آراء

ثورة الابتسامة حركت مشاعر الجزائريين وزعزعت كيان النظام

علجية عيشالحراك أو "ثورة الابتسامة"، كانت هبّة شعبية حقيقية من أجل تغيير ديمقراطي للنظام القائم منذ عام 1962، في هذه الثورة، خرجت الجماهير إلى الشوارع في جميع مدن البلاد معلنة رفضها البقاء تحت سيطرة نظام فاسد فُرض بالقوة ومنبثق عن عمليات تزوير انتخابي لا تختلف في شيء عن عمليات التزوير في عهد نايجلن،  كان انتهاك صارخ لمختلف الدساتير التي أعدّت داخل مخابر النظام الفاسد، هي رسالة بعث بها رئيس الأرسيدي محسن بلعباس إلى القواعد النضالية للحزب، تحلى فيها بالشجاعة وهو يسلم رئاسة الحزب إلى المؤتمر مخاطبا إياهم بعبارات نضالية صادقة  "معكم كنت ومعكم سأكون وسأبقى مناضلا"، صحيح أن خطاب محسن بلعباس كان مطولا جدا وضع فيه النقاط على الحروف  واقفا بذلك وبكل جرأة وشجاعة ندا للند أمام النظام والسلطة وتلك هي مقاييس الزعيم المعارض، فكانت لنا شهية لقراءته قراءة متأنية  مع بعض ردود الأفعال وبكل موضوعية

في تونس كانت  ثورة الياسمين وفي الجزائر ثورة الإبتسامة هو الإسم الذي أطلقه تلامذة سعيد سعدي الزعيم الأول للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية  RCD  ومؤسسه  على الحراك الشعبي في الجزائر الذي انطلق في فيفري 2019 وأحدث ضجة إعلامية على مستوى دولي وكان موضع اهتمام الرأي العام العربي والغربي، كان الحراك ثورة انتظرها الجزائريون  وأن يعيشوه كما عاشوا الربيع الأمازيغي، إلا أن الحراك لم يكن حراكا أمازيغيا ولا حراكا عربيا، بل كان حراكا جزائريا لتطهير البلاد من الفساد، وتحقيق هذا الحلم لن يكون بالبيانات في الصحف، ولا بتجمعات شعبية أو خطابات حزبية داخل الصالونات، بل كان في حاجة إلى ثورة حقيقية، ثورة سلمية لا يستعمل فيها السلاح مثلما حدث في بداية التسعينيات عندما دخلت الجماعات الإسلامية  في مواجهات دموية مع النظام، ومعروف عن حزب الأرسيدي الذي تبنى خط "المعارضة" للنظام مذ تاسيس الحزب أنه كان من بين المطالبين بإقالة الرئيس بوتفليقة ورفض العهدة الخامسة  وطالب بحل البوليس السياسي، وإعادة شعار جبهة التحرير الوطني إلى الذاكرة الجماعية أي وضعها في المتحف، تمهيداً لإصلاح شامل للأمة على نهج الكرامة والحرية والديمقراطية والحداثة والعالمية.

  ولعل الذين تتبعوا خطاب محسن بلعباس يوافقونه الرأي بأن الأزمة هي أزمة دستورية وسياسية واقتصادية ومالية واجتماعية وثقافية وأزمة حُكم أيضا، وقد يلخصها البعض بأن الأزمة هي ازمة رجال، فعندما توكل الأمور لغير أهلها وتسلم المسؤولية لاشخاص لا يحسنون القيادة  ولا يكون في السفينة ربان واحد  تغرق السفينة، فكان لابد من جسّ نبض الشعب ليستيقظ من سباته الذي دام عشرون سنة كاملة، لم تضع السلطة فيها برنامج المجتمع في معناه الصحيح، خاصة بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، فلا برنامج سياسي ولا برنامج اقتصادي ولا برنامج تربوي ولا برنامج ثقافي، كل ما كان هو ترقيعات لثغرات عميقة أحدثتها أطراف أرادت البقاء في الحكم، وكان لها تخوف كبير من التعددية،  فحاولت قمع المعارضة السياسية  بكل الطرق والأساليب، فكان لابد من تدارك الوضع قبل أن تغرق السفينة.

  من وجهة نظر حزب الأرسيدي فإن الأزمة قديمة متجذرة، إذ تعود إلى اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية المنعقد بطرابلس في شهر ماي 1962 بعد المصادقة بالإجماع  دون نقاش حقيقي على البرنامج السياسي للجزائر المستقلة، وهو ما اصطلح عليه بأزمة صيف 1962  التي صادرت ثورة  نوفمبر54،  والسؤال هو لماذا اجتماع طرابلس بالذات؟ ولماذا لا نقول أن الأزمة بدأت منذ الشروع في وضع  الأرضية لوضع ميثاق الجزائر الذي كان عبارة عن وثيقة إيديولوجية تُسَيَّر على أساسها  الدولة الجزائرية، كانت الأغلبية ضد هذا المشروع، رغم ذلك صودق عليه في مؤتمر 1964 بعدما فصل بن بلة كل النقاشات لصالح طروحاته، تم في هذا المؤتمر تم إقصاء مؤسسي جبهة التحرير الوطني عام 1954 كبوضياف وحسين آيت أحمد ومحمد خيدر الذي أبعده بن بلة قبل انعقاد المؤتمر بحيث لم يعد أمينا عاما للحزب، ما يمكن قوله أن كل القوى الثورية والسياسية في الجزائر لم تستطع التعايش مع الأزمة في الوقت الذي كانت  الإيديولوجية السائدة تزعم أن الأزمة الراهنة ليست سوى حالة طارئة سوف يتم التغلب عليها وفي أسوأ الحالات، وحتى إذا طال أمدها، فمن الممكن التعايش معها دون المساس بالبنى الأساسية للنظام، وهذا ما لم تستسغه القوى الثورية والقوى السياسية في البلاد.

 من خلال هذا الخطاب يلاحظ أن المطلب لا يزال مطروحا  لعقد حوار وطني  شامل باعتباره شرطًا أساسياً لتجاوز حالة انعدام الثقة السائدة بين القوى السياسية والاجتماعية، وإحداث القطيعة مع الرداءة التي تلوّث الحياة السياسية، والتغلب على عجز الطبقة السياسية (سلطة ومعارضة) عن المبادرة بتنازلات والوصول إلى تسوية وحل لخلافاتها خدمة لمصلحة الأمة، أراد محسن بلعباس القول أن الأرسيدي كان حاضرا بقوة في جميع المحاولات عارضا افكاره وكانت له عروضا سياسيا و  مشاريع قدمها لإخراج الجزائر من أزمتها، أولها مشروع دستور عُرض للنقاش في ندوة وطنية مفتوحة نظمت في 29 جوان 2013. ثم حصوله على توافق وطني حول مشروع إنشاء هيئة مستقلة لتسيير الانتخابات ومرصد وطني للانتخابات، وهي المبادرة التي أفضت إلى تنظيم الندوة من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي في مزافران في جوان 2014. ثم مشاركته في الحراك الشعبي 2019، من أجل التغيير الجذري واستقلالية العدالة وإزالة الفجوة بينها وبين المجتمع، كذلك إعادة إنعاش الإقتصاد الوطني ووضع  خطة إصلاح اقتصادي وإعادة النظر في المنظومات الصحية والتربوية والثقافة والتفكير في القضاء على هجرة الأدمغة ومكافحة ظاهرة  المخدرات وظاهرة الهجرة غير الشرعية، محاربة المحسوبية والرشوة، كل هذا يُعَبِّرُ على أن الأزمة هي أزمة حكم، وأن النظام القائم هو نظام دكتاتوري استبدادي، وهي الأسباب التي جعلت الشعب يثور ويصنع حراكه بل ثورته وهو يبتسم للغد الأفضل حيث أطلق رئيس الأرسيدي على هذا الحراك بثورة "الابتسامة".

  وإذا وقفنا على ما جاء في خطاب محسن بلعباس خاصة النقطة المتعلقة برئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وقوله بأن هذا الأخير لا يدرك حجم مهمته وسلطته، وهو في معظم الأوقات محصور بين جدران المقر الرئاسي، غائب عن الساحة الوطنية والدولية، لا يتحدث إلى الشعب ولا يستمع إلى المواطنين وكذلك بالنسبة للوزير الأول الذي  يملك سلطة فعلية ولا يفهم ما هو منتظر منه وحتى  باقي الوزراء فليس لديهم سلطة ولا مهام ولا مجال اختصاص محدد...الخ، وإن كان هذا الكلام لا يعتبر اتهاما مباشرا لكن يعتبر خطير جدا حتى لو كان مجرد انطباع، فصاحب الخطاب كان له ما يكفي من الشجاعة والجرأة في انتقاد القائد ألأول في البلاد  ربما من باب تنبيههم لما يحدث في الخفاء لا يمكن طبعا إجراء قراءة سطحية  لخطاب محسن بلعباس، أو المرور عليه مرور الكرام، فهذه القراءة تقودنا إلى طرح السؤال التالي: لماذا لم ينزل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى الشارع ليحتضن الشعب، يلتقي به ويستمع لنبضه؟ وهذا منذ انتخابه على راس الجمهورية الجزائرية، في الوقت الذي كان الوزراء ينزلون لتفقد قطاعاتهم خلال الفترة الحرجة بعد ظهور الجائحة ؟ ويبدوا أن رئيس الأرسيدي كان يحمل في قلبه غضبا شديدا  وحرقة كبيرة على الوضع الذي آلت إليه البلاد،  أمام كل الإنتهاكات التي يتعرض لها المواطن الجزائري والتي تطال حرية التعبير وحرية الصحافة حيث أصبحت مفضوحة ومخالفة كلياً للدستور والقوانين، تهدف السلطة بذلك إلى تخدير المواطنين وإفشال أي ديناميكية معارضة لسياستها فيكونوا عرضة  للمتابعات القضائية والقمع في الشوارع والسجن بسبب آرائهم.

 المُجْمَعُ عليه أن الجزائريين كلهم بمختلف أطيافهم كانوا في السنوات الأخيرة ضد  العهدة الخامسة ووقفوا جزائر بوتفليقة الذي كان يتبنى منطق ثابت لا يتغير،  وهذا  بسبب طريقة تسييره لشؤون البلاد، حتى لا تكون الجزائر ملكية خاصة بعدما ترك العنان لرجال الأعمال ولم يفعل الرقابة المالية حتى أدرك أن مجموعة الخليفة شيدت إمبراطوريتها بأموال الدولة واختراقها قوانين الجمهورية،، من جانب آخر كان حزب الأرسيدي من بين الستة أحزاب  التي نافست ترشح بوتفليقة قبل انسحابهم من المعركة بعدما استخدم بوتفليقة كل أساليبه في جمع المليون توقيع ما جعل الطبقة السياسية تفقد مصداقيتها، ويُشْهَدُ لمؤسس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي أنه رجل محنك سياسيا شارك في كل أنواع الانتخابات منذ سنة 1999، لكنه لم يحظ ولا مرة في الفوز والمرور إلى قصر المرادية، رغم أنه مثقف ومشهود له بالرزانة والتعقل زيادة إلى كونه رجل حركة كما وصفه من عايشوه ويملك خلفه ماضي طويل في المعارضة السياسية، وقال آخرون أن سعيد سعدي دقيق الملاحظة، مجادلٌ  كلن خسارته في الانتخابات ظلت تطرح نقطة استفهام، رغم أن سعيد سعدي عمل على دعم بوتفليقة  بعد ذلك إلى غاية  انسحابه من الحكومة بسبب الغليان القبائلي الذي شهدته الساحة في تلك الفترة، حيث اتهمه محيطه بالمتقلب، واتهمه الأفافاس وحركة العروش بالعميل للسلطة.

 الشيء الذي يظل مبهما هو ماذا يقصد الأرسيدي بعبارة ابتكار الجزائر؟ فقد اعتاد الشعب ومن يمثله (سواء أحزاب سياسية أو مجتمع مدني ) الحديث عن إعادة بناء الجزائر أو جَبْرٍهَا  إن صح القول بعدما تعرضت لكسور، وقد بسط صاحب الخطاب فكرته عندما قال ابتكار الجزائر يعني.. ويعني.. ويعني..  ويعني.. ويعني.. ويعني.. ويعني  وضع الثقة في الشباب والأجيال الجديدة، والخروج من عهد التسيير بالمراسيم  وإقامة منظومة حكم ديمقراطية. وتشكيل حكومة من الشعب وبالشعب وللشعب، وقد لخصها في عبارة  تأسيس دولة القانون والعدالة، طالما في البلاد ورشة ضخمة  لإرساء أسس النمو المستدام خارج المحروقات، ما يمكن قوله أن  المقترحات التي تقدم بها التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سبق إلى طرحها كثير من قادة الأحزاب باختلاف إيديولوجياتها، لكن ما لم نقف عليه هو أن خطاب محسن بلعباس اسثتثى  الحديث عن الأزمة التي تغرق فيها المنظومة التربوية والمنظومة الثقافية بشكل صريح ومفصل وماهي الإقتراحات التي يمكن تبنيها، ثم أن البعض وبخاصة الملاحظين  قد يفهمون رسالته المشفرة بأنه يدعوا إلى القيام بثورة جديدة، عندما قال: "إنه حان وقت الثورة ضد جميع أشكال الظلم والحرمان، وحان وقت استعادة الحريات الأساسية وحقوقنا"

   السؤال الذي يلح على الطرح هو كالتالي: هل خطاب محسن بلعباس يعتبر خطابا تحريضيا؟، أم هو نداء من أجل رد الإعتبار للحزب الذي تلقى كما قال هو حملة التشهير والتضليل والتخويف والتهديدات التي شنّتها السلطة على حزبه ومناضليه، خاصة وأن مقر حزبهم الوطني لايزال محاصرا منذ ثلاث سنوات وتحت مراقبة دائمة دون قرار من المحكمة، فضلا عن الإعتقالات التي طالت مناضليه وسجنهم ظلما (ياسين مرشيش، العربي مناد) اللذان لم يشاركا في مؤتمر الحزب السادس، ورفع عنه كنائب الحصانة البرلمانية لاتهامات ملفقة زائفة ولا أساس لها (كما يقول هو= وهو الآن في الشهر السادس من الرقابة القضائية، ما لا يدعو إلى الشك هو أن خطاب محسن بلعباس كان شديد اللهجة وحاد ويحمل مشاعر الغضب من النظام أو السلطة لدرجة أنه بدا في الفقرات الأخيرة من خطابه عنيفا، وكأنه يحرض فعلا على القيام يثورة حديدة ونلمس ذلك في قوله: إن المهمة صعبة لكن لا توجد صعوبة أمام الإرادة الشعبية، ويضيف بأن التزامهم  هو التزام مناضلين عاقدين العزم على مواجهة تحديات بلد عانى كثيرًا تحت وطأة نظام استبدادي، لأن الأرسيدي حزب متكوّن من مناضلين ومناضلات متمرسين يرفضون التفاوض على استقلالية قرارهم وملتزمين بممارسة السياسة في خدمة الشعب، قبل أن يعدل موقفه أو يتراجع عنه بالقول: إنني اخترت التسامح والنقاش بدلاً من الصراع والخلاف، والنضال السلمي بدلاً من العنف، والنضال الديمقراطي واستقلالية القرار بدلاً من الخضوع والتخاذل، والحقيقة والأصالة بدلاً من الديماغوجية والشعبوية، والإخلاص لمبادئنا بدلاً من الانتهازية والتزلف والترقيات الرخيصة، والنزاهة والوطنية بدلاً من الخداع والانهزامية، والتسامح بدلاً من الطائفية والتعصّب.

***

قراءة علجية عيش بتصرف

في المثقف اليوم