آراء

منظمة شنغهاي للتعاون والدور العالمي الجديد

قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي أختتمت في سمرقند الأوزباكستانية،، وهي المرة الأولى منذ بداية الوباء، يجتمع فيها قادة دول منظمة شنغهاي للتعاون شخصيًا (وهم قادة روسيا والصين والهند وباكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان)، بالإضافة إلى ذلك، حضر القمة ممثلو الدول الأخرى التي اصبحت أعضاء في المنظمة كالرئيس الإيراني والبيلاروسي والتركي، وممثلو الدول التي قبلت عضويتهم كشركاء للحوار من بينها خمس دول عربية، أعتبرها المراقبون بمثابة حكم على العالم أحادي القطب، وفي أي اتجاه ستتطور مؤسسات التعاون الدولي الجديدة وما هي المبادئ التي ستشكل أساس المستقبل.

وأظهرت القمة ملامح التنظيم الجديد للقوى التي تسعى إلى التعاون بدون الغرب، وتركيبة ومكانة وعدد المشاركين في القمة، فهناك خمس دول أخرى مستعدة للانضمام إلى أكثر من عشرين دولة في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي مصر وقطر والمملكة العربية السعودية والبحرين وجزر المالديف، ووقعت إيران على مذكرة انضمام، وكذلك بيلاروسيا، ويشير المركز العلمي AFB في مذكرته التحليلية إلى أنه "على أساس منظمة شنغهاي للتعاون، تم تشكيل منظمة دولية جديدة غير متخصصة، والتي ستتولى حتما جزء من وظائف الأمم المتحدة".

ومن ناحية أخرى، لا يمكن لتفعيل منظمة شنغهاي للتعاون إلا أن يزعج الغرب، لذلك، على الرغم من أنه ينم عن نظريات المؤامرة، فمن المحتمل أن هذه التفاقمات ليست عرضية، ويعتقد ديمتري جورافليف، المدير العام لمعهد المشكلات الإقليمية، أنه في ظل الظروف الحالية، قد تتحول منظمة شنغهاي للتعاون إلى كتلة عسكرية وسياسية واقتصادية كاملة، على الرغم من الخلافات بين الدول الأعضاء، وأن هناك فرصة كبيرة لأن تصبح منظمة شنغهاي للتعاون أحد مراكز العالم متعدد الأقطاب، حيث ليس لدي أي هيكل عسكري سياسي آخر في العالم بعد نهاية حلف وارسو، عدم معارضة الناتو، فعلى الأقل يتناسب معها، هذه رابطة اقتصادية وعسكرية وسياسية على حد سواء، على عكس، EAEU، وهي كتلة اقتصادية بحتة ولا تناقش القضايا العسكرية.

وحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان لافتا بشكل كبير، فقد نجح وخلال يومين من عقد سلسلة من الاجتماعات الثنائية مع رؤساء الدول، والتقى برئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ورؤساء أذربيجان إلهام علييف، وقيرغيزستان - صدير جاباروف، تركمانستان - سيردار بيردي محمدوف، إيران - إبراهيم رئيسي، والرئيس الجديد لمجلس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، ووقع أكثر من 40 وثيقة، وتم النظر إلى المحادثات بين رئيس الاتحاد الروسي والرئيس الصيني شي جين بينغ، والمخصصة للتعاون بين البلدين والوضع في أوكرانيا، في الولايات المتحدة وأوروبا بقلق بالغ، وإدراكا منها أن محاولة عزل روسيا جعلها أقرب إلى القوى الشرقية، ووفقًا للاتفاقيات التي تم التوصل إليها وناقل تطور الأحداث، قد يسجل الحدث في التاريخ باعتباره يالطا الثانية، وفي الواقع، هناك اليوم في سمرقند دول قررت تغيير مستقبلها، والآن سيتعين على روسيا العودة إلى سياسة التصنيع بوتيرة جادة بالفعل في النظام التكنولوجي الجديد.

كما وناقش الرئيس بوتين، خلال لقاء مع رئيس تركيا، نتائج صفقة الحبوب ومراجعتها المحتملة، مشيرًا إلى أن أنقرة ستبدأ قريبًا في دفع 25٪ من تكلفة الغاز بالروبل، وتتجلى مصداقية اتفاقيات الشراكة من خلال التشغيل المستمر لخط أنابيب الغاز التركي ستريم ونمو التجارة بين البلدين، كما تطرق الرئيس الروسي إلى الموضوع المهم المتعلق ببناء Akkuyu NPP، ومن بين الوثائق الموقعة بعد نتائج الاجتماعات الثنائية، لا يمكن لأحد أن يفشل في ملاحظة إنشاء خط أنابيب الغاز Power of Siberia-2 بالتعاون مع منغوليا والصين، ووفقا له، من المهم فهم المبادئ الجديدة لمنظمة شنغهاي للتعاون فيما يتعلق بمصطلح "التنمية المستدامة"، والتي، وفقا لمهندسي المنظمة، تقوم على أساس التعاون متبادل المنفعة.

الرئيس الروسي أراد ان يجعل من مكان عقد قمة سمرقند، ببعث رسالة الى العالم الغربي والامريكي والبريطاني على وجه الخصوص، بأن لا أحد بإمكانه عزل روسيا، وهو (أي الرئيس بوتين) ونظرائه المجتمعين، عازمين على تطوير وتعزيز التعاون بينهما بعيدا عن الاملاءات الخارجية، وسياسة القطب الواحد، كما استغل الوضع بتلخيصه  في لقاءه مع الصحفيين، بالتحدث عن مسار العملية العسكرية الخاصة، وتقييم آخر الأحداث الدولية، فالجميع ينتظر " وبشغف كبير"، ما يريد قوله الرئيس الروسي بعد التطورات العسكرية الأخيرة في خاركوف، فقد حذر الرئيس بوتين، كييف من الرد على محاولة شن هجمات إرهابية في روسيا، وأن القوات الروسية قصفت مؤخرا بعض المناطق الحساسة على الأراضي الأوكرانية، وأنه سيتم اعتبار ذلك مجرد تحذير، مشددا في الوقت نفسه على انه لن يتم تعديل خطة العملية العسكرية في أوكرانيا، على الرغم من الهجوم المضاد للقوات المسلحة الأوكرانية، وعلى أنه "على الرغم من هذه المحاولات للهجوم المضاد من قبل الجيش الأوكراني، فإن عملياتنا الهجومية في دونباس نفسها لا تتوقف، فهي جارية"، وان الخطة لا تخضع للتعديل، فهيئة الأركان العامة تتخذ قرارات عملياتية في سياق العملية، وهناك ما يعتبر أساسيا، والهدف الرئيسي هو تحرير إقليم دونباس بأكمله " وسيستمر هذا العمل على الرغم من محاولات الهجوم المضاد من قبل الأوكرانيين".

والملف الثاني والمهم هو ملف الغاز، الذي حرص الرئيس الروسي على توضيح ملابساته، والاشارة الى أن أزمة الطاقة في أوروبا بدأت قبل إطلاق العملية العسكرية الخاصة في دونباس، ودعا الدول الأوروبية لرفع العقوبات عن مشروع "السيل الشمالي-2" (أنبوب غاز من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع البلطيق) في حال "نفد الصبر" (بسبب أزمة الغاز)، وأكد بوتين أن روسيا ليست مذنبة في حدوث أزمة الغاز في أوروبا، ودعا الدول الأوروبية في التفكير في سبب وقوعها والوقف عن إلقاء اللوم على روسيا، وأشار إلى أن الأزمة حدثت نتيجة الإجراءات والعراقيل التي وضعتها الدول الغربية، وقال إن بولندا وضعت تحت الحصار خط الأنابيب "يامال أوروبا"، أما أوكرانيا فقد أغلقت خطا من أصل خطي غاز يمر عبر أراضيها، فيما تحتاج توربينات في "السيل الشمالي-1" إلى صيانة، والتي تعرقلها العقوبات الغربية، وخاطب الغربيون "عليكم بفتح "السيل الشمالي-2" يكفي أن تضغطوا على الزر " .

وحقيقة عقد القمة بهذا الشكل الكبير على خلفية تدهور العلاقات بين روسيا والعالم الغربي، تتحدث ببلاغة شديدة عن حقيقة أن بناء التعددية القطبية التي يتحدث عنها فلاديمير بوتين في كثير من الأحيان على قدم وساق، فمن ناحية، يعلن الأمريكيون والأوروبيون العزلة الكاملة لروسيا، من ناحية أخرى، حتى في التكوين الحالي لمنظمة شنغهاي للتعاون، فهي تستحوذ على ربع مساحة الأرض على الأقل، ويتجاوز عدد سكانها ثلث الكوكب، وهذا لا يشمل المراقبين وشركاء الحوار، بما في ذلك أذربيجان وأرمينيا وكمبوديا وسريلانكا وتركيا وغيرها.

وفي ظل هذه الخلفية، فإن دور منظمة شنغهاي للتعاون سيزداد حتما، يمكن أن تصبح هذه المنظمة منصة تتجاوز الإطار الإقليمي وتبدأ في التأثير على العمليات العالمية، وصرح الأمين العام السابق لمنظمة شانغهاي للتعاون، رشيد عليموف، بأنه في الوقت الحالي يوجد حوالي 10 طلبات للحصول على عضوية أو صفة مراقب بالفعل على "سطح المكتب" للدول الأعضاء في المنظم، ووفقا له، فإن منظمة شنغهاي للتعاون تجتذب بمثلها ومبادئها، "كونها ليست اتحادا عسكريا وسياسيا ولا اقتصاديا"، وأن قوة المنظمة تكمن في المساواة والوحدة بين أعضائها، بغض النظر عن الحجم والإمكانات الاقتصادية، فضلاً عن المصلحة المشتركة في حل المشكلات الحادة بشكل مشترك، حتى تتمكن منظمة شنغهاي للتعاون من العمل كنموذج أولي للعلاقات الدولية المستقبلية .

ومع ذلك، فإن ما يسميه الأمين العام السابق إيجابيات، يعتبره بعض الخبراء ناقصًا، يوبخ منظمة شنغهاي للتعاون لكونها غامضة للغاية، بالإضافة إلى ذلك، تضم المنظمة دولًا ذات مصالح متضاربة للغاية، مثل الهند وباكستان أو الصين والهند، وعشية القمة في 14 سبتمبر، بدأ تصعيد على حدود طاجيكستان وقيرغيزستان، و تفاقم آخر عشية القمة هو بين الدول الشريكة في منظمة شنغهاي للتعاون، أرمينيا وأذربيجان، لهذا السبب، قرر الرئيس الأرميني نيكول باشينيان عدم القدوم إلى سمرقند، على الرغم من أنه خطط في الأصل للقيام بذلك.

العديد من المنظمات الدولية تفقد أهميتها اليوم، على سبيل المثال، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي لم يتبق منها سوى قوقعة واحدة، وينتقد الكثيرون الأمم المتحدة لكونها بطيئة وبيروقراطية الغرب، من ناحية أخرى، يقوم بتشكيل منظمات جديدة - QUAD أستراليا، الهند، الولايات المتحدة الأمريكية واليابان-، " وناتو الشرق الأوسط "، وتخلق بريطانيا تكتلها الخاص في أوروبا الشرقية حيث تضعف المنظمات الدولية القديمة، وتبدأ منظمات جديدة في الظهور، ولا يزال من الصعب تحديد ما سيأتي منها، لكن الغرب بدأ بالفعل هذه العملية، والأهم من ذلك، في المجال العسكري، ونرى أن الولايات المتحدة تشكل في المقام الأول تكتلات عسكرية ثم تكتلات اقتصادية فقط، لذلك، وإذا تحدثنا عالميًا، فإن منظمة شنغهاي للتعاون هي نوع من الجماعات التي يجب على الغرب أن يحسب لها حسابًا، وانهيار منظمة شنغهاي للتعاون هو حلم أمريكا اليوم.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم