آراء

الحوار السياسي الوطني في مصر 2022 من أجل المأزق أم الإصلاح؟

محمود محمد عليلا شك في أن الحوار السياسي الوطني هو تبادل الرأي في القضايا المهمّة بين مختلف فئات الشَّعب السياسية، وفصائله العاملة؛ فالتعدُّد الحزبيّ والاختلاف الفكريّ من طبيعة البشر، لذا تنشأ في الدول أحزاب سياسيَّة لها رأيها السياسي الخاص، ورؤيتها المستقلَّة للأمور بناءً على قناعاتها الخاصَّة، وفهمها وتقييمها للمصلحة، وتنشأ عادةً اجتهاداتٌ مُختلفة من قبل هذه الأحزاب والمُسمَّيات، والكيانات السياسيّة، وقد تتعارض فيما بينها، ممَّا يؤثر على نهج العلاقات اليوميَّة فيما بينها في الدولة، ويؤثّر على بعض القرارات، لذا لا بُدَّ من اعتماد سياسة الحوار فيما بينها بهدف الخروج إلى رأيٍ توافقيٍّ يُحقّق نظرةَ وطموح الجميع، وللحوار الوطنيّ آدابُه التي تجب مُراعاتها، وتترتّب عليه نتائج إيجابيَّة تنعكس على الشكل الوطني.

والأنظمة الراشدة هي التي تجعل من الحوار السياسي الوطني نهجاً وسياسة لها، فيزدهر بسياستها الوطن، وبخلاف الحوار الوطني يوجد القمع والاستبداد، وتكثر الصراعات الداخليَّة، وتعمُّ الفوضى والاضطرابات، ممَّا يؤثّر على الاستقرار في شتى مجالات الحياة؛ فيعمُّ الجهل، ويكثر التخلُّف، وتتفكك الجبهة الداخليَّة، وتتعرض البلاد لمطامع الأعداء والطامعين.

ومصطلح الحوار السياسي الوطني ليس جديدا، فمن المعروف أن كل رئيس اُنتخب للبلاد لا بد من أن يعلن ويطالب بالحوار السياسي الوطني، فلقد أصبح مصطلح الحوار الوطني في مصر يعنى عودة الحكام والأحزاب، بل ورجل الشارع، إلى الحوار بعد فترة انقطاع طالت أو قصرت، وذلك لأن كل رئيس يصل لسدة الحكم يبدأ بعد ثورة أو بعد وفاة رئيس يسبقه أو لأى سبب آخر، لذلك يحرص على أن يبدأ بداية ديمقراطية ولكنه عادة ينتهى بصورة مختلفة. وقد تكرر ذلك ست مرات منذ ثورة يوليو ١٩٥٢م، وعادة تأتى فكرة الحوار السياسي الوطني من أعلى إلى أسفل، أي من الحكام ورؤساء الأحزاب... إلخ. وبالطبع يتجاوب الناس في كل مرة، لأن ببساطة من منا يرفض الحوار حول وطننا ومستقبلنا؟! وبحسب تجاربنا السابقة نستطيع القول أن الحوار السياسي الوطني في كل مرة كان يرفع طموحنا إلى أعلى ما يمكن الوصول إليه سواء كان سياسيا أم اقتصاديا أم علميا... إلخ.

وهكذا جاءت دعوة الرئيس السيسي المصري للحوار السياسي الوطني خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في أواخر شهر ومضان الماضي، حيث أعلن سيادته، عن إطلاق "حوار سياسي وطني" مع كل القوى بدون استثناء ولا تمييز، ورفع مخرجات هذا الحوار لرئيس الجمهورية شخصيا، ولقد أكد سياسيون وحزبيون ونقابيون أن إعلان السيسي "نقلة نوعية، وتدشين لمرحلة جديدة في المسار السياسي للدولة المصرية من أجل مصلحة البلاد".

ولذلك فيجب ألا يغيب عن ناظرينا وضع أهداف محددة لطاولة الحوار حتى لا تكون مجرد "ضجيج بلا طحين" كما يقول البعض، ويجب أن تكون كل قضايا المجتمع على كافة المستويات مطروحة على طاولة الحوار السياسي الوطني، وعدم إغفال أي قضية، ونستعرض هنا عددًا من الملفات التي لو فتحنا قلوبنا في مناقشتها سنصل حتما إلى نتيجة مرضية بنسبة كبيرة للجميع، ويجب أيضا أن تكون قضية الاقتصاد على رأس قضايا الحوار الوطني، نظرا لما تمر به البلاد، مثلها مثل كل دول العالم بحالة من التراجع الاقتصادي، إذ يجب أن يشارك في هذا المنحنى خبراء اقتصاد، ليتحمل الجميع مسؤولية إعادة الاقتصاد المصري إلى سابق عهده.

لهذا فإن الحوار السياسي الوطني الذى دعا إليه الرئيس السيسي، وتديره الأكاديمية الوطنية للتدريب، هو خطوة أراها هامة للمراجعة، وإعادة ترتيب الأوراق للمضي قدما فيما تم تحقيقه من نجاحات، وإعادة ترتيب الأولويات، ووضع رؤية مستقبلية بمشاركة الجميع دون استثناء، لترسيخ مفهوم الجمهورية الجديدة، والتي من المستحيل أن تتحقق إلا بمساهمة كل أبناء مصر.

إن الاختلافات في وجهات النظر فيما يتعلق بمعالجة قضايا معينة لا يجب أن تكون هي الهدف من الحوار، بل إنها مجرد وسيلة للوصول إلى الأفضل"، ومن الضرورة أن تأتي أي رؤى متعارضة في إطار وطني يعي التحديات الحقيقية التي تمر بها الدولة دون تهوين أو تهويل، وأن نكون على قناعة بأن هذه التحديات سوف تتزايد خلال المرحلة القادمة.

وحول أهمية طرح الرؤى التي يمكن أن تساعد الدولة على أن تزيد من قدراتها وتدعم وضعيتها في كل القضايا، فلابد أن تكون الرؤى المطروحة واقعية وقابلة للتنفيذ ولا تبغي في النهاية إلا المصلحة العامة للدولة المصرية دون أية مصالح أخرى مع ضرورة القفز على أية مصالح حزبية أو قضايا فرعية لن يكون من ورائها أي طائل سوى ضياع الوقت والجهد.

ومن الأمور المهمة المتعلقة بالحوار السياسي الوطني الذي دعا إليه الرئيس السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية يوم 26 أبريل الماضي 2022، أنه أكد على قضيتين رئيسيتين؛ الأولى طبيعة المحددات العامة للحوار كما طرحها الرئيس السيسي حتى لا يخرج الحوار عن أهدافه، والثانية العوامل اللازمة لإنجاح هذا الحوار.

وهنا لا بد من التأكيد على خلاصة مفادها ضرورة تضافر جهود الجميع من أجل أن يحقق الحوار النتائج المرجوة في ضوء أننا جميعاً في قارب واحد، ولا بد من التركيز على نقطتين أساسيتين؛ الأولى: ما هو مفهوم أولويات العمل الوطني التي تمثل الهدف الرئيسي للحوار؟، والثانية: ما الأهداف التي يسعى المشاركون في الحوار إلى تحقيقها؟، وماذا تريد الدولة من هذا الحوار؟

وللإجابة علي تلك التساؤلات لا بد من أن قضايا وأولويات العمل الوطني تعني بشكل مبسط أن هناك قضايا عامة تحظى باهتمام الرأي العام المصري ويتوافق الجميع على أهميتها، وهي في مجملها تدخل في صميم عمل ومسئولية الدولة المصرية على المستويين الداخلي والخارجي، أما مسألة أولويات هذه القضايا فبالرغم من أن الدولة تحددها طبقاً لرؤيتها وبعد دراسات مستفيضة للواقع والمتغيرات، إلا أنه قد تكون هناك بعض الاختلافات في وجهات النظر من جانب بعض الأحزاب والقوى السياسية، سواء من حيث ترتيب هذه الأولويات أو من حيث طرق وأساليب التعامل معها ومعالجتها، إلا أنه في كل الأحوال فإن مجمل قضايا العمل الوطني للدولة المصرية، بدون ترتيب الأولويات، لن يكون عليها أي قدر من الاختلاف.

ومن الطبيعي ونحن نتحدث عن قضايا العمل الوطني أن نوضح أنها لا تخرج عن المجالات أو الموضوعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تهم الدولة في المقام الأول وتمثل في مجملها الجهد الرئيسي الذي تقوم به وتسعى من خلال هذا الجهد إلى إحداث أكبر قدر من التقدم في كل هذه المجالات، بما يصب في صالح الوطن والمواطن، كما تقوم الدولة بترتيب أولويات هذه القضايا طبقاً لظروفها وأوضاعها الداخلية والخارجية بحيث يمكن أن تتحرك فيها إما بشكل شامل ومتواز، كما يحدث الآن، أو تعطى أولوية لقضية أو بعض القضايا عن الأخرى.

وفي المقابل، فإنه من الطبيعي أن كافة الأحزاب السياسية، خاصة غير الممثلة في المؤسسات النيابية، لديها رؤاها الخاصة التي تمثل جوهر برامجها وتتحرك على أساسها أمام أعضائها ومؤيديها وناخبيها، وهي رؤى تشمل كافة المجالات المعروفة ومن المفترض أنها تعتمد على دراسات علمية من جانب خبراء متخصصين، إلا أن المشكلة تكمن هنا في أن هذه الأحزاب بعيدة عن السلطة، ومن ثم لا تكون في الصورة تماماً من بعض التفصيلات المهمة التي تكون ضرورية لبلورة الرؤية الصحيحة المتكاملة لكل قضية.

ولهذا فإن الأحزاب والقوى السياسية ومن يماثلها من مؤسسات ونقابات وغيرها في احتياج إلى هذا الحوار الوطني، لأنها ترى فيه أهمية كبيرة باعتباره فرصة جيدة لطرح مواقفها أمام الرأي العام وتثبت أن لديها رؤى وطنية تجاه كافة قضايا العمل الوطني، كما تؤكد الجدارة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية في ظل جمهورية جديدة تقتحم الصعاب وتعيد بناء الدولة على أسس حديثة وتفتح ذراعيها لكل الأحزاب بلا استثناء أو تمييز.

وإذا انتقلنا إلى مدى احتياج الدولة إلى مثل هذا الحوار لابد أن نشير في البداية إلى أن هناك ثقة مطلقة في القيادة السياسية وفي الجهد غير المسبوق الذي تبذله والإنجازات التي تتحقق يوماً بعد يوم، وهي ماثلة أمامنا في كافة المجالات دون استثناء مما أتاح للدولة القدرة على مواجهة العديد من الأزمات التي عصفت بالعالم وأدت إلى تداعيات مروعة بالنسبة لكثير من الدول المتقدمة.

وفي هذا الصدد لابد من المواجهة الناجحة للدولة أمام تداعيات أزمة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية والإرهاب، وهي نجاحات لا يمكن أن ينكرها إلا كل جاحد، منوها بأنها مجرد أمثلة يستشهد بها دون التعرض إلى تفاصيل الإنجازات التي حققتها برامج الإصلاح الاقتصادي والمشروعات العملاقة والمبادرات الرئاسية في المجالين الاجتماعي والصحي.

والسؤال الذي يجب أن نطرحه هنا مفاده: ماذا تهدف الدولة من الحوار السياسي الوطني؟، وهل تنتظر الدولة تحقيق نتائج منه؟

والإجابة على هذا التساؤل من وجهة نظري تتمثل في أن القيادة السياسية وهي تطرح فكرة الحوار فإنها من المؤكد أنها شديدة الجدية في هذا الطرح وتتوقع بل تأمل في أن يكون له في النهاية قيمة مضافة، كما أن القيادة السياسية على قناعة بأن مصلحة الوطن سوف تكون هي المحرك والدافع الرئيسي لكل من سوف يشارك في الحوار ويطرح آرائه ويعرض مواقفه ويسعى إلى إنجاحه.

إن الحوار المزمع، الذي سوف يناقش كافة قضايا العمل الوطني (سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية)، عليه أن يأخذ في مخرجاته النهائية عوامل رئيسية ستة، حيث أكد أهمية طرح الرؤى التي يمكن أن تساعد الدولة على أن تزيد من قدراتها وتدعم وضعيتها في كل القضايا، ولا بد أن تكون هذه الرؤى المطروحة واقعية وقابلة للتنفيذ ولا تبغي في النهاية إلا المصلحة العامة للدولة المصرية دون أي مصالح أخرى مع ضرورة القفز على أي مصالح حزبية أو قضايا فرعية لن يكون من ورائها أي طائل سوى ضياع الوقت والجهد.

وحول أهمية تقديم الدعم والتأييد لسياسات الدولة التي تسير فيها بنجاح وتحقق الإنجازات المتتالية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، ولا شك أن هذا التوافق العام بين الجميع من شأنه أن يزيد من قدرات وقوة الدولة، وأن الاختلافات في وجهات النظر فيما يتعلق بمعالجة قضايا معينة، هو أمر متوقع وطبيعي، لا يجب أن تكون هي الهدف من الحوار بل إنها مجرد الوسيلة من أجل الوصول إلى الأفضل، فالحوار لا يعني استعراض مواقف بل طرح الحلول، ومن ثم يجب أن تأتي أية رؤى متعارضة في إطار وطني يعي التحديات الحقيقية التي تمر بها الدولة دون تهوين أو تهويل، وعلينا أن نكون على قناعة بأن هذه التحديات سوف تتزايد خلال المرحلة القادمة، ولا بد من التشديد على أن النتائج النهائية للحوار، والتي سوف يتم رفعها للقيادة السياسية، سوف تكون لها كل الاحترام والتقدير، ومن المؤكد أن قيادة الدولة سوف تكون حريصة على تنفيذ أية مقترحات أو إصلاحات ضرورية ومطلوبة تكون الدولة في حاجة فعلية إليها ما دامت تصب في النهاية في الصالح العام.

إن هذا الحوار سوف يكون مقدمة لما يمكن أن نسميه بالمشاركة السياسية الحقيقية لجميع الأحزاب والقوى والتيارات السياسية والشبابية، ومن ثم فإن هذا الحوار لابد أن ينجح حيث أن ذلك النجاح سوف يعتبر إنجازا يحسب للوطن كله ؛ خاصة وأن الدولة المصرية ذات حضارة آلاف السنين تتسع للجميع الوطني بلا استثناء أو تمييز.

كما أن فكرة الحوار التي أطلقها الرئيس السيسي هي فرصة وطنية هامة جدا لعدة أسباب، أولها التدريب على الحوار المجتمعي والذى نفتقده. فأي حوار خارجي أو داخلي سوف يتعلم منه الطرفان، فنحن نستمع إلى الفكر المصري الوطني المحلى والفكر المصري الجديد والعالمي، وهكذا يلتقى الأصيل مع الجديد. بلا شك سوف نسمع احتجاجات من هنا وهناك تشكك في كفاءات كثيرة لدى هذه الأكثرية الجديدة القادمة، وهنا الحذر واجب مبنى على تجارب الماضي في الجمهوريات السابقة (ناصر– السادات– مبارك ــ ... إلخ) وهنا علينا أن لا نرفض هذه الأفكار لمجرد أنها أفكار قاومها الشعب أو لم تأت بنتائج ناجحة، لكن علينا أن نقوم بتقييمها واختيار الأفضل منها ووضع أسس لنجاحها.

***

د. محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

..........................

المراجع

1-  أنظر مقال بعنوان: اللواء محمد إبراهيم: نجاح الحوار الوطني سيكون إنجازا يبرهن على أن الدولة المصرية تتسع للجميع، وكالة أنباء الشرق الأوسط، 2022-05-24 11:53:10 GMT

2- د. مصطفى ثابت: الحوار الوطني وطريق مصر إلى المستقبل (2)، الرأي، الأربعاء 18/مايو/2022 - 05:32 م

3- إكرام لمعي: حوارنا الوطنى، الشروق، نشر فى: الجمعة 27 مايو 2022 - 11:10 م | آخر تحديث: الجمعة 27 مايو 2022 - 11:10 م

4- عبد الله السناوي: الحوار الوطنى.. ضرورات وتساؤلات، الشروق، نشر فى: الأربعاء 4 مايو 2022 - 7:35 م | آخر تحديث: الأربعاء 4 مايو 2022 - 7:35 م.

في المثقف اليوم