آراء

شبكة العلوم النفسية العربية والكدح المتسامق!!

صادق السامرائيمحو الأمية النفسية كفاح صعب في مجتمعاتنا ومجابهة عنيدة، تواجهها معوقات ومصدات متراصفة، تعثّرها وتدفعها بعيدا عن ميادين الأيام المتصاخبة بالويلات  الجسام.

والواقع العربي يفتقر للمشاريع المتوثبة المقدامة المتواصلة، المتطلعة لبناء النفس القادرة على التفاعل العزوم مع التحديات والمعضلات، مما تسبب بإنكسارات ونكسات ونكبات متكاتفة للنيل من الإرادة العربية، وترقيد الأجيال في ميادين الإبلاس والقنوط .

فالتقدم والرقاء يتناسب طرديا مع الوعي النفسي المجتمعي، وعندما نقرأ المجتمعات السابقة لغيرها، نجدها ذات مستويات ثقافية نفسية متميزة، وتتوفر فيها الخدمات النفسية ومراكز الإرشاد النفسي والإجتماعي.

ومجتمعاتنا تحاول التعامل مع معطيات عصرها بتماسك ووعي وإدراك، فتستحضر العلوم والمعارف المتنوعة، وتنأى عن العلوم النفسية، فتتسبب بإحداث فجوات في الوعي وفراغات واسعة في الإدراك، مما ينجم عنه تعثر الخطوات وتثاقل السير المنتظم نحو الآتيات.

والإنطلاق بمشروع نفسي خطوة جريئة، وتحدي يستنزف الطاقات، ويسكب سلاّف الأفكار والرؤى والتصورات في صحارى التوجع والأنين، فالمجتمع تلتحفه الأضاليل والأساطير والخرافات المُسخّرة للتجهيل والإستحواذ على الحياة والمصير.

فعندما نبحث عن المشاريع النفسية المِقدامة المكتنزة بالإيمان على التألق والتحقق والتأثير والتغيير، نجدها عزيزة نادرة، وأكثرها يفقد آليات المواكبة والتفاعل الواعد مع مفردات الواقع العربي، ويميل للإستسلام، والقعود على أرصفة التنابز بالأعذار، والتحندس في دواجي الهروب والغياب، المُبَرَر باليأس وعدم التعاون والتشجيع.

والحقيقة أن إنشاء المشاريع النفسية في واقعنا العربي مكابدة شاقة، تستوجب إرادة متحدية ذات يقين وإقتدار على الكفاح، والمصاولة والهجوم بإرادة لا تلين ولبٍّ متوقدٍ أمين، وروحٍ عزومة دافقة الجريان، تزيل العثرات وتُسقط المصدات، وتهدم السدود المشيدة لتحقيق العماء النفسي والخوار السلوكي.

وفي المجتمعات الخديجة ديمقراطيا، تبرز أهمية النهضة النفسية، والوعي المعاصر لدور العلوم النفسية في بناء المواطن والمجتمع، وتغذية الخطوات والأفكار بوابل المنطلقات اللازمة للتقدم القويم في مسارت أكون.

ووسط الخضم المتحفز لمناهضة العلوم النفسية، والتقليل من قيمة الطب النفسي، بل ومحاولات الإجهاز عليه، وإخراجه من ميادين الرعاية الصحية، وتفشي التفاعلات السلبية المدججة بالأوهام والبهتان، والتي تقودها قِوى فاعلة في المجتمع، برزت بعض المشاريع الواعدة، وبقيادة الذين قرروا السباحة بجد وإجتهاد ضد تيارات الإنحدار، والتدحرج نحو وهاد التداعيات والإنهيارات الحضارية، التي تسوَّق على أنها نوع من الأقدار، وعلى الناس إستلطافها والقبول بها، والتمتع بآليات الترقيد والتخميد، وتمييع معنى الإنسان وقيمته، وإلغاء دوره.

ومن هذه المشاريع الرائدة الكبرى المؤثرة المتألقة المتوثبة، المؤزّرة بالإيمان بالعطاء السامي النبيل، شبكة العلوم النفسية العربية، التي تبرعمت في (صفاقس\ تونس)، معبرة عن الدور الحضاري لبلاد الأمة الخضراء، ومختصرة لمسيرتها التنويرية عبر القرون الحافلة بالمعطيات الأصيلة المُحفزة للفكر الإنساني الكوكبي.

وتوفر لشبكة العلوم النفسية العربية قائد علمي يكنز طاقات إدارية وتنظيمية وتواصلية متميزة، مترافقة مع إيمان مطلق بضرورة ديمومتها وتفاعلها في أرجاء دول الأمة، فأسهمت الشبكة بتجميع الإختصاصات النفسية في بودقة إشراقية ذات فيوضات تنويرية مشعشعة في ربوع مجتمعاتنا، لتستقي من قطرها الرائق النقاء.

ليس إطراءً بل إقراراً بالدور والقيمة العلمية والحضارية لشبكة العلوم النفسية العربية، فهي تستثمر في وسائل العصر وتوظفها بآليات إيجابية، تزيدنا تقربا وتواصلا وتجدد مفاهيمنا وتعزز معارفنا، وتجعلنا أنهارا جارية، وتؤجج عناصر الخير فينا، ومفردات التأسيس لحياة إنسانية حرّة طيبة في مجتمعاتنا المبتلات بمشاريع التجهيل والتبرير.

ولا بد من القول أن شبكة العلوم النفسية العربية، تتميز بأنها إستثنائية وذات إنتماء خالص للغة الضاد، فهي تضع على ظهر اللغة مسؤولية التعبير عن العلوم المعاصرة، وتدفع بها متحدية التوجهات الداعية لإخراجها من سوح العلم، وهي اللغة التي إستوعبت كل العلوم وطورتها، فلا توجد لغة لا تستوعب علما، والعيب دوما بأهل اللغة لا بها.

وبهذا النهج إنتصرت العربية في العلوم النفسية، وبرهنت بأدلة قاطعة، بالمقالات والدراسات والمعاجم والإصدارات، المتوافدة المترافدة المنشورة على صفحات الشبكة، وبإخراج يتفوق على العديد من دور النشر المعاصرة.

إن المشاريع النهضوية القادرة على التغيير بحاجة لهمّة عالية، وقد فازت الأمة بتوفرها في القائمين على الشبكة، فأصبحت مصدر إلهام وبرهان على أن الخطو إلى الأمام ومعانقة صوت الحياة، طريق للنجاح وتحقيق الطموح، وليس العيش أبد الدهر بين الحفر.

تحية للدكتور جمال التركي على التعبير الاصدق عن إرادة الأمة وجوهرها، المتمثل بالإيمان بالصيرووة الحضارية والمواكبة الواثقة المِقدامة، فأسس لقدوة ساطعة نابغة موهوبة، تجشمت عناء التحدي ومضت متوثبة تستحضر الأنوار.

وخالص التقدير للعاملين معه وللسيدة إيمان التي ترفد الشبكة بإبداعاتها الفنية الجذابة، وبإخراجها المتميز لإصداراتها.

فهل فينا مَن يعادل همة وإصرار القائمين على شبكة العلوم النفسية العربية؟!!

وإنّ النور يبعث الأنوار!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم