آراء

سياسيو شيعة العراق.. أخجلوا الشيعة

قاسم حسين صالحيخطأ من يصر حكما مطلقا على شيعة العراق بأنهم طائفة منغلقة فكريا ومتعصبة مذهبيا، والدليل على ذلك ان الشخصيات القيادية السياسية في الاحزاب العراقية العلمانية في العهد الملكي والعهود الجمهورية هم من الشيعة، بل ان معظم قيادات الحزب الشيوعي العراقي هم ابناء معممين!.ونزيد في القول:صحيح ان النجف مدينة دينية، ولكنها بهوية علمانية.. ولك ان تستعرض شعراءها وكتّابها ومفكريها ومثقفيها.. الاموات منهم والاحياء في الزمن "الديمقراطي".

 كانت صورة الشيعة في العراق قبل التغيير انهم طائفة مضطهدة ومظلومة، وياويل من كان شيعيا وشيوعيا. وكانت تحظى بتعاطف انساني لما ارتكبه النظام السابق من جرائم بشعة بدأها باعدام المفكر الكبير السيد محمد باقر الصدر وقيادات وطنية في حزب الدعوة الاسلامي وناشطين سياسيين شيعة، اتبعها بابادات جماعية لجماهير شيعية بعد هزيمة الجيش العراقي في حرب الكويت، كشفتها مقابر جماعية دفن فيها الضحايا وهم احياء.

وللأسف فان سياسيي شيعة العراق في حكومات ما بعد التغيير عكسوا تلك الصورة الايجابية الى ضدها النوعي.. في السياسة والأخلاق والألتزام الديني.فلقد اثبتوا انهم فاشلون في ادارة الدولة. ومع ان بعضهم يعزوا هذا الى ان الشيعة في العراق لم تكن لهم تجربة سابقة في ادارة الدولة، الا ان السبب الرئيس هو ان من جيء بهم الى الحكم هم من احزاب الاسلام السياسي الشيعي الذين تعرضوا الى الاضطهاد في الزمن الدكتاتوري.ومعروف في سيكولوجيا العراق السياسي ان المضطهد سياسيا يتحول الى جلاّد حين يستلم السلطة تعويضا لدور الضحية الذي عاشه، وأن هذه السيكولوجيا أجبرتهم على ان يعتمدوا مبدأ (الثقة الطائفية) في التعيين الوظيفي حتى لو كان شاغل الوظيفة لا يحمل شهادة الاعدادية، فمن لقبه (موسوي، حيدري، ساعدي، سوداني، جحيشي.. .) صار عند سياسيي شيعة العراق افضل من حامل دكتوراه وبروفيسور في الاقتصاد السياسي.وكان هذا خطأهم القاتل، لأن الدولة التي تستبعد الكفاءات والخبرات تتحول مؤسساتها الى ملكيات افراد.. وهذه حقيققة واقعة.. فالوزارات العراقية، ومعظمها شيعية، تابعة لكتلها السياسية لا للدولة.. وكأنها دويلات او ملكيات طائفية او عشائرية وحتى شخصية.. يتلقى وزيرها التعليمات من رئيس كتلته ويتم التوظيف فيها على اعتبارات حزبية اوعشائرية .ومع ان هذا هو مرض السلطة في العراق منذ عام 1963، الا ان سياسيي الشيعة بعد التغيير افرطوا في ذلك واسندوا وظائف بمسؤليات كبيرة الى جهلاء معرفة وفقراء خبرة.

لقد التقيت بفلاحين من الجنوب وحين سألتهم عن رأيهم في حكوماتهم الشيعية أجابوا (خزّونه من الله يخزيهم ويسود وجوههم). والواقع ان معظم قادتهم سقطوا اعتباريا من يوم هتفت الجماهير (نواب الشعب كلهم حراميه).وكان الفساد اقبح ما ارتكبه سياسيو الشيعة، وهذه حقيقة اعترفت بها المرجعية الشيعية ورئيس وزراء الشيعة لدورتين الذي اعتراف بأن لديه (ملفات فساد لو كشفها لأنقلب عاليها سافلها).. باعتراف ضمني ان بين حيتان الفساد .. مسؤولون شيعة.

 واذا كان صدام يوصف بأنه اكبر طاغية حكم العراق في عصره الحديث، فان نوري المالكي يعدّ اسوأ حاكم اشاع الفساد في تاريخ العراق والمنطقة، اذ بلغ المنهوب من ثروة العراق في زمنه ما يعادل ميزانيات اربع دول عربية مجتمعة، وجعل العراق افسد دولة في المنطقة وثالثها في العالم التي يزيد عديدها على (197) دولة!

وعلى صعيد الالتزام الديني، ارتكب سياسيو الشيعة اقبح ثلاث صفات:الدجل والنفاق وخداع الناس. فالدين الاسلامي حرّم السرقة بشكل حازم وقاطع بقول صريح في القرآن الكريم (والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهم).. فيما اثبتت ملفات النزاهة وتبادل التهم بين معممين شيعة أن بين سرّاق ثروة العراق مسؤولون شيعة كبار يعيشون برفاهية في لندن ودبي وعمان.. بل ان مؤسسة عالمية وضعت سياسيي العراق في المرتبة السادسة بين اثرياء العالم من السياسيين، ومعروف عنهم انهم قبل التغيير ما كانوا يملكون ثمن تذكرة الطائرة التي عادوا بها الى العراق.. وان بينهم من كان يبيع (السبح واجهزة الموبايل الخرده).

وهم لم يقتدوا بالنبي الكريم القائل بحزم (لو ان فاطمة سرقت لقطعت يدها). بل عملوا بالضد منها، فبرغم التظاهرات التي بدأت من عام 2011 المطالبة بمحاسبة الفاسدين فأنهم حموا الفاسدين.وكان المتظاهرون على حق في هتافهم التاريخي (باسم الدين باكونه الحراميه).

وهم في خداعهم للناس وصل اللاحياء بمسؤولين فاسدين تسيير مواكب بمئات الالاف ينفقون عليها المليارات من مال حرام ويتصدرون مجالس العزاء الحسيني وايديهم على جباههم .. حزانى يبكون! فيما هم فعلوا ويفعلون بالضد من قيم الامام الحسين.بل ان وضعهم الاجمالي اوصل غالبية العراقيين الى يقين لو ان الحسين خرج الان في بغداد طالبا الاصلاح لخيره ساسة الشيعة بين امرين: العودة من حيث أتى .. او القتال؟!

لهذه الأسباب فان شيعة العراق، باستثناء جماهيرها البنفسجية، يشعرون بالخجل من ساستهم لأنهم ما نجحوا في تحقيق منجز لهم سوى انهم وفروا ارحب الاجواء لمسيرات مليونية يمارس فيها الزائرون اللطم والبكاء بحرية وتعزيز مادي ونفسي، وفيما عداها فأنهم حولوا احلام الشيعة بخلاصهم من نظام دكتاتوري اضطهدم.. الى خيبات متلاحقة اوصلتهم بعد عشر سنوات من الصبر عليهم الى الشعور بالخجل منهم.. فضلا عن انه لم تعد هنالك هيبة للدولة ولا لمؤسساتها التي كانت تحظى باحترام العالم كالخطوط الجوية العراقية التي ادرجوها في القائمة السوداء.باختصار:لم يبق في زمن حكمهم شيء جميل.. لا في الناس ولا في الوطن.والأمّر من ذلك انهم باقون في السلطة وماضون في نهجهم.. لانهم محميون من اقوى دولة في العالم، ولأن الشعب غير قادر على الاطاحة بهم وداعش موجودة.. ولأنهم، باستثناء قلة منهم يمتازون بالنزاهة والوطنية والشجاعة، عظوا باسنانهم على السلطة والثروة ولن يفلتوها حتى لو ادركوا ان العراق بوجودهم.. ماض الى الهاوية.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

.............................

* مقال نشر في 2015، وما اصدقه الآن (2022)، انهم زادوا احرار شيعة العراق خجلا، وانهم باقون في السلطة رغم انهم فشلوا سياسيا وسقطوا اعتباريا واخلاقيا.

في المثقف اليوم