آراء

نظرية اهل البيت بين العقيدة والسلطة

عبد الجبار العبيديتحتدم الجدلية اليوم بين أصحاب مبادىء أهل البيت الحقيقية التي جاءت في الكتاب المقدس.. وبين أصحاب المبادىء الطارئة التي أنشأتها فرق الغلاة الدينية.. ونَسَبتها اليها وهماً لا حقيقة.. في معتقداتهم.

مصيبتا ان غالبية العرب والمسلمين يتمسكون بالحق والأستقامة.. لكنهم يطبقون الأعوجاج والباطل دون وعي من ضمير.. أهل البيت الاخيار نلتصق بهم.. لكننا لقيمهم ومبادئهم ناكرين.. فكيف نُحكم العدل والدين ونحن لهما من الكارهين.. لا تغرك مساجدهم وحسينياتهم ولطمياتهم ومراكزهم الدينية والفكرية ومؤلفات كتبهم فغالبيتها للباطل والعداوة والخيانة وسرقة اموال الناس والمذهبية الباطلة طائعين.. من هؤلاء يرتجى امانة وأطمئنان ويقين.. لا والله، لإن فاقد الشيء لا يعطية.

يقول الحق في محكم كتابه الكريم: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى وأقمن الصلواة واتين الزكاة وأطعن الله ورسوله انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا، الاحزاب 33)، فهل يحق لأحد ان يقرأ الأية مقطوعة الأصل كما يقرؤونها الغلاة اليوم. ولكثرت ما رُددت الاية ونُسجَ عليها من احاديث ثبت او غير ثبت، تقرر في نفوس الناس ان العترة المباركة التي آمنت بالعقيدة لا يمكن ان يداخلها الهوى من اجل مصالحها الشخصية، وأنما جاءت مكملة لرسالة الاسلام قولا وتطبيقاً وليست تفريقاً بين المسلمين كما عند الغلاة.. الذين حولوا آيديولوجياتهم الفكرية الى مذاهب.. متقاتلة دون يقين..

ولكن علينا أولاً: ان نحدد من هم أهل البيت في الاية الكريمة؟ هناك نظريتان: الاولى تقول هم الامام علي (ع) وأولاده من فاطمة الزهراء، وهي نظرية الشيعة الامامية المتطرفة، والنظرية الاخرى تقول هم كل من دخل بيت رسول الله واصبح ممن ينتسبون اليه خلفَة وازواجا وهي النظرية الحقيقية المدونة في القرآن التي يرفضها أصحاب النظرية الأولى... فلا تفريق بينهما ولا نص يوحي بذلك التفريق الاكثر قبولا، فأذا أقرينا بنص الاية قولاً ومضموناً نستطيع ان نتخلص من كل الروايات السلبية التي صيغت مخالفة للاية الكريمة آنفة الذكروأريدَ منها التفريق بين المسلمين عن قصد والتي تزعمها الغلاة من فقهاء القرن الرابه الهجري، التي وضعت قصداً لتدمير عقيدة المنشأ.. في التحقيق.

ان قول الحقيقة لربما ينهي هذا الخطأ الذي تحول الى عقيدة وهي وهماً لاحقيقة. قال المؤرخ الطبري في الرسل والملوك يصف أهل البيت: (انهم والله في صدور الناس اهيب من الاسد). وهنا الطبري لا يقصد التفضيل بل شمولية الثناء لمن آمن حقا وحقيقة بعقيدة الأسلام... اذن هل ما قاله كان أعتباطاً، أو هو ماكان يدور في أفكار الناس وعقولهم آنذاك وما نكتبه اليوم فيهم، هؤلاء الذين ما فكروا يوماً الا بتطبيق العقيدة وحقوق الناس والاوطان فالتسمية لم تأتِ من فراغ، بل جاءت من تقييم واقعي للامور بعيدا عن السياسة وتوجهاتها، فهل يستحق الغلاة ان يكون لهم صدق القول في الوهم..؟

أهل البيت الذين ذكرهم القرآن.. هم الصفوة المختارة التي استوفت الجانب الشرعي من تكوينها بعد ان حرصت ان يكون لها عماد شرعي في حكم الامة، وهي تسمية شملت كل من امن بحق وحقيقة دون الخروج عن العقيدة والنص.. فشملت حتى بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي كما ذكر في الحديث "سلمان منا أهل البيت". هؤلاء الذين تعهدوا بالحفاظ على نقاء الشريعة والذود عن اصالة العقيدة دون تفريق، الذين مثلوا نظرية العدل المطلق حين أصروا على رفض الباطل والانقسام من اجل السلطة والمال وتمثل هذا الشريحة الامام علي (ع) وجعفر الصادق (ع) و موسى بن جعفر(ع) و السيد محمد باقر الصدر الذي اعدم عام 80.. هؤلاء هم الذين مثلوا نظرية العترة.. أستشهدوا ولم ينكرون..

وهم الذين اتخذوا من المبادئ عقيدة لهم.. ومن الاستقامة طريقا لهم.. ومن حقوق الامة والناس دستورا لهم.. نعم بهذه الموازين يستحقون التقييم.. وليست زعامة الشيعة الخارجة على القانون اليوم الصامتة صمت القبور.. التي خربت الدولة والدين معا.. وهم من يحكمون اليوم.. ويدعون.

وعندما تقرأ كتبهم ومناقبهم وصحفهم وما كتب فيهم المؤرخون المحايدون القدامى والمحدثون، لا تجد فيها ثغرة تدخل اليها لتلمس منها سلبا في اعمالهم أبتداءءً بمحمد (ص) جدهم الاول وانتهاءً باخر أئمتهم الحسن العسكري(ع)، وهنا نتجاوزالامام الثاني عشر لانه لازال غائبا عن ممارسة تطبيقات منهجهم حسب رأيهم ومعتقداتهم فهو اليوم.. بحكم الأسطورة في سجل التاريخ.

ان ما نسبه مؤيديهم الجدد لأنفسهم من انهم من أصحاب المذهب الجعفري فهو تجاوز على العقيدة ومن صنع اعدائهم. لانهم جاؤا لكل الناس بدعوى أنهم من أتباع مذهب جعفر الصادق(ع) وجعفر الصادق يملك آيديولوجية فكرية لا مذهب لكنهم لا يقرؤون، وما المذاهب كلها الا اجتهادات فقهية ناقصة جاءت لخدمة الحاكم وسلطته لا الدين. يجب ان تلغى من عالم الاسلام ليعود الاسلام لنقائه دون خلاف واختلاف.

ان الامام جعفر الصادق(ع) لم يكن اكثر من الحسين او السجاد او العسكري(ع) تفوها وعلما في علم الكلام والعلوم الفقهية الاخرى وفي مواقف الكفاح والفداء، لابل اقولها صراحة هو كان مثلهم ان لم يكن أقل، فحينما حصل التغيير من الامويين الى العباسيين عام 132 للهجرة، طلب منه ابو سلمة الخلال قائد الثورة في خراسان نقل الخلافة اليه لكن رفض بحجة التقية وعدم الاقحام في سياسة حكم الدولة، لأنه هو والباطل على طرفي نقيض ولشعوره بعد م

الاستطاعة في تقلد السلطة في ذلك الجو السياسي المضطرب.. ولكراهيته للدور الفارسي في التغيير..

يقول الامام الصادق(ع) رداً على رسالة الخراساني:

يا موقدا نارا لغيرك ضوءها.. ويا حاطباً في غير حبلك تحطب

وقال ما انا وابو سلمة، وابو سلمة شيعة لغيري فاخذ الكتاب ووضعه على السراج حتى احترق. انظر المسعودي في مروج الذهبج2 ص166. لكراهيته لما يضمرون..

ان هذا الامام النقي كان مفكراً آيديولوجيا وليس قائداً سياسيا.. معتقدا ان الحكم لا يصلح لهم في هذا العصر المضطرب، والأولى بهم ان ينصرفوا الى العلم وان يكونوا أئمة للناس في امور الدين والتوجيه الصحيح دون ان يزجوا انفسهم في ميدان السياسة، والسلطة والمال.. وظل كذلك حتى وفاته عام 148 للهجرة محيطاً به محمد بن اسحاق المطلبي (ت150) الذي كتب السيرة النبوية الموثقة. لكن هذ التوجه جر على الشيعة انعزالية السياسة والعمل الحكومي الذي افقدهم الكثير من فرصهم في ادارة الدولة.

ان اصحاب المذاهب الأربعة الأخرى.. وعلى طريقتهم الخاصة كل منهم اختار شخصية دينية لامعة ليترأس بها مذهبا معينا يناظرُ به المذاهب الاخرى، وهذا اول خطأ يرتكب بحق الاسلام في اعلان المذهبية التي تجاوزت النص المقدس.. والتي أدت الى تفريق وحدة المسلمين، ولا زالت أثارها باقية بفعالية الى اليوم. وقللت من مكانة الاسلام بين الناس تاريخياً.. حتى أفقدته قيادة الدين والسلطة معاً.

من يطلع على كتب فقهاء الشيعة الفرس من امثال الكليني (ت 940 م )، وأبن بابويه (ت 991م )، والشيخ المفيد (ت1023 م) والشريف الرضي1016(ت1016)م، ) وابو جعفر الطوسي (ت 1017 م)، ويقارنهم بفقهاء السُنة وما كتبوا من امثال الماوردي (ت974 م)، والجويني (ت 1085 م)، والغزالي (ت 1111م ).. لوجدت ان الفكر السياسي السلطوي هو الذي ادى الى تناحر الامة لا الفكر الشرعي العقيدي. فما كان الاجدر بهم شرعاً ان يدركوا هذا الاسفين من اجل ولاة امورهذه الامة، ليفرقوها الى شيعٍ واحزاب الى أبد الآبدين.. فتفرق الاسلام واصبح اسلام فقهاء لا اسلام محمد الأمين.. وهنا كانت نكبة المسلمين التي اصبحت أكثرمضاءً في التهديم.. لا بل قل توقف الاسلام ولم يعد دينا يعتمد علية التنظير القانوني اليوم.

فحين يصر فلاسفة الشيعة على العصمة وانتقال الخلافة في الاثني عشر من ائمة اهل البيت وحصرها فيهم، باعتبارهم ورثة الرسول (ص) حسب معتقداتهم حتى أنشئوا ولاية الفقيه الطارئة على الاسلام والمسلمين وحصروا الثروة الدولة ورئاستها فيهم لا من اجل الدين بل من اجل السلطة والمال وعزل الاخرين.. فماذا كانت النتيجة غير هذه الفرقة التي نراها اليوم والتي مزقت شمل الاسلام والمسلمين.

بينما أعتقد فقهاءالسُنة الى ضرورة تقوية العلاقة الوطيدة بين السلطة والعالم الفقيه، وما يطرحة الواقع السياسي بغض النظر عن المعتقدات الجانبية الاخرى، هنا ادخل فقهاء المذاهب السُنية ضعفاً في التوجه الشرعي والعقيدي حين ورطوا أنفسهم بالحاكم حتى اصبح النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي عندهم، فاصبح الحاكم الظالم وفق التنظير الجديد لهم افضل من انعدامه، مما جر الى ظهور الكتل الساكتة والمؤيدة للحاكم بغض النظر عن الموقف الشرعي للعقيدة، دون ان يدركوا بأن طريق العدل والمبادىء هو وحده يضمن للجميع استعادة التوازن والثقة في الامة..

لقد ترك لنا فقهاء الجانبين جدلية لامعنى لها في بعض فروض العقيدة، كما في التشهد وبعض قوانين الزواج والمتعة واساليب الوقوف في الصلاة والارث والوصية، وكلها خلافات محضة تحكم بأراء الفقهاء المختلفين، فالتأويل الصحيح للنص الديني كفيل بحلها لصالح الطرفين.، وماهي الا أراء هامشية لا تدخل ضمن العقيدة الرئيسية للاسلام.. لكنهم أتخذوها حجة لنيل السلطة والمال ولا غير.. كما نراهم اليوم..

ولو سألني سائل يقول انك لم تبين لنا منهج مدرسة أهل البيت، لقلت لك: ان منهجها في القرأن يعتمد على تفسير القرآن بالقرآن، اي ان الآيات تفسر بعضها بعضاً بالتأويل العلمي وليس بالتفسير الترادفي الخاطىء. والتأويل عندهم يرتكز على العقل لا العاطفة، استنادا الى قول الامام علي (العقل هو الحجة) وهورأي صائب لضمان صدقية النص وولاء الرعية للعقيدة. اما ما أورده بعضهم (بأن القرآن ذلول ذو وجوه فأحملوه على احسن الوجوه)، ونسبوا الى الامام علي قوله: (القرآن حمال آوجه) فهذا يحتاج الى وقفه تحقيقية متأنية لان ما ألفناه من معرفة الامام بتأويل النص وتحديده اللغوي والمعرفي يتعارض وهذه الفرضية.. حتى قالت المعتزلة وهي أكثر الفرق الدينية أعتدالا: (ان القرآن ليس نظرية تتعامل مع الفروض وانماهي نظرية تتعامل مع الواقع، وهنا التقوا مع الامام على(ع) في الحجة والعقل والحرية وأيدوه.. فنظرية العقيدة الاسلامية تقوم على الواقع وليس على الظن.

وتبقى شذرات القوة واضحة في منهجهم ففي مجال العدل قالوا (ان الله هو العدل الذي لا يجور فتمسكوا به). فالعدل أمر تقريري من وجهة نظرهم واجب التطبيق وهو فرض عين، وفي مجال الحكم بين الناس طالبوا بتحقيق العدالة فلا مفضول على الافضل ولا قريب على الابعد ولا تجاسر على اموال الناس والدولة، وان فاته الزمن فالحق القديم لا يبطله شيء والعقل مضطر لقبول الحق حين قالوا (الحق احق ان يتبع، ففيه ينظم المجتمع وينسجم الحاكم والمحكوم، وبه تتحقق مصلحة الامة). وفي مجال السلطة هو تحقيق حكم الله في الارض، فلا تجاسر على الحقوق والاموال ولا نكث بالعهود والمواثيق وفي مجال العلم.. فأين من يحكمون اليوم في النظرية والتطبيق.

قال الامام جعفر الصادق (ع): أكثروا من مجالسة العلماء والحكماء: فالعلم مشاع للجميع مثل الماء والهواء والحريةلان العقل لا يقع الا على العقل فحرم قتل العلماءومطاردتهم.. وفي مجال الارث فضل الوصية على الارث لنصها الثابت في نظرية الحدود كما وردت في سورة البقرة آية 180ولوعددنا ما في منهجه من نظم وقوانين لمصلحة الناس والدولة لحتجنا الى كتاب مستقل وهذا هو منهج الاسلام لا منهج الشيعة او السنة الحاليين من اصحاب.. المذاهب الطارئة على العقيدة الاسلامية الصحيحة.

ولكن مع الأسف ان من جاؤا من بعدهم من الموالين لهم وخاصة في العصر الحديث قد أخترقوا الشرعية لميلهم للسلطة والمال والأبتعاد عن طريق الحق الذي جاؤا به.. وما نراه اليوم في العراق بعد2003 خير مثال عن الابتعاد عن شرعية السلطة ورأي أهل العقيدة الاسلامية الحقيقيين في التطبيق.

ان احسن ما يميز منهجهم هو ان التوجهات فيه يجب ان ترتبط بالمنطلقات، فالمنطلقات الذي تاسست عليه مفهومية المنهج هو القرآن المؤول لا المفسر تفسيرا ترادفيا خاطئاً، المرتبط بالمشروع السياسي الواقعي المتحرك استنادا الى ثبات النص القرآني والتحرك في المحتوى لملائمة حركة التطور التاريخي والقابل للتطبيق في ظروف العصر. وليس كل ماجاء في القرآن حدي.. بل الكثير من الايات جاءت على سبيل العضة والاعتبار والحدية جاءت في الوصايا العشر والعقيدة والحقوق ولاغير. هنا يجب ان يكون المنهج المدرسي لتكوين جيل يؤمن بالحقوق.

ان من لم نستطيع ان يربط بين المنطلقات وبين التوجهات التي نادوا بها، بترابط وثيق لن يستطيع تحديد المسار الصحيح للمشروع الاسلامي ولمعالمه الظاهرة ونتجاوز المحنة اليوم المهددة لانتهاء المسلمين كوجود.. يجب ان يكون الوعي فيها لمن يحكم وعيا تاريخيا مستوعبا ومتناميا ومتسعا ومتجاوزا لكل العقبات ومتسما بالاستيعاب والشمولية والافق الواسع والعمق الانساني، ولا اعتقد ان احدا في حكامنا ومرجعياتنا الدينية اليوم بهذا المستوى الفلسفي الرفيع ً.. بعد ان فضلت سياسة السيف على القلم.

وأخيرا نقول:ما لم تنفتح كل الاطراف على العقلانية في التصرف العقيدي دون المذهبية الباطلة.. والايجابية في العلاقات مع أنفسهم والاخرين والعلمية في الرأي والتحقيق والأبتعاد عن الأراء الفقهية المعادية في التثبيت. فالكل سيحشرون انفسهم في زوايا الانكماش والتدهور والنسيان.. وسيتقاتلون فيما بينهم على السلطة والمال حتى ينتهون، فالظرف اقوى من الجميع مالم ينتبه له الجميع.، وألا ستبقى افكارنا تدور في حلبة الفراغ القاتل الذي لا يأتي بعده الا الخسران المبين.. كما هو اليوم.

ونقول:أتركوا أهل البيت لسبيلهم ولا تتشبثون بهم فهم اولى بالاستقامة والحقوق التي انتم براء منها الى ابد الأبدين.. فما عليكم اليوم الا طلب الحق وان قل في العالمين..

***

د. عبد الجبار العبيدي

 

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم