آراء

الثورة الشعبانية.. الثورة المنسية

اسعد عبداللهبعد هزيمة جيش صدام في حرب الكويت عام 1991، ثم تقوقع الزمرة البعثية في اغلب المحافظات، وتلاه انهيار اجهزة الدولة بفعل قوة ضربات دول التحالف، حصل فراغ مما دفع الناس للانتفاض ضد رموز السلطة، وقد حاولت المرجعية الصالحة انقاذ العراق من منزلق الفوضى وعودة الظلم، فأسس المرجع الاعلى للحوزة العلمية في النجف الامام الخوئي مجلس لادارة العراق، وانتشرت دعوته في كل محافظات الوسط والجنوب، وحصل حراك جماهيري كبير، لكن امريكا دخلت على الخط، وقررت حماية نظام صدام من السقوط، فدعمت حملت الابادة التي شنها بحق محافظات الوسط والجنوب، وتجاهلت امريكا قيام الطاغية صدام بقصف المدن بالصواريخ، وتغافلت عن المقابر الجماعية التي قام بها والتي شملت حتى الاطفال! لتتوضح قسوة النظام العفلقي.

ولا يمكن نسيان ما فعله ابن عم الطاغية المجرم حسين كامل عندما ضرب بالمدافع مرقد الامام الحسين عليه السلام، ودبابات جيش صدام التي دخلت كربلاء كان مكتوب عليها (لا شيعة بعد اليوم).

وبعد قمع الانتفاضة، وتحديدا في 19 آذار المصادف الاول من شهر رمضان تم اعتقال المرجع الاعلى الامام الخوئي وارساله الى بغداد، وتم أعدم الكثير من وكلاء الامام الخوئي من قبيل السيد محمد رضا الخلخالي، والسيد جعفر بحر العلوم والسيد عز الدين بحر العلوم رحمهم الله عز وجل، وهاجر من العراق كل من السيد محمد السبزواري والشيخ محمد رضا شبيب الساعدي والسيد محمد صالح الخرسان

وسميت تلك الثورة والتي انطلقت في شهر شعبان – اذار من عام 1991 بالثورة الشعبانية، والتي دللت على مكامن القوة داخل المجتمع.

لكن بعد زوال حكم العفالقة بقيت تلك الثورة منسية، فها هي 19 عام واغلب الناس لا تعرف الكثير عن الثورة وعن شهدائها وعن قادتها، بل ان التضليل البعثي الذي مورس على الثورة من عام 1991 الى 2003 اصبح حقائق عند فئات واسعة من المجتمع.

الحقيقة اتسائل كثيرا عن سبب الاهمال الحكومي لابرز حراك شعبي خلال فترة 1930-2003!؟

الانتفاضة ضد صدام

أن تفسير كلمة الانتفاضة: أنها عمل شعبي جماعي صاخب، ويتخلله فعل ثوري رافض للسلطة الحاكمة، وفي كثير من الأحيان تكون الانتفاضة عفوية تنطلق من رحم الجماهير، وليس لها هدف سوى النقمة الجماهيرية على النظام الذي ترزح تحت ظلمه واستغلاله، وذلك بالرغم من اختلاف توجهاتهم ودوافعهم أحيانا .

انتفاضتنا الشعبانية المباركة ماهي إلاّ حلقة من سلسلة الانتفاضات، التي تفجرت على تلك الطغمة الحاكمة من قطاعي الطرق والجلادين والجلاوزة، حيث كانت الحكومة العفلقية الظالمة تعدد الطرق في تضيق الخناق على المجتمع، حيث اتقدت الشرارة الأولى لهذه الانتفاضة في محافظة البصرة وما هي إلا أيام قليلة حتى صارت اربعة عشر محافظة خارجة عن قبضة الحكومة الطاغية، فإن دل ذلك على شيء فإنه يدل على النقمة التي كانت تعتمر في قلوب العراقيين.

امريكا وحماية النظام الصدامي

كان الثوار العراقيون في شهر اذار عام 1991 يأملون دعماً دولياً للانتفاضة، وخاصة مع وجود القوات الأميركية داخل الأراضي العراقية، والتي كانت بعد غزو الكويت في آب/1990 تحفز الشعب على الثورة للإطاحة بنظام صدام، ولكن وقفت الإدارة الأميركية موقف سلبي ومخيب، بل وصرحت بأن هدفهم الرئيس هو طرد قوات صدام من الكويت فقط، وإنهم لم يكونوا يعتزمون الإطاحة بنظام صدام.

بعد اندلاع الانتفاضة أعلنت أمريكا الهدنة مع النظام العراقي آنذاك، وتم الاتفاق مع صدام في خيمة صفوان، على الحدود العراقية - الكويتية، مَنحت بموجبه الولايات المتحدة نظام صدام حق استخدامه طائرات المروحية العراقية في الأجواء العراقية لضرب الجماهير المنتفضة، وقد استخدمها صدام في قصف وتدمير المدن الثائرة.

فعلى رغم سياسات الحكومة الأمريكية والتي كانت تؤيد تغيير النظام في العراق، ولكن في الانتفاضة الشعبانية، سمح جورج بوش لصدام أن يستخدم كل قواه العسكرية ضد شعبه، بحسب تقييم بعض المتخصصين، يعود سبب التحوّل الحاصل في أسلوب التعامل الأمريكي، إلى الحيلولة دون تسلم حكومة دينية زمام الأمور في العراق، كي لا تتكرر تجربة الجمهورية الاسلامية الايرانية.

وتذكر بعض المصادر التاريخية بأن منظمة مجاهدي خلق الإرهابية كان لها تعاون كبير مع الحكومة العراقية لقمع الانتفاضة الشعبانية خصوصا في البصرة.

اسباب فشل الثورة

عد الباحثون بعض العوامل كأسباب رئيسة في إخفاق الانتفاضة الشعبانية.. وهي:

1- استخدام حكومة صدام الأسلحة الثقيلة بقوة تخريب عالية، مثل الدبابات والمدافع والصواريخ.

2- استخدام حكومة صدام القوات المحترفة والمدربة، من أمثال قوات الحرس الجمهوري مدججين بأنواع الأسلحة وبصلاحيات كاملة لقتل الناس.

3- السيطرة الجوية واستخدام الطائرات المروحية لقتل وابادة الجماهير المنتفضة.

4- عدم التنسيق التام بين المجموعات الشعبية.

5- سيطرة الثوريين على المدن دون أي تخطيط وبرنامج واقعي لما بعد السيطرة.

6- الدعم الغربي لنظام صدام.

7- الدعم العربي غير المعلن لبقاء نظام صدام.

8- خيانة فئات من الشعب للثورة ومساندتها نظام صدام.

9- الخوف والذعر من نظام صدام القمعي، والذي يسيطر على فئات واسعة من الشعب.

الظلم الواقع على الانتفاضة

تعرضت الانتفاضة الشعبانية إلى ظلم كبير، حيث لم تظلم انتفاضة أو ثورة في تاريخ الشعوب كما ظلمت! فقد تمت خيانة إرادة هذا الشعب المنتفض من قبل الحكومات والمثقفين في كل العالم (الغرب والعرب)، وحتى يومنا هذا مازالت أقلام الظلام تصور الموضوع تارة بانقلاب فاشل! وأخرى بتدخل إقليمي! أو تردد نفس التسمية التي اطلقتها الحكومة البعثية عليها (الغوغائيون)! ويصر البعض على أن ثورات ما يسمى بالربيع العربي التي شهدتها الساحة العربية اليوم هي الأولى في التاريخ الحديث، ليتجاهلوا انتفاضة العراقيين الأبطال عام 1991 والتضحيات التي قدموها في طريق الحرية.

فالمقابر الجماعية كشفت للعالم الوجه الحقيقي للنظام البعثي المقبور، وكيفية تعامله الوحشي مع ابناء الشعب العراقي، فقد بلغ عدد الذين قام النظام بقتلهم في جنوب العراق خلال ١4يوم من عمر الانتفاضة ٣٠٠ الف إنسان! اي بمعدل ٢٠الف قتيل يوميا.

يوم سنوي للاستذكار

يجب ان يخصص يوم سنوي لاستذكار الثورة الشعبانية، يكون عطلة رسمية، تتخلله فعاليات حكومية رسمية، مثلا زيارة رئيس الدولة لنصب الشهيد، اقامة مهرجان شعري، وانطلاق مسيرات شعبية، ونشر صور الشهداء والتذكير بالقتلة والمجرمين، هذا الامر يحتاج لقرار سياسي حكومي، ودعم الاحزاب، لكن الغريب ان يتم تناسي الثورة وشهدائها وقاتها، بل الى اليوم نجد البعض يسميها بصفحة الخيانة والخدر او الغوغائيين! من السذج والغارقين ببحر التسفيه الاعلام البعثي، والذي عمل للفترة من 1991 الى 2003 على تشويه الثورة الشعبانية وطمس اثارها.

لذلك ليكون يوم اندلاع الثورة وهو الثاني من اذار،  في البصرة عندما أطلق أحد الجنود العائدين من أرض الكويت عدة طلقات باتجاه صورة لصدام، لترتفع معها أصوات هتافات الحشد المنفعل وسرعان ما التهبت في انتفاضة شعبية كبيرة حيث خرج سكان المدينة إلى الشوارع وهم يهتفون ضد النظام وصدام.

لذلك يجب التذكير بالثورة وترك الكسل والخمول، والابتعاد عن النهج البعثي، لان الدماء الطاهرة التي سالت في سبيل الوطن لا يجب ان تنسى، بل عار على الاحياء ان تطمس اثار المضحين.  

تضاف للمنهج الدراسي

كان على قادة التغيير ان يعلموا الاجيال الجديدة ما فعلته الجماهير العراقية الشجاعة في اذار من عام 1991، عندما وقفت ضد الظلم والجور، وواجهت اقوى دكتاتور في الشرق الاوسط، وضحت بدمائها في سبيل سعادة الوطن وتخليصه من قيود الطاغية، فكان يجب ان توضع قصة الثورة الشعبانية ضمن المناهج الدراسية للأجيال، كي تخلد الثورة العراقية وهكذا نكرم الشهداء ويكونوا قدوة للأجيال اللاحقة في رفض الظلم والدعوة للعدل. 

اخيرا

ادعو الكتاب والمثقفين للكتابة المفصلة عن الثورة الشعبانية، عبر المقالات والبحوث والكتب، والدفاع عن رجالها ومواقفها، والبحث والتحليل عن دوافع قيام الثورة، ثم اسباب فشلها في الاطاحة بنظام صدام، وايضاح الدور الخبيث للعرب والقوى الكبرى التي تتكلم كثيرا عن حقوق الانسان!

واتمنى من الفضائيات المحلية التي تدعي الوطنية، ان تسلط الضوء على الثورة الشعبانية وان تسجل حلقات لمن نجا من اعدامات صدام للحديث عن تلك الايام.

واجب وطني على كل عراقي غيور ان يعيد الضوء لهذه الثورة العظيمة التي لم تحركها قوة او توافق دولي بل حركها الشعب الناقم على ظلم السلطة الغاشمة، كانت ثورة حرة.

 ***

الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي

في المثقف اليوم