آراء

دول آسيا الوسطى بين الشرق والغرب

كريم المظفرأختتم في مدينة شولبون آتا القيرغيزية، الاجتماع الاستشاري المنتظم لرؤساء دول آسيا الوسطى، بحضور القمة التي ترأسها رئيس جمهورية قيرغيزستان صدير جاباروف، ورئيس جمهورية كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، ورئيس جمهورية طاجيكستان إمام علي رحمون، ورئيس تركمانستان سردار بيردي محمدوف، ورئيس جمهورية كازاخستان، وجمهورية أوزبكستان شوكت ميرزيوييف.

مناقشة قضايا تعزيز التعاون في الاستجابة المشتركة للتحديات والتهديدات الحديثة للأمن الإقليمي، كان الهدف الاس للاجتماع بالإضافة الى آفاق توسيع التعاون الإقليمي من أجل ضمان النمو الاقتصادي المستدام، ومواصلة التبادل الثقافي والإنساني النشط لدول آسيا الوسطى، كما قرر رؤساء الدول الموافقة على مفهوم التفاعل بين دول آسيا الوسطى في إطار الصيغ متعددة الأطراف، وبرنامج الأجندة الخضراء الإقليمي لآسيا الوسطى وخارطة الطريق لتطوير التعاون الإقليمي للفترة 2022-2024، وتم اعتماد الوثائق النهائية في إطار القمة، وعلى وجه الخصوص، تبنى زعماء دول آسيا الوسطى بيانًا مشتركًا.

وبالإضافة إلى ذلك، وقع رئيس قيرغيزستان صدير جاباروف ورئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف ورئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون من أجل تنمية آسيا الوسطى في القرن الحادي والعشرين، وسيوقع رئيس طاجيكستان إمام علي رحمن ورئيس تركمانستان سردار بيردي محمدوف هذه الوثيقة بعد استكمال الإجراءات الداخلية في بلديهما، كما وقع رؤساء دول آسيا الوسطى على قرار رؤساء الدول - مؤسسي الصندوق الدولي لإنقاذ بحر الآرال بشأن تمديد صلاحيات إمام علي رحمون كرئيس للصندوق الدولي لإنقاذ بحر الآرال.

وواحدة من إنجازات هذه القمة، هي التوقيع في إطارها ولأول مرة على وثيقة إقليمية - اتفاقية حول الصداقة وحسن الجوار والتعاون بين دول آسيا الوسطى، والتي اعتبرها وزير خارجية أوزبكستان فلاديمير نوروف أثناء زيارة عمل لموسكو" بأنها وثيقة قانونية مهمة للغاية سترسي الأساس لتعزيز التعاون والتفاهم المتبادل والثقة المتبادلة، والأهم من ذلك، التنمية المشتركة"، كما نظر رؤساء الدول في مسودة خارطة طريق لتطوير التعاون الإقليمي للفترة 2022-2024، حيث تم طرح مبادرة وضع "خارطة الطريق" خلال الاجتماع التشاوري الثالث، الذي عُقد في تركمانستان في منتجع أفازا المطل على بحر قزوين، وإشارة  قادة دول المنطقة إلى أن دولهم لديها فرص ضخمة غير مستغلة ويجب استخدامها من أجل أن تصبح آسيا الوسطى منطقة مستقرة ومتقدمة اقتصاديًا.

إن مثل هذه الاجتماعات التشاورية لرؤساء دول آسيا الوسطى، على الرغم من عقدها لمدة أربع سنوات، إلا أنها مليئة حتى الآن بمحتوى رمزي بحت، لا توجد سوابق لفعاليتها العملية، ويشير المراقبون الى ان المنطقة مليئة بعدد كبير من الصراعات - كامنة وصريحة تماما، ويؤكد ألكسندر كنيازيف، خبير في آسيا الوسطى والشرق الأوسط ل" نيزافيسيمايا غازيتا "، انه في الوضع الجيوسياسي الجديد، يمكن لقادة دول المنطقة، بالطبع، إدراك الحداثة العالمية وتطوير نوع من تكتيكات السلوك المشتركة، والتي بشكل عام، هناك حاجة موضوعية، وترتبط جميع الدول ارتباطًا وثيقًا بروسيا وتعتمد عليها، وسيكون للاتحاد الروسي الآن اهتمامًا متزايدًا بالتفاعل مع دول آسيا الوسطى، أما من الناحية النظرية، يفتح هذا الاجتماع فرصًا كبيرة لبلدان آسيا الوسطى، ولكن حتى الآن، باستثناء أوزبكستان، لم تتحقق هذه الفرص عمليًا، وبالطبع، سيكون من الجيد إذا أعطت نتائج الاجتماع التشاوري الحالي بعض الدوافع في هذا الاتجاه، عندها يمكن التحدث عن الفوائد العملية لهذه الصيغة، لكن هذا غير مرجح - دول المنطقة مختلفة للغاية، ومن غير المرجح أن يسمح هذا الاختلاف بخلق شكل من أشكال التعاون على الأقل، ناهيك عن التكامل الذي أعلنه بعض السياسيين والخبراء في المنطقة نفسها " .

ومع ذلك، ووفقا للبروفيسور ألكسندر كوبرينسكي، مدير وكالة الاستراتيجيات الإثنية القومية، فإن المشكلة بالتحديد هي أن المفاوضات تجري خلف أبواب مغلقة، وليس فقط المجتمع ليس لديه معلومات، ولكن أيضا النواب المنتخبين، وهذا قد يؤثر سلبا على تصور الناس لاتفاقات الأطراف، ونتيجة لذلك، هناك خطر من أن ينعكس الاحتجاج في الشارع، معربا عن قناعته من أن اتفاق حسن الجوار الموقع في الاجتماع التشاوري لن ينقذ المنطقة من النزاعات المحتملة، وإن القوى التي تعارض إرساء الاستقرار والازدهار في آسيا الوسطى أقوى من النوايا الحسنة.

كما إن الوضع مع احتمال التوقيع على الاتفاق القرغيزي الأوزبكي على الحدود، والذي يتم إعداده سرا عن المجتمع، هو تأكيد على ذلك، بالإضافة إلى ذلك، فإن حشد أسلحة الناتو في دول آسيا الوسطى يجعل من الضروري تدريب الأفراد العسكريين في المنطقة في دول الناتو، ويظهر الموقف عندما يتجه جزء من الضباط نحو دول الناتو، بينما يكون الجزء الآخر موجهًا نحو روسيا وحلفائها، مما يخلق المتطلبات الأساسية للفوضى الداخلية، ويعتقد كوبرينسكي ان التجربة التاريخية تظهر أن "السلام والتنمية في بلدان آسيا الوسطى يحملان وجود روسيا" وانه فقط في إطار دولة اتحادية واحدة، تختفي النزاعات الإقليمية أو غيرها في ذلك الجزء من آسيا حيث كان نفوذ بريطانيا العظمى قويا، ولكن لم يكن هناك سلام وازدهار، وهذه حقيقة تاريخية.

كما يشير الخبراء إلى أن الاجتماع عقد، مثل بقية جميع الاجتماعات السابقة، على خلفية الحرب الحدودية بين قيرغيزستان وطاجيكستان، ووقع آخر تبادل لإطلاق النار بين حرس الحدود في البلدين قبل شهر، واسفر عن مقتل جندي طاجيكي، والجيران يقاتلون من أجل الأرض والمياه وطريق العبور، ويبدو أن هناك حاجة لحل عقدة الصراع هذه، التي تهتم بها أوزبكستان، المجاورة لمنطقة الصراع، ومع ذلك، من غير المحتمل أن تتدخل جميع دول المنطقة بطريقة ما في حل هذه المشكلة - وهذا غير واقعي بسبب تضخم الأنانية الوطنية لكل من بيشكيك و دوشنبه، اللذان رفضا بالفعل أي وساطة أكثر من مرة .

وفي غضون ذلك، تواصل هذه الدول التسلح، بالإضافة إلى توريد الأسلحة الروسية، يتم أيضًا شراء أسلحة الناتو، وسبق وأن أعلن رئيس لجنة الدولة للأمن القومي القرغيزي، كامتشيبيك تاشييف، إن الجمهورية قد اشترت بالفعل أسلحة بملايين الدولارات، حوالي 150 مركبة - ناقلات جند مدرعة، ومركبات Tigr على الطرق الوعرة المصنعة في الاتحاد الروسي لتلبية احتياجات الجمهورية، شاحنات كاماز، وعربات الإطفاء وغيرها من المعدات، وكذلك الطائرات بدون طيار التركية Bayraktar TB2، وقال الرئيس القرغيزي صدير جاباروف مرارًا وتكرارًا إن قيرغيزستان تتسلح لأسباب دفاعية، " فخلال 30 عامًا، لم نبدأ أبدًا نزاعًا مع أي شخص، ولم نستول على أراض أجنبية بأسلحة في أيدينا، ومن الآن فصاعدا لن يحدث هذا، لكن إذا كانت هناك محاولات للاستيلاء على أراضينا، فسيكون الرد قاسيا ".

بالطبع، كان هذا الخطاب موجهاً إلى طاجيكستان المجاورة، وإن التهديد العسكري الحقيقي الوحيد لقيرغيزستان هو الصراع المستمر منذ عقود على الحدود بين قرغيزستان وطاجيكستان، ولا توجد تهديدات أخرى ذات طبيعة عسكرية لقيرغيزستان، في حين هناك صراع يختمر أيضًا على الحدود القرغيزية الأوزبكية، على الرغم من حقيقة أن تاشييف، أعلن العام الماضي أن قضايا الحدود مع أوزبكستان قد تم حلها بنسبة 100٪، وان الامر كان يتعلق بتبادل قطع الأراضي، ويُزعم أن الطرفين اتفقا على جميع الأجزاء المتنازع عليها من الحدود، لكن السكان المحليين قاوموا وشاركوا في الاحتجاج، وبعد قمع الخطابات وافقت السلطات على عدم الكشف عن تفاصيل المحادثات الحدودية. سيتم الإعلان عن النتائج النهائية لترسيم الحدود وترسيمها بعد صياغة الاتفاقية، وبحسب بعض المعلومات، فإن المحادثات تقترب من نهايتها، وبشكيك تستعد بالفعل لزيارة رئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف.

وأمام هذه الخلافات التي تعصف بلدان قادة الاجتماع التشاوري، اكد المشاركون في القمة في بيانهم الختامي، حاجتهم للغة التفاهم والثقة والصداقة والتعاون البناء، وأقروا آلية فريدة من خمسة جوانب وضعوا خلالها أسس، وعلى أعلى مستوى لمواصلة الحوار السياسي ومناقشة وتحديد المزيد من آفاق التعاون الإقليمي، والتزام رؤساء دول آسيا الوسطى بإجراء حوار بنّاء ومفيد لجميع الأطراف لصالح شعوب جميع بلدان المنطقة وأصبح مرحلة مهمة في التعاون الإقليمي، وتأكيد على ما تم الاتفاق عليه في الاتفاقية المبرمة بين جمهورية كازاخستان وجمهورية قيرغيزستان وجمهورية طاجيكستان وتركمانستان وجمهورية أوزبكستان بشأن الصداقة وحسن الجوار والتعاون من أجل تنمية آسيا الوسطى في القرن الحادي والعشرين

رؤساء الدول أشاروا إلى أهمية تعزيز التعاون السياسي ومواصلة المشاورات الخماسية على أساس منتظم على مستوى وزارات الخارجية والمؤسسات الدبلوماسية والمكاتب التمثيلية في المنظمات الدولية حول قضايا الساعة في جداول الأعمال الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وآليات التفاعل على مستوى الوزارات والإدارات القطاعية، وأهمية تنسيق الجهود المشتركة من أجل تسريع تنفيذ خطة التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030 وأهدافها السبعة عشر.

وفي الشأن الدولي فإن قادة الاجتماع التشاوري الذي عقد بمناسبة الذكرى الثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين دول آسيا الوسطى، شددوا على ضرورة مشاركتهم في تعزيز المثل العليا للأمم المتحدة، والحفاظ على الدور المركزي للمنظمة في النظام الدولي، والتعبير عن الالتزام بالأهداف والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، والمشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على أساس مبادئ وقواعد القانون الدولي المعترف بها عالميًا، بما في ذلك مبادئ الاحترام المتبادل والاستقلال وسيادة الدولة وسلامتها الإقليمية وحرمة حدود الدولة والمساواة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأكدوا أيضا التزامهم بالانفتاح والتفاعل الواسع من أجل ضمان السلام والاستقرار والأمن والتنمية المستدامة في المنطقة وفي جميع أنحاء العالم، ورغبة دول آسيا الوسطى في تطوير حوار إقليمي يقوم على تعزيز الثقة والتفاهم المتبادل والتوافق والمساواة والاحترام ومراعاة مصالح بعضها البعض.

كما وأعلنوا التزامهم بتعزيز السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وأشاروا إلى الحاجة إلى زيادة تطوير التعاون بين دول المنطقة في إطار معاهدة منطقة خالية من الأسلحة النووية في آسيا الوسطى بتاريخ 8 نوفمبر 2006، والترويج المشترك للمشاريع ومبادرات نزع السلاح على الساحة الدولية، فضلا عن أهمية زيادة التفاعل مع المناطق الأخرى الخالية من الأسلحة النووية من أجل توحيد الجهود في مجال نزع السلاح النووي وعدم الانتشار، والتشديد على أن أحد التحديات في العالم الحديث هو استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأغراض الإجرامية وغيرها من الأغراض التي تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وتحدثوا في هذا الصدد، تحدثوا لصالح تعزيز التعاون الإقليمي في مجال أمن المعلومات، مشيرين في الوقت نفسه إلى الحاجة إلى زيادة تطوير التفاعل بشأن قضايا ضمان السلامة الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية، وكذلك الإشارة إلى أهمية تنسيق الجهود المشتركة من أجل تسريع تنفيذ خطة التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030 وأهدافها السبعة عشر.

وأعربت الأطراف المشاركة في القمة عن عزمهما تطوير التفاعل بين بلدان آسيا الوسطى، بما في ذلك في إطار المنتديات الإقليمية والمنظمات الدولية، بهدف ضمان الأمن والاستقرار في أفغانستان، وتحسين الوضع الإنساني، واستعادة البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية، وإشراك هذه الدولة وبشكل كامل في العلاقات الاقتصادية الإقليمية لتحقيق السلام الأهلي والوئام في المجتمع الأفغاني، وأكد رؤساء الدول مجدداً أن الموقع الجغرافي لدول آسيا الوسطى يسمح للمنطقة بأن تصبح منطقة عبور مهمة للحركة التجارية والتجارة بين روسيا والصين وجنوب آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، وبالنظر إلى أن دول المنطقة من البلدان النامية التي لا تصل إلى البحر، وأشار إلى أهمية إنشاء سلسلة لوجستية إقليمية عالية الكفاءة، بما في ذلك بناء طرق وخطوط سكك حديدية جديدة، وضمان اندماجها في النظام اللوجستي الدولي.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم