آراء

النبوءة المأساوية في مقتل داريا

صدم حادث وفاة داريا دوجينا، ابنة الفيلسوف الروسي الشهير والداعية ألكسندر دوجين، الجميع دون مبالغة، ووقعت المأساة في وقت متأخر من مساء يوم 20 أغسطس عندما كانت عائدة في سيارتها من مهرجان التقليد الأدبي والموسيقي حيث كانت مع والدها، وكانت حاضرة كضيف شرف، وأقيم المهرجان في قرية زاخاروفو بمنطقة أودينتسوفو بمنطقة موسكو، وفي حوالي الساعة التاسعة من مساء يوم السبت، ركبت داريا سيارة تويوتا لاندكروزر برادو وتوجهت بها إلى المنزل على طول الطريق السريع (Mozhaisk ) في رحلة كانت قصيرة - استغرقت حوالي عشر دقائق فقط، وانفجرت السيارة أثناء تحركها بالقرب من قرية بولشي فيازيمي، ومن شدة الانفجار، فقدت الفتاة السيطرة، واصطدمت سيارتها بالسياج، وألقت موجة الصدمة داريا الى خارج السيارة التي تدمرت بشكل كامل على الأسفلت وتوفيت الفتاة نفسها على الفور، ومن المفترض أن 400 جرام من مادة تي إن تي غير المغلفة وضعت مباشرة تحت مقعد السائق.

في البداية، اختلفت الآراء بشأن أسباب الانفجار في السيارة، وافترض ضباط إنفاذ القانون في البداية أن اسطوانة غاز انفجرت في السيارة، ومع ذلك، ونتيجة للتحقيق الاولي، أصبحت نسخة العبوة الناسفة التي كان من الممكن زرعها في سيارة في ساحة انتظار المهرجان هي النسخة الرئيسية، خصوصا وأن السيارات التي دخلت الساحة لم يتم تفتيشها، ولا حتى وجود كاميرات فيديو في موقف السيارات، حيث يُفترض أن العبوة الناسفة كانت مزروعة، كما إن ضباط شرطة المرور كانوا يقفون عند مخرج الطريق السريع، لتنظيم حركة المرور، لكن لم يتم إجراء أي تفتيش على السيارات الداخلة، وغادرت القوة من هناك حوالي الساعة الخامسة مساء السبت – أي قبل ساعات قليلة من رحيل داريا وألكسندر دوغين .

كما أختلف الخبراء حول من كان الهدف الحقيقي للمجرمين - داريا أو والدها، ووفقا لعلماء الجريمة إنه بالنظر إلى طبيعة الانفجار، سيكون من الصعب للغاية العثور على شخصية المهاجم، خصوصا وأن العبوة الناسفة تم تفجيرها برأيهم على الأرجح من مسافة بعيدة، مما سيعقد عمل المحققين بشكل كبير، وأنه يمكن وضع مثل هذا الجهاز في أي وقت، ثم إجراء مكالمة لتفجيره، قد يكون المنفذ موجودًا في مدينة أخرى أو موضوع أو حتى بلد آخر، ولكن وبكل المقاييس، لم يكن من المفترض أن تكون داريا هي الهدف على الإطلاق - لقد كانت تقود سيارة والدها، الذي عاد من مهرجان التقليد، حيث كانا معًا، في سيارة أخرى.

وبسبب غياب وجود أنظمة أمنية وكاميرات مراقبة في الموقف، ووقوف سيارة داريا في ساحة انتظار السيارات لفترة طويلة، فانه لم تكن هناك مشكلة بالنسبة للمخربين لتركيب عبوة ناسفة في أي مكان - كان هناك أكثر من الوقت الكافي لذلك، واجمع الخبراء عن وجود "أثر أوكراني" محتمل، وكان ألكسندر دوجين، كما تعلم، هو إيديولوجي "العالم الروسي"، التزم بالآراء الوطنية والمعادية للغرب، أكسبته نظريته عن "إمبراطورية أوراسيا" شهرة عالمية وأصبحت سبب إدراجه في قائمة العقوبات الأمريكية.

و الكسندر دوغين هو مؤلف النظرية السياسية الرابعة، التي تدعي أنه بالإضافة إلى الليبرالية والشيوعية والفاشية، هناك أيضًا الأوروآسيوية، ففي السابق، كانت هذه النظرية تعتبر هامشية، لكنها أصبحت الآن سائدة، ووفقًا لدوغين، يجب أن تصبح روسيا قوة عظمى، تدمج جميع جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة في نفسها، ويعرب العالم السياسي كونستانتين كالاتشيف عن اعتقاده بأن الغرب "لديه بالتأكيد خطة لتصعيد الموقف" حول أوكرانيا، ومثل هذه الجريمة الجريئة المرتكبة في قلب روسيا - بجانب موسكو - يمكن أن تصبح جزءًا من هذه الخطة، وفي الوقت نفسه، حذر الخبير كل من صدم من هذا الحدث من "الرغبة في الاستجابة السريعة" ومحاولات "الاندفاع إلى الانتقام"، لأن ذلك قد يزيد الوضع تعقيدًا.

وآراء الأب، على ما يبدو، كانت مشتركة مع ابنته، التي عملت كمراقب سياسي للحركة الدولية الأوراسية، التي يرأسها والدها ألكسندر دوغين، وكانت معروفة أيضًا بدعمها النشط للعملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وفي يوليو 2022، وضعت حكومة المملكة المتحدة داريا دوجينا (بلاتونوفا) على قائمة عقوبات "لنشر معلومات مضللة" حول الصراع في أوكرانيا، وفي الآونة الأخيرة، أصبحت معروفة في الأماكن العامة - غالبًا ما زارت دونباس، وظهرت على الشاشة، وقادت الشبكات الاجتماعية بنشاط، والتي نُشرت تحت الاسم المستعار داريا بلاتونوفا، وزارت على وجه الخصوص أزوفستال خلال رحلة إلى جمهورية دونباس وأصبحت واحدة من مؤلفي الكتاب Z، الذي تعده دار النشر Black Hundred هذا الخريف، وقال صديق المتوفية سيرغي الكسندروف، إن داريا اعترفت له بأنها تعرضت للتهديد، و"إذا كان هذا من عمل الأعداء، فمن الواضح أن هذا مرتبط بالعملية الروسية الخاصة الجارية "لحماية دونباس"

ورغم نفي السلطات الأوكرانية ضلوعها في مقتل داريا دوغينا، على لسان ميخائيل بودولاك، مستشار رئيس المكتب الرئاسي، الذي قال إن "جريمة القتل هذه تشهد على صراع الجماعات المختلفة على السلطة والنفوذ داخل الاتحاد الروسي"، الا ان أصابع الاتهام الغير رسمية الروسية تشير بالاجماع الى وجود " اثر اوكراني " بالحادث، وانه بغض النظر عن الغرض من الانفجار، فقد اعتبروه " مأساة " مروعة، الامر الذي دفع وزارة الخارجية الروسية بالتأكيد على إنه إذا ثبتت فرضية "الأثر الأوكراني" في مقتل الصحفية والسياسية داريا دوغينا،" فإننا سنتحدث عندئذ عن سياسة إرهاب الدولة، وقالت المتحدثة ماريا زاخاروفا أن مثل هذه الفرضية قد تحدث عنها رئيس جمهورية دونيتسك الشعبية، دينيس بوشيلين، مشيرة إلى أنه يجب التحقق من ذلك من قبل السلطات المختصة، موضحة في الوقت نفسه أن حقائق ومعطيات كافية تراكمت، كلها ترجح هذه الفرضية.

ويبدو أن كل شيء يشير إلى كييف - SBU و GUR وتشكيلات التخريب الأخرى، وقناة Legitimny writes -TG  الأوكرانية، اعتبرت هذا الحدث بأنه "بالتأكيد انتصار لـ SBU الأوكرانية و GUR والقائمين الغربيين الذين ذهبوا إلى الإفلاس"، وذكرت أن البريطانيين تحدثوا عن "حرب العصابات" التي كان المتخصصون الأوكرانيون يستعدون لها، وبدأت جميع قنوات مكتب الرئيس على الفور في " الرقص منتصرة على وفاة ابنة دوغين، و اختارت استراتيجية "الرقص"، والتي أكدت بشكل غير مباشر مشاركتها في هذا الحدث، وفي نفس المكان، فانه اذا تأكد وجود الأثر الاوكراني في الحادث، فإن هذا سيغير قواعد اللعبة ويزيد المخاطر، لأنه لن يتم احترام أي إطار عمل مشروط، وقد يبدأ المجتمع في الاتحاد الروسي في دعم العمليات العسكرية الخاصة بقوة أكبر، وسيكون من المتفق عليه الآن أن تصل الصواريخ الروسية قادة آخرين في سلطات كييف.

مكتب المدعي العام بضواحي موسكو، اعتبر الحادث بانه جريمة قتل ارتُكبت بطريقة خطيرة، واخذ عاتقه التحقيق في قضية مقتل داريا دوغينا،، وقال إنه وضع تحت المراقبة مسار ونتائج التحقيق في القضية الجنائية التي بدأتها سلطة التحقيق بموجب الفقرة الثانية من المادة 105 من القانون الجنائي لروسيا الاتحادية (القتل المرتكب بطريقة خطرة)، وإن البيانات التي تم الحصول عليها، تشير إلى أن الجريمة مدبرة ومخطط لها مسبقا، وأوضحت لجنة التحقيقات أنه "في الوقت الحالي ثبت أن عبوة ناسفة زرعت أسفل السيارة من جانب السائق، وتوفيت داريا دوغينا، التي كانت تقود السيارة، على الفور.

النبوءة المفترضة لألكسندر دوغين وجدها الصحفيون في الشبكات الاجتماعية، ومقولة أعيد صياغتها للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، ان "كل ما لا يقتلنا يجعلنا أقوى"، لكن دوغين كتبها بصياغة أخرى ، وقال "ما لا يقتلني يقتل شخصًا آخر ..."، ونشر هذا المنشور في 20 أغسطس 2021 - قبل عام واحد بالضبط من وفاة ابنته، ويبدو الآن وكأنها نبوءة مأساوية.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم