آراء

تغيير إدارة المؤسسة الوطنية الليبية للنفط.. ماهي المآلات؟

ابوبكر خليفة ابوبكرومن الرابحون والخاسرون؟

لازالت "حكومة الوحدة الوطنية "المنبثقة من ملتقى جنيف هي الحكومة الأقوى على الأرض، لإنها تحظى بدعم بعض الدول والأمم المتحدة، وأيضاً لأنها تتمركز جيداً في العاصمة المركزية طرابلس، والتي لا تدار دواليب الحكم في ليبيا بدونها، ولعل الحدث الأبرز في هذه الأيام والذي يتمثل في تغيير إدارة المؤسسة الوطنية للنفط من طرف حكومة الوحدة الوطنية قد زاد من رصيد هذه الحكومة سواءا ؛لدى المليشيات المهيمنة والمتطلبة ماليا، أو بعض الدول، أو حتى لدى القوى والشخصيات النافذة والمنافسة، وأيضاً فإن هذه الحكومة كما هو معروف تحتفظ بعلاقة جيدة مع المؤسسة السيادية الأولى والأبرز وهي "مصرف ليبيا المركزي"وإدارته، الأمر الذي يجعل حكومة الوحدة الوطنية في موقف تفاوضي صلب، والسؤال الذي يطرح نفسه: ماهو القادم بعد كل هذه التجاذبات والتطورات المتلاحقة والصادمة في المشهد الليبي؟

في رأينا فإن الوضع في ليبيا سيستمر في حالة عدم التوازن، والتجاذبات والاستقطابات، وستظل هذه الحرب الباردة (التي لانتمنى أن يشتعل اوارها) بين الأطراف المتنافسة للأسباب التالية:

أولا/ حالة الإنقسام والتشظي الإجتماعي والسياسي في ليبيا، والتي يترتب عليها على أن أي حراك إحتجاجي شعبي سرعان مايخفت مده، نظرا  لإتساع الهوة بين نخب وفئات المجتمع المحتقنة والمشتتة بين توجهات مختلفة ومتناقضة، والتي تحتاج إلى إنجاز مصالحة عميقة وشاملة لصهرها في بوتقة التوافق والوئام، وأيضاً فإن الأجسام السياسية الحالية المتكلسة والمتشبثة بسدة الواجهة السياسية، أصبحت لديها خبرة كبيرة في التعامل فيما بينها من أجل الحفاظ على مكاسبها وإمتيازاتها.

ثانياً/حالة الإستقطاب الدولي، والتدخلات السافرة التي مزقت الكيان الليبي، وأوغلت فيه تفتيتا على الصعيدين السياسي والاقتصادي بوجه الخصوص، سياسياً؛ بنهج إختراق القوى الدولية والإقليمية للعملية السياسية في مختلف مراحلها، عن طريق التغلغل في الأجسام المنتخبة لإضعافها وبث الفرقة بين أعضائها وكتلها، أو وأد العملية الانتخابية برمتها كما حدث في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المفترض انعقادها في ديسمبر من عام 2021،بحجة وجود القوة القاهرة التي أدت إلى إلغائها، والتي هي على الأرجح دخول سيف الاسلام القذافي لخوضها.

وإقتصاديا ؛ عن طريق محاولة بعض القوى الدولية السيطرة على مصرف ليبيا المركزي، أو الإقتراح الأخير المتمثل في موضوع إحداث لجنة أممية لإدارة الإيرادات المالية الليبية، بحجة ضمان التوزيع العادل للثروة الليبية.

ثالثاً/ مصلحة الكيانات التي نمت وترعرعت في ظل الفوضى العارمة من االتشظي والتمزق على كل الأصعدة، وهي على الأخص المليشيات المحلية المتحكمة فعلياً على الأرض، والتي تغولت وإستفحلت ويحظى بعضها بدعم خارجي، والتي أصبح لديها أذرع سياسية وإقتصادية وإجتماعية، وهي تزداد قوة ونفوذا يوما بعد يوم، وكل ماإحتد الصراع، وهي تتقاسم النفوذ فيما بينها، لذلك فهي لن تفتك وتنهي بعضها بعضاً، ولن ترضخ بسهولة لتحولات تنهي وجودها وتذهب بنفوذها ومكاسبها.

وفي حالة عدم الاستقرار هذه، فإن الرابحون من الأجسام السياسية والكيانات المدججة بالمال والسلاح، والشخصيات النافذة مصلحتهم تكمن في بقاء هذه الحالة الهلامية الغائمة لضمان بقاء إمتيازاتهم ومغانمهم، أما الخاسرون فهم جموع الشعب الذين يدفعون ضريبة هذه المتاهة المتداخلة والمتشابكة.

***

د. أبوبكر خليفة أبوبكر

كاتب وأكاديمي ليبي

 

في المثقف اليوم