آراء

السيطرة الاثيوبية على منابع النيل ! حلم زائف (4)

ليلى الدسوقيالمشهد الرابع: المخاطر الخارجية لسد النهضة

تسعى اثيوبيا لفرض الهيمنة الهيدروبوليتيكية على النظام الاقليمى لحوض النيل. (ويقصد بمفهوم الهيمنة الهيدروبوليتيكية تنازع الارادات والمصالح السياسية والجيوستراتيجية بين دول المنابع ودول المصب حيث تستخدم دول المنابع المياه للحصول على مزيد من القوة بينما تستخدم دول المصب قوة للحصول على مزيد من المياه فالهيمنة يمكن ان توفر النظام والاستقرار وضمان تدفق المياه للدول الكبرى وعلى الجانب الاخر فان الهيمنة قد تكون مصحوبة بتكاليف باهظة بالنسبة للدول الاضعف فى المعادلة مثل عدم السيطرة على القرارات الخاصة بتنظيم وادارة النهر وعدم التخصيص الملائم للمياه وهو ما ينتج عنه تواترات سياسية قد تفتح الباب لدرجات مرتفعة الحدة من الصراع المائى ويلاحظ ان صور الهيمنة السلبية هى الاكثر انتشارا فى الاحواض المائية فى الشرق الاوسط)

تدرك اثيوبيا انها صاحبة فضل ومنه مائيا وهيدروليكيا على حوض النيل انطلاقا من الحقائق الهيدروليكية والطبوغرافية لنهر النيل فمن المعروف ان 33.2 % من مساحة الدولة الاثيوبية تقع فى الحيز الجغرافى لحوض النيل كما ان 11.7% من اجمالى حوض النيل يقع فى الاراضى الاثيوبية فضلا عن ان المرتفعات الاثيوبية تستقطب حوالى 35.5 % من اجمالى حجم الهطول المطرى المقدر بنحو 1661 مليار متر مكعب سنويا والاهم من ذلك ان 84.5% من اجمالى الايراد المائى السنوى لنهر النيل يتدفق من المنابع الاثيوبية (71 مليار م3 من جملة 84 مليار م3) وبطبيعة الحال تدرك الدولة الاثيوبية حقيقة الوضع الهيدروليكى الذى يحقق لها قدرا من " الهيمنة المائية " ومن ثم تسعى اثيوبيا – تاريخيا وتزايدت تلك المساعى حاليا – الى ترجمة تلك الهيمنة الهيدروليكية الى "هيمنة هيدروبوليتيكية وهيدرواستراتيجية" على النظام الاقليمى لنهر النيل.

ويعد سد النهضة واحدا من الاليات الاثيوبية المهمة التى تسعى من خلالها لتحقيق حلم الهيمنة الهيدروبوليتيكية على النهر ولتاكيد هذه الهيمنة تنوى اثيوبيا بناء ثلاثة سدود اخرى على مجرى النيل الازرق لاحكام السيطرة على نهر النيل المتدفق الى مصر، السد الثانى والذى يقع خلف سد النهضة هو سد مندايا ويبعد عن نهاية بحيرة سد النهضة باقل من 100كم وبنفس المسافة ياتى السد الثالث وهو سد باكو أبو ثم السد الرابع على بعد 100 كم اخرى وهو سد كارادوبى ثم اخيرا ولضمان رفع منسوب المياه فى بحيرة تانا منبع النيل الازرق او لتحويل مجرى النهر وقتما يشاؤون ياتى السد الخامس بنوعيته الخاصة وهو سد تشارا تشارا

و قد قامت اثيوبيا بتعديل المواصفات الفنية لتلك السدود الاربعة بحيث اصبحت سعتها التخزينية 200 مليار م3 بدلا من 50 مليار م3 وذلك فى تحد سافر للمصالح المائية المصرية وتهديد بالغ الخطورة على الامن المائى المصرى.

وبصفة عامة تؤكد تصريحات الاثيوبيون ان اثيوبيا تسعى من وراء تشييد تلك المشروعات الكهرومائية الى الاستفادة من امكاناتها الطبيعية والطبوغرافية والهيدروليكية الهائلة فى توليد الطاقة الكهربائية وتوسيع امداد مواطنيها بخدمات الكهرباء ومن ثم تحقيق وفورات اقتصادية تعينها على تحقيق المتطلبات التنموية الشاملة من خلال مشروعات الربط الكهربائى المقترح مع السودان وجيبوتى واليمن واوغندا ومصر.

بيد ان المساعى الاثيوبية الحقيقية (الخفية) من وراء تلك السدود ترمى الى تحقيق "الهيمنة الهيدروبوليتيكية" على مصر ومحاصرة وتطويق مصر مائيا ومن ثم سياسيا واستراتيجيا فى محيط دائرتها النيلية وذلك وفق مخطط صهيو – امريكى يهدف الى تضييق الخناق على الدولة المصرية من خلال محاصرتها فى الشمال الشرقى باسرائيل ومشكلات الحدود مع غزة من ناحية وكذا محاصرتها من الجنوب عن طريق اثيوبيا وذلك بهدف فرض تسويات سياسية واستراتيجية على مصر وتغيير معادلة التوازن الاستراتيجى فى منطقة الشرق الاوسط لتصبح الزعامة اسرائيلية خالصة وكذا فى منطقة حوض النيل لتصبح الزعامة اثيوبية خالصة وكل ذلك بدعم ومباركة امريكية

و الدليل على ان هدف اثيوبيا من بناء سد النهضة هو احكام السيطرة السياسية والهيمنة الهيدروبوليتيكية على مصر النظر فى كفاءة سد النهضة الكهربائية فالهدف الاساسى هو انتاج طاقة كهربائية بغرض التصدير للدول المجاورة ويبلغ اجمالى انتاج الكهرباء المتولدة منه 6000 ميجاوات وتصبح كفاءة السد 100 % اذا امكن تشغيل جميع وحدات انتاج الكهرباء 24 ساعة يوميا طوال العام (365 يوم فى السنة ) وفى هذه الحالة يكون اجمالى الطاقة المنتجة سنويا هو 52560 جيجا وات بينما المتوقع انتاجه من السد حوالى 15000 جيجا وات / سنويا فى يونيو 2017 وهذه الكفاءة تعادل 28.5 % فقط من السعة الكلية فى حالة انتاج 6000 ميجاوات و33% فى حالة انتاج 5250 ميجاوات وفى جميع الاحوال تعتبر كفاءة السد منخفضة سواء بالمعايير الاثيوبية او مقارنة بمعايير السدود الدولية حيث ان متوسط كفاءة المشروعات الاثيوبية حوالى 7.5 % وتبلغ متوسط كفاءة السدود عالميا حوالى 55% وترجع انخفاض الكفاءة الى المبالغة فى زيادة ارتفاع السد والسعة التخزينية وهو ما يثبت صحة مقاصد الهيمنة السياسية المرجوة من السد اذ كان من الممكن تخفيض حجم الاستثمار الكلى للمشروع الحالى بما يقرب من 50 % من خلال بناء سد اصغر مع كفاءة عالية وخطورة اقل على السودان ومصر فى حال فشل او انهيار السد للاسباب الجيولوجية

ففى حالة بناء هذا السد بكفاءة 60% فانه يمكن الحصول على المستهدف من الكهرباء (15128 جيجا وات/سنويا) من خلال 8 وحدات فقط بدلا من 16 وحدة وبتكلفة اقل بحوالى 45-50% وهذا يؤكد ان خصائص السد فى الدراسة الامريكية كانت اكثر ملاءمة واكثر كفاءة واقل تكلفة وهو ما يثبت صحة الفرض القائل بان الهدف من سد النهضة بهذه المواصفات الفنية هو الاضرار بمصالح مصر والضغط عليها وتوكيد الهيمنة الهيدروبوليتيكية لاثيوبيا

باختصار ان المبالغة فى ارتفاع سد النهضة وحجمه لتحقيق هدف السيطرة والتحكم السياسى جاءت على حساب كفاءة السد الكهربائية ، بيد ان اللجنة الوطنية الاثيوبية للخبراء اكدت ان ما يروج له المصريون من مزاعم سياسية بشان سد النهضة ليس صحيحا مؤكدين ان تلك التصريحات لا تصدر الا ممن وصفتهم اللجنة المذكورة ببعض الخبراء المصريين المغالين

و سوف نفند مزاعم تلك اللجنة (المزعومة) من خلال استعراض دراسات قام باعدادها احد الخبراء الاثيوبيين المقيمين بالولايات المتحدة والتى يؤكد فيها المبالغة غير المبررة من الناحية الهندسية فى حجم السد فقد اكد اصفاو بيينيه استاذ الهندسة الميكانيكية ومدير مركز الطاقة المتجددة فى جامعة سانت دييجو بالولايات المتحدة الامريكية وهو اثيوبى الجنسية حيث تساءل ذلك الخبير مستنكرا:

"ما الداعى من بناء سد بهذا الارتفاع وبتلك السعة التخزينية للبحيرة اذا كان الغرض منه توليد الطاقة الكهربائية فقط؟"

واكد ايضا على عدم جدوى سد النهضة من الناحية الكهربائية وتدنى كفاءته فى توليد الطاقة الكهربائية وذلك بسبب المبالغة الزائدة فى حجم وارتفاع السد.

***

بقلم: ليلى الدسوقى

في المثقف اليوم