آراء

نجاح التوافقية الطائفية وسقوط التعددية

لم تختلف سياقات انتخاب رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد عن سابقتها في الأسلوب حيث اعتمدت على طريق الاتفاق بين الكتل نفسها في طرح أشخاص ويتم التصويت على المرشح او المرشحين الذي يتفق عليهم خلف الكواليس وتطرح الاسماء ويتم التصويت على ما تريده الكتل توافقاً في مجلس النواب، أن الآمال كانت معقودة في ان يكون للشعب الرأي في ذلك بعد ان تم تغيير نظام الحكم وشهد العراق انفتاحا " ديمقراطيا" واتجاها واضح نحو التعددية الحزبية بعد تجربة طويلة ومريرة وهيمنة نظام الحزب الواحد  وهو" حزب البعث العربي الاشتراكي "كما كان يسمى واستمر 35 عاما من الحكم المركزي  الدكتاتوري الشوفيني إلا أن الأحلام تبددت وأفرزت تطورات سقوط ذلك النظام المجرم حراكا سياسيا وظهرت في الساحة السياسية أحزاب وهياكل تنظيمية بمسميات متعددة بعضها إسلامي معتدلة وطائفية والآخرة علمانية وقومية وطائفية وشهدت معظم الحكومات التي تولت الحكم بعد إقرار الدستور اهتزازات عكست ضعف التحالفات التي شكلتها في مجلس النواب بعد عام 2003 .و تزدحم الساحة السياسية في العراق الان بأعداد كبيرة من الأحزاب والتشكيلات السياسية، بعض هذه الأحزاب كبيرة وقوية ولها تأريخ طويل وخبرة في مجال العمل السياسي وعملت في صفوف المعارضة وبعضها الآخر يفتقد الى تلك التجربة وبعضها الآخر صغيرة وضعيفة لاتحمل من معنى الحزب سوى الاسم .

ان نظام تعدد الأحزاب يعتبر مظهر من مظاهر الحريات العامة. حيث انها تمكين المواطن من الاختيار بين الاتجاهات السياسية المختلفة كإحدى الحريات العامة الأساسية. أما حرمان المواطن من حق الاختيار فهو يعتبر للقضاء على أحد اركانها، لان الحرية تقوم على تمكين الفرد من الاختيار، وتنشأ الأحزاب عادة لأداء وظيفة تحتاجها الدول والمجتمعات المعاصرة. وتبرز أهمية النظام الحزبي بشكل أكبر في الأنظمة السياسية الديمقراطية, حيث يتم نقل السلطة سلمياً. نجاح أي تجربة لأي حزب ما يعتمد على القدرة على تقديم مشروع استراتيجي لإدارة الدولة بشكل منفرد او بتحالف مع احزاب اخرى تشترك في جزء من مشروعه. وتعتبر الحريات العامة هي ضمان للحريات الأخرى، إذ يسمح للأحزاب المعارضة بمراقبة السلطة الحاكمة كشف أخطائها ما يجري  ونشرها على الرأي العام. وهذا يحافظ على  الحريات من الكثير من الانتهاكات.

من المعلوم أن أهم أهداف العملية الانتخابية في أي نظام برلماني هو تشكيل حكومة وفق نتائج الانتخابات وتكون الحكومة مختلفة عن سابقتها في العادة سواء في النهج أو الأداء ولكن في الواقع العراقي اختلف الأمر، فلم تشكل اي حكومة على ضوء نتائج الانتخابات ولم تكن للكتل الفائزة اي اعتبارات ودائما ما كان مجلس النواب هو الأضعف في معادلات  تشكيل الحكومات السابقة وكان رئيس الكتلة القرار الأول والأخير وقد غابت نتائج العملية الانتخابية عن دورها في القياسات المتداولة والمعتمدة في العالم وعلى ضوء تلك الانتخابات، بمعنى  آخر ان لا أغلبية سياسية حاكمة ولا أقلية سياسية معارضة، لاشك ومن المعلوم فأن تميز النظم السياسية الديمقراطية أي أن السلطة لا تكون "حكرا" على جهة معينة، سواءكانت هذه الفئة سياسية او ايديولوجية او أثنية أو فكرية . والمقصود نوع من التنظيم الاجتماعي، ويختلف عن غيره يتبلور بوجود المعارضة من خلال وجود أحزاب سياسية ومؤسسات المجتمع المدني والرأي العام وجماعات الضغط والمصالح والديمقراطية السياسية تفترض نموذجا معيناً من الثقافة السياسية وهي ثقافة المساهمة يكون فيها المواطن على مستوى عال من الوعي بالامور السياسية ويقوم بدور فعال فيها ومن ثم يؤثر في النظام السياسي بطرق مختلفة للمساهمة في الانتخابات والمظاهرات أو تقديم الاحتجاجات فضلا عن ممارسة نشاط سياسي من خلال عضوية في حزب سياسي او جماعة ضغط، ولاجل بيان وتحليل المعارضة وثقافتها وممارستها في النظام السياسي الديمقراطي كواحدة من القيم. وينطوي  المشهد السياسي  في العراق على مفارقات لافِتة للانتباه والذي يعمل به منذ عام 2003 ولحد الان هو تشكيل حسب القواعد الطائفية والقومية ولا علاقة لها بالمواطن وحقوقه،

وبهذا يفقد مجلس النواب قيمته الحقيقية في العمل الذي يشكل من أجله وثمة مؤشرات مُقنِعة على عدم وجود علاقات بينية منتظمة وذات آثار مُجدية؛ سواء في صيغة تكتُّل برلماني المؤقتة ودائمة، أو على صعيد التفكير في بلورة استراتيجية عمل جماعي فعالة ومؤثَّرة لها ولا دلائل على صمود التكتلات على هذا الأمر وفشل المبادرات السابقة التي جمعت تلك المكونات على موائد الحوار  وتحوّلت الى مشاحنات متزايدة بين هذه التشكيلات وعن إخفاقات في السلطة وكان الضحية هو المواطن الذي ينتظر الى المزيد من الانجازات التي توفر له نوع من الاستقرار المادي والمعنوي، اما ما يجري اليوم في الساجة السياسية العراقية يسمح بزرع المزيد من التفرقة في صفوف الكتل السياسية نفسها والمسيطرة على زمام الامور، ولا يعود بالفائدة على البلد ويبقى الإصلاح الموعود غائباً تماماً في ذهن المواطن .

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

 

 

في المثقف اليوم