آراء

ما سر العلاقة بين بن بلة وديغول؟

علجية عيشولماذا كان بن بلة يريد التخلص من بوتقليقة؟

كثرا من الحقائق التي كشفها الرئيس هواري بومدين في الحوار الذي أجراه معه الإعلامي المصري لطفي الخولي ووثقه الخولي في كتاب والخلفية السياسية لحركة التصحيح الثوري أو الإنقلاب العسكري كما سمّاه البعض تحتاج إلى إعادة نظر في تصريحات بومدين كونها تعيد إلى السطح كثير من الأحداث والوقائع التي تحتاج إلى تحليل لتحقيق العدالة ومعرفة من كانوا مع الثورة ومن كانوا ضدها ، حول حركة 19 جوان 1965 يقول بومدين باعتباره رئيس الأركان أنه تفاديا لسقوط البلاد في حرب أهلية كان الخيار حسم الصراع الذي تمثل في حركة 19 جوان (حزيران) 1965 دخلت فيه الجزائر مرحلة الإستقرار السياسي والبناء الإقتصادي، لكنه ان استقرارا نسبيا لأن الأزمة كانت أزمة حكم أراد اصحابه أن يمارسوا الدكتاتورية بكل أشكالها

الحقيقة كتاب لطفي الخولي مشوق جدا ويفتح شهية إعادة قراءة التاريخ وما قاله الرئيس هواري بومدين أمام الصحافة العربية بكل شجاعة وجرأة سوف يكتبها له التاريخ خاصة والجزائر تحيي اليوم الذكرى السابعة والخمسون لحركة 19 جوان (يونيو) 1965، ولعل البعض لم يعد يولي لها اهتمام في ظل التغيرات التي تعيشها الجزائر على الصعيدين الوطني والدولي، ونقصد بذلك ألئك الذين لا يولون للماضي أهمية ويعتبرون أن هذه ألأحداث والوقاع طوى التاريخ صفحتها، في الوقت الذي يرى البعض أن هذه التراكمات اثرت سلبا على الحياة السياسية في الجزائر، لأن الذين يكيدون للجزائر وثورتها موجودون إلى الآن وحتى الذين رحلوا عن الحياة فقد تركوا وصيتهم لأعداء الثورة لضرب مكتسبات البلاد وهي التي دفعت الضريبة من أجل الإستقلال السياسي والعسكري وهي اليوم تواجه العابثين باقتصادها في غطار مكافحة الفساد من اجل الحفاظ على سيادة الشعب.

يقول الرئيس هواري بومدين في رده على أسئلة الإعلامي المصري لطفي الخولي أن سبب الخلاف بينه وبين أحمد بن بلة هو رفضه مقترح بن بلة في تكوين ميليشيات مسلحة تابعة للحزب ومنفصلة عن للجيش الوطني الشعبي تكون مهمتها تأمين البلاد نحو الإشتراكية، وكان موقف بومدين أنه لا يمكن أن يكون جيش موازي للجيش الوطني الشعبي وأن يسلبه مهمته الأساسية، أو حتى يشكك في قدراته وولائه للثورة باعتباره سليل جيش التحرير الوطني، وحذّر بومدين من فكرة الإزدواجية داخل المؤسسة العسكرية، وطالب بوحدة القوات المسلحة، كان هذا المقترح خلال انعقاد المؤتمر الوطني للحزب في 14 أفريل (نيسان) 1964 ، لكن غالبية المؤتمرون صادقوا على مقترح بن بلة ومن هنا بدأت الخلافات بين بومدين وبن بلة، وكانت قواعد الجيش في صف بومدين خاصة بعدما اعلن ومؤيده تقديم استقالة جماعية بسبب عدم التجانس في الفكر والمواقف داخل القيادة، ووصف الجيش صاحب المقترح والذين صادقوا عليه بالمغامرين الذين تسللوا داخل الحزب للطعن في الثورة.

تعقدت الأمور أكثر لتصاعد القوى الموالية لجيش حسين آيت أحمد في منقطة القبائل لعملياتها العسكرية ضد السلطة في 19 ماي 1964 وقد استغلت مجموعة من المتمردين هذا التوتر بالهجوم المسلح على قصر الشعب واغتيال حراسه، كما استغل بن بلة هذا الهجوم لتنفيذ مقترحه، وبحكم أن له سلطة القرار فهو رئيس الجمهورية والأمين العام للحزب والقائد الأعلى للجيش أمر بن بلة القائد العسكري لمنطقة الصحراء الكولونيل محمد شعباني الإنظمام للمكتب السياسي للحزب لكن شعباني رفض وأعلن تمرده إلا أن بن بلة طالب بومدين بمعاقبة شعباني ومقاومة تمرده ويكون ذلك بتصفيته، لكن بومدين رفض تصفيته لكنه ابدى موافقته لمحاكمته وأحيل شعباني على المحاكمة وصدر ضده حكم بالإعدام، ونفذ الإعدام بإصرار من بن بلة رغم أن قرار الجيش كان ضد الإعدام وهذا استنادا لنضاله القديم ونفذ الإعدام في 03 سبتمبر 1964 ، من كان يضغط على بن بلة لإعدام شعباني أو تصفيته؟ وماهي جريمته؟ ألأنه تمسك يمنصبه كقائد للجيش بمنطقة الصحراء، أم أن بن بلة كانت له نوايا آخرى لإبعاد شعباني عن قيادة الجيش في الصحراء، وهذا لأطماع سياسية تريد أطراف أن تكون لصالحها بالإتفاق مع بن بلة؟

سؤال لا يزال يطرح بإلحاح إلى اليوم ولا أحد رد ردا شافعا لكشف الحقيقة وإراحة ضمائرهم أمام الله والتاريخ خاصة وأن المناضلين داخل حزب جبهة التحرير الوطني كانوا منقسمون إلى ثلاث تيارات: جماعة بن بلة وجماعة بومدين ومجموعة حسين آيت أحمد، حتى هذا التيار كان منقسما بين الأعضاء السابقين للحزب الشيوعي الذين انضموا إلى حزب جبهة التحرير الوطني والتيار الماركسي التروتسكي، هذا التنيار الذي استطاع أن يحجز له مكانة في بعض المراكز الرسمية للسلطة، كان يتزعم هذا التيار رابتيس الملقب بـ: ببالو وهو يوناني الأصل وسكرتير عام للدولة الرابعة (الحركة التروتسكية) وكان يقف إلى جانب التقدميين في مواجهتهم من سمّوا بالرجعيين، لكن بومدين وقف ضدهم،بعدما سماهم بالمغامرين، وقال عنهم: إن هؤلاء فشلوا في إحداث ثورة في بلادهم فجاءوا إلى الجزائر يغامرون بثورتها، وقد وجد بومدين نفسه في مواجهة جبهتبن: جبهة التروتسكيين وجبهة المعارضة التي قادها كل من حسين آيت أحمد، محمد بوضياف ومحمد خيضر الذي استولى على أموال جبهة لتحرير الوطني في الخارج.

 أما أحمد بن بلة فقد احتار اي التيار يختار، أيختار الإشتراكية العربية أو الإشتراكية العلمية أو الإشتراكية الإسلامية أو اشتراكية كاسترو؟ كان الحل بالنسبة له التركيز على جهاز المخابرات الذي أنشأه في الرئاسة، وتعيين سكرتيره الخاص عبد الرحمان شريف في منصب وزير الشؤون العربية لتوليه فعليا مسؤولية جهاز المخابرات، كان جهاز المخابرات الجزائري يضم عناصر من المخابرات المصرية، كما كان يضم انتهازيين يجيدون تغيير جلودهم وهم الذين أطلق عليهم اسم مناضلي 19 مارس 1962 كانوا على علاقات مع سلطات الإحتلال، وكشف بومدين عن حملة الإعتقالات التي قام بها جهاز المخابرات لكل من ينتقد بن بلة وسياسته، ولما اكتشف الرئيس المصري حمال عبد الناصر ما يدور داخل جهاز المخابرات الجزائرية أمر عناصره بالإنسحاب من الجزائر، خاصة بعد قيام بن بلة بالإطاحة ببومدين وإبعاده عن قيادة الجيش مستغلا سفره إلى الإتحاد السوفياتي لتنفيذ مخططه وتعيين الطاهر الزبيري قائد ولاية الأوراس مكانه ويكون رئيسا للأركان، إلا أن الزبيري بدلا من أن يكون عينا لبن بلة كان عين الجيش في المخابرات.

ماذا عن أحمد بن بلة؟ حسبما جاء في مذكراته ظل بن بلة تحت الإقامة الجبرية إلى غاية إطلاق سراحه في الرابع من تموز (جويلية) عام 1979 حسب شهادة محاميته مادلين لافي فيرون فقد اثارت قضية اعتقاله ضجة كبيرة تدخل خلالها قادة دول وزعماء أمام بومدين من أجل إطلاق سراحه لكن بومدين رفض، ما كشفته مادلين لافي فيرون هو اللقاء السرّي الذي تم بين بن بلة والجنرال ديغول عندما بادر بن بلة بزيارة باريس سرا واجتمع بديغول في قصر البساتين وناقش الطرفان العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة بين البلدين، والسؤال: لماذا اختار بن بلة السرية في لقاء أكبر عدو للجزائريين وما مصلحة كل واحد منهما مع الآخر؟ خاصة وأن ديغول كما تروي محاميته كان يطرح اسئلة على بن بلة حول علاقة عبد الناصر بالثورة وأحمد سيكوتوري وقادة العالم الثالث الذين كانوا اصدقاء الثورة الجزائرية، إلا أن المحامية لم تذكر رد بن بلة لديغول، ولماذا كان بن بلة يشكك في نوايا بوتفليقة ويريد التخلص من أي تصفيته جسديا؟، أما بخصوص حركة 19 جوان 1965 تقول محامية بن بلة أن انقلاب 19 جوان 65 اتسم بعمليات تعذيب للأسرى وهو الخبر الذي روجته جريدة لومون الفرنسية، وهو بالتالي يحتمل الصدق كما يحتمل الكذب خاصة وأن بومدين في حواره مع لطفي الخولي أكد أنه في هذا اليوم لم تحدث أي تجاوزات ولم تكن هناك اعتقالات، بل أطلق سراح 2500 جزائري كانوا معتقلين بقرار من أحمد بن بلة الذي قال أن جبهة التحرير الوطني قبل الإستقلال لم يكن لها منهاج مرحلي ولا مذهب والثورة الجزائرية كانت ثورة بدون إيديولوجية لكنها بعد عودة السلام (أي بعد الإستقلال) أصبحت فراغا خطيرا لأن اتفاقيات إيفيان كانت تشكل زواجا من طراز استعماري جديد.

 وإن الأمر كذلك كما قال بن بلة فهل كانت الثورة الجزائرية ثورة قادها مراهقون، وكيف انطلقت إذن؟ ، هذه الأحداث كانت نتيجة الصراعات التي عاشتها الجزائر عشية الإستقلال فيما اصطلح عليه بصيف 62 الذي سمّم مناخ الإستقلال حين تمكن أحمد بن بلة من دخول العاصمة والإستقرار فيها ، كانت أول خطوة قام بها أحمد بن بلة هي إدماج قوات الولايات الستة العسكرية في جيش التحرير لتكوين الجيش الوطني الشعبي الموحد للجمهورية الجزائرية وباتت الحرب الأهلية تدق الأبواب لولا الشعب الذي مسك افراده اليد باليد وشكل حاجزا منيعا بين القوات المتصارعة، ثم الصراع حول تنفيذ برنامج طرابلس وقرار تبني البلاد النهج الإشتراكي والتصادم الذي حدث بين أنصار الحزب الشيوعي الجزائري والتيار اتروتسكي المتميز بقدراته الثقافية ، كان هذا الأخير قد انضم إلى جبهة التحرير الوطني مبديا تعاطفه مع الحكومة الوطنية وهذا بموافقة بن بلة الذي فتح له الأبواب رغم أنه كان أكثر عداءً لجيش التحرير الوطني ثم الجيش الوطني الشعبي بحجة أنه يهدد البلاد يخطر دكتاتورية عسكرية.

 وقد تمكن التيار التروتسكي من جلب العناصر التروتسكية من جميع أنحاء العالم، وجعل الجزائر فأر تجارب لزرع التيارات الشيوعية المتطرفة وعلى رأسهم رابتيس سكرتير الحركة التروتسكية، لقد تركت هذه الأحداث آثارا على كل المستويات، رغم حالة الإستقرار النسبي الذي شهدته الجزائر، لكنه كان استقرار شكلي، لقد جعلت الصراعات الجزائر وإلى غاية اللحظة في مفترق الطرق وقعت خلالها أحداث دموية دفع الشعب ثمنها، خلاصة القول قد يقول قائل أنا ما داء في هذه الوقة مجرذ تحصيل حاصل أو اجتراا للأحداث، لكن نتساءل: هل يمكن لكل جزائري غيور على بلده أن يطوي صفحة من صفحات التاريخ الجزائري؟ هل بإمكانه أن يمارس ثقافة النسيان؟ والحقيقة ما تزال مغيّبة ويحاول البعض وأدها حتى لا تنكشف أخطاؤهم وجرائمهم في حق البلاد والشعب وما انجر عنها من فساد سياسي واقتصادي واجتماعي وتربوي وثقافي؟ لكن في كل هذا وذاك وكما يقال لا أحد منهم بإمكانه أن يغطي الشمس بالغربال، وسياتي جيل غير مخدر بالأكاذيب والمغالطات ليكشف حقائق جديدة كما كشفها اليوم جيل الحراك الشعبي.

***

علجية عيش

 

في المثقف اليوم