آراء

نكبة التغيير السياسي في عراق التدمير

عبد الجبار العبيديعشرون عاما مضت علينا نتيجة التغيير السياسي في عراق المظاليم منذ 2003 والى اليوم، في عملية تغييرية كلية شاملة سموها بالعملية السياسية ولا زالوا المنتفعين منها يتمشدقون بها، لتحقيق مكاسبهم المادية والسلطوية دون تغيير، لا بل كلما اوغلوا فيها ازدادوا ظلما وتدميرا للوطن والشعب دون احساس الضمير، حتى وصلت قياداتها الى مرحلة انهيار تام لقيم الحياة المقدسة عندهم، بعد ان اشاعوا نظريات الفساد والتعامل معها بأعتبارها شطارة منهم على المواطنين، فلم يعد للدستور والقانون لهما من اعتبار في التطبيق، لدرجة انهم اسقطوا عن انفسهم قدسية النضال التي تمشدقوا فيها سنين، فأصبحوا في نظر العامة خصوما، والخصوم يعني اعداءً للشعب، حين سفكوا دماء الثائرين من ثوار تشرين، وقتلوا العلماء والمفكرين وكل من شكوافيه ريبة المعارضين وكل من رفع اصبعه مناهضا للخائنين، انها نكبة تاريخية حلت بوطن العراقيين، لا تختلف عن نكبة هولاكو المغوليين، فهل هؤلاء القادة كانوا مغامرين لا يعرفون ما يفعلون دون وعي من ضمير ؟ كالأطفال وما يمتازون به من خيال وقدرة على رؤية الاشياء بعين الخيال والاستغراق فيه دون معرفة حقيقة الاشياء، فيه ؟ بين النظريتين جدلية الحقيقة، والخيال.

لكن المؤلم والمحزن حقاً ان المؤسسة الحكومية لازمتهم بالنصوص المقدسة المفبركة في التعتيم على التدمير والتخريب، حين فبركت النص الديني نحو تأييد الطائفية والمكوناتية والمذهبية التي جسدتها في المادة الثانية من الدستور، والتي من اجل أزالتها جاء التغيير ولا زالت الى اليوم، فأشتركت في كتابة دستور مكوناتي مبني على التشريع الديني الناقص، فاصبحنا نعيش كما كنا ظلما وعدواناً واكثرما كنا عليه قبل التغيير، اذن هم كانوا في وعي الحقيقة وليس وعي الخيال، لذا اصبحوا مدانين.

ان من يتصدر حركات الدفاع عن الاوطان والشعوب، عليه ان يكون عارفاً بحقائق الاشياء والكشف عن المجهول، ولا يتم له ذلك الا اذا قرأ حياة المناضلين من اصحاب الافكار والعقول لينشئوا في نفوسهم حب التطلع والقدرة على التفاني والاخلاص من اجل المبادىء والقيم بعيدا عن الخُيلاء في الزهو والأنا على سبيل مصلحة الشعوب.

من هذه القلة المؤمنة بنفسها وشعوبها تكون مغامرة تقتحم الاخطار دون مبالاة لتحقيق ما به يؤمنون، يحملون قلوبهم على أكفهم ويواجهون الموت احيانا من اجل الاهداف التي آمنوا بها دون خوف - هؤلاء هم الشجعان- منهم الفلاسفة والمفكرون والكتاب والشعراء والمصلحون بشتى صنوفهم المضحية من اجل القيم التي بها يؤمنون الأمام الحسين (ع) نموذجاً، وليس من هم سراق الأوطان والشعوب، المغيرون نموذجاً.

وانت تقرأ حياة وفلسفة هؤلاء المخلصون فلا يكون عندك شك في انك تقرا واقعاً حدث في الماضي، ولكنك تؤمن به كواقع يحفزك على النضال والكفاح والقيم من اجل الاوطان والضمير.هؤلاء هم المصلحون، واصحاب الرسالات، والمجددون الذين يجازفون في صراعات خطرة في مجتمعاتهم لاصلاح خلل أصابها لا يراه غيرهم، هؤلاء يكونون كجرأة الاطفال الذين لا يرون المخاطر وان تجسدت امامهم، نعم، هؤلاء هم المفكرون المخلصون.

هنا تتحقق حقائق التاريخ لشخصياته الفذة الذين قادوا مسارات الوطنية واخرجوا اوطانهم من فترات الركود والاضمحلال الى الرقي والتقدم، ، ففتحوا لاوطانهم سبلا جديدة من الحياة أنقذتهم من وسائل التدمير والتخريب والتوقف، هنا تكون مكانة العلماء والمفكرين الذين قال عنهم (علماؤنا الكبار) ان موت عالم احب الى أبليس من موت سبعين عابدا، فكيف من يدعون الوطنية يهون عليهم قتل المفكرين، فلو كانوا مسئولين كبا ر ما تجاهلون قتل المفكرين الكبارصناع الحياة، كما في (قتل هشام الهاشمي مثالا). هذا الطراز من المضحين هم الذين يبشرون بعصور جديدة في تاريخ الشعوب، ويحطمون النظم القائمة على التدهور والركود.

المؤرخون يقولون، يندر ان جماعة تتقدم او تتخلص من الظلم والاستبداد الذي يحيط بها من تلقاء نفسها، فلابد ان يكون في بلادها نفر من اهل الطموح والجرأة والنظر البعيد والقدرة على تصور الامور لصناعة مستقبل أفضل للشعوب.

لكن التاريخ يحدثنا أيضاً ان ليس من امثال هؤلاء يكونون رجالاً عاديين، بل من الملمين بكل ما في الوطن من اشكاليات التقدم، هنا يكون استخدام الذكاء والاخلاص والتفاني من اجل التطلع نحو الطموح حتى ولوواجهوا المغامرة ومخاطرها وحتى لو دفعوا أرواحهم ثمنا لمغامرة الطموح ماداموا مؤمنين بنتائجها لهم وللشعوب هؤلاء هم الذين يتشابه معهم، ثوار تشرين.

لكن الذي نريد ان نقوله ليس الطموح وحده حافزا على التغيير، بل وصول الاحوال في الوطن الى درجة السوء حين تصبح معها مواصلة السير مستحيلة، هنا الثورات ضد الخطأ الكبير ليس جنونا جماعياً، بل رغبة حقيقية لواقع التغيير، وهو جزء من حركة الكون كله كما قال التاريخ، فمهما كان الأمرفأن بقاء الحال على المحال مستحيل كما يقولون، حتى في درجة انعدام حركة التغيير.

كي لا تتوقف الشعوب من التحرك للامام حتى لا تتدهور نحو السقوط كما نحن اليوم في عراق التدمير.

لقد كانوا جهلة الذين اشتركوا بحركة التغيير العراقي في 2003 لعدم اداركهم ماهية التغيير، لأن كل تحرك تاريخي مدروس لا يصاحبه تحول حضاري، لا يحسب له حساب في احداث التاريخ، يخطئون من يعتقدون انهم سينجحون، فالنجاح والشهرة تتحدد بماهو في نفوسهم من ايمان التغيير من اجل اهداف الوطن لا غير، لذا فان المغييرين في غالبيتهم فشلوا امام التاريخ لكونهم عاجزين ان يحملوا صفات ما جاء في التاريخ، فالحياة صراع من اجل الافضل في حياة الشعوب وقادتها الافضل، ومن هنا يجب ان يُدرس ويُطبق مصطلح التغيير والوفاء للمبادىء عند القيادات المخلصة للشعوب، قيادة محمد (ص) مثالاً في التطبيق.فمتى نعي حقيقة التغيير، في عراق التدمير؟

***

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم