آراء

نوري المالكي وسُنّتان سيئتان

احمد راضي الشمريأنا شخصيا أحترم السيد نوري المالكي وأعده من ضمن القلة الذين يمتلكون رؤية واقعية لمجريات السياسة في العراق والمنطقة. وهذا لا يعني أنه نزيه تماما وليس لديه تقصير، أو أنه خارج منظومة الفساد. لكنّ مايدفعني للكتابه هو نقد التصرفات والسلوكيات التي من شأنها أن تقوض التجربة الديمقراطية في العراق، من أي جهة كانت، وتعود بالمجتمع إلى الوراء وتدفعه نحو المجهول، الذي سيكون كارثيا بامتياز.

السُنّة الأولى: في إنتخابات آذار  2010 حصلت قائمة السيد أياد علاوي على 91 مقعد مما جعلها القائمة الأولى الفائزة بين القوائم المتنافسة. وجاءت بعدها قائمة السيد نوري المالكي بالمركز الثاني ب 89 مقعد. وفي أبسط أعراف الإنتخابات التي لا تحتاج إلى تعقيد، يكون السيد علاوي هو الفائز الذي من حقه أن يشكل الحكومة.

لم يرضخ المالكي حينها لخسارته وفوز علاوي وراح يستخدم نفوذه الكبير باعتباره رئيس الوزراء في الدورة السابقة. وكان المالكي قد حقق إنجازات أمنية كبيرة جعلت نجمه عاليا آنذاك، خصوصا عند الوسط والجنوب. ومن ضمن ما سعى إليه المالكي هو الضغط على المحكمة الإتحادية  لتقديم تفسير يشرح معنى الكتلة الأكبر. واستطاع بمكر ودهاء كبيرين (من خلال علاقته بمدحت المحمود رئيس مجلس القضاء آنذاك) أن يستحصل على التفسير الذي أراده من المحكمة الإتحادية. حيث فسرت المحكمة معنى الكتلة الأكبر بأنها ليست القائمة الأولى الفائزة بالإنتخابات، بل هي الكتلة التي تتشكل في البرلمان بعد انعقاد جلسته الأولى. هذا التفسير طبعا جديد تماما ولم يعمل به في إنتخابات الدورة  السابقة. وبهذا أعطى المالكي لنفسه الفرصة بالتحالف (بعد الإنتخابات) مع قوائم أخرى لتشكيل كتلة أكبر من كتلة علاوي لسحب البساط من تحت القائمة الأولى والحيلولة دون تشكيل الحكومة. وتمكن بالفعل من تشكيل كتلة أكبر وأصبح رئيسا للوزراء لدورة ثانية. 

السُنّة الثانية: في الإنتخابات الأخيرة التي جرت في تشرين الأول 2021 فاز التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر  ب 73 مقعد مما جعل قائمته الأولى على باقي القوائم حيث فازت بأغلب الأصوات.  ولم تكن قائمة المالكي (المعلنة) قريبة من قائمة الصدر من حيث عدد المقاعد أبدا. حيث حصلت على 33 مقعدا أو مايقرب من ذلك وكانت هناك قوائم أخرى تسبقها في القرب من القائمة الأولى. لم يستطع المالكي طبعا من تشكيل كتلة منافسة تنافس الصدر على تشكيل الحكومة. بل بالعكس تماما، فلقد تمكن الصدر من تشكيل كتلة/تحالف واسع مع قوائم أخرى فاقت ال 140 مقعدا مما جعله الأقرب إلى تشكيل الحكومة.

ولم يرضخ المالكي أيضا ولم يعلن خسارته ولم يسمح للحكومة بأن تتشكل. حيث سعى هذه المرة إلى تعطيل تشكيل الحكومة من خلال استخدام ورقة (الثلث المعطل) التي يطلق عليها جزافا بالثلث الضامن. وفي الحقيقية هي لاتضمن شيئا أكثر مما تعطل اشياء أخرى ولا تضمن غير نزوات شخصية وعدم احترام للعملية الديمقراطية وإرادة الشارع. فوقف مع الثلث الذي يعبر عن الأقلية البرلمانية ووضع ألف حجر عثرة أمام الفائزين بالإنتخابات للحؤول دون تشكيل الحكومة. وتمكن بالفعل من تعطيل سير العملية الديمقراطية وعرقلة تشكيل الحكومة ودفع العملية الإنتخابية برمتها إلى طريق مسدود.

ومن المفارقات التي لا تحصل في البلدان الأخرى، ومن غرائب الإنتخابات ونوادرها أن الصدر منح المالكي 40 يوما لتشكيل الحكومة إن كان قادرا على ذلك. ومرت الأربعون يوما دون أن يتمكن المالكي طبعا من ذلك. 

العواقب: لقد عقّدت هذه السلوكيات التي قام بها المالكي، في الحالتين أعلاه، من عملية الإنتخابات والتنافس العلني الحر وشوه المعنى الديمقراطي البسيط للعملية بمعرفة الفائز بُعيد فرز الأصوات.  وفي بلد لازال يئن من نير الصراعات الطائفية والدينية والعرقية مثل العراق، إضافة إلى ضعف النسيج الإجتماعي وغياب الوحدة الوطنية، ساهم هذا السلوك بتعقيد تشكيل التكتلات أولا ومن ثم تعقيد تشكيل الحكومات مما يخلق فراغا أو فراغات لا يعلم نتائجها أحد. وهذا ما نراه اليوم بعد فوز قائمة الأحرار بزعامة السيد مقتدى الصدر حيث مضى أكثر من ثمانية أشهر دون تشكيل الحكومة أو حتى انبثاق بوادر على تشكيلها. وهذا أمر خطير جدا قد ينفجر في اي لحظة في بلد غير مستقر تعمه الفوضى ويسوده الإنفلات الأمني وينتشر فيه السلاح وتتعدد فيه مصادر القرار وتضمحل فيه السيادة داخليا وخارجيا.

كما ساهم هذا السلوك بإضعاف الحس الوطني عند الناخب العراقي الذي بات يدرك بأن دعمه لقائمة معينة وإعطائها فرصة الفوز لا يعني ابدا أنها ستستطيع تشكيل الحكومة.

لقد أعاق المالكي تشكيل الحكومات وعطلها ومنعها عندما كانت قائمته قريبة من القائمة الفائزة وهو قادر على لملمة الأمر وتشكيل تحالفات أوسع بُعيد الإنتخابات فحال دون تشكيل الحكومة من قبل القائمة الفائزة.

 وأعاقها وعطلها ومنعها كذلك وهو بعيد عنها وغير قادر تماما على تشكيل الحكومة باستخدام الثلث المعطل من أجل مصلحته ومصلحة حزبه. فلم يحترم العملية الإنتخابية وهو قوي داخل البرلمان ولم يحترمها وهو ضعيف فيه.

وكانت تصرفاته في الحالتين تتم دون أخذ الإعتبار لمصلحة البلد وصيانة النظام الديمقراطي وضمان فعالية الإنتخابات كوسيلة فاعلة وأداة مهمة في خلق السلام والإستقرار عن طريق التداول السلمي للسبطة من دون اقتتال. خصوصا وإن تجربة الحزب الديكتاتوري الواحد لا زالت شاخصة أمام العيان.

كما أن المالكي قوض سلطة القضاء وجعله ضعيفا أمام الضغوطات والتدخلات  السياسية وأربك الفهم البسيط للقائمة الفائزة. هذا بالإضافة إلى انتهاك النظام الديمقراطي الذي يسعى جاهدا لفصل السلطات ( التشريعية والتنفيذية والقضائية) والحد من التداخل بينها ومنع التأثير عليها من قبل بعضها البعض.

إن هذه السلوكيات اللامسؤولة واللامحسوبة والتي لا تحترم إرادة الناخبين ولا تعطي أهمية لصندوق الإقتراع ولا تحترم النظام الديمقراطي تساهم بشكل كبير بتهديم ثقة الشعب بهذا  النظام الحديث النشأة والولادة. كما أنها تعمل، ولو بشكل غير مباشر، على زعزعة واستقرار البلد وخلخلة النظام السياسي فيه عن طريق تعقيد العملية السياسية وتمكين الأقلية من الوقوف بوجه الأكثرية واللعب بأدوات غريبة على النظم الديمقراطية. وهذا يعتبر تجاوزا صارخا على أبسط مفاهيم الديمقراطية التي يكون من أبرز معانيها هو إحترام رأي الأغلبية.

 وإن هذه السلوكيات ستكون لها آثار وخيمة على العملية الديمقراطية في العراق على المستوى البعيد كما كان لها آثار لى المدى القريب، ولات حين مندم.

***

أحمد راضي

 25 /06/2022

في المثقف اليوم