آراء

انسحاب الصدر من العملية السياسية هدية للاطار أم خيانة للتيار؟!

رائد جبار كاظمالمتابع للشأن السياسي في العراق يلاحظ ضبابية المشهد وعدم استقراره وصعوبة التكهن بما يجري من أحداث، وخاصة بعد قرار السيد مقتدى الصدر الأخير في توجيهه لنواب الكتلة الصدرية في البرلمان العراقي لتقديم استقالاتهم الخطية وجعلها تحت تصرفه، وأمره بعد ذلك لتقديمها لرئيس البرلمان السيد محمد الحلبوسي للموافقة عليها، وما كان من الأخير سوى الموافقة عليها وبوقت سريع جداً لم يترك الباب للمناقشة والحوار مع أعضاء التيار، وعشية المشهد السياسي المأزوم طار السيد الحلبوسي الى الأردن بجولة سياسية للمملكة دون سابق انذار، مما زاد المشهد تعقيداً أكثر وعدم وجود خط رجعة تماماً لأعضاء التيار الصدري أو ثنيهم عن قرارهم هذا، لا من قبل شركائهم في التحالف الثلاثي، تحالف أنقاذ الوطن (الحلبوسي، الخنجر، البرزاني)، ولا من قبل الخصوم والفرقاء والشركاء الآخرين في العملية السياسية، ومما زاد الطين بلة هو ليس الاستقالة من البرلمان من قبل أعضاء التيار فحسب وانما قرار الصدر من الانسحاب الكامل من العملية السياسية برمتها دون رجعة، وهذا ما أتضح من خلال لقائه بأعضاء الكتلة الصدرية (73) عضواً في الحنانة، وشكره لهم على الطاعة له وأستجابتهم لأمره، ولكن أمراً ما كان وراء ذلك الأنسحاب والقرار الأخير للسيد الصدر لم يتضح للعيان، خارج موضوع الأنسداد السياسي مع تحالف الاطار التنسيقي. وهذا مما يثير الاستغراب ويضع أكثر من أصبع للدهشة والسؤال في هذا التوقيت الحرج للمشهد السياسي المعقد في العراق.

لقد بدأ أعضاء التيار الصدري وحلفائهم منذ تشكل البرلمان الجديد بالعمل الجاد والسريع لوضع جملة من الأمور ومعالجتها بخطى سريعة، كالتصويت على قانون تجريم التطبيع مع أسرائيل، والتصويت على ميزانية الأمن الغذائي الطارئة، والعمل نحو الأصلاح في توجههم السياسي، ولكن فوجىء الجميع بقرار الصدر الأخير من الانسحاب من العملية السياسية وما هو السر وراء ذلك.!

هناك جملة من الأمور يمكن مناقشتها في هذا المقال واثارة الاسئلة بهذا الشأن وتسليط الضوء على ما يجري من أحداث. يقال أن مكالمة هاتفية كانت قد أجريت بين السيد البرزاني والسيد الصدر قبيل تقديم الاستقالات، والتي رافقتها أيضاً الأحداث الأخيرة في أربيل، الضرب الصاروخي والطائرات المسيرة التي تعرضت لها أربيل، وهناك تسريبات تقول بأن السيد البرزاني كان مستاء جداً من تلك الاحداث، وأحداث أربيل فيها رسائل تهديد واضحة للبرزاني في تحالفه مع الصدر، وان الأنسداد السياسي سيزيد في الأيام القادمة بسبب تلك التوجهات وتعقد المشهد نحو الأسوء، هذا من جانب ومن جانب آخر يرى البعض انه ربما أطراف خارجية كانت وراء المشهد وتدفع به نحو التعقيد والتهديد وزيادة نسبة الوعيد، فالبعض يتهم ايران بذلك كونهم طرف محرك ولاعب سياسي كبير في الشأن العراقي، وبعضهم يتهم تركيا، التي تزيد الضرب على كردستان من خلال هجماتها المسلحة وتهديدهم لأمن العراق، والبعض يتكهن ويتهم اسرائيل ومن يقف بجانبها من اثارة هذا التوتر في العراق، وخاصة بعد التصويت على قانون تجريم التطبيع مع اسرائيل، والبعض يتهم الولايات المتحدة الامريكية باشاعة تلك الفوضى وعدم الوقوف الجاد مع البلد ورفع يدها من العملية السياسية لتعيد المشهد والسيناريو الافغاني الأخير الى الواقع العراقي، وقد تكون هناك أطراف أخرى خارجية غير ظاهرة على الساحة تحرك المشهد السياسي من وراء حجاب، وكل تلك الأمور واردة في الشأن السياسي.

المثير للدهشة والاستغراب هو قرار الصدر في الانسحاب في هذا التوقيت الحرج جداً، وهل كانت هناك ضغوطات خارجية وداخلية هددت حياته بالخطر مما أضطره للانسحاب، ولماذا لم يتخذ خطوة البقاء كمعارضة سياسية تحت قبة البرلمان مما يجعل حظه أوفر في متابعة الشأن الحكومي والعمل السياسي عن قرب وتحقيق برنامجه الاصلاحي كمعارضة برلمانية تتحكم بالمشهد دون الخروج التام من العمل السياسي وعودة عقارب الساعة الى الوراء وتهديد العملية السياسية برمتها وربما حل البرلمان والدعوة لأنتخابات برلمانية جديدة تدخل البلاد والعباد بتوقيتات وأزمات جديدة لا تحمد عقباها وقد تؤدي الى سقوط النظام والعملية السياسية الديمقراطية في العراق برمتها والعودة الى المربع الأول. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتسائل الكثير هل أن الصدر بقراره الأخير يعول على الشارع العراقي والشعب في تحقيق مالم تحققه الاحزاب والتحالفات، وخاصة بعد فشل تحالف انقاذ وطن في تشكيل الحكومة الجديدة، أم هو فشل سياسي واضح من قبل التحالف بعدم امكانيته من اقناع الخصوم في تحقيق الشراكة السياسية والوطنية مما أستدعى الصدر لأتخاذ مثل هكذا قرار، وهل حسب الصدر وتياره الأمور حساباً جيداً في هذا القرار أم كان قراراً مستعجلاً بين ليلة وضحاها، وهل كان هذا القرار بمثابة هدية لتحالف الاطار لتشكيل الحكومة وضربة وخيانة للتيار واستحقاقاته الانتخابية التي يعول عليها الجمهور والشارع العراقي، أم هو طعم وفخ يضعه الصدر للاطاريين للسقوط وانهاء دوامة الانسداد السياسي، أم هو أنسداد نحو الانزلاق بالبلد في هاوية سحيقة لا خروج منها للأبد لا سمح الله ؟! هذا ما ستشهده الأيام القادمة وتكشفه لنا من سيناروهات سياسية داخل الحسبان وخارجه.

***

رائد جبار كاظم

 

في المثقف اليوم