومنهم شاه إيران ناصر الدين القاجاري، وهذا يعطي سابقة للأسلامين على العلمانين في الدعوة الى الآلية الديمقراطية في الحكم،وثورة المشروطة عام ١٩٠٦ م دليل آخر على هذا السبق في العالم العربي والأسلامي،وهذا ليس بغريب على فكر قد قالها منذ أكثر من ١٤٠٠ سنة (متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) .خلاصة ما نقولة،فما الضير من أستخدام وسيلة الديمقراطية،أذا كان في ذلك جلب منفعة للأمة، ودفع ضرر أستبداد الحاكم وتبعات حكمه، وهذا ما يرحب به الأسلام ويدعو له، لأن حفظ النظام، وسلامة الأمة ، ومكافحة الظلم، وتحقيق العدالة من الأمور التي يحرص عليها كثيراً،بل ويعتبره من أفضل الجهاد،ومصداق ذلك حديث الرسول محمد ص (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)، ومادامت الديمقراطية هي وسيلة ناجعة في ممارسة الجهاد ضد الدكتاتورية، فما المانع العقلي والشرعي من أستخدامها في ردع الظلمة من الحكام،خاصة وهي وسيلة سلمية تمنع نزيف الدم، وأزهاق الأرواح بين أبناء الشعب الواحد عند أختلافهم في أدارة شؤون بلدهم، ومع ذلك لا يمكنني أن أزعم أن كلمة الديمقراطية مرادف تام الأطباق مع الشورى، فيبقى للشورى خصوصية تمنعها من التماهي والأستغراق التام مع الديمقراطية الغربية ..

***

أياد الزهيري

 

في المثقف اليوم