آراء

السيطرة الاثيوبية على منابع النيل.. حلم زائف (2)

ليلى الدسوقيالمشهد الثانى: موقع السد الاثيوبى جغرافيا وجيولوجيا

سد " بوردر " هو الاسم الاصلى لسد النهضة الذى جاءت به دراسة مكتب الاستصلاح الامريكى التى اجريت فى عام 1964 وطبقا للدراسة الامريكية فان ارتفاع السد الحدودى حوالى 84.5 م وسعة التخزين 11.1 مليار م3 عند مستوى 575 م للبحيرة وقد يزداد ارتفاع السد فى هذه الدراسات ليصل الى 90 مترا بسعة 13.3 مليار م3 عند مستوى 580 م للبحيرة

يقع سد النهضة فى نهاية النيل الازرق داخل الحدود الاثيوبية فى منطقة " بنى شنقول – جوميز " وعلى بعد حوالى 40 كم من الحدود السودانية خط عرض 40 شمالا ، طول 35 وعلى ارتفاع حوالى 600متر فوق سطح البحر ويصل متوسط الامطار فى منطقة السد حوالى 800 مم / سنة

يقع السد فى منطقة يغلب عليها الصخور المتحولة والتى تشبه فى تكوينها جبال البحر الاحمر الغنية ببعض المعادن والعناصر المهمة مثل الذهب والبلاتين والحديد والنحاس بالاضافة الى محاجر الرخام

حيث الجبال المرتفعة والاودية الضيقة والعميقة وما يترتب عليها بالتبعية من صعوبة نقل المياه من مكان الى اخر فى حالة تخزينها بالاضافة الى انتشار الصخور البركانية البازلتية خاصة فى اثيوبيا وهى صخور سهلة التعرية بواسطة الامطار الغزيرة وهى ايضا صخور ضعيفة هندسيا لتحمل اقامة سدود عملاقة وتؤثر ايضا على نوعية المياه خاصة فى البحيرات حيث تزيد من ملوحتها كما هو الحال فى البحيرات الاثيوبية التى تقع فى منطقة الاخدود (اثيوبيا وكينيا وتنزانيا ) والتى تشكل عائقا ايضا فى تكوين مياه جوفية وهذا الاخدود يسبب تشققات وفوالق ضخمة ونشاط بركانى وزلازل قد يؤثر على المشروعات المائية خاصة فى اثيوبيا

و هناك زيادة فى معدلات البخر من مياه الامطار ( كما هو الحال فى معظم القارة الافريقية ) وزيادة التعرية وانجراف التربة نتيجة انتشار الصخور الضعيفة والانحدار الشديد لسطح الارض وغزارة الامطار فى موسم مطر قصير بالاضافة الى زيادة معدل ازالة الغابات مع زيادة عدد السكان

و تشير الدراسات الفنية الاولية التى اعدت لتقييم سد النهضة الى ان الخطورة انه مقام على منحدر شديد الوعورة وبالتالى فان احتمالات انهياره عالية للغاية ومعامل امانه لا يزيد على 1.5 درجة مقارنة بمعامل امان السد العالى الذى يصل الى 8 درجات وبالتالى فانه فى حالة انهياره فسوف يؤدى الى انهيار سدى الروصيرص وسنار الى جانب سد مروى الواقعين داخل الاراضى السودانية بما يعنى انه سيمحو مدينة الخرطوم من الوجود ويستمر دماره لجميع المدن التى تقع شمالها وصولا الى السد العالى ومدينة اسوان وستصل كميات كبيرة من المياه الى السد العالى نتيجة هذا الانهيار مما يستحيل التعامل معه فى حالات التشغيل العالية او حتى حالات التشغيل فى حالات الطوارىء حيث ان بحيرة السد يجب ان يكون بها سعة تخزينية فارغة ما بين 24 و58 مليار متر مكعب قبل وصول كميات المياه الناتجة من انهيار سد النهضة كما انه سيغمر ما يقرب من 24 الف كيلو متر مربع من الاراضى الزراعية والمبانى السكنية على طول المسافة ما بين سد النهضة والسد العالى

و طبقا لتصريحات وزير الموارد المائية الاثيوبى 2011 يتكون سد النهضة من سدين : احدهما سد رئيسى خرسانى على مجرى النيل الازرق بارتفاع 145 م وطول 1800 م وبيتين يحتويان على وحدات (توربينات لانتاج الكهرباء) على جانبى النهر وثلاث قنوات لتصريف المياه والتحكم فى منسوب بحيرة التخزين اما السد الاخر فهو سد مكمل بارتفاع 50 مترا وطول 5 كم لزيادة حجم تخزين المياه الى 74 مليار م3

و فيما يتعلق بوحدات انتاج الكهرباء يحتوى تصميم السد على 15 وحدة كهربائية قدرة كل منها 350 ميجاوات عبارة عن عشرة توربينات لتوليد الكهرباء على الجانب الايسر من قناة التصريف وخمسة توربينات اخرى على الجانب الايمن باجمالى طاقة منتجة قدرها 5225 ميجاوات مما يجعل سد النهضة فى المرتبة الاولى افريقيا والعاشرة عالميا فى قائمة اكبر السدود انتاجا للكهرباء

و طبقا للتصريحات التى صدرت فى منتصف نوفمبر 2012 من " اتو سيمجنيو بيكيلى " كبير المهندسين المشرفين على مشروع سد النهضة فان اعمال الحفر الارضية قد اكتملت بالفعل بما يشكل 17% من اعمال المشروع هذا بالاضافة الى انه يتم حاليا اتمام اعمال الحفر من اجل تركيب الانابيب اللازمة لتحويل المياه وان اثيوبيا قد حصلت حاليا على كل المعدات والاليات المطلوبة لانشاء السد كما تم الانتهاء من تركيب " قاطعة صخور " لديها القدرة على انتاج 400 متر مكعب من الصخور فى الساعة اضافة الى انه يجرى حاليا تركيب الة لانتاج الاسمنت بنفس القدرة

و قد بدات اعمال الخرسانة وهى المرحلة الثانية بعد حقن التربة فى الاساس وكان من المفترض حسب المواصفات المعلنة للسد ان يمتد حقن التربة على مسافة 100 متر لكن هناك شك ان تكون اثيوبيا قد انتهت من جميع اعمال الحقن بيد انها سارعت بوضع جزء من الخرسانة على سطح الارض من اجل كسب الوقت وفرض الامر الواقع على مصر

و قد بدات اعمال التحويل المؤقت لمجرى النيل الازرق فى 28 مايو 2013 لمواصلة عملية بناء الجسم الرئيسى لسد النهضة بما فى ذلك اعمال حفر قناة التحويل ومدخل ومخرج قناة التحويل والسد المؤقت على ان تعود مياه النهر الى مسارها الطبيعى بعد الانتهاء من انشاء السد

و قد حرصت الحكومة الاثيوبية على ان تاتى هذه الخطة الهندسية ذات المغزى السياسى المهم والبالغ الخطورة بالتزامن مع حدثين سياسين اولهما على الصعيد الداخلى فى اثيوبيا حيث جاء الاعلان عن تحويل مجرى النيل الازرق مواكبة لاحتفالات الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الاثيوبية (الحزب الحاكم) بمناسبة الذكرى ال 22 لوصول الائتلاف الحاكم الى السلطة عقب الاطاحة بنظام " منجستو هيلا ماريام " فى 28 مايو 1991 اما الحدث الثانى فهو على الصعيد الخارجى حيث تزامن حدث تحويل المجرى مع زيارة د . محمد مرسى – رئيس مصر انذاك – لاثيوبيا لحضور اجتماعات قمة الاتحاد الافريقى فى اديس ابابا وذلك كنوع من المكايدة السياسية لمصر فى شخص رئيسها مستغلة حالة فرقة السياسة الداخلية التى تعانيها مصر وتدنى الشرعية السياسية للرئيس المنتخب وفقدانه الالتفاف الشعبى

وقد بلغت تكلفة سد النهضة نحو 4.8 مليار دولار امريكى اى حوالى 12% من الناتج القومى الاجمالى لاثيوبيا والمقدر بحوالى 43.3 مليار دولار فى عام 2013 بيد ان التكلفة الفعلية يمكن ان تصل فى نهاية المشروع الى حوالى 8 مليار دولار   (اى حوالى 17 % من الناتج القومى الاجمالى) للتغلب على المشكلات الجيولوجية التى سوف تواجه المشروع كما هو معتاد فى جميع المشروعات الاثيوبية السابقة

ومن الجدير بالذكر ان الحكومة الاثيوبية تعجز منذ عام 2006 عن استكمال بناء سد " جيبى 3 GB3 " على نهر اومو المتجه نحو بحيرة توركانا فى كينيا بسبب عدم توفر المبلغ المطلوب والذى يصل الى حوالى 2 مليار دولار امريكى والان تضع الحكومة الاثيوبية نفسها فى مازق اكبر بانشاء سد النهضة ليصبح المطلوب توفيره حوالى 7 مليار دولار امريكى للسدين وكما هو معلن فان الفترة الزمنية المقررة للمشروع هى اربع سنوات اى فى عام 2017 الا ان هناك مصادر اخرى ذكرت 44 شهرا للانتهاء من اتمام اول مولدين للكهرباء ومن المتوقع ان يستغرق ثلاث سنوات اضافية للانتهاء من بناء سد النهضة كما هى العادة فى السدود السابقة

و على الرغم من ان وزير الطاقة اعلن عن نوايا اثيوبيا لتمويل السد بالاعتماد على قدراتها الذاتية وتحديدا من خلال اصدار السندات الحكومية الا ان هناك شكوك حول ذلك نظرا لان الفوائد على هذه السندات يتراوح ما بين 5.5- 6 % وهو ما يعنى ان قيمة الفائدة الحقيقية ستكون بالسالب نظرا لارتفاع مستوى التضخم الذى قدر فى اكتوبر 2013 بحوالى 15.8 %

و قد احجم البنك الدولى عن تمويل هذا السد وذلك اتساقا مع السياسة العامة التى ينتهجها البنك الدولى فى السنوات الاخيرة بالعزوف عن تمويل السدود الكبرى نظرا لعدم جدواها الاقتصادية فضلا عن انها فى الغالب تكون محل اثارة للمشكلات السياسية فى حالة السدود المقامة على انهار دولية ولذلك اعلن البنك الدولى عن انه سوف لن يقدم اية مساعدات مالية او فنية لاى مشروع على نهر دولى الا بعد موافقة كافة الدول المشاطئة لهذا النهر (اى بعد اعمال شرط الاخطار المسبق )

و من جانبه اتهم البنك الدولى الخطة الاثيوبية للتوسع فى توليد الطاقة واصفا اياها بانها غير واقعية وانصبت اتهاماته فى قطاع الطاقة الى التوسع فى نطاق شبكات التوزيع واصلاح القطاعات الجارية

و ذكرت الحكومة الاثيوبية انها تعتزم تمويل المشروع بالكامل بعد اتهامها مصر بانها تحرض الدول المانحة بعدم المشاركة وبعد ان شحنت الشعب الاثيوبى بانه مشروع الالفية العظيم والذى يعد اكبر مشروع مائى يمكن تشييده فى اثيوبيا

و كما قال الامير خالد بن سلطان رئيس المجلس العربى للمياه " ان السد سوف يتسبب فى الاضرار العمدى بحقوق مصر بمياه النيل ويعبث بالمقدرات المائية لمصر والسودان وان مصر هى المتضرر الرئيسى من اقامة سد النهضة لانها لا تملك مصدرا مائيا بديلا مقارنة بباقى دول حوض النيل وان اقامة هذا السد تعد كيدا سياسيا اكثر منها مكسبا اقتصاديا ".

***

بقلم : ليلى الدسوقى

 

في المثقف اليوم