آراء

هل روسيا بحاجة الى "النوايا الحسنة" مع زيلينسكي؟

لم نتفاجأ مطلقا بالحملة الإعلامية الغربية الدائرة الان عن "نصر اوكراني زائف" في ضواحي مدينة خاركوف، وكما كان متوقعا، فالجميع يعرف ان الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة، يمن النفس في تحقيق أي نصر، حتى وان كان بسيطا في احدى القرى او القصبات على طول خطوط الجبهات المتعددة من القتال، لتبدأ بعدها امبراطوريات الاعلام " المزيف " بدورها، في تصوير الأمور على الشكل الذي يريدونه من خلال الكم الهائل من المعلومات المزيفة والمضللة، ليبرر الغرب لمجتمعاته سبب كل هذا " الاغداق " الغير مبرر بالمال والسلاح لنظام يعرفه مسبقا بانه مهزوم لا محالة، وكرس لذلك كل جهوده خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وبدأ بإرسال الأسلحة والخبراء والمرتزقة.

وبدأت تتكشف المعلومات الحقيقية، وعلى لسان الاعلام الغربي نفسه، الذي روج في البداية عن خسارة القوات الروسية ما يعادل 3 آلاف كلم و30 قرية، بعدها تقلصت المسافة الى ألف كلم مربع، وأخيرا توقف الرقم عند 500 كلم، وهو ما يشكل 1 بالمئة من الأراضي الأوكرانية التي يسطر عليها الجيش الروسي والتي تبلغ اكثر من 140 ألف كيلو متر مربع، وان القوات الأوكرانية باتت على بعد 50 كلم، ويرفض " المهرج " الاوكراني زيلينسكي، الذي يعيش دور الانتصار " المزعوم " ذكر أسماء القرى التي تمت استعادتها (لأنها سر من الاسرار العسكرية الاوكرانية)

ومنذ البداية لم تخف وزارة الدفاع الروسية، الامر، وأعلنت رسميا عن قرار "إعادة " تجميع القوات الروسية المتمركزة في منطقتي بالاكليا وإيزيوم من أجل تكثيف الجهود في اتجاه دونيتسك، وجرت معارك ضارية في اتجاهين رئيسيين في الفترة من 6 إلى 10 سبتمبر، بلغت خسائر التشكيلات المسلحة الأوكرانية فيها أكثر من 4 آلاف قتيل وأكثر من 8 آلاف جريح، ويشرح الخبراء العسكريون هذه الخطوة بالحاجة إلى تركيز القوات بأسرع ما يمكن على الأماكن الحاسمة حيث يُتوقع اشتداد الأعمال العدائية، و في غضون ثلاثة أيام، تم تنفيذ وفقا لوزارة الدفاع عملية لنقل مجموعة Izyum-Balakley من القوات من منطقة خاركوف إلى أراضي جمهورية دونيتسك، وأنه خلال هذه العملية، تم تنفيذ عدد من أنشطة التشتيت والتظاهر مع تحديد الإجراءات الحقيقية للقوات، في الوقت نفسه، من أجل منع إلحاق الضرر بالقوات الروسية، تم توجيه ضربات قوية للعدو باستخدام الطيران وقوات الصواريخ والمدفعية، وإنه نتيجة لذلك، تم تدمير أكثر من 2000 مقاتل أوكراني وأجنبي، بالإضافة إلى أكثر من 100 قطعة من المركبات المدرعة والمدفعية.

الخبراء العسكريون المحايدون يقللون من أهمية النجاحات البسيطة التي حققتها القوات الأوكرانية في هذه المنطقة، ويؤكدون انه لا مجال للحديث عن هزيمة الجيش الروسي، إنما ينبغي ببساطة استخلاص استنتاجات من هجوم القوات المسلحة الأوكرانية المضاد، ويرى الخبير العسكري فلاديسلاف شوريغين، انه من الواضح بالفعل أنه كانت هناك استهانة بالعدو، ثم لوحظ التردد لفترة طويلة، فكان الجميع يتساءلون عما إذا كان الهجوم سيحدث أم لا، ثم بدأ الانهيار، " عانينا من مشكلة في الوقت، فلم يكن لدينا وقت كافٍ، ولم نجد أنفسنا في اللحظة المناسبة في المكان المناسب "، وان الانسحاب الروسي من تلك المناطق هو قرار صائب لتجنب خسائر اكبر، وللحيلولة دون تطويقها، خصوصا اذا ما علمنا ان عدد القوات الاوكرانية والمرتزقة الأجانب المهاجمة، تبلغ 8 أضعاف من القوات الروسية المتواجدة في تلك المناطق، والسؤال هو، هل ان هناك شيئا خطيرا قد حدث؟، والجواب بالطبع لا، إنما كانت هناك ضربة عملياتية الآن، ينبغي وقف هذا كله، واستخلاص استنتاجات وتصحيح الأخطاء.

كما أن خسارة إحدى القرى خلال المعارك لا تعد خسارة لمعركة وإنما جزء من مخطط أوسع لإخراج القوى والمعدات لمنطقة أسهل للتعامل مع العدو، ويؤكد القادة الروس أن المعارك الأخيرة، كانت شركا معدا خصيصا لخروج قوات العدو بكامل عتادها وتعدادها لتقييم الموقف، ووفقا لبعض التقارير، فقد تقدم الجيش الأوكراني لمسافة 30 كيلومترا، حيث دخل بالاكليا دون أن يكون هناك تأكيد على السيطرة الكاملة على هذه المدينة، بينما يدور القتال بالقرب من شيفتشينكوفو، أما منطقة كوبيانسك فقد تم صد هجوم العدو بالكامل، وتقع المدينة تحت سيطرة القوات المسلحة الروسية بشكل تام، ودفع الجيش الاوكراني على " مغامرته " هذه نحو 5 الاف من قواته .

وزير الدفاع السابق لجمهورية دونيتسك إيغور ستريلكوف، أعرب عن اعتقاده، بأن انسحاب القوات في هذه الحالة قرار صحيح ومنطقي تماما، وأن الطريق الرئيسي الذي يربط إيزيوم بالأراضي التي تسيطر عليها القوات المتحالفة قد تم إطلاقه من قبل القوات المسلحة الأوكرانية، وكان هناك تهديد بقطعها، وبالتالي تطويق القوات الروسية، ويشير الى إنه يدرك أن الانسحاب المتسرع سيكون مصحوبا حتما بخسائر كبيرة في المعدات وخسائر بين الجنود، ولن تستطيع الوحدات المنسحبة أن تأخذ معهم الذخيرة المخزنة هنا والوقود وكل شيء آخر، لذلك لن يتمكنوا من الانضمام إلى المعركة فور الانسحاب، لذلك فان انسحاب التجمع المحاط بقرار استراتيجي صحيح رغم كل الخسائر المصاحبة، وان الوحدات والتشكيلات المحفوظة بعد إعادة التنظيم والتجديد ستتمكن مرة أخرى من الانضمام إلى المعركة.

واليوم بدأ الحديث عن التدخل الغربي المباشر، فقد كشف رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي مارك وارنر عن دور محوري للاستخبارات الأمريكية في العمليات العسكرية الأخيرة للقوات الأوكرانية بمقاطعة خاركوف، وأشار إلى أن الدعم الهائل من الولايات المتحدة وبقية الحلفاء في الناتو أسهم في تقدم القوات الأوكرانية.. هذا ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أمريكيين تأكيدهم ارتباط العمليات العسكرية الأوكرانية بالتخطيط الغربي والدعم الاستخباراتي والتقني، بالإضافة الى التعزيز الغربي لتواجد المرتزقة من بلدانها الى جانب القوات الأوكرانية .

الفائدة الكبيرة للتطورات الأخيرة، والتي جنتها روسيا من المعركة الأخيرة، ارتفاع أصوات روسية، تدعو قياداتها للانتباه الى " نواياها الحسنة " التي تبديها منذ بدء العملية الخاصة في أوكرانيا، ففي الوقت الذي يحاول الغرب تدمير روسيا وقتل شعبه، وتزويد أوكرانيا بكل ما تحتاجه لتحقي هذا الهدف، في المقابل ترفض القيادة الروسية استهداف البنى التحتية كمحطات القطارات والطاقة الكهربائية وشبكات الانترنت كجزء من اهداف تعطي القدرات العسكرية، فالجيش الأمريكي عندما بدأ معاركه في العراق عام 2003، حرم على العراقيين كل شيء يسهم في ديمومة الحياة وتدمير محطات الماء والكهرباء والجسور والبنايات وكل شيء تطولها صواريخهم، وحتى الملاجئ التي كانت تأوي المدنيين، وحرمان العراقيين حتى من نومهم في المساء، وكانوا يتعمدون بدء غاراتهم وضرباتهم مع بداية منتصف الليل، ولم يفكروا بأي من " النوايا الحسنة " تجاه الشعب العراقي .

كما ان " النوايا الحسنة " الروسية، جعلت وزير الخارجية الأمريكي وغيرهم من الحلفاء من المسئولين الغربيين ان يتجولوا في العاصمة الأوكرانية " كالمطايا " خلف المهرج، دون خوف او وازع يمنعهم من الزيارة، على اعتبار ان الأجواء الأوكرانية تقع تحت سيطرة القوات الجوية الروسية، بالإضافة الى ان جميع محاور النقل والجسور آمنة وسليمة، وبعد ذلك يتم إحضار كل هذه العناصر العسكرية في الرتب مباشرة تقريبًا إلى مقدمة الجبهة، تحت ستار عدد مذهل من "إشارات حسن النية".

والملاحظ ان القوات الروسية، قامت بحماية السكك الحديدية والبنية التحتية الأخرى لأوكرانيا بعناية، مما جعل من الممكن باستمرار ضخ القوات المسلحة لأوكرانيا بأسلحة غربية حديثة وإمدادات الذخيرة والوقود ومواد التشحيم للمجموعات على الجبهتين الشرقية والجنوبية، وتسهيل مناورة الاحتياطيات، ونقلها من منطقة خيرسون إلى منطقة خاركوف، والآن لدى أوكرانيا، أسلحة صاروخية بعيدة المدى عالية الدقة، والتي تسمح له بتحطيم الجسور والمعابر، التي يعتمد عليها إمداد المجموعات الروسية.

وبالتالي أدى كل هذا، إلى حقيقة أن القوات المسلحة الأوكرانية كانت قادرة بالفعل على تجميع قبضة يد قوية بهدوء والذهاب الى الهجوم المضاد، بعد تحقيق نتائج تكتيكية خطيرة بشكل استثنائي، والآن المبادرة إلى جانبه، ويؤكد المراقبون الروس انه وبغض النظر عن العواطف، فإن الطريقة الوحيدة ولتجنب مفاجآت الحرب، هو تبني استراتيجية كاملة في أوكرانيا هي الانتقال من العملية الخاصة إلى الحرب الشاملة، ويفضل أن يكون ذلك بإعلان قانوني عنها في كييف .

وسيضع هذا رعاة نظام زيلينسكي في مأزق، سواء أصبحوا معارضين رسميًا لقوة نووية أو يتوقفون عن إمداد القوات المسلحة الأوكرانية بالأسلحة، وكذلك ان حقيقة أن النصر الواثق والسريع يتطلب زيادة في عدد المشاة بما لا يقل عن 300-400 ألف شخص لا تثير أدنى شك، الحقيقة هي أنه يمكن تحقيق زيادة في عدد القوات البرية وبدون تجنيد عام، وكذلك على حساب المتطوعين المتعاقدين، من الضروري البدء في تشكيل فيلق عسكري جديد لتعزيز الفيلق الثالث الذي تم إنشاؤه بالفعل يجب زيادة الحد الأدنى لفترة العقد إلى 1-2 سنوات.

وبغض النظر عن التكتيكات التي ستتبعها القوات الروسية للمرحلة المقبلة، فإن كل الدلائل تشير الى ان معارك خاركوف ستكون نهاية عرض " المهرج " لمسرحيته على خشبة ساحة المعارك، لأن ما في جعبة النازية الامريكية الأطلسية، قد نفذ في هذا الهجوم المضاد الذي أعد له منذ ثلاثة أشهر، والزج بموارد بشرية في أتون محرقة، وتسليحية ضخمة من الأسلحة، والدعم المعنوي وتسخير الماكنة الإعلامية بكل قنواتها، ليخرج الهجوم بهذه النتيجة المتواضعة، وضحايا وصلت حتى الان بنحو 12 ألف بين قتيل وجريح، وقوات غمرت بدخول عش "الدبور" بدون غطاء جوي، وهذا هو الانتحار بعينه .

ومخطأ من يعتقد ان "النصر المزعوم" الذي يهلل له الغرب بهذه الضخامة، وكأنهم حرروا أوربا كلها، متناسين ان المعارك لا زال مستمرة، ولم تحسم بشكلها النهائي، وقوادم الأيام بالتأكيد ستكون " حبلى بالمفاجآت، لأن العملية العسكرية تقسم إلى مراحل، ولا يهم في ذلك كثيرا أن تبسط روسيا سيطرتها على تلك المنطقة الصغيرة أو غيرها في أوكرانيا، وتحذير نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف، من أنه "إذا استمر الحمقى في ضخ أخطر الأسلحة لنظام كييف، فإن العملية العسكرية الروسية ستنتقل إلى مستوى آخر عاجلا أم آجلا"، وأنها ستسير على السيناريو العسكري الخاص بها، وستشمل المشاركين الجدد فيها"، تحمل ابلغ المعاني .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم