آراء

قراصنة اليوم

قراصنة اليوم لا يختلفون عن قراصنة الأمس، لا من حيث الابتعاد عن القيم، ولا السلوك.

لا شك أن المثقف المراقب لأحداث العالم قد وصل ومنذ سنوات خلت الى استنتاج مفاده أن الغرب الذي يتلطى خلف عبارات طنانة، وبراقة مثل الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان.. ما شعاراته تلك سوى ستائر من كرتون مثقوبة، تختبئ وراءها زعامات العالم الغربي، وعندما تقوم أنت بطرح أسئلة جادة، وتضع هؤلاء الساسة على المحك تصل إلى نتيجة تفهم منها أن سياساتهم تعتمد مبدأ- الدكتاتورالذي يخدم أمريكا والغرب هو أفضل من قائد وطني لا يخدم الامبراطورية الأمريكية وحلفاءها.

لقد اعتاد ساسة الغرب على نمطين لقادة الدول الأجنبية: إما أن يكون عميلاً،إما أن يكون عدوا، ولا حلول وسط.

إنَّ ما أنتجه الفكر والإعلام الغربي خلال العقود الأخيرة من زمننا هذا. وأكثر ما كتبت حوله الأقلام - أقلام المفكرين، والصحفيين، ورجال الفكر في الغرب – مسألة الإرهاب -فالمكتبات الأمريكية، والأوروبية تعج بالكتب والدراسات، التي تتكلم عن الإرهاب والإرهابيين، إذ كتبت رسائل بحث، ودراسات خاصة عن الإرهاب، والمنظمات الإرهابية، ونشرت جداول بأسماء المنظمات الإرهابية، وكانت هذه الجداول تضم القاعدة، والفرق التكفيرية وغيرها وغيرها. ولكن خدمة للعدو الصهيوني ولأغراض غربية غير مخفية يُصر الغرب على وضع منظمات تحريرية لها برامج وطنية تحريرية من القوى الوطنية العربية في جداول الإرهاب، كلّ ذلك كي تتلاقى تلك المؤسسات الغربية مع ساسة العدو الاسرائيلي، بل لكي تخدمه.

وذهب فريق من الدول العظمى لشن حروب استباقية، لوقف موجات الإرهاب والإرهابيين (كما جاء على لسان زعماء تلك الدول)، ووُضِعَ كلّ من كان مسلما أو عربيا، بغض النظر عن موقفه من الإرهاب، وضِعَ في خانة الإتهام. لقد كان شغل الماكينة الإعلامية، أو ماكينة البربغندة الغربية صباحا ومساء - محاربة الإرهاب، وفي هذا الخضم برزت نزعة الإسلاموفوبيا، ذلك لخلط الأوراق، ولمعاداة الإسلام بدلا من معاداة الإرهاب . وفي نفس الوقت أبقت دول الغرب هامشا ليس بالقليل، بعيدا عن أعين المجتمع، لرعاية زعامات أكثر الفرق الإرهابية تطرفاً، رغم نفاق القيادات الغربية كلها عن محاربة الإرهاب، والإرهابيين، إذ رأيناها قد شجعتهم، وحمتهم، وقدمت لقادة ورجال قوى الإرهاب الدعم والمال، ومكان الإقامة المريح، والدافئ...

ها نحن اليوم نشاهد، ونرى، ونلمس، وخبرنا على جلودنا، و جلود أبناء وبنات شعبنا بشاعة الإرهاب الدموي، البربري، الذي يشابه نشاط الفندال في شمال أوروبا- ذلك النشاط الذي كان يستهدف البشر، والمنازل، والمزروعات، ويعتمد اساليب الغدر، والخطف، والقتل والتعذيب، وتدمير البيوت. وفي نفس الوقت نشاهد كيف أن زعماء وقادة الغرب يكيلون المديح والثناء لما تقوم به تلك العصابات الإرهابية متعددة الجنسيات، التي قدمت إلى سورية من أوروبا وأفريقيا وآسيا، وكان من أهدافها تدمير الاقتصاد السوري، ونشر الذعر، والخراب، والفوضى على التراب السوري، والأعظم من كل هذا وذاك - تدمير الدولة السورية، وعندما كانت تندفع الدول الغربية إلى مساندة، وتشجيع، ومباركة قوى الإرهاب، إنما كانت تشير الى حقيقة واحدة - لا يهم الغرب أيّ نظام لدينا، ولا أيّ حاكم يتزعم بلدنا، انما همّه الوحيد أن يقوم هذا الحاكم بخدمة مصالح الدوائر الغربية! وطالما أنّ زعزعة الامن، والاستقرار، وتخريب الاقتصاد، وتدمير السلم الأهلي، وإلغاء دور سورية كدولة اقليمية، طالما هذه الأهداف تتقاطع مع استراتيجية الغرب.. فهو مستعد أن ينسى كافة القيم التي تغنى بها، فهو من جهة يذرف دموع التماسيح على الشعب السوري، ومن جهة أخرى يصدر قرارات الحصار الاقتصادي، حتى وصل الأمر به الى قطع الطريق أمام بيع الأدوية، أو المواد التي يمكن أن تدخل في صناعة الأدوية في بلدنا. وها هو الغرب اليوم يسعى جاهدا لتبييض وتلميع سمعة القوى الظلامية التي قتلت وخربت ودمرت في ديارنا السورية من أمثال الجولاني وغيره.

تسعى إدارة البيت الأبيض اليوم بزعامة بايدن، تسعى جاهدة إلى ركوب حصان حقوق الإنسان، ومفهوم السيادة، والإستقلال، وحرمة حدود الدولة - ذات السيادة، ووحدة ترابها.. أي بعبارة أخرى الإنتقال نحو إستعمال سلاح القوة الناعمة. ولكن هل هكذا إدعاءات من قبل الغرب، وخصوصا من قبل البنتاغون والبيت الأبيض نابعة عن خلفيات قيمية، وفكرية، حقيقية، وسليمة، وصادقة؟ ومن سيغطي جرائم أمريكا على مدى التاريخ الحديث، على امتداد القارات: أوروبا، وآسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية؟ وهل نسي العالم النظام الكولونيالي الإستعماري؟

هذا بالنسبة للغرب ليس أمرا حديثا، نحن نذكر والقارئ معنا يذكر الغزوات الصليبية، أو غزوات الإفرنج إلى الشرق، التي كان هدفها الأساس هو اغتنام فرص الترزق، والنهب على حساب الشرق العربي، الذي كان احسن حالا من الغرب اقتصاديا، وعلميا، واجتماعيا، وصحيا.. ولكن لتغطية تلك الأغراض اخترعوا آنذاك ذرائع الدفاع عن مسيحيي الشرق ونجدة من هم بحاجة للنجدة، فسبقت تلك الغزوات حملات من قبل رجال الكنيسة والفلاسفة ورجال المجتمع الكبار.

واذا بقينا في حديثنا حول القيم، كلنا يذكر كيف أن الحسناء رايس ووزيرة الخارجية الاسرائيلية حسناء الموساد كيف عقدتا اجتماعا خاصا في العاصمة الأمريكية فور ايقاف الحرب القذرة التي قامت بها ماكينة الحرب الاسرائيلية ضد قطاع غزة المحاصر.

لم يكن الهدف من اللقاء - دراسة أفضل السبل لفك الحصار عن غزة، بل التعاون العسكري الدولي لتشديد الحصار في شمال سيناء، وأعالي البحار، وكانت حسناء واشنطن وحسناء الموساد قد عبّرتا عن أهمية القيم التي تجمع القيادتين: ألأمريكية والاسرائيلية. أجل إنها قيم قتل الأطفال في قانا وغزة، ومدرسة بحر البقر، وقيم تقتيل البشر بأعداد هائلة في هيروشيما، وناغازاكي، بفضل استعمال العسكرية الأمريكية لأبشع أنواع الاسلحة - وهي قنابل الدمار الشامل - أي ما نعرفه اليوم - السلاح النووي.انها قيم قتل الأطفال العرب على أعين أمهاتهم، وقتل الأمهات العربيات على أعين أطفالهن، قيم إعتقال أطفال فلسطين على أعين أمهاتهم.

قادة وموظفو الادارات الأمريكية المتعاقبة أغنوا مكتبة البيت الأبيض في أحاديثهم عن القيم، ترى ما تقوم به الادارة الأمريكية اليوم من نهب وسرقة للنفط السوري، مع العمل على محاربة المواطنين السوريين في لقمة عيشهم، وحرق محاصيلهم، مع تدمير الجسور والمدن والقرى السورية... ومعاقبة أي جهة تتعامل إقتصاديا مع سورية..... هل هذا يا ترى ينطبق مع الكلام عن القيم الغربية؟

التزام بريطانيا أو الأصح إلتزام حكام بريطانيا في القيم أمر مشكوك فيه، وفي التاريخ أمثلة كافية لاثبات ذلك. نذكر فقط على سبيل المثال وليس الحصر تعاون صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا العظمى مع تجار العبيد والقراصنة لنهب الخزينة الإسبانية والسطو على السفن الإسبانية العائدة من سواحل أمريكا.

كيف أصبح فرانسيس دريك قرصاناً لصاحبة الجلالة؟

ولد فرانسيس دريك سنة 1540 في ديفونشاير بانكلترا، بأسرة فلاح بريطاني، أصبح والده فيما بعد رجل دين، كبر فرانسيس، وشغف بالبحر والبحّارة، وسرعان ما أصبح بحّارا ماهرا

خدم على ظهر إحدى السفن، التي كانت تابعة للمهربين، ثم خدم على ظهر سفينة أخرى تقوم بنقل العبيد من سواحل أفريقيا المطلة على الأطلسي، ثم مالبث أن شارك في رحلة استطلاع إلى الكاريبي، وخليج المكسيك. انشغاله وولعه بالقرصنة، وجمع المال عن طريق العنف والسطو جعله يميل الى اكتشاف القارة الجديدة الواعدة بالمال وخزائن الذهب.

ما بين 1570 – 1571 أبحر دريك الى سواحل الكاريبي على ظهر سفينة صغيرة وقام هناك بدراسة جيدة لمعالم تلك السواحل.

وخلال تنقله هناك من موقع الى آخر استطاع أن يبني صداقات مع العبيد الهاربين من أسيادهم الإسبان. لقد حصل دريك من هؤلاء العبيد على معلومات هامة وقيمة عن السفن التي تنقل الذهب والفضة من المستعمرات الإسبانية الى إسبانيا.

عاد دريك إلى بريطانيا وقد عزم على مهاجمة تلك السفن الإسبانية، والسطو على ما تحمله من أموال وثمائن. في بريطانيا قام البيت التجاري لعائلة هوكينز وشركاؤه بتوفير كل ما يلزم لإعداد البعثة الجديدة لدريك، وبالطبع بموافقة صامتة من قبل الملكة ايليزابيث الأولى.

أبحر دريك بحملته المؤلفة من 73 بحارا في ربيع 1572 وخلال مدة لا تتجاوز 25 يوما وصل الى سواحل الكاريبي. قام بمحاولته الأولى في مهاجمة احدى المدن الاسبانية (حاليا هي مدينة داخل حدود نيكاراغوا) إلا أن محاولته هذه كانت فاشلة، ولكن دريك صبر وأعاد المحاولة في السطو على ما ينقله العبيد على الحمير والبغال، مما يراد شحنه الى إسبانيا، وكان الحظ في هذه المرة الى جانبه، حيث وقعت بيده أكياس مليئة بالفضة والذهب وسرعان ما نقلها مع رجاله الى السفن التابعة لبعثته.

استقبلت بريطانيا دريك استقبال الفاتحين والأبطال. وفي الوقت الذي طالب فيليب الثاني ملك إسبانيا بمعاقبة القراصنة والمجرمين، طلبت الملكة إيليزابيث الأولى حضور دريك الى القصر، وفي هذه المرة طلبت صاحبة الجلالة شخصيا من دريك أن يبدأ بالتحضير لمغامرة جديدة الى القارة المجهولة لجلب الذهب والغنائم لقصرها. هكذا اذن الغاية تبرر الواسطة.(1)

ليس صعبا على القارئ اليوم القيام بالمقارنة: ملكة بريطانيا تبارك السطو والقرصنة، وتنوي المشاركة في عمليات السطو، بينما البيت الأبيض يشارك، ويبارك سرقة النفط السوري، ويبارك عمليات حرق محاصيل الفلاحين السوريين، ويسن القوانين والمراسيم بغرض محاصرتهم وتجويعهم...!!!!!

هذه هي الدوائر الغربية الاستعمارية تختبئ وراء الصورة، وخلف البيان، وإصدار الجداول، وبذات الوقت تقوم بفعل الموبقات. أليس ما قد قامت به ولا زالت تقوم به المجموعات الارهابية المسلحة الخارجة عن القانون والشرعية أبشع وأكثر قذارة من السطو على السفن والقرصنة! أليس قتل الأطفال والنساء، وذبح الناس كالماشية، وتصوير الضحايا للمتاجرة بدمهم على شاشات الضخ التابعة لقطر وغيرها من الجهات، أليس هذا عملا بربريا وقذرا؟ لماذا تلقى مثل هذه الأعمال الموافقة، والمباركة، وتقابل بالتشجيع، والتغطية الإعلامية، والسياسية من قبل الساسة والإعلاميين في الغرب؟؟

هذ السؤال نوجهه إلى رجال الفكر، والإعلام في الغرب.

***

بقلم اسماعيل مكارم

..........................

المصادر: الموسوعة الألمانية للناشئين -

1)      ПИРАТЫ. Вольфганг Тарновский. Перевод с немецкого языка.

Издательство слово/Slovo.1993.− С. 29-31.

 

في المثقف اليوم