آراء

قول فصل حول المليشيات الليبية ومشروع المؤسسة العسكرية الموحدة

ابوبكر خليفة ابوبكرفي الوقت الذي بدا فيه التقارب أكثر جدية هذه المرة بين أركان الجيشين في ليبيا كما يتفق أغلب الملاحظين، حيث عقدا إجتماعهما في طرابلس في إطار ما يسمى باللجنة العسكرية المشتركة 5+5، ومن المعروف أن على رأس أجندة هذه اللجنة ؛ ضرورة تفكيك المليشيات أو دمجها في المؤسستين العسكرية والأمنية، فيما بدا أن هذا الإجتماع في العاصمة طرابلس (مركز تجمع أعتى المليشيات وأشهرها) بلغ تطورا غير مسبوق في مسار المفاوضات، وأن هذا المسار العسكري هو الأكثر حركية وتفاعلا عن المسارات الأخرى السياسية وحتى الإجتماعية، وبعد هذا الإجتماع التفاوضي المشهود بيوم، تدخل المليشيات بطرابلس في صدام مسلح هز أركان العاصمة وروع المدنيين وخلف ضحايا، وكأنهم يضربون بالاتفاق المبدئي العسكري عرض الحائط، ولسان حال هذه المليشيات يقول" نحن هنا، ولاصوت يعلو فوق صوتنا" .كيف لا؟ وهم القوة الحقيقية على الأرض والمتغلغلة في كل التفاصيل، لذلك لن يرضوا بأي تحولات سواءا على الصعيد العسكري أو السياسي، تعصف بكل ما أسسوه وبكل الذي راكموه من إمتيازات ونفوذ وأموال، وظلوا يعطلون كل ما من شأنه أن يساهم في تهيئة الحلول الجذرية المعضلة الليبية.

فهم تلقائيا/ ضد بناء دولة المؤسسات الحقيقية التي من بين أركانها مؤسسة عسكرية موحدة وقوية ومؤسسة أمنية موحدة وفاعلة، حيث دولة المؤسسات تحتكر استعمال العنف والقوة وأدواتها، وبالتالي لابد من إنهاء المليشيات بتفكيكها ودمج مايمكن إدماجه وبشروط وضوابط معينة.

وهم أيضا/ ضد تحقيق وإنجاز المصالحة، والتي كثيرا ماإستهدفوا رموزها بالتصفية أو بالترهيب، لإن هذه المصالحة المنشودة لو تحققت تردم الهوة بين الأطراف المتصارعة، وتنزع فتيل النزاع فيما بينهم، وتمهد بذلك تمهيداً سليما لبناء دولة المؤسسات، والتي تتضمن بناء مؤسسة جيش موحدة في إطار سلطة موحدة، دولة لا مجال فيها لسلاح غير شرعي خارج إطار مؤسسة الجيش .

المليشيات هي الوباء الفتاك الذي يقضي على أي دولة، لأنها تنزع أهم أدواتها ألا وهي إحتكار ممارسة العنف والقوة، لذلك فهي وسيلة غاشمة لتمزيق الدولة وجعلها فاشلة، وإغراقها في وحل الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولن ننهض دولة تستشري وتتكاثر فيها المليشيات.. ومن ناحية أخرى، فلإن هذه المليشيات بطبيعة الحال لاتحمل عقيدة وطنية وتنتمي جوهرياً إلى مصالحها وتدوس على الصالح العام وتحتقره. فهي بذلك سهلة الإختراق من القوى الخارجية التي لا تريد الإستقرار للوطن لغايات ومآرب متعددة، لذلك يحوز جلها على المؤازرة والدعم الخارجيين، ولا نستغرب أنها أي المليشيات في كل جلبة تحدثها وصدامات تفتعلها  لا يكون ذلك إلا بإيعازات خارجية على الأرجح، من أجل التأجيج والإفشال والتعطيل والمساومة.

وهكذا فإن الإرادة المحلية لتفكيك المليشيات لاتكفي، وقد تغولت وإستفحلت وأصبحت كيانات مدججة بالمال والسلاح وبالسلطة والنفوذ، فلابد من دور فاعل وأكثر وضوحاً للأمم المتحدة، والقوى الدولية والإقليمية المتدخلة في الشأن الليبي، عن طريق عقد إتفاق ملزم يستهدف  بالخصوص إنهاء هذه المليشيات الليبية عبر آليات معينة لتفكيكها ودمجها، وزجر ومعاقبة ومطاردة قادتها في حالة رفض مايتم الإتفاق عليه بخصوصها، إذ أن محاباة هذه المليشيات والتعامل معهم كأنهم تحصيل حاصل،بل وطلب ودهم ورضاهم وحتى دعمهم بوسائل مختلفة من كل السلطات والأجسام السياسية التي مرت على ليبيا منذ عقد من الزمن ونيف قد قوى شوكتهم وزاد في طغيانهم وأطال في أمد الأزمة الليبية.

***

د. أبوبكر خليفة أبوبكر

كاتب وأكاديمي ليبي

 

في المثقف اليوم