آراء

السياسيون يقولون.. "الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن"

في مقالته المنشورة بصحيفة الأندبيندنت بعنوان (كيف تحولت بغداد الى مدينة للفساد) يذكر الكاتب البريطاني (كوكبورن) انه كان في العام 2013 يتمشى بشوارع بغداد (فأحسست بألم وأنا ارى شعارا مكتوبا على لافتات سوداء بساحة الفردوس: "الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن")!.

هذا يعني ان هذا الكاتب الأجنبي ادرك، من ذاك الوقت!، التناقض الحاد بين قيم الأمام الحسين وبين من تولى السلطة في العراق ويدّعون انهم حسينيون. فحينذاك كانت ميزانية العراق تقارب ترليون دولار.. اي ما يصل حاصل جمع ميزانيات العراق خلال ثمانين عاما!، وحينذاك ايضا كانت زخة مطر قد اغرقت بغداد (عاصمة الثقافة العربية حينها!)، وجعلوا بغداد الجميلة العاصمة الأسوأ في العالم.

والمخجل، ان من حكم العراق ثمان سنوات (2006-2014)، الشيعي الحسيني، صرح علنا بقوله (لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها).. وما كشفها، لأنه لو فعل لهدده الخصوم بانهم سيكشفون حيتان حزبه (الحسينيين!) ان كشفهم.. وتلك في قيم الحسين وأبيه خيانة أمانة وجريمة لا تغتفر. ومع ذلك يقول للناس بأنه يسير على منهج الحسين، ما اثار سخرية حتى الأجانب.. بل أنه صرّح في (2022) بالنص: (اتحدى اي واحد ان يجد دينارا واحدا اودولارا في كل بنوك العالم مسجلا باسمي!).

الحسين.. ما كان شيعيا!

للأسف، اننا لم نقدم الحسين الى العالم بمضمونه الانساني بوصفه ثائرا مطالبا بتطبيق قيم الحق والعدالة الاجتماعية والوقوف بشجاعة بوجه الظلم والقهر والاستبداد وحيثما كان هنالك نظام يحتكر السلطة والثروة ويحرم الفقراء من حقهم في ثروات وطنهم، بل قدمناه بوصفه رجل دين ثار من اجل قيم دينية. ومؤسف أكثر اننا جعلنا هذا الحدث التاريخي محصورا بطائفة الشيعة، مع ان ثورة الحسين ما كانت طائفية ولا محسوبة لجماعة معينة، بل كان فيها الحجازي والشامي والعراقي واليمني.. والمسلم والمسيحي.. ويبدو أن السبب في ذلك ما كان عراقيا، بل ايرانيا لأسباب وثقّها التاريخ ويطول شرحها.

قيم الحسين من قيم ابيه

كان الامام علي قد سبق علماء النفس والأجتماع السياسي في تحديد مواصفات الحاكم في وثيقة العهد لمالك الأشتر النخعي التي تبناها الأمام الحسين يوم خرج طالبا الأصلاح في أمّة جده، سناخذ قيمتين فقط من (16) تضمنها ذلك العهد،

الأولى: حدد الأمام علي مواصفات الحاكم، بالنص:

(تقوى الله وايثار طاعته واتباع ما امر به، اختيار أفضل الرعية للحكم " اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك- مقولة الأمام علي"، الأستعانة بأهل الخبرة في طلب المشورة، اكرام العلماء ومجالستهم.. وانتهاءا بالحلم وسعة الصدر وعدم التسرع في اتخاذ القرارات).

والتساؤل: أي من هذه القيم تبناها من يدعون انهم احفاد الحسين وأخلص شيعته الذين حكموا العراق من عام 2006؟.هل اختاروا افضل الرعية للحكم؟ وهل استعانوا بأهل الخبرة واكرموا العلماء، ام انهم اختاروا ابناء عوائلهم واقاربهم وان كانوا لا يملكون شهادة ولا خبرة ولا كفاءة.. بينها تعيينهم سفراء كثير منهم لا يصلحون موظفين عاديين!؟.وهل اكرموا العلماء ام اضطروهم الى ان يهاجروا لتستفيد منهم دول تقدّر دور العلم والعلماء في تطويربلدانهم؟

والثانية: حدد الأمام علي سلوك الحاكم مع الرعية، بـ(العدل والانصاف في التعامل، عمارة الأرض، اعتماد مبدأ التدرج الوظيفي، عدم اشعار الرعية بالمنية، مراقبة دور الحاشية والمتملقين والمنافقين، ستر عيوب الناس، الأصغاء للعامة من الناس، وانتهاءا بالأبتعاد عن الغضب المؤذي والقسوة).

والتساؤل ثانية: هل اقتدى حكام الخضراء من الذين يدعون انهم احفاد الحسين واخلص شيعته بهذه القيم، ام انهم كانوا بالضد منها؟. وهل تعاملوا بالعدل والأنصاف مع الرعية ام كانوا طغاة مستبدين، وبينهم قتلة وقادة ميليشيات؟.و هل عمرّوا الأرض أم جعلوا الوطن خرابا؟

ان واقع حال عهد حكام احزاب الأسلام السياسي (الشيعية تحديدا) هو بالضد من تلك القيم التي تؤكد على قيم العدالة بين الناس في امورهم المعيشية والخدمية، وان لا يفرّق الحاكم بين احد من الرعية على اساس القرابة او الطائفة او العشيرة، ولا يعتبر ما يجبى من زكاة وخراج (ثروة الوطن) ملكا خاصا به.. يشتري بها الضمائر والذمم ويسخرّها لمصلحته، وينفقها على ملذاته واشباع رغباته الدنيوية الزائلة، فيما المعروف للجميع أن المسؤولين الذين يدعون (حسينيون) اشتروا البيوت الفارهة في عواصم عربية وعالمية وبنوا فنادق فخمة وهم كانوا معدمين!.يؤكد ذلك ما قاله السيد عادل عبد المهدي (منهم بيهم!) في فضائية الحرة عراق (ان موازانات العراق منذ 2003 بلغت 850 مليار دولارا معظمها تبدد بالفساد).. والرقم بالدينار العراقي هو 1062 وامامه 11 صفرا!.. وتاكيد خبراء اقتصاديين بقولهم .. لو استردت المبالغ المسروقة لكانت حصة الفرد العراقي الواحد منها (50) مليون دينارا!، والباقي يعمّر به الوطن الذي حولوه خرابا.

والحقيقة التي سيوثقها التاريخ أن اقبح وأوقح من حكم العراق في تاريخه السياسي هم شيعة رفعوا شعار.. "الحسين منهجنا لبناء المواطن والوطن".. سخر منهم الأجانب وهزج العراقيون ضدهم مرددين (الله وأكبر ياعلي الأحزاب باكونه!).

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في المثقف اليوم