آراء

الغرب ينهار.. والعرب في محطة الإنتظار

"الحضارة التي تثبت عدم قدرتها على حل المشاكل التي تنشأ عن عملها هي حضارة منحلة". فيلسوف السياسة: إيمي Aimé Césaire إيمي سيزير / من كتابه "خطاب حول الاستعمار"

من عجيب العجيب اليوم، وكأن التاريخ الأوروبي يعيد نفسه اليوم على أرضه! ومن غريب الغريب أن العالم"المتخلف"، سيعاني من جديد من الحروب الجديدة القذرة ل" العالم المتحضر"! وهي ككل الحروب الأوروبية في تاريخها الطويل- غيرشرعية في أسبابها، ولا عقلانية في إيجادها، وغير إنسانية في أهدافها، بل كانت عدمية وعبثية من ألفها إلى يائها!

و من العجب العُجاب، أن كلتي الحربين العالميتين أشعلتاها نفس العقول السياسية المقزمة والمتعفنة التي قادت العالم لما بعد الحرب الكبرى الثانية وهي نفسها التي تُسيِّر أوروبا اليوم!

و لسوء حظ البشرية اليوم، أن نفس" الدولة العميقة الغربية" القديمة – التي لا يُذكر إسمها ولا يتجرؤ مؤرخ غربي قديرأو إعلامي نحرير- على مجرد التلفظ بإسمها- أنها تفتقد اليوم حربًا جديدة، ولكنها جيدة، أي حربا حقيقية أخيرة! فنجد نفس محركي وممولي الحربين الهمجيتين السابقتين هم نفسهم اليوم! مع تعديل في الأسماء وتغيير في سرد الخطاب، وطقوس القداس! بينما الأنبياء لم يتغيروا!والرسالة هي ذات الرسالة! ونوتة الأغنية الخالدة للكوميديا الدانتية هِي ذاتها: الدفاع عن"الحرية" و"الديموقراطية"! و"القيم الإنسانية الغربية العليا"! في حين أن الخراف الأوروبية ما تزال تستمرئ اليوم -مازوشيا- أن تقاد طوعا إلى الذبح المقدس في مجزرات الحروب المقدسة!

- مشاكل كبيرة للمهاجرين الروس أو الذين غادروا روسيا إلى الأبد-كمعارضين- وجاؤوا إلى أوروبا " الأكثر حرية وهدوءا ورخاء" ففوجؤوا بحملات عنصرية لطردهم تشنها الحكومات الأوروبية وكأنهم أمشاج قبائل الأدغال الإفريقية!

- اليوم، لا تطير الطائرات الروسية إلى أوروبا، ولا تطير الطائرات الأوروبية إلى روسيا، ولا داعي للحديث عن السياحة!

-ومن ناحية أخرى، فإن أوروبا القديمة النظيفة والهادئة والمزدهرة والغذائية لم تعد موجودة!ولن تكون كذلك غدا! لذلك فإن الروس المهاجرين إلى أوروبا، ببساطة، ليس لديهم مكان يعودون إليه. سوى التنقل مثل الغجر من مكان إلى مكان تحت الخوف من السحل أو الإعتقالات في السجون، بعد أن تم إغلاق حساباتهم ومصادرة ممتلكاتهم، وفقدوا كل إستثماراتهم العقارية

- في حين أن أوروبا اليوم، ملئت بحشود من الأفارقة والأتراك والأسيويين والعرب المتسكعين في الشوارع الأوروبية لا يعرف أحد كيف حصلوا على الجوازات وتأشيرات الدخول، سوى سماسرة الهجرة الغير الشرعية المتعاقدين مع منظمة جورج سوروس! بحيث يحتلون أحياء كاملة استولوا حاليا على مدن لا كهرباء فيها، بتحريض من أفراد جماعات L'Open Society منظمةجورج سوروس Foundations المدعمة من الجناح الأوروبي المسلح لجماعة Blackwater-ذات الأصل الأمريكي- التي كلاهما تخضعان لأجندة واحدة تستهدف تخريب أوروبا، وإشعال فتيل الحروب الأهلية الإثنية والدينية فيها إنجازا لأطروحات عالم ما بعد الحرب الباردة: المنظرة لـ (" نهاية التاريخ، صدام الحضاراتـ والفوضى العالمية الجديدة ) الهادفة إلى تحيين " حكومة العالم الجديدة" وعاصمتها " القدس الشريف" أو أرشاليم"... والباقي مجرد ثرثرات غير مجدية!

ـكل هذا يحدث اليوم في أوروبا: (الحضارية الإنسانية حتى النخاع! التنويرية الأنوارية، والديموقراطية حتى الثمالة) على مرمى ومسمع من الحكومات الأوروبية" العولمية"التي تصمت على تجاوزات المهاجرين الغير الشرعيين ضد السكان الأصليين في معظم فجاج أوروبا، وإفقار مفاجئ لجميع الأوروبيين!ونشر الرعب بين المواطنين!

-الطب الحكومي في أوروبا أصبح مسخرة، لأنه غير فعال عمليًا كشفت عنها مهزلة الكوفيد، التي أسفرت عن عورات العجز الأوروبي الطبي ـ وهاهي حرب أوكرانيا قزمت أوروبا العجوز إلى حجمها الطبيعي، لتصبح أضحوكة العالم في الطب الإستشفائي، فأضحت أوروبا في المجال العلمي أكثر تخلفا من الدول الأكثر فقرا في أرباض إفريقيا!

- قذارة في شوارع باريس ولندن وبرلين! ولا يمكن للخدمات العامة التعامل مع تنظيف الشوارع، تلك التي تم قطعها بعناية من أجل الحطب في Tiergarten ومتنزهات برلين الأخرى من قبل الألمان!

- انقطاع التيار الكهربائي لعدة ساعات في اليوم في مدن أوروبية وخاصة في فرنسا وإيطاليا وإنجلتراأصبح عاديا!

- فواتير الكهرباء العالية وصلت مثلا في فرنسا وإيطاليا، وألمانيا وكذا في باقي دول أوروبا إلى حوالي 300%!.

- مظاهرات شبه يومية يقوم بها الأوروبيون في بلدان مختلفة من أوروبا تحت شعار واحد عمليًا - "أعيدوا لنا حياتنا القديمة". لكن هذه الحياة القديمة لن تعود أبدًا إلى أوروبا ولو في الخيال!

وبكل إيجاز وإختصار، فكل ما يخيم على أوروبا اليوم هو فقط ظلام الخوف! ظِلال القبر!ظلام الأنفاق!التعتيم المرعب!ظلام نهاية العالم، ولا تسمع في المقاهي، والأركان المنزوية، سوى تأوهات الإنين والحنين إلى الزمن الجميل الذي لن يعود! ولن تسمع سوى ترداد أصداء حشرجات أليمة تعبث بعقلك لتنبهك: "هنا تنتهي الرحلة"!فقد ماتت المنقبات الأوروبية التي إستهبلت البشرية لقرون!

والأسوأ من ذلك، ترى قادة الغرب فخورون بالضحك علي مواطنيهم وبالتغريربهم!يتبعهم في ذلك المنحى، تلك النخب الحاكمة والمثقفة لرهوط"الأغبياء المفيدين"في العوالم الثالثية المتضررة!المصممون على الإستمرار في قذف شعوبهم بالهراء بشكل دائم ولا رجعة فيه!!

-"الإمبراطورية" المنساقة لهسترات رعونتها المرضية التاريخية (المعتقدة بتفوقية إستثتاءاتها الحصرية على"أرض الميعاد")، وبسبب غبائها السياسي (الجيو-ستراتيجي) ولشجعها (البروتيستانتي -اليهودي) تظل مصرة على السيطرة على العالم، بقيادة الخرف الناعم، جو بايدن، (المُقاد من ذي الأصل الكيني أوباما، سمسارسادة البيت الأبيض الحقيقيين) تحت تأثيرهلوسة الإستمرار في السيطرة على ما لا يمكن السيطرة عليه في العالم.!

- الإمبراطورية في إفراطها المجنون، تريد إسكات روسيا والصين، ومحاصرتهما، وترهيبهما على هدي هذاءات ترامب في بناء "صور أمريكا العظيم" لعزل المكسيك، ولكن بايدن يحلم بعزل أوربا (العجوز) – حوالي نصف البشرية -التي تمثلها المجموعة الأوروبية الراضية والفخورة بمكانتها كمحمية أمريكية، منذ إمضاء مشروع "أوروبا الموحدة "لما بعد حرب 45 ل Jean Monnet:جون موني العميل الأمريكي والصانع للقوة الموحدة الأوروبية والأب الروحي ل" للإتحاد الأوروبي"!

- أوروبا العجوز -كما وصفها الجنرال مانسفيلد مدمرالعراق في حرب الخليج الثانية-، تبذل قصارى جهدها لتصبح مستعمرة أمريكية في أقرب وقت ممكن.!بمعنى:أن"أوروبا مجموعة بروكسيل"التي صوتت في عام 2008 على" أورشاليم "عاصمة أوروبا ".والتزمت بالتعهد للكيان الصهيوني بالمعونات الاقتصادية واللوجيستية الأمنية ضد "الإرهابيين الفلسطينين"! هي حاليا مجرد كومبارس في حفلة تنكرية بتل أبيب!

وبلغة الواقعية السياسية: باي، باي، لكل بالزاكيات تمسرحات "السلم الكاذب والمستحيل" في الأراضي المحتلة الفلسطينية! وستبقىغزة "الملعب المفضل"لهوات الصهاينة في حفلات"صيد الغزيين" متى أرادوا! ولاعاصم للغزيين والمقدسيين سوى رحمة رب العالمين!

وماذا عن العرب وبقية العالم ؟- ثلاثة أضعاف لا شيء! حيث أن هَمّ البقية الثالثية المستضعفة في الأرض-بما فيهم العرب -هو حماية أنفسهم بأفضل ما يمكنهم بزعامة أنظمة سياسية مهترئة تابعة للغرب ولايوثق بها.فيقتصرهدفها الأساسي على تجنب أن تكون جزءًا من أوكرانيا! أوعلى مرمى بصر زعيمها الفاشي لكي لا يبتزها، وبعيدة عن أطماع "اليانكي"- إن أمكن ذلك- لترضي هذه المرتعبة فقط بالقبول أن تظل دولا محطمة ومتسولة، وبلدان مختبرات لتجارب أطرياء وطريات Start-up الغربيين الجدد، وقِبلة لمشاريع مشاهيررجال الأعمال الأمريكين من الأصدقاء المقربين للساسة الخليجيين: Mark Zuckerberg وJeff Bezos, وElon Musk وBill Gates! ولكي تبقى كل أراضي الثالثيين أماكن نفايات لمصانع الشمال المنهار إقتصاديا!ومزبلات لفائض المنتوجات الإستهلاكية الغير المرغوب فيها في بلاد"الإمبراطورية" ومصاصيها من دول الأتباع!

- بعض الخبراء السياسيين في فرنسا يتساءلون عن جدوى وعد ولي العهد السعودي لمساعدة الأوكرانيين بحوالي 800 مليون دولار؟ فماذا عن عدم التبرع للغزيين؟فهل الأكرانيون (الذين تتهاطل عليهم الهبات والمساعدات المالية واللوجيستية مذرارا من العالم الغربي بما فيهم الكائن العبرى) أحوج إلى "النفقة"و"الصدقة" و"الزكاة" والمساعدة من الغزيين ؟حسب التأويل القرآني لفقه الحنبلي المنتج للسلفويات التكفيرية!أم أن الإجابة في مكان آخر؟

- أوروبا العجوز: وليدة أثينا الخالدة وروما التليدة وأورشاليم المقدسة) والأم الرؤوم التي صنعت ثروات إبنتيها المدللتين أمريكا وإسرائيل منذ ما بعد 45 وما بعد 48! قد إنتهى دورها، ولن تستطيع اليوم أن تنفع نفسها ولا غيرها "لا في العير ولا في النفير"حيث اقتصر دورها فقط على أن تلد "إبنتها الصغرى "إسرائيل عبروعد بلفورعام 1912 وإتفاقية سايكس بيكوعام 48، وإنعاش إبنتها الأولي-أمريكا- في الحربين الكبريين اللتان مولهتما أبناك روتشيلد! (فلا تسألوا لماذا طرد بوتين منذ 10 سنوات عائلة روتشيلد من روسيا)!

- إبان الحربين الكبريين، لم يكن هناك شيء واضح في أذهان النعاج الأوروبية!بل كان هناك فقط أغبياء"وطنيون"تم "فبركة "عقولهم عبر"الأقليات اليهودية التنويرية"-الذين أحسن وصفهم بالزاك في"الكوميديا الإنسانية"! فتم تهييجهم فقط ليتوقون إلى القضاء على"العدو"الذي حدده كبار لوبيات الصناعيين الحربيين، ورأس المال الكبير، وعهارماكينة الإعلام التي يملكها هؤلاء، و"البنوك الخزرية"القوية التي مولت الحرب على الجانبين ..!

واليوم وفي هذه"الحرب الكبرى"الدائرة على الأرض الأوكرانية، هل سمعتم عن أي زعيم أوروبي يقترح أن يتوقف هذا الفجور ؟وأن يجلس الأوروبيون في مكان ما للتفاوض مع بوتين على السلام الذي نتوق إليه نحن المستهبلون؟ كلا!! بل ومن المستحيل! لأن الإمبراطورية لا تريد ذلك!ولأن الحاجة الملحة هي إرسال المزيد من الأسلحة والمال والمتطوعين بما فيهم نقل "المجاهدين السلفويين"من سوريا وتركيا وبلدان عربية آخرى إلى أوكرانيا لمواجهة أشاوسة الشيشانيين الموالين لبوتين الذين يحصدون رؤوس جنود الأكرانيين المسترشدين بدمية فاشية، الساعين إلى هزيمة "الدكتاتور" بوتين!

الكل يعلم مدى تمتع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بامتياز و"حصرية الأنظمة الديمقراطية"!كما نعلم أن هتلروصل إلى السلطة بفضل التصويت الشعبي الديموقراطي مثل نظيره الإيطالي موسوليني، أوالمصرفي الذي يعمل كرئيس لمجلس الوزراء البولندي .!أما اليوم فإن حفنة من النازيين الجدد الذين لا يراهم الاتحاد الأوروبي، أو لا يريد رؤيتهم لا يرغبون في السلام مفضلين سياسة الأرض المحروقة على التفاوض من أجل السلام!. وفي خضم هذه المهازل الغربية والفوضى السياسية، أصبح هم أوروبا فقط إنقاذ ماء الوجه!ولو إقتضى الأمر-من أجل القضاء على بوتين، -إفقارملايين المواطنين الأوربيين، وحرمانهم من تدفئة بيوتهم، والدفع بهم إلى الإنتحارات الجماعية، وإلى المزيد من المتصعلكين والمتشردين المهلوسين والمحششين الأوروبيين من كل الأعمار!

كل شاطر يعرف قانون العرض والطلب الشهير! حيث يؤدي توليد النقص إلى زيادة الأسعار! واليوم هناك أناس يجنون ثروات هائلة من من هذه الأزمة في أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، ومن حيث التضخم الآخذ في الارتفاع بشكل غير مسبوق! (والكل يعرف من هم!!) حيث أصبح الإتجار في الرقيق الأبيض وتصدير طريات حسناوات الأوكرانيات إلى " دول معلومة" من حسن الفطن لكسب المال بسرعة.

ولكي لا نتجنى بالأقوال على الزعماء الأوروبين "الطيبين" المخلصين لشعوبهم، فهم ليسوا أغبياء، كما أنهم ليسواعاجزين أيضًا، بل هم قادة" نزيهون" و"عمليون"و"واقعيون"!يقومون فقط بالعمل المنوط بهم من" مستخدميهم"! وفي ذلك يتنافس كل الساسة الأوربيين إلى يوم معلوم! ألا وهو مسح روسيا بوتين من الخارطة الأوروبية بالنووي! ثم فليأتي الطوفان!

***

د. الطيب بيتي

في المثقف اليوم