آراء

أوراق مطوية في الحركة الشيوعية العراقية

محمد جواد فارسيقلب صفحاتها المناضل الشيوعي الوطني خضير عباس محمد (أبو سهيل) في كتابه (أور الذاكرة).

(ان الرغبة في الكشف عن الحقيقة ليست سوى أحد الشرطين، يكون الشخص مثقفا، اما الشرط الاخر فهو ان يكون شجاعا، أن يكون مستعدا للذهاب بالبحث العقلاني إلى أبعد معنى، أن يقوم بنقد صارم لكل ما هو موجود، صراحة تحول دون تراجع النقد، لا أمام النتائج الذي تعود وفيها هو نفسه ولا أمام الصراع مع السلطة أيا كانت).. كارل ماركس

أدب المذكرات أصبح اليوم منتشرا في أوساط المؤرخين والكتاب والأشخاص من السياسيين ممن عاصروا الأحداث التي وقعت وعايشوها وشاركوا فيها، تكمن أهميتها في الأحداث الواقعة لغرض دراستها من كل الجوانب التا يخية والسياسية والاقتصادية وكذلك المجتمعية وغيرها، لكي تستفيد منها الاجيال القادمة مستقبلا، وفي القرن الماضي والقرن الحالي ظهرت الكثير من المذكرات التي تخص الحركة الشيوعية والديمقراطية، فقد كتب عنها الكثير، وممكن الإشارة إلى بعضها؛ كتب حسين الرحال، حنا بطاطو، سالم عبيد النعمان، زكي خيري، باقر ابراهيم، عدنان عباس، اراخاجادور، رحيم عجينة، صالح دوكلة، توما توماس، احمد بني خيلاني، سليم اسماعيل البصري، طارق يوسف اسماعيل، واخرين غيرهم، كل منهم لديه جهة نظر في هذا الحدث اوذاك، لكنها من الناحية الفكرية تصب في مصلحة الباحث المتابع لهذه ألمرحلة . واليوم وبعد قرأتي لكتاب الرفيق خضير عباس محمد (أبو سهيل) الموسوم (أور الذاكرة) والصادر عن دار منشورات جلجامش لعام 2022 وفيه الاهداء من المؤلف: إلى أعز الناس وأطيبهم، إلى الذين يعشقون الحق ويحترمون الحقيقة، قررت أن أكتب نزولا عند رغبتهم والحاحهم، أهدي كلماتي هذه مع جزيل الحب والتقدير .

في بداية الكتاب كانت كلمات جذابة سعرها قلم القاضي علي الحميدي كتب قائلا ؛ فصناع الفكر القديم في هذا المكان السومري كانوا مهتمين بتحقيق سبق أنساني ينم عن أنتصار دائم يعبر عنه باستمرار الدور أكثر من أن يعبر عنه بالتفوق العرقي، فالأحساس بأن يكون صاحب رسالة أو مناضل ورجل مبدأ أكثر بكثير من أن يكون صاحب سطوة لفترة قصيرة هذا الشعور ربما قاد إلى صياغة مفهوم الأخوة والإنسانية.

وفي المقدمة كتبها الاستاذ محمد علي حميد جاء فيها ؛ أراد أبو سهيل أن يحط ويلقي عصى الترحال ويستقر في وطنه العراق العظيم الذي كان حبه لوطنه هاجسه وهو في الغربة، إذ انه يحب العراق حبا جما ويرى كل ما فيه جميل، شمسه وظلامه وكما يقول المرحوم الشاعر بدرشاكر السياب اعتزازا بالعراق الوطن الحبيب يرى شمسه أجمل وحتى الظلام جميل لأنه يحتضن العراق، السياب يقول:

الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام

حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق

و في التمهيد للكتاب يقول المؤلف: ليس من السهولة تحفيز الذاكرة بعد مرور سنوات طوال، إذ لم يعد بالإمكان استذكار جميع الأحداث التي مررت بها ولذا حاولت احيانا الرجوع إلى ما دونه الآخرين.

يكتب المؤلف خضير عباس عن محطات في رحلته مدونا تاريخ ميلاده في العام 1934 وتاريخ له مكانة لدى الشيوعيين العراقيين، انيو تأسيس حزبهم الشيوعي بقيادة يوسف سلمان يوسف (فهد) ورفاقه، ولد خضير عباس في مدينة السماوة والتي تسمى اليوم بمحافظة المثنى، تعلم من مو والده البساطة والتواضع الصدق وتعلم من والديه الطيبة إلى حد كبير ولم يلتحق بالمدرسة حتى أنه بلغ العاشرة سنوات من العمر، وتعلم في مدرسة السماوة مع زملاء له ومنهم عزيز الحاج علي (أبو فريد) واخرين عددهم بالاسم، وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية عام 1950 انتقل إلى متوسطة السماوة، في هذه المرحلة انفتحت لديه بوادر الدخول في عالم السياسة، وعمل بنشاط مع زملائه في تكوين أتحاد الطلبة العام حيث أن الفترة التي سبقت ذلك الدخول في معترك السياسة، كان النظام الملكي عام 1947 يتابع الح ب الشيوعي وزج بالكثير من الشيوعيين العراقيين في السجون والمعتقلات وبعد القبض على سكرتير اللجنة المركزية يوسف سلمان يوسف قدم ورفاقه للمحكمة وصدر الحكم بالإعدام شنقا، وبفضل التضامن الأممي خفف حكم الإعدام إلى السجن المؤبد والأشغال الشاقة، وبعد مجيئ حكومة نوري السعيد وحقده على الشيوعية والشيوعيين وبدفع من المستعمر البريطاني إعادة حكم الإعدام على فهد ورفاقه حسين الشبيبي وزكي بسيم ويهودي صديق وساسون دلال، ولكن الشيوعيين لن يستكينوا قط عن نضالهم، وفي عام 1951 اعتقل خضير عباس ورفيق دربه غازي موسى الخطيب بتهمة توزيع المنشورات الشيوعية في المدينة، ومن هنا بداية مشوار أ بو سهيل في المعتقلات والسجون من سجن بغداد المركزي إلى سجن بعقوبة وسجن نقرة السلمان الصحراوي، وخلال هذه الفترة في السجون تعرف على الكثير من قادة وكوادر الحزب، وكان السجون انا ذاك مدرسة لأعداد الكوادر الحزبية في تعليم الاقتصاد السياسي والفلسفة والاشتراكية العلمية تاريخ الحركة الشيوعية والعمالية العالمية، وكان التدريس على يد رفاق أكفاء متمكنين من أمثال حسقيل قوجمان وزكي خيري واخرين، وبعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 اطلق سراح السجناء السياسيين وخضير عباس من ضمنهم ويذكر عن أحداث 1959 عن مظاهرة حدثت في السماوة رافقتها أحداث دامية ذهب ضحيتها القائد العمالي الرفيق فشلان كاظم والطالب عبد الأمير عاشور، وكنت القوى الرجعية والاقلاع أعداء الشيوعية (يا أعداء الشيوعية أتحدوا )،كانوا يقومون بالاعتداءات والتجاوزات والتنكيل والاضطهاد والتصفيات الجسدية ورافقت هذه التجاوزات السمجة حتى ايام النظام الجمهوري وبعد الخلاص من النظام الملكي السعيدي، وكان نصيب الرفيق أبو سهيل الاعتقال التعذيب لكنه صمد أمام جلاديه كان متماسكا وبمبدئية عالية ملتزم بتوجيهات الحزب على الرغم من عدم قناعته بقسم منها ولديه ملاحظات عليها كان يطرحها بشجاعة وجرأة . وفي كتابه تطرق لعمليات هروب تمت في سجني بعقوبة ونقرة السلمان، وما رافق تلك العمليات من كتمان وحرص، ويذكر أنه في منتصف عام 1953 وبوشاية من أحدهم بقي مطاردا حتى سلم نفسه واحيلت القضية إلى المجلس العرفي، صدر القرار بسجنه خمسة سنوات، واستطرد في حديثه أنه قبل المحاكمة في 18_6_1953 حدثت مجزرة دموية ضدالسجناء السياسيين في سجن بغداد المركزي ذهب ضحيتها ثمانية شهداء وثمانين جريحا وجرى الاعتداء عليهم من قبل السجانة وقوات الشرطة وتم نقل السجناء إلى سجن بعقوبة المركزي، وتم استقبال السجناء القادمون من سجن الكوت بعد حدوث مجزرة بعد حدوث مجزرة بشعة في السجن، ولم يسلم الشيوعيين وهم في السجون من مجاز ترتكب بحقهم على يد الحكومات الملكية، ويتحدث أبو سهيل عن الهروب الذي جرى للسجناء، عن طريق المواجهة لعوائل السجناء ومن ثم جرى حفر نفق ردا وتحديا لحكومة نوري السعيد ووزارته، وشارك في حفر النفق كل من: اراخاجادور وجاسم التاجي وعمر علي الشيخو أكرم حسين وعلي الوتار ونجحت عملية الهروب، وهذه العملية أصابها الكثير من الغط والافتراء عدم المصداقية بالحديث عنها، وبعد عملية الهروب من سجن بعقوبة تم نقل عدد من السجناء إلى سجن نقرة السلمان الصحراوي خضير عباس من ضمنهم وهذا جرى عام 1954، ويشير الكاتب إلى وصف سجن نقرة السلمان والمعانات متحدث حول انشقاق في الحزب بقيادة جمال الحيدري ورفاقه، أصبح في السجن وجود فصلين أحدهما مع القيادة الشرعية والاخر مع المنشقين (راية الشغيلة) ورغم ذالك كيف كان السجن مدرسة حقيقية للاعدادات الكوادر الحزبية ذاكرا دور الشيوعي حسقيل قوجمان في محاضراته لتدريس الاقتصاد السياسي، وكان الجميع يتعلمون منه وضليعا كان في فهمه للماركسية وأستاذا متمكنا في فهمه للفلسفة والاشتراكي العلمية، بعد إطلاق سراح خضير عباس أواخر عام 1956 من السجن بعد أن تعرض للضرب المبرح من قبل السجانة وبإشراف من الجلاد عبد الجبار أيوب والمعروف بمعاداته للشيوعية وللشيوعيين العراقيين .

وبعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 , في يوم 16/7/ 1958 أطلق سراحه ومعتقلين اخرين بمتابعة من نقابة المحامين العراقين، وبعد خروجه من المعتقل عاد أبو سهيل لمزاولة مهمات الحزبية كمحترف للعمل الحزبي وقيادي لمنظمة السماوة في الحزب، وكان الرفيق أبو سهيل شجىعا في طرحه لاراء الشيوعيين ومواقفهم المبدئية، وفي عملية التحالف مع البعث وقيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمية العراقية عام 1973، اتخذت اللجنة المركزية قرار بفتح مدرسة حزبية لأعداد الكوادرالحزبية وكلفت الرفيقخضير عباس مديرا لإدارة المدرسة، وهذه المدرسة كانت تقوم بتدريس المواد التالية: الاقتصاد السياسي، والفلسفة المادية الدايلكتيكية وقوانينها والمادية التاريخية والاشتراكية العلمية، وتاريخ الحركة العمالية العالمية وتاريخ الحزب الشيوعي وبرنامجه ونظامه الداخلي، درس الكثير من الرفاق من المحافظات في المدرسة، هنا لابد من الإشارة إلى الدور الذي لعبه خضير عباس والرفاق المحاضرين في أعدادالكوادر الحزبية على نهج المدرسة الحزبية السوفيتية وفي البلدان الاشتراكية في إعداد الكوادر، وكتابه يشير إلى عمليات الأندلسي الحزب وما كلفته من خسارة كثير من الرفاق الثورين من أمثال ستار خضير وشاكر محمود ومن الكوادر المهمة محمد الخضري (أبو سلام) من خلال عملية جرى أختطافه وهو ذاهب إلى حفل للمشاركة في يوم الحادي عشر من آذار ارحا كيف حدث ذلك (اترك المعلومات المهمة التي ذكرها في كتابه للقارئ لاهميتها التاريخية) وفي كتابه واعتزاز بالشهيد محمد الخضري نشر في كتابه قصيدة كامل الركابي ينعي بها الشهيد، وجاء في كتابه حول خط آب اليميني التصفيات عام 1964 وبشجاعته المعهود ومواقفه المنسجمة مع النهج الثوري للطبقة العاملة ادان هذا التوجه . واخيرا اريد ان اقول بأن المناضل خضير عباس وغيره من الشيوعيين الوطنيين لا زالوا متمسكين بمبادئ الماركسية اللبنانية الاممية البروليتارية حبهم لوطنه العراق، لقد تحمل أبو سهيل وعائلته الكثير من المعانات كان لايزال يد عراقا حرا بدون الأجنبي الغاصب للوطن وثرواته وأن يتمتع شعبه بسعادة وأمن واستقرار.

انصح انصح كل من يريد معرفة تاريخ الحزب ونضاله وشهدائه أن يطلع على هذه الصفحات المطوية في كتاب (أورا الذاكرة) لخضير عباس محمد أبو سهيل .

***

محمد جواد فارس

طبيب وكاتب

في المثقف اليوم