آراء

ثورة 1920 العراقية كانت حافزا لوثبات وانتفاضات

محمد جواد فارسوثورة الرابع عشر في تموز 1958 المجيدة .

إذا الشعب يوما أراد الحياة

فلا بد أن يستجيب القدر

ولابد لليل أن ينجلي

ولابد للقيد أن ينكسر

ومن لم يعانقه شوق الحياة

تبخر في جوها وأندثر

الشاعر التونسي

أبو القاسم الشابي

***

تمر هذا العام 2022 الذكرى الثانية بعد المئة لثورة العشرين في حزيران، هذه الثورة رفعة راية الكفاح ضد المستعمر البريطاني، عندما احتل العراق بعد الحرب العالمية الأولى والتي انتهت بهزيمة المستعمر العثماني والذي لم يأتي للعراق سوى المزيد من التخلف في كل المجالات الحياتية، وثورة العشرين جاءت مقاومة للاحتلال البريطاني بعد مقاومة ثورة النجف بقيادة رجال الدين بين عامي 1917 -1918 م، ومنذ عام 1919 ولغاية 1920 كانت مرحلة تحشيد العشائر العراقية في منطقة ريف الفرات الأوسط، ضد الاستعمار البريطاني المحتل والمطالبة بالاستقلال الوطني، ومن ابرز الأسباب التي دعت للتحرك هي: معاملة المحتل التعسفية، وزيادة الضرائب على كاهل المواطنين وما رافق ذلك من تدهور في الوضع الاقتصادي . ولا ننسى تأثير العوامل الخارجية التي كانت سائدة آنذاك وهي تأثير ثورة أكتوبر الروسية  ونداء قائد الثورة فلادمير لينين بما سمي بنداء الى شعوب الشرق والمسلمين الذي كان في فحواه يدعو الى الثورة في البلدان المستعمرة والتخلص من رق العبودية، ونهب المستعمرين لثروات الشعوب، وكذلك ثورة مصر عام 1919 كانت حافزا للشعب العراقي في النضال من اجل الاستقلال، وانطلقت شرارة الثورة من ارياف الفرات الأوسط وامتدت لتشمل مناطق واسعة في الشمال والجنوب من العراق، وكان من ابرز قادة الثورة، شعلان أبو جون وعبد الواحد الحاج سكر والخالصي و الضاري ومحمود الحفيد وغيرهم، وهذا التنوع الذي يدل على ان الشعب العراقي كان متحدا بكل طوائفه وأعراقه، بعيدا عن الطائفية والقومية، ورفع المجاهدين شعار (الطوب أحسن لو مكواري) الطوب يعني المدفع البريطاني والمكوار هو سلاح الفلاحين العصا وفي نهايتها القير، ولعب البريطانيين دورا في الخداع والاحتيال على مطالب الشعب العراقي في مجيئ فيصل ابن الشريف حسين (قائد الثورة العربية الكبرى) من الحجاز وتنصيبه ملك على العراق، ليتسنى لهم البقاء مستعمرين البلد وناهبي ثرواته، والحفاظ على معسكراتهم كقواعد للانطلاق منها لقمع الشعب في حالة الانتفاضات الجماهيرية وقد ابرمت اتفاقيات مع العهد الملكي كما هو الحال في ابرام معاهدة  1930 و1935 وأرادوا تكريسها ولكن شعب العراق وقواه الوطنية لم تستكين عندما ابرم صالح حبر مع بيفن البريطاني اتفاقية بورت سموث البريطانية عام 1948، وكانت البداية في:

و ثبة كانون المجيدة والتي وحدت الشعب بكل قواه الوطنية، ولعب الحزب الشيوعي العراقي دورا بارزا في تهيئة الجماهير مع القوى الوطنية  تحت شعار اسقاط معاهدة  بورت سموث الجائرة لتكريس الاحتلال البريطاني وقواعده العسكرية، كانت التظاهرات قد عمت مدن العراق وفي بغداد خرجت اكبر تظاهرة  سلمية تطالب بإسقاط  المعاهدة وقد سقط على الجسر المسمى اليوم بجسر الاحرار شهداء منهم جعفر الجواهري الأخ الشقيق لشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري والذي انشد قصيدته المعروفة (أخي جعفر) وكذلك المرأة البطلة  بهيجة، وقيس الالوسي، وشمران علوان، وعدد من الجرحى واسقطت المعاهدة ووزارة صالح جبر، ومن مآثر شعبنا الوطنية والكفاحية انتفاضة تشرين أزيرج الفلاحية عام 1952  الباسلة التي انتفضت ضد جور الأقطاع البغيض ومعاناة الفلاحين من جوره واضطهاده لهم في قسمت المحاصيل الزراعية، وبعد أربعة سنوات عندما شنت قوى الامبريالية والصهيونية العدوان الثلاثي على الشقيقة مصر العربية، نتيجة تأميم قناة السويس هب الشعب العراقي في تظاهرات غاضبة ضد عدوان بريطانيا وفرنسا ودولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) المحتلة لفلسطين، في تظاهرات ضمت كل القوى الوطنية الشيوعية والقومية والديمفراطية، وكانت هذه اللحمة الوطنية هي البداية للشروع في إقامة جبهة (الاتحاد الوطني) والتي مهدة وشاركت مع تنظيم الضباط الاحرار في التخطيط لثورة الرابع عشر من تموز المجيدة .

اما اليوم وعراقنا يرزح تحت الاحتلال ومخططاته التي نهبت ثرواته المادية والنفطية وعملت من أجل عودته الى العصور المظلمة فدمرت كل ما كان قائم فيه لا كهرباء ولا طاقة ولا ماء صالح للشرب ولا صحة ولا تعليم ولا عمل ولا مصانع ولا سكن ولا تعين للخرجين  بل نهب للثروات وتعطيل للمؤسسات وجعل العراق ممر ومستهلك للحبوب المخدرة وتدمير الاسرة العراقية وعمليات القتل من قبل المليشيات المسلحة لعلماء وأطباءه وللعسكرين، وقطع المياه عنه كما يحدث اليوم من تحويل ايران للمياه التي تصب في دجلة وكذلك تركيا وإنشاء السدود على دجلة والفرات وتقليل حصص سوريا والعراق منها .  لذلك ان الشعب العراقي لن يسكت عما يجري اليوم، وهو يطالب ب إنهاء العملية السياسية والغاء الدستور وكتابة دستور المواطنة بدل من المكونات والمحصصات الطائفية، وكذلك مفوضية انتخابات مستقلة دون محاصصة، ومن قضاة نزهين من أجل انتخابات برلمانية  نزيه وفق قانون انتخابي جديد يأخذ بنظر الاعتبار للتوزيع السكاني وفق أحصاء سكاني جديد، وهذه المطاليب جسدتها انتفاضة تشرين المجيدة التي قدمت الشهداء والجرحى، وسوف تتجدد انتفاضة تشرين في منهجية افضل .

***

محمد جواد فارس - طبيب وكاتب

في المثقف اليوم