آراء

السيطرة الاثيوبية على منابع النيل.. حلم زائف

ليلى الدسوقيالمشهد الاول: تاريخياً

قديماً اشاع اباطرة اثيوبيا فكرة "السيطرة على منابع النيل والقدرة على تحويل مجرى النيل الازرق فى اى وقت كورقة للضغط السياسى والاقتصادى على مصر والسودان".

ففى عام 1680 هدد الملك الاثيوبى المسيحى الحبشى (تكلا هايمانوت) الحاكم المصرى عندما قال " ان النيل سيكون كافيا لمعاقبتك فحيث ان الله قد وضع فى ايدينا ينبوعه وبحيرته ونماءه ومن ثم يمكننا ان نستخدمه فى ايذائكم "

لقد بدأ الخلاف بين مصر واثيوبيا بعد ثورة يوليو 1952 فى مصر، عندما قررت مصر بناء السد العالى وعارضت اثيوبيا ذلك معارضة قوية بسبب انشاء السد العالى (1960 – 1970) دون موافقتها

لذا قامت اثيوبيا بالاتفاق مع الولايات المتحدة للقيام بدراسة شاملة عن نهر النيل فى اثيوبيا لامكانية اقامة السدود والزراعة وتوليد الكهرباء

وتصاعدت المشكلة عندما اعلنت اثيوبيا فى تصريح نشر فى صحيفة هيرالد الاثيوبية فى فبراير 1956 انها لم تعد تلتزم بالاتفاقيات التى وقعت اثناء حكم الامبراطور منيليك الثانى (إتفاقية أديس أبابا الموقعة فى 15 مايو 1902 ) بين بريطانيا وإثيوبيا

(بترسيم الحدود بين اثيوبيا والسودان والذى تعهد فيه ملك اثيوبيا لدى بريطانيا بعدم اقامة اية منشات على النيل الازرق او بحيرة تانا او نهر السوباط يمكن ان تتسبب فى اعتراض سريان مياهها الى النيل ما لم توافق على ذلك حكومة بريطانيا مقدما هى وحكومة السودان)

او اى اتفاقيات حول مياه النيل تكون قد ابرمت قبل نيلها الاستقلال (1941)، منها اتفاقية 1929 لتنظم العلاقة المائية بين مصر ودول الهضبة الإستوائية، كما تضمنت بنوداً تخص العلاقة المائية بين مصر والسودان ( فى الخطاب المرسل من رئيس الوزراء المصرى آنذاك محمد محمود وبين المندوب السامى البريطانى لويد):

* إن الحكومة المصرية شديدة الإهتمام بتعمير السودان وتوافق على زيادة الكميات التى يستخدمها السودان من مياه النيل دون الإضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية فى تلك المياه

* توافق الحكومة المصرية على ما جاء بتقرير لجنة مياه النيل عام 1925 (و هو عبارة عن مجموعة خطابات متبادلة بين بريطانيا وإيطاليا فى 1925، وتعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر والسودان فى مياه النيل الأزرق والأبيض وروافدهما، وتتعهد بعدم إجراء أى إشغالات عليهما من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجهة نحو النيل الرئيسى) وتعتبره جزءاً لا ينفصل من هذا الاتفاق

* ألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال رى أو توليد قوى أو أى اجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التى تنبع سواء من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذى يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أى وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر.و ان لمصر الحق فى الاعتراض (الفيتو) فى حالة انشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده

* تقدم جميع التسهيلات للحكومة المصرية لعمل الدراسات والبحوث المائية لنهر النيل فى السودان ويمكنها إقامة أعمال هناك لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر بالإتفاق مع السلطات المحلية.

و جاءت إتفاقية 1959 مكملة لإتفاقية 1929 وليست لاغية لها، فهذه الإتفاقية وقعت بالقاهرة فى نوفمبر 1959 بين مصر والسودان، حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان فى ظل المتغيرات الجديدة التى ظهرت على الساحة آنذاك وهو الرغبة فى إنشاء السد العالى ومشروعات أعالى النيل لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات فى أسوان. وتضم إتفاقية الإنتفاع الكامل بمياه النيل على عدد من البنود من أهمها:

* احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنوياً وكذلك حق السودان المقدر بأربعة مليار متر مكعب سنوياً.

* موافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالى وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق وما يستتبعه من أعمال تلزم السودان لإستغلال حصته.

كما نص هذا البند على أن توزيع الفائدة المائية من السد العالى والبالغة 22 مليار متر مكعب سنوياً توزع على الدولتين بحيث يحصل السودان على 14.5 مليار متر مكعب وتحصل مصر على 7.5 مليار متر مكعب ليصل إجمالى حصة كل دولة سنوياً إلى 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان.

* قيام السودان بالاتفاق مع مصر على إنشاء مشروعات زيادة إيراد النهر بهدف استغلال المياه الضائعة فى بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال وفروعه ونهر السوباط وفروعه وحوض النيل الأبيض، على أن يتم توزيع الفائدة المائية والتكلفة المالية الخاصة بتلك المشروعات مناصفة بين الدولتين.

* إنشاء هيئة فنية دائمة مشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان.

وهكذا بعد نقض اثيوبيا اى اتفاقيات تمت قبل الاستقلال ارسلت اثيوبيا خطاب موجه الى جميع البعثات الدبلوماسية فى القاهرة بانها من حقها انشاء اى مشروعات ضرورية لاقتصادها او لمواجهة احتياجاتها من المياه والطاقة والزراعة.

و فى نهاية الخمسينيات وخلال فترة حكم الامبرطور هيلاسلاسى استغلت اثيوبيا حالة التوتر السياسى التى كانت سائدة بين مصر الناصرية والولايات المتحدة انذاك وقامت بالتعاون مع المكتب الامريكى لاستصلاح الاراضى الزراعية التابع لوزارة الداخلية الامريكية لعمل اول دراسة متكاملة حول الاستغلال الرشيد لمياه النيل الازرق فى اثيوبيا خلال 1958 – 1964 فى الوقت الذى كانت فيه العلاقات بين القاهرة وواشنطن فى اسوا احوالها خاصة بعد عزم مصر على انشاء السد العالى فى ذلك الوقت

و صدرت الدراسة النهائية فى عام 1964 فى 7 مجلدات مكونة من تقرير رئيسى بعنوان (الموارد الارضية والمائية للنيل الازرق فضلا عن 9 ملاحق اخرى مكملة)

و عرف سد النهضة (الالفية) الاثيوبى بسد الحدود فى الدراسة الامريكية التى اجريت على حوض النيل الازرق (اباى) فى اثيوبيا فى الستينات

و قام المكتب الامريكى بتحديد 26 موقعا لانشاء السدود وقد اشتمل التقرير امكانية تنفيذ 33 مشروع للرى وتوليد الطاقة على حوض النيل الازراق وفروعه منها 14 مشروع للرى و11 لتوليد الطاقة و8 للغرضين معا وكانت تلك المشروعات تستهدف رى خمسة ملايين فدان كما انتهت الدراسة ايضا الى امكانية انشاء اربعة سدود كبيرة على النيل الازرق وهى (كارادوبى ومابيل وماندايا وسد الحدود (النهضة) باجمالى قدرة تخزين بعد التعديل 200 مليار متر مكعب) وقد تم الغاء سد مابيل واستبداله بسد باكو أبو واقتراح سد خامس تشارا تشارا (هذه السدود الاربعة كانت لتوليد الطاقة اساسا اما باقى السدود فمنها ما هو لتوليد الكهرباء ومنها ما هو للزراعة)

و هذا تحد سافر للمصالح المائية المصرية وبالغ الخطورة على الامن المائى المصرى

من الجدير بالذكر أن دول حوض النيل 11 دولة وهم “أوغندا ؛ إيريتريا ؛ السودان ؛ جنوب السودان ؛ إثيوبيا ؛ مصر ؛ بوروندي ؛ الكونغو الديمقراطية ؛ رواندا ؛ تنزانيا ؛ وكينيا”، وتصب اتفاقية عنتيبي في قضية مياه نهر النيل وحصصه بشكل مباشر ؛ فهى الشرارة التى بدات معها ازمة سد النهضة فى اثيوبيا وحيث أنها اتفاقية إطارية قامت دول المنبع في حوض النيل بالتوقيع عليها عام 2010م في مدينة عنتيبي الأوغندية ؛ حيث وقعت كل من كينيا وأثيوبيا ورواندا وأوغندا وتنزانيا، وذلك من أجل طلب حصة إضافية من مياه نهر النيل.

أبدت دولتي المصب مصر والسودان اعتراضهم على هذه الاتفاقية، وذلك لأنها ستحرمهما من الحصص التاريخية لهما من مياه نهر النيل ؛ حيث أن مصر تحصل على 55.5 مليار متر مكعب، بينما تحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب، وترى الكونغو أن هناك مخالفة لأحد المبادئ الرئيسية المنصوص عليها في مبادرة حوض النيل من قِبل الدول الموقعة على الاتفاقية ؛ حيث يتعلق هذا المبدأ بالتوافق في اتخاذ القرارات بين جميع الأطراف، وهو ما لم يحدث في هذه الاتفاقية التي لم يتفق فيها جميع الأطراف ؛ بل حدث خلاف واضح وصريح حول مضمون الاتفاقية المرفوض تمامًا من قِبل البعض.

انضمت بوروندي إلى الدول الموقعة على الاتفاقية في الأول من مارس عام 2011م، ولكن البرلمان لم يقوم بالتصديق عليها، لم يتم التصديق فعليًا على الاتفاقية إلا من خلال الخمس الدول الموقعة بينما تظل بوروندي معلقة لعدم مصادقة البرلمان، وهكذا تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ إذا وقع عليها ثلثي دول حوض النيل

و ازداد الموقف تازيما بعد انفصال جنوب السودان فى 9 يوليو 2011 ذلك الحدث الذى القى بظلال سلبية على تطورات المعادلة الهيدروبوليتيكية (المائية- السياسية) فى حوض النيل وضاعف من حالة الاحتقان السياسى فى الحوض ولاسيما فى ضوء التصريحات التى خرجت من جوبا فى 22 مارس 2013 لتنادى بالتبرؤ من اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل عام 1959 والتلويح بالانضمام الى اتفاقية عنتيبى ومن ثم مزيد من التطويق السياسى والجيوستراتيجى لمصر

تشتمل الاتفاقية على 13 بندًا، وتبعًا لتلك البنود فإنها تشير إلى انتفاع دول مبادرة حوض النيل بشكل منصف ومعقول من موارد مياه المنظومة المائية

توضح الاتفاقية أن دول حوض النيل بالإضافة إلى المنشآت ذات الصلة بما فيها التي تمتلك قوة خطرة في حوض نهر النيل ؛ لهم الحق في التمتع بالحماية الممنوحة من قواعد القانون الدولي التي تنطبق في النزاعات المسلحة

ترفض مصر الاتفاقية بكل الأشكال لأنها تمثل خطورة على الحياة ؛ حيث أن نهر النيل (نهر دولى وليس عابر للحدود) هو المصدر الوحيد للمياه في مصر، بينما تمتلك دول حوض النيل الأخرى مصادر متعددة إلى جانب نهر النيل مثل مياه البحيرات والأمطار

كانت هناك مطالبات لمصر لكي تقوم بإنهاء التجميد والمشاركة في النشاطات، وذلك خلال عقد الاجتماع الرابع والعشرين لمجلس وزراء المياه بدول حوض النيل، وهو الذي تم عقده في أوغندا، ولكن مصر ظلت متشبثة برأيها

اعلنت الحكومة الاثيوبية فى الثانى من ابريل 2011 تدشين انشاء مشروع سد النهضة او سد الالفية العظيم (بالامهرية هداسى جاديب) لتوليد الطاقة الكهرومائية (5250 ميجا وات) هو سد اثيوبى قيد البناء يقع على النيل الازرق بولاية بنى شنقول – جوميز غربى اثيوبيا وعلى بعد 40 كم من حدود اثيوبيا مع السودان وبتكلفة تبلغ نحو 4.8 مليار دولار واسناده الى شركة سالينى الايطالية بالامر المباشر

و قد علق (ميليس زيناوى) رئيس الوزراء الاثيوبى انذاك على تسمية السد " الالفية العظيم " بالقول بانه: " سوف يكون اكبر سد تشيده اثيوبيا على نهر النيل او اى نهر اثيوبى اخر خلال الالفية الحالية، كما انه سوف يحتل صدارة المشروعات الاثيوبية وهو الذى سوف ينقل اثيوبيا من الفقر وهو بذلك يمثل اضافة لا تقارن الى الخطة الوطنية للتوسع فى انتاج الطاقة "

و بقراءة السوابق التاريخية نجد ان اباطرة اثيوبيا روجوا منذ القدم لفكرة " السيطرة الاثيوبية على منابع النيل والقدرة على تحويل مجرى النيل الازرق فى اى وقت كورقة للضغط السياسى والاقتصادى على مصر والسودان

تابع......

***

بقلم : ليلى الدسوقى

 

في المثقف اليوم