آراء

روسيا و"إسرائيل" وسخنوت

كريم المظفرمع نية وزارة العدل الروسية بالتحقيق في تصفية مكتب الممثل الروسي للوكالة اليهودية "سخنوت"، تتحول هذه الخطوة إلى أزمة في العلاقات بين روسيا و"إسرائيل "، و تأمل حكومة (يائير لبيد) في إجراء حوار مع السلطات الروسية، وتلقت المحكمة دعوى قضائية إدارية من القسم الرئيسي بوزارة العدل الروسية بشأن التصفية والاستبعاد من سجل الدولة الموحد للكيانات القانونية للمنظمة غير الربحية المستقلة لدعم العلاقات مع اليهود في الشتات، الوكالة اليهودية (سخنوت)، حيث حدد القاضي جلسة الاستماع في هذه الدعوى يوم 28 يوليو الجاري.

موسكو التي أعربت عن أسفها من المواقف الغير بناءة " إسرائيل " والسياسة التي تنتهجها في الأشهر القليلة الماضية، بما في ذلك موقف تل أبيب من الوضع في أوكرانيا، ترى انه يجب التعامل مع هذا الوضع بحذر شديد، وبالفعل، هناك أسئلة من وجهة نظر امتثال (سخنوت) للتشريعات الروسية، وليست هناك حاجة لتسييس هذا الوضع، ودعت وعلى لسان دميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية إلى عدم إسقاط الوضع حول وكالة "سخنوت" على كامل العلاقات بين تل أبيب وموسكو، وشدد على أن جميع المنظمات في الاتحاد الروسي يجب أن تمتثل لقوانين الدولة، وفي الوقت نفسه، يتوجب الإدراك بأنه يجب على جميع المنظمات أن تمتثل للتشريعات الروسية، وهذا مطلب عام للجميع.

أما الخارجية الروسية، أكدت بدورها إن قضية وكالة "سخنوت" لهجرة اليهود يتم النظر فيها الآن على المستوى القانوني، وأعربت الوزارة عن أسف موسكو من المواقف غير البناءة لإسرائيل والسياسة التي تنتهجها في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك موقف تل أبيب من الوضع في أوكرانيا، وانتقدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا،، "إسرائيل" لدعمها للسلطات الأوكرانية، وفي الوقت نفسه، وكما أوردت وسائل إعلام إسرائيلية، فإن تل ابيب تستعد لسلسلة من "الإجراءات السياسية" في حال ما زالت مكاتب "السخنوت " مغلقة، وتهدد موسكو بإجراءات إنتقامية، وبالتالي ستفقد روسيا عنصرًا مهمًا من نجاحها في الشرق الأوسط، وهو الحياد، الذي يسمح لها بالتفاوض مع مجموعة واسعة من اللاعبين الأجانب.

والازمة طفت على السطح، عندما تقدمت وزارة العدل الروسية بطلب إلى المحكمة لوقف أنشطة الوكالة اليهودية المختصة باستجلاب المهاجرين اليهود إلى" إسرائيل "، وقرر ت الأخيرة يوم 21 يوليو، وأفادت وسائل إعلام عبرية، أن موسكو أبلغت الوكالة اليهودية المختصة بالهجرة، بوقف كافة أنشطتها في روسيا، وقالت وزيرة الهجرة الإسرائيلية بنينا تامانو، إن وزارة العدل الروسية أبلغتها بتعليق أنشطة الوكالة اليهودية في البلاد، وأضافت المسؤولة الإسرائيلية أنها ناشدت رئاسة الوزراء حل المشكلة مع موسكو، وكان من المفترض أن يزور موسكو في 24 يوليو الجاري، وفد يضم ممثلين عن وزارة رئيس الحكومة ووزارة الخارجية ووزارة العدل ووزارة الهجرة والاندماج، وعلل الجانب الإسرائيلي التأخير بأنه حتى الان لا يمكن الاتفاق على كل تفاصيل الزيارة مع الجانب الروسي، وبحسب ما ذكرته مصادر أخرى، لا يمكن لأعضاء الوفد الإسرائيلي الحصول على تأشيرات دخول إلى روسيا.

والمنظمة الدولية "الوكالة اليهودية لإسرائيل (سخنوت)" هي منظمة تعني بضمان العلاقات بين اليهود حول العالم، وكذلك قضايا الهجرة اليهودية إلى " إسرائيل "، وقد تأسست عام 1929، وتعمل المكاتب التمثيلية للوكالة اليهودية في روسيا منذ عام 1989، وكانت صحيفة "والا" الإسرائيلية قد ذكرت، نقلا عن مصادرها، أن " إسرائيل " لجأت إلى روسيا لتوضيح ما يتعلق بوضع الوكالة اليهودية "سخنوت" وأنشطتها في روسيا، وذكرت صحيفة "جيرزواليم بوست" أن رسالة وردت من الحكومة الروسية إلى السلطات الإسرائيلية بهذا الشأن، وأكد مسؤولون في الوكالة اليهودية استلام الرسالة، لكنهم لم يعلقوا على الرد الذي هو قيد النظر حاليا في مكاتب المنظمة في القدس وبالتشاور مع وزارة الخارجية ومكتب رئاسة الوزراء.

وربما تستطيع وزارة العدل الروسية أن تخبرنا الكثير عن أنشطة "سخوت "، هذا المتجر الذي يتسم بوضع غامض ومعوج قيل منذ فترة طويلة إن الوكالة بحاجة إلى أن تصبح رسمية، مثل أي منظمة أخرى، لكن بالنسبة لهم، فهذا يعني أنه يجب عليهم الانصياع لوزارة الخارجية الإسرائيلية كما يشرح المستشرق الروسي يفغيني ساتانوفسكي، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يحتاجون إلى "سخنوت" عندما تكون هناك وكالة حكومية كانت تعمل على الإعادة إلى الوطن، في حين لم يكن هناك "سخنوت"؟.

ومع ذلك، على الرغم من أن Sohnut" " لا تنتمي رسميًا إلى الهيئات الحكومية الإسرائيلية، إلا أن أنشطتها (أي دعم الهجرة - عملية إعادة اليهود إلى إسرائيل) مهمة للغاية بالنسبة " لإسرائيل"، ومن وجهة نظر ديموغرافية (إسرائيل بحاجة إلى الغذاء في شكل إعادة اليهود الكبار والمتعلمين)، ومن وجهة نظر دينية، لأن عودة اليهود إلى أرض الميعاد هي إحدى معاقل الصهيونية - الدولة أيديولوجية " إسرائيل ".

ويأتي القرار الروسي وسط توتر متزايد بين موسكو وتل أبيب، بسبب موقف الأخيرة من الحرب على أوكراني، ويشدد الخبراء على أن تعليق عمل الوكالة اليهودية في روسيا يقوض بشكل مباشر قدرة اليهود الروس على الهجرة إلى " إسرائيل "، وقد أنهى الآلاف منهم أوراق الهجرة الخاصة بهم وينتظرون رحلات جوية متاحة إلى " إسرائيل"، لكن العقوبات المفروضة على موسكو تسببت في توقف معظم شركات الطيران الدولية عن التحليق إلى روسيا.

وأكد عدد من الخبراء أن "سخنوت" لا تتعامل مع الهجرة على هذا النحو - الوكالة فقط "تمنح المهاجرين تذكرة طيران مجانية"، ومع ذلك، هذا ليس صحيحًا تمامًا "Sohnut"، بل هي تقوم بالتحفيز على الهجرة - على وجه الخصوص، من خلال حقيقة أن الوكالة اليهودية تدير عددًا من المعسكرات الخاصة للشباب، بما في ذلك أراضي روسيا، ويتم إخبار المشاركين في هذه المعسكرات عن التقاليد اليهودية ويشرحون كيف، إذا كانت هناك أسباب قانونية (على وجه الخصوص، جذور يهودية)، يمكنهم الانتقال إلى أرض الموعد، ويقول يوري كانر، رئيس الكونغرس اليهودي الروسي، وتقول بعض المصادر أن الادعاءات لا تتناول حقًا أي أخطاء أو إغفالات في المستندات، يُزعم أن الدولة الروسية غير راضية عن العمل الهادف الذي يقوم به نهر " السوخنوت" لتحفيز الأخصائيين والعلماء القيمين وغيرهم من الموظفين المهمين والضروريين مغادرة روسيا الى "إسرائيل" .

بحسب المصادر الإسرائيلية فإنه، لا توجد اليوم دولة تقريبًا في العالم بها مجتمعات يهودية ولا توجد فيها سخنوت، والآن، ربما، ستصبح روسيا أول دولة في العالم تغلق هذه المنظمة على أراضيها، وتخشى " إسرائيل " أن يغلق الستار الحديدي تمامًا يومًا ما وسيكون من المستحيل مغادرة روسيا على الإطلاق، ومع ذلك يؤكد بنشاس غولدسميث، الحاخام الأكبر السابق لموسكو، انه ليس فقط حقيقة الإغلاق المحتمل للمنظمة في روسيا أمرًا مهمًا هنا، ولكن أيضًا السابقة نفسها، وقد تغلق دول أخرى مكاتب تمثيلية " لسخنوت "، وعلى الأقل أولئك الذين لا يخاف قادتهم من الاتهامات بمعاداة السامية (والتي، على الأرجح، ستقع على عاتق وزارة العدل الروسية)، وهذا يمكن أن يقوض سياسة " إسرائيل " الأساسية المتمثلة في إعادة اليهود من جميع أنحاء العالم.

وما زاد من الطين بله في العلاقات الروسية الإسرائيلية، هو موقف تل ابيب من العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، ومقارنة رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، روسيا بألمانيا هتلر (انظر "دولة كبيرة وقوية مرة أخرى") ووجه تشابهات بين تصرفات الرايخ الثالث ضد المدنيين (بمن فيهم اليهود) مع تصرفات روسيا، على الرغم من أن نفس روسيا، فقد عانى مواطنوها في الاتحاد السوفياتي أكثر من أفعال هتلر، ونفس روسيا هي التي أنقذت اليهود من معسكرات الاعتقال الألمانية.

ويختلف المراقبون في عواقب توتر العلاقة بين موسكو وتل أبيب، فبعضهم يقول انه وبغض النظر عن الخطوات المحددة التي اتخذتها حكومة لابيد، فإن الصراع ذاته بين البلدين يمكن أن يوجه ضربة خطيرة لمواقف روسيا في الشرق الأوسط، وسوف تتخاصم موسكو مع "إسرائيل " في نفس اللحظة التي تقيم فيها الدول العربية المؤثرة علاقات معها في المواجهة بين إيران والسعودية، المدعومة بحكم الأمر الواقع من الدولة اليهودية، وان روسيا تخاطر بأن تكون في الجانب الإيراني، لن يفيد ذلك كثيرًا، لكنه سيحرم الدبلوماسية الروسية في المنطقة من المرونة.

ويعتقد عدد من نواب الكنيست أن مثل هذه الخيارات يمكن أن تكون تغييرًا في نهج الدولة اليهودية تجاه الوضع في أوكرانيا - بعبارة أخرى، زيادة الدعم للنظام في كييف، معنويًا وماديًا - أي الأسلحة، وفي المقام الأول عالية التقنية، والتي ترفض تل أبيب حتى الآن نقلها إلى أوكرانيا، وعلى وجه الخصوص، ستكون أوكرانيا سعيدة بالتأكيد باستقبال أحدث الطائرات بدون طيار من "إسرائيل"، وتوضح تل ابيب أنها مستعدة لاتخاذ الإجراءات الأكثر حسما ضد روسيا إذا حظرت موسكو أنشطة وكالة سخنوت على أراضيها، كما وتهدد علانية بالانضمام إلى العقوبات الغربية، وقد يكون هذا بالفعل ضربة خطيرة، لكن ليس فقط في روسيا، ولكن أيضًا في" إسرائيل" نفسها.

" إسرائيل "، التي لطالما كانت بحاجة الى روسيا منذ نشأتها وحتى اليوم، فهي كيان عالق في القضية الفلسطينية، ولا يخرج من الأزمات السياسية الداخلية (التي ينتظرها على ما يبدو الانتخابات المبكرة القادمة)، و خسر في سوريا ويراقب الآن كيف يتم تعزيز موقف إيران، العدو الأكبر " لإسرائيل"،التي لا تستطيع بأي حال من الأحوال منع إبرام صفقة نووية أميركية إيرانية جديدة وبالتالي إضفاء الشرعية على البرنامج النووي الإيراني،كذلك فهو كيان يقع في منطقة الشرق الأوسط بمفرده استراتيجياً، مما يعني أنها بحاجة إلى شريك محايد، وفي نفس الوقت لا يلتزم بسياسة الكيل بمكيالين تجاه الإرهابيين، شريك يحافظ على علاقات جيدة مع جميع الدول الإسلامية في المنطقة (من إيران إلى تركيا والمملكة العربية السعودية) ويمكن أن يكون وسيطًا في العلاقات بين "إسرائيل" وهذه الدول، وببساطة هذه الدولة هي روسيا.

وهكذا، فإن " إسرائيل" هي بأمس الحاجة إلى روسيا بما لا يقل عن العكس، فحتى وقت قريب، استند ميزان المصالح الهش بين موسكو وتل أبيب على هذا الأساس، أو ربما تحتاج " إسرائيل " إلى روسيا أكثر، وإذا كان الأمر كذلك، فإن " إسرائيل" نفسها ستعاني أولاً وقبل كل شيء من التمزق الروسي الإسرائيلي وبعض الخطوات الإسرائيلية ضد أوكرانيا، نعم، قد يمكن " لإسرائيل" أن تفرض عقوبات على روسيا، لكن رداً على ذلك، تستطيع موسكو التوقف عن النظر في المصالح الإسرائيلية في سوريا، وبعد ذلك ستجد القوات الإيرانية (مغطاة إما بالدفاع الجوي الإيراني أو الروسي) نفسها على مقربة استراتيجية من مرتفعات الجولان، الأراضي السورية التي تحتلها " إسرائيل "، ونعم، يمكن" لإسرائيل " أن تمنح أوكرانيا أسلحة - لكن في المقابل، يمكن لروسيا أن تزود إيران بأحدث أنظمة الدفاع الجوي، وبعد ذلك من غير المرجح أن تتمكن الطائرات العسكرية الإسرائيلية من العمل في المجال الجوي للدول المجاورة مع نفس الإفلات من العقاب كما تفعل، اليوم، ومثل هذه الخطوة من قبل موسكو ستشكل تهديدا خطيرا لأمن الكيان الإسرائيلي .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم