آراء

العمل التطوعي لخدمة الانسانية والمجتمع

محمد جواد فارس(يجب ألا تفقد إيمانك بالإنسانية، فالإنسانية محيط، أذا تلوثت بضع قطرات من المحيط فلن يتلوث المحيط).. المهاتما غاندي الزعيم الروحي للهند

في السنوات الأخيرة أي منذ عام 2019 والى يومنا هذا مرت ببلدنا العراق مع معاناته الكبيرة منذ الاحتلال عام 2003، معاناة من وباء كورونا الذي أنتشر في العالم وانتشرت في بقاعه وفقد العالم الكثير من البشر وكذلك الحمى النزفية والتي تصيب الخراف، التي كثر ما يتناول الانسان لحومها وبذلك تنتقل العدوى له، والكوليرا (الهيضة) أصبحت منتشرة بسبب من تلوث مياه الشرب وعدم الاهتمام بتنقية هذه المياه من الشوائب والتي تأتي من الأنهار التي عادة ما تصب فيها مياه المجاري والمياه القذرة، وقطع الأشجار في الحزام الأخضر في المدن واستخدام الأراضي الزراعية لبناء دور سكنية ومولات تجارية واستخدام هذه الأراضي من قبل المهيمنين على السلطة من الأحزاب والمليشيات، مما سبب هبوب العواصف الرملية لعدم وجود الحواجز الزراعية (الحزام الأخضر) خارج المدن، مما سبب ارباك في الشارع العراقي من حوادث السير، أضافة لأختناق عدد من مرضى الجهاز التنفسي وخاصة من الذين يعانون من الربو القصبي . أضافة للتصحر وعدم وجود الميا التي تسد حاجة الفلاحين في سقي المزروعات، وذلك لان أيران قطعت المياه عن الأنهار الصغيرة وحولتها الى الداخل الايراني وكانت تصب في نهر دجلة، وتركيا اقامت سدود عملاقة بالقرب من منابع الرافدين (دجلة والفرات) دون مراعات للقوانين التي اعتمدتها الامم المتحدة بتقاسم المياه ومنها عدم أقامة السدود الا بالاتفاق مع دولة المصب والتي هي لديها الحق بإقامة السدود وخزانات المياه في البلد وهو العراق، ولابد من الأشارة هنا ان الحكومات المتعاقبة لم تضع الخطط الناجعة في الاستفادة من المياه وخزنها وقت الحاجة اليها في زراعة المحاصيل، والتي توفر الأمن الغذائي لسد حاجة الأربعين مليون من شعب العراق، ولاننسى عدم أختيار الكفاءات في هذه الوزارة او تلك بسبب مبدأ المحاصصة .

ولهذه الاسباب وجدنا من الضروري ان نؤكد على أهمية العمل الطوعي لإنقاذ البلد من مما حدث ويحدث، عند دراستنا الطب في الاتحاد السوفيتي بلد لينين، تعلمنا كيفية المشاركة بالعمل الطوعي . ولديهم يوم عمل طوعي يسمى (باالسبوتا الشيوعي)، تعمل الشبيبة والطلبة علي تنظيف شوارع المدينة، وتساعد الفلاحين ايام الموسم بقطف الثمار مثل التفاح والليمون والعنب وغيرها وفي مجال الصحة العمل التطوعي في الأسعاف الطبي، والمشاركة في يوم (دونر) اي التبرع بالدم للمستشفيات وبنوك الدم، وكذلك في مجال التعليم في كل مستوياته تجد ان الأساتذة يقومون بتحديد مواعيد للطلبة للألقاء الدروس الاضافية ودروس التقوية للطلبة الاجانب وكذلك الطلبة السوفيت، كعمل تطوعي من أجل اعداد الكوادر المستقبلية في كل المجالات، ومنها ترسخت هذه الفكرة الإنسانية التي تخدم المجتمع، وتشارك ببناء وديمومة مؤسسات الدولة والمحافظة على جمالية المدن في شوارعها وحدائقها العامة والمنتزهات التي تعتبر محل للتنزه في أيام العطل والأعياد الوطنية، غرزوا عندنا الاساتذة السوفيت ومكاتب الشبيبة الشيوعية حب هذا العمل لنقل هذه التجربة الى بلدان طلاب الدول القادمين من اسيا وافريقيا وامريكا الاتنية ونحن من ضمنهم . ونحن شاركنا في هذه الفعاليات خلال سنوات الدراسة، وبعد التخرج عندما شكل اتحاد الطلاب العالمي في الثماننيات من القرن الماضي، فصيلا طبيا أمميا لمساعدة الشعوب المستقلة حديثا والتي ينقصها الكادر الطبي لتقديم خدمات للشعب، وكانت الواجه الاولى لجمهورية انغولا الشعبية حيث شاركوا أربعة أطباء عراقيين والتحقت بنا الدكتورة رحيمة السلطاني وعملت تدريب في مستشفى أويج لمدة ثلاثة أشهر، في هذا الفصيل والذي ضم أطباء اخرين من الهند وايرلاندا، وعملنا في العاصمة لواندا وكذلك في الشمال في مدينة اويج القريبة من الحدود مع جمهورية الكونغو، وكنا مع الأطباء الكوبين المتطوعين لتقديم الخدمات لشعب تحرر للتو من الاستعمار البرتغالي، وانشأ دولة مستقلة ذات سيادة وأقدم على بناء التعليم في تنشيط العمل في الجامعة من اجل اعداد الكوادر العلمية والاجتماعية بقيادة حزب العمل الانغولي الذي كان يقوده الدكتور أغستينو نيتو ومن بعده المهندس أدور دوسانتوش، وكنا نتمتع باحترام وتقدير المواطنيين الانغوليين .وأيضا هناك عمل أنساني تطوعي لنا في العمل مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أثناء الغزو الاسرائيلي للبنان في عام 1982، وعندما دخلت القوات الأسرائلية الى مشارف بيروت واحتلت اول عاصمة عربية، دخلت مع سيارة اسعاف ومعي بنك دم الى مستشفى عكا، وعملت في مستشفى ميداني في بيروت في منطقة المصيطبة، وكنا نحن المتطوعين سعداء بعملنا الإنساني وتقديم المساعدة الطبية للجرحى وكذلك اعددنا برنامج لاستقبال المرضى من المدنيين سكان المنطقة القريبة منها، وبقينا تسعون يوما في الحصار، الى ان خرجنا مع المقاتلين الجرحى الى سوريا عن طريق البواخر .

وخلاصة ما نريد قوله عن أهمية العمل التطوعي الإنساني، وتقديم خدمات للمجتمع تقع على عاتق المواطن المخلص لوطنه وترابه . وأن يكون مثالا حسنا للأخرين في هذا العمل التطوعي . وشعبنا العراقي لم يكن بعيدا عن هذا، وكلنا نتذكر حملات التطوع في مساعدة الفلاحين أيام الحصاد وكذللك أيام جني المحصول من التمور وسميت (بالنخوة) وأيام فيضان بغداد في العهد الملكي عندما هب شعبنا البغدادي لدرء الخطر عن المدينة، وقد يخطر في بال احدهم كيف نعمل هكذا فصائل تطوعية والعراق اليوم يرزح تحت الاحتلالات ووجود المليشيات المسلحة المنفلتة، ونهب ثروات البلد وأجياله القادمة، ان ما هو قائم اليوم بالتأكيد سينتهي على يد المخلصين من أبناء شعبنا وانتفاضة تشرين المجيدة وشهدائها خير مثال، ولكننا نعمل من أجل مستقبل أجيالنا . وبناء العراق ذو التاريخ الحضاري لسبعة آلاف سنة مضت هو يقع على عاتق أبنائه الغيورين على مصلحة البلد ومستقبله القادم .

***

محمد جواد فارس

ورحيمة السلطاني - طبيب باطنة طبيبة أطفال

 

في المثقف اليوم